الحقيقة واحدة

بقلم/الأب سيمون عسَّاف

 

خمسة عشر عاماً لعب الكفر في أرضنا حتى ارتمى ونعب الإجرام في عرضنا حتى العمى! تلفيق ملفات، اغتصاب كرامات، ارتكاب كبائر، اقتراف جوائر، وذرّ غبائر والسلسلة تطول وما من يفصح عن جنحة اقتُرِفت أو من يتشجع أن يفتح فاه، وحدها الضحايا البريئة دفعت الفدية ليبقى لبنان.

هناك ضحايا أحياء أيضاً إلى جانب من فارق وانقهر وغادر وانغدر وقُتل وافتقر وهاجر وتهجَّر.

 

من يعوِّض على المظلومين والمغتالين في وطن أقل ما نقول فيه حتى الآن بؤر فساد وفسق وفحش ووحشية؟

من يدافع عن الضعفاء عندنا ويمسح ضباب الأسى عن بيوت لم يرجع مفقودوها من رحلة التعذيب والخطف والزنزانات والمدافن؟

أية دولة بعد انسحاب الجيوش المحتلة قامت بتصحيح المسار ناصبة ميازين العدل لإرجاع الحقوق إلى أصحابها؟

 

إن النعوش في أرماسها تستصرخ المسؤولين للإنصاف.

إلى الساعة لم يتغير شيء في بلادي، لم يتمكن صاحب حق من المطالبة بفقيد له غاب وبيت له دُمِّر ورزق خرب وشاب ترك الحمى وهاجر إلى الأصقاع البعيدة كُرْهاً وخوفاً ويأساً وقرَفاً.

 

ونتساءل مَن يحاكم مَنْ ولماذا كانت الحرب وفي سبيل أية قضية كان الاقتتال وكيف نسترد الساقطين شهداء؟

وما هو الطرح الذي من أجله بسط الموت جناحيه تحت سديمنا ونشر الويل هوله فوق أديمنا؟ أستعيد تلك السنين القاسية والمجازر المخجلة والحرائق الآكلة فتنتابني الحسرات وتخبطني الخيبات.

 

أبالمستطاع استرجاع ما ضاع؟

إن صُوَرَ تلك الحقبات لا تزال تخطر على البال بألوانها القاتمة السوداء، ولا نزال نسمع هبهبةً وعويلاً من هنا وهناك وهنالك لكي يتنحّى فلان دون أن يتولَّى فلان.

هل من هذه الغوغائية بعد أوقح ومن هذه السطحية أسخف ومن الخلاعية أفجر؟

لا عيب لا ريب لا توقير ولا احترام.

 

هل من يمثِّلون إنسان لبنان هم فعلاً على هذا المستوى المدقع من الأخلاق والأدب؟

في اعتقادي نحن في فاقة ثقافية على صعيد التمثيل السياسي كما على كل صعيد.

قبل تهديم السقف يجب إعداد المواد الأصلية للترميم والإصلاح والإعمار.

 

لِذا نأسف لأننا رغم بلايانا بأشرس التجاريب وأقساها لم ولن نستفيد ونتبهور.

 

رحمة الله على المَعرِّي القائل:

 في اللاذقية ضجَّةٌ               مـا بين أحمد والمسيح

هذا بناقوسٍ يدق             وذاك بمإذنةٍ يصيــــح

 كلٌّ ينادي بدينه             يا ليت شعري ما الصحيح!

 

أي لبنان سينهض ويتقدم ويزدهر ويتعمَّر وينتعش والذهنيات المحجَّرة التي باشرت بالحرب هي ذاتها تتزعّم اليوم لتتسلَّم باسم طوائفها مقاليد القيادة وزمام الحكم وأعنّة الدولة؟

 

يا تعس أجيالنا الوارثة هذه الضربات التي لا تقل عن ضربات موسى لفرعون. إن العُجَّز في التفكير يذكروننا بالشونامية وداود الملك الطالب صبية في الرابعة عشر ربيعاً تجلس في حضنه لتدفيء شيخوخته الهرمة وهو على وشك الرحيل بين  ضفاف الحياتين.

 

يلزم لبنان نفضاً كلِّيا من الأساس وتطهيراً نارياً يقيمه من رماده ليكسب حياة أفضل وديمومة أكمل، واستبعاد ذوي الأرائك المتفلسفة المُفَلَّسة وهي قبورٌ مُكلَّسة، بألسنة انتماءاتها. أجل يجب التعالي عن جراثيم الأحداث للإمكان من إعلاء شأن المجتمع المتداعي بجملته وتفصيله!

 

إننا على أعتاب انتخاب رئيس جمهورية جديد، أمرٌ حسن، ولكن هل يُنتخب صاحب الكفاءة أم ينصب مستزلم ووصولي بائس؟

ليس من ثقة بالعديد من النواب والزعماء عند أغلبية الناس بسبب الأخطاء والخطايا كما التناحر الحاصل بالأمس وقد طواه حاضرنا على مرض مُمِضّ.

بربكم أخبروني كيف وعلى ماذا  ترتكز الشخصيات المنكورة حتى تعفي عمَّا مضى فيذهب دم القتلى والمستضعفين سُدىً؟

إذا كانوا هم نسوا ألا يذكر الأهلون مآسيهم أم تراهم يهيمون فيختلط الحابل بالنابل؟

 

من الصواب بمكان محاسبة الآثمين ليتعلَّموا وتطبيع المخيلة بتعابير تتقِّي الله وتحسن عل مبرَّاته. ليس هذا انتقام ولكن حقٌّ وعدل وإنصاف.

كفى استنزاف المقدرات من فئة على حساب فئة وليس من حسيب ولا رقيب.

 

هذا ولا يجهل المواطن ما يدور في أروقة اللصوص المستفيدين من مآسي الناس وأوجاعهم، إلا أننا ورغم كل السواد نحن شعب يعيش الإيمان الحق على أمل الرجاء ومن هنا ننتظر أن يصل الرجل القوي المقتدر إلى موقع الرئاسة ليضبط الفلتان المستشري والفوضى المستفحلة بشكل لا يرضاه عقل ولا يقبله منطق. وعسانا في الأيام المقبلة ننجح بإيصال أحد الأكفَّاء إلى سدة الرئاسة وضمير لبنان يقول. آن لي أن أستريح بعد أشواط الاستغلال والسرقة وهدر حقوق أبناء لبنان.

على هذا الأمل يعتصم كل اللبنانيون بالصبر راجين مستقبل الانفراج والاطمئنان والارتياح ليتعلق ابن الوطن بهويته وتراثه وانتمائه وتاريخه وعاداته وتقاليده ويترسخ في تراب الجدود كما جذور السنديان.

 

2/12/2005