في بلادي قاصرون
الأب سيمون عساف

أليس من العيب والعار بعدما دمَّرتنا المذاهب والأديان، أن نعود إلى الوراء وكأننا لم تبلونا التجاريب؟. ورغم عسير الامتحانات يتبارى  حتى الآن سياسيونا اللبنانيون في التقية والنفاق والكذب والزندقة.

لا ليسوا بحاجة إلى علماء نفس للكشف عن الباطن المغلَّف بظاهرٍ مطلوس بالبرق والنار مملوس بالجير والقار.

لو كانوا مع ذواتهم صادقين ونفوسَهم مُصارحين ومع أخلاقهم بعد طلاق متصالحين، لرفضوا الأساليب التي عليها يعرِّجون والسلوك الذي ينتهجون.

هناك فئة تتعصَّب "للطائف" الساقط المصنوع من غير اللبنانيين وهناك فئة تتبرَّم من هذا الطرح المعاق الذي يُعتبر ورقة نعي لأنه يُحكِّم ثلاثة رؤوس ببلد، وهذا من أشنع ما يكون في الحُكم وأبشع ما يمارس في دولة تدعي الديمقراطية والثقافة والرقي. بربكم في أية دولة من دول العالم نجد مثل نظامنا المربك المحكوم بالمثلَّث العشائري كما لو كان لكل قبيلة شيخها. ليس لنا في لبنان نظام عربي يخضع للقمع والديكتاتورية.  لذلك يجب إعادة النظر بشكل حضاري في قضايانا بإزالة العُقد والخوف والترجرج والمظنونات، وصياغة الألبسة اللائقة بقياسنا الغير منسوجة أو مفروضة من حياكة الخارج ببساطة كلِّية.

لماذا ينادي البعض" باتفاق الطائف" وكأنهم في حالة قلق وذعر وفزع؟ أليس لأنه غير صالح وغير مستوفي شروط الحُكم للدولة المعاصرة والمتطلِّعة إلى مستقبل أبنائها المشبوه ولأنه لا يرضي الأغلب من اللبنانيين؟ والله  ليس بمقدور أحد أن بأخذ الوطن معه إلى غربة أو يسجنه في بيته أو يستأثر به في مطرح ما بل بالعكس لبنان باقٍ مكانه ونحن الزائلون. ماذا يعني هذا التناتش إذاً وهذه القَوْدَمَة؟ يبدو أن الامتعاض هو نتيجة عدم رضى، ولكن لا تُحل الإشكالات بهذا الشكل المُبَيَّت المريب. نحن على عتبة خيارات وطنية واستحقاقات لا لزوم للمهاترة بها فنتوه في متاهات ونخسر الرهانات. أنادي قيادات جميع الشرائح في الوطن كي يعوا خطورة التحدِّي والمرحلة في آن. لا يقبعن في أقبية الغباء إلا أخوان أبناء الكهف لأنهم اعتادوا على العتمات، أما حان لنا الخروج إلى مشارف الضوء والإشعاع؟

 لن يكون الانسحاب السوري هدية على طبق وكل اللبنانيين يعرف تماما كم تأثر شعبنا بالهيمنة والاحتلال. على ما أعتقد أن الأرض والجو يحملان آثار الأوجاع والعويل من جرَّاء وجود الغرباء في معقل الأحرار. والشكران للعناية التي بمشيئتها القادرة فرضت الجلاء عن ترابنا الأقدس. ثم من يجهل الانتخابات التي هي مفصل تاريخي ترد العافية إلى رئتي البلد ومعها تسود مناخات الحرية ويعود احترام الكرامات والحقوق والواجبات أيضا. من تراه يفقد ذاكرة الماضي المُثقل بالمآسي والأهوال ومن لم يقرأ الويلات التي مرَّت بنا؟

هل من أحد يشتاق إلى تلك الأشباح اللعينة التي أكلت لحمنا لإشباع جوع وشربت دمنا لإرواء ظمأ؟ ماذا عسانا ننتظر إذا ولماذا نرتكب المهاترات؟ إذا كان اللبنانيون يريدون فعلا عمار الوطن وإعلاء شأنه وازدياد تطوره ونمو اقتصاده وازدهار عمرانه، عليهم بنبذ الطائفية الضيقة والانطلاق إلى آفاق العالم الواسع لمواكبة تقدم الشعوب وتألقها. كفانا اعتزال الانفتاح واختزال الشخصيات وإطلاق النظريات التي لا تتطابق مع الواقع.

عندنا الطاقات الكافية والقدرات الوافية للبنيان. حرام أن نصدِّر بنينا إلى العالم ليغْنُوه ونستمر في فقرنا المدقع.

كفانا التذاكي على بعضنا واللعب على الألفاظ والتعلق بالقشور طارحين الجوهر مداس أقدام العابرين. أناشد كل ضمير في أمتي لكي يصحو وينجز ما هو صالح ومُصلح لا إلى ما هو طالح ومخرِّب.

آمل أن تسمع السماوات نهيد شهداء لبنان وتُلئِم الشمل وتقطب الجراح وتجمع العائلة اللبنانية في بيتها المزنَّر بالعز والمجد والقيم والشيم.

هذا دعائي إلى الرب لزرع إلفة ونبذ خلفة وهذا ندائي إلى الإنسان في لبنان  للتقارب والتفاهم والحوار علَّ الساكن فوق في الملأ الأعلى يكون السميع المُجيب وما على الرسول إلا البلاغ والله خير العارفين.

يبقى أننا نستحي ونحن نرى قباحات سياسيين ورسميين تُبَث على شاشات التلفزة اللبنانية والعربية وهم قوم لفظهم الناس ورذلهم الوطن. نستحي من مستوى هؤلاء المتدنٍّي وهو يلامس عمق الجهالات.

مونتريال 11 نيسان 2005