لن نشتكي ؟

الأب/ سيمون عسَّاف

قال أهل بعث الشام أنهم دخلوا لبنان للأمن فزرعوا الحرب والنار والشقاق، دخلوا للردع فأحدثوا الفسق والفوضى والفساد، دخلوا من أجل تطبيق "اتفاق الطائف"، فنهبوا وأثاروا النعرات في الطوائف. والآن ما هو مبرّر وجودهم إذ لا حرب عندنا ولا خلاف ولا اعتداءات، فلماذا يُبقي الأسد جيشه البعثي في لبنان؟ أليس للبنان جيشا أشرف وأنبل وأشرس وأقوى وأبطش من كل جيوش المنطقة لو كان المجال مجال تحديات ومُزايدات وعرض عضلات؟

إذن لمَ لا يسحب النظام السوري جيشه المتكمِّش بأضلع لبنان كأسد ماسك فريسة؟ ولماذا لا يفك أسر المئات من شبابنا ورهباننا والقادة الذين يعتقلهم اعتباطياً في سجونه النتنة منذ سنين دون الاعتراف حتى بوجودهم؟ ترى هل يعتقد أن ظلمه هذا سيمر دون حساب وعقاب  وصرير أسنان؟ أم أنه أغفل القول الكريم: " إن الله يُمهل ولا يُهمل"؟

لماذا يماطل ويراوغ الأسد الإبن؟ فهل عمى البصيرة يحول دون فهمه مفاعيل القرار الدولي والإقليمي المتجسد بقرار مجلس الأمن 1559 القاضي إنهاء التوكيل الذي كان أعطي لوالده حكم لبنان؟

ليس من شك في أن نظام البعث الشامي سيكون الهدف التالي في حال استمر الأسد على عناده والتمسك بأوهام وأحلام يقظة. إن إسقاط النظام القرداحي سهل جداً على القوى التي أوجدته ورعته وأمنت له مقومات البقاء طوال 30 سنة،  وهي قوى حتى أطفال الشام يعرفون هويتها.

نحن في لبنان لا نريد إلا جيشنا الذي هو أولى بحماية وطنه من جيش جارة طامعة. 

هل يرضى الأسد بجيشٍ لبنانيٍّ في سوريا يفتعل بأرضه ومقدراته والمقدسات مثلما فعل جيشه عندنا؟

لماذا ما هو ممنوع عنده علينا مسموح له عندنا؟ أُذيع القرار بخروج جيشه والانسحاب كلياً إلى سوريا، فلماذا يكسب وقتاً ضائعاً طالما النتيجة واحدة أي يجب أن يُستعاد ما للبنان من جيش وسيادة وحرية واستقلال وما لسوريا يُسترد مع الشكران بشكل مُحَتَّم. فعلامَ يربك الدنيا هذا الأسد ولفيفه نابذين غير مُريدين الاستقرار للبنان؟ ولماذا يقيمون هنا ويحطون هناك ويحرضون هنالك، تحركهم غرائز مشبوهة لا تصل بهم من بوَّابة الرغبة إلى مطرح.

نجنا اللهم من باطنية إخوان الصفاء وزندقة الدهريين وثعلبة أهل السفسطه.

إلى أين يسير هؤلاء الحكَّام المساكين بقطعان البشر التي يرعون؟

لماذا رخيص إلي هذا الحد الإنسان في الشرق حتى يباع ويُشرى ويُقتل ويُسجن ويُعذب ويُذَل ويبيت رماداً في مهب الأرياح متطايرا؟ من جوَّز للمسؤولين في بلداننا استعباد الناس وجَلدِهم وسَوْقِهم إلي مسالخ العبوديات والزنزانات والدم والموت؟ كان لبنان جنَّة الشرق وصورته الأخَّاذة الفاتنة العالم، بدخول سوريا البعث تحوَّل على مثالها مزرعة كريهة الروح والرائحة وزريبة تجفل من أخبارها الخنانيص، فما حال مدنية التطور والرقي.

ولكن رغم الحرب والأحداث المؤلمة والفساد الذريع والإفقار المدقع والفلتان المريع والإجرام الفظيع بسبب سيطرة النظام السوري، ظَلَّ لبنان متمرداً على الفناء متحمِّلا العذاب متعملقاً بعزم بنيه الأبطال البواسل دائساً مراحل الخيبات، واقفاً منتصباً بوجه التحديات هازئاً بالمصائب والفواجع والتجاريب.

وها هو اليوم يلملم جراحه ويعالج نزيفه ويلطِّف زفيره والنشيج الخانق، منتفضًا فوق شظايا التفجير وأنقاض القتل وأشلاء الاغتيال وضحايا الموت، ناهضاً بهمم وذِمم الأبناء الأوفياء إلى قمم السؤدد والشمم لامساً بصيحات الحرية حياة الكرامة والاستقلال الذي في الأصل للبنان كان.

واليوم يعارض تمادي سوريا المعارضون لأنهم انعتقوا من كفر جورها وكشحوا والخوف من ظلمها الفاتك الذي كان بالإرهاب مفروضاً، وصار لنا الجرأة أن نقول مع الشاعر:

من صفع الناس ولم يدَعْهُم أن يصفعوه فعليهم اعتدى. لن نشتكيهم إلى محمد بن نُصَيْر ولا إلى معلمه الحسن العسكري لكن إلى عدل السماء." أتت الساعة" التي فيها يندحرون لأن من أفرط أُسقط. كُتب المكتوب فمن يقدر على رد أمس أو تطيين عين الشمس؟

فلسفتهم صفاقة ومعرفتهم حماقة لا يتخيَّلها خيال، حتى الآن لو قلنا تمرة يقولون جمرة، ولكن بالله يا جيران اعلموا أنْ ليس القوادِم كالخوافي، اقتربت الساعة التي فيها يفترُّ القمر فاذكروا أنَّ مع كل نعمة زوالها.

مونتريال 24 أذار 2005