ليقلعوا عن التعنَّت والتصلَّب والعناد

الأب/سيمون عساف

رحل رجل فناح النائحون وبكى الباكون وارتمى شعب طيلة 30 عام تحت القصف والرجم والتفجير وكل أنواع الترويع والالتياع ولم نرَ هذا الالتفاف والتوافق اللبنانييَن. لن أعلِّق على الماجريات لكن أترك للبصائر الحاذقة اكتشاف الحقائق وتحليل المستجدَّات وتعليلها والتحقيق في الأمور وتدقيقها بمنظار الموضوعية والمنطق. إنسانياً أرحم الناس كل الناس لأنه غير مسموح التعاطي معهم بشكل اعتباطي، رغم المآسي والتلويح والتضييق على أرض يأكل الشر فيها نبات الخير. وأنحو باللائمة على قيادات المجتمع عندنا العاجزة عن رفض ما هو مُذِل والهاربة من مواجهة مشاكلها في عينيها. حتى الجزء المُعارض في أعماقها يخشى البوح بسرائر الكتمان لأنها محظورة. في هذا المنعطف التاريخي الخطير من شرقنا المجروح، على المسؤولين السوريين أن يلجأوا الى الفطنة وأن يعتصموا بالحكمة ويأخذوا الشجاعة ترساً ومِجَنًّا فيكونوا أصحاب موقف وقرار. إن المنطقة قادمة على اشتعال جهنمي لن يُطفيئ أُواره إلا رحمة السماء. لذلك أستحلف ضمير الراشدين والحُكَّام رأفة بالعباد الأبرياء أن يقلعوا عن التعنَّت والتصلَّب والعناد ويُسارعوا الى التفاوض والسلام . لماذا بشار الأسد رضي بالتفاوض مع إسرائيل دون قيد أو شرط ورفض الخروج من لبنان هو وجيشه المحتل؟

من أين شرب حليب السباع واستأسد حتى حرد وتمسَّك بالبقاء في لبنان؟ وهل بالُمستطاع مقاومة الكواسح بشفار السيوف والرد على هدير الصاروخ  بشقشقة البعير؟ هل ينقص العسكر السوري إذلال وفقر وتقهقر وخذلان؟ كيف يقابل الشعب في سوريا هجوم الأُمم المتحدة الطاحن والمُشَرِّد والمميت؟

ألا تفكّر الدولة بالناس ومصيرهم المشؤوم وبالعواقب الوخيمة والنتائج المحزنة؟ إن الكرامة والشرف في الرجال حين يكونوا أبطال أمن وسلام لا أبطال قتل وحروب، حبذا لو أخذ السوريون مبادرات إيجابية يُظهرون فيها للعالم حسن نياتهم وأنهم مسؤولون أمام التاريخ وأمام الأجيال وتكون فعلاً قد أمرعتِ العجزاء. أما أن يستمرُّوا على ذات الوتيرة المتغطرسة فأكرر المثل المأثور: تمرَّد مارد وعزَّ الأبلق على الزباء  (زنوبيا ملكة تدمر يسميها العرب الزباء).

ويخطر سوءال بعد، هل بشار الأسد أخذ قرارا منذ شهرين بالخروج من لبنان ولكن زبائن والده العتاق يمتلكون بقرة تحلب بكل هذه الغزارة فلن يرضون بالتخلي عنها ببساطة ودون مقاومة ؟ ثم أستعجب من أميركا في الإبطاء وطولة بالها على المماطلة السورية المقيتة، لربما فكُّ الحزُّورة هو كالآتي: هناك إتفاق سوري أميركي لإخراج المسرحية وإظهار الدولة العلوية التي جهَّزها حافظ الأسد حسب المُخطط القريب الذي سيتم خلال أسابيع. هل إن الحدث الذي سيقلب وجه لبنان وسوريا رأسا على عقب هو تنفيذ التهديد الذي قاله العميد رستم الغزالي تلميذ غازي كنعان للحريري كما " ذكر مصدر سوري معارض أن الحريري شخصياً أخبره بأن "العميد رستم الغزالي، رئيس المخابرات السورية العسكرية في لبنان، وحين استدعى الحريري إلى عنجر في العاشرة من مساء يوم الجمعة 27 آب / أغسطس الماضي لإجباره على عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء من أجل صياغة مشروع قانون يتيح تعديل الدستور وبالتالي التمديد للرئيس لحود، قال للحريري بالحرف الواحد : سأخرج مصارينك (أمعاءك) من بطنك " أكان هذا التهديد كافيا لتنفيذ المطلوب"؟ الإصبع الكبرى ستتوجه إلى أجهزة استخبارات النظام السوري على وجه التخصيص وسيرى العالم كيف أن النظام السوري سيدفع الثمن الباهظ  لهذه الجريمة، حتى "وإن لم يكن" مسؤولا عنها، حين ستتساقط رؤوس كبرى من فوق كتفيه، وتخرج قواته وأجهزته مذلولة مهانة بعد أن رفضت الاستجابة  لنداء المعارضة اللبنانية التي دعت النظام السوري إلى الحوار من أجل إخراج هذه القوات محفوظة الكرامة !

مونتريال – كندا 18/2/2005