مضارب الخيام

بقلم/الأب سيمون عسَّاف

لا القبائل ترضى بذهنيات يلوذ بها قوم من ربعنا ولا العشائر تقبل بعقليات تلوح في آفاق البعض من صفِّنا.هناك مستوى حضاري عند أولئك وهؤلاء يلجأ إليه شيوخهم لِحلّ القضايا والمشكلات بأسلوب يفوق تمدناً أساليب جماعاتنا الغوغائيين. وماذا عندنا نحن إلا انحدار تخجل به مضارب الخيام في بيادي البدو وسع رمل الجاهلية من زمان. عيب إذاً وعار أن يتشدَّق الذين أوصلتهم الصدف السياسية إلى الكراسي وكأنهم من أقطاب الساسة العالميين. ما هذه الرجعية والتخلَّف وأحيانا الهمجية التي يلعنها الدماغ البتول في عصر الحجر؟

 يا ليتهم يعملون بالمثل القائل:"تبَّا لرجل عرف حدَّه فوقف عنده"أو ليتهم زانو قدْرهم بميزان العدل وقاسوا أحجامهم بمقياس المنطق لأراحوا واستراحوا.

فما شعبيتهم كاسحة أو نسبية ولا شخصياتهم لافتة أو قوية كي نرضخ لأقاويلهم والهذر والهذيان. إنهم فعلاً دُمى تحركّها أنامل البهلوان المغرض لا لصالح لَمّ شملنا.

أين أسواط الترقي تلفح جوانب هؤلاء المتعنّتين الرافضين الخروج من مغاور وكهوف أفلاطون؟ أمَا تتمّ بهم آية الإنجيل " لهم عيون ولا يبصرون وآذان لا يسمعون"؟

مَنْ مِنَ المُنتَخبين له ثِقْل الجنرال ميشال عون حتى يباطحون ويتنطَّحون على ساحات أمتنا

المحتاجة إلى رجال أشدَّاء وأسياد قرار في أزماتنا الخانقة ومآزقنا الحانقة؟ مَن هو النائب الساحر الفاتن الجاذب الحشود الذي بايعه الشعب بالأكثرية الساحقة وأولاه كل همومه وشؤونه والشجون واختاره بالإجماع غير الجنرال ميشال عون؟ إن شبيبة لبنان تتطلَّع إلى هذا القائد وأملها عامر به وثقتها عارمة. ولو فرضنا غاب وجه هذا الإنسان الشريف النظيف الرائد، ألا يحق لنا طرح السؤال: أي رجاء يستديم ويستقيم ليغري الأبناء للبقاء في أرضهم وبين ذويهم؟ أمَا يغادرون لِلْتَو الوطن إلى غير رجوع؟

ما هو وزن الذين يُوَعْوِعُون على محور اللحظة؟ وجيه هو الطَرْح وخطير في آن، إنما هو هذا مع الأسف البليغ واقعنا الأليم؟ وبعد، ما القول في انتخابات الطلاب الجامعيين، أليس دليل يضاف إلى انتخابات الشعب على أن الجنرال وحده زعيم المسيحيين على الإطلاق والزعيم الوطني الأقوى؟ بكل موضوعية ومن دون تجنّي وافتراء على أحد، نصارح ونصرِّح بأن هذه هي الحقيقة الصارخة بوجه السفهاء من دون زود ولا نقصان ومن دون لَفٍّ ودوران. لدينا البراهين دامغة أتُرانا نتعلَّم ونعتبر أم نستمر في التشبُّث والاستبداد؟

بماذا يُماز الجنبلاطي عن الإرسلاني حتى ولاَّه الدروز؟ فالشكل بالنسبة للمغرمين بالأشكال، طلَّة الأمير طلال إرسلان تفوز على البيك وليد بأشواط، وبالنسبة للفهم والعراقة والمعرفة في اعتقادي أن الأول أيضا له كل معطيات ومواصفات القيادة تماما كما للآخر، ورغم ذلك بويع ابن كمال لا ابن المير مجيد. وكذلك أمر الشيعة مع نبيه برِّي ونصر الله والسنَّة مع سعد الدين الحريري. فالمسألة مسألة توحيد رأي ورص صف وقول كلمة واحدة في الظرف المصيري الحاسم.

فُرِض علينا أناس شرائحهم ليست جميعها على توافق تام مع ممثليها ومع ذلك لم ترفض الأمر الواقع وإن على مضض مُمِضّ.

فلماذا عندنا نحن المسيحيين تختلف القناعات وتثور ثورات الأقليَّات الهائجة ضد الأغلبية

الرائقة؟ ما هذا المرض المتفشِّي في جماعاتنا الذين لا ذاكرة تهزّهم ولا قراءة تعني لهم ولا رؤى تنيرهم فيهتدون؟ أن عراكا من هذا النوع يدمِّر لا يعمر.

حان لنا أن نتعاطى مع المنطق والواقع بمنظار مُجرَّد عن الانفعال وخال من الأنانيات للوصول إلى المطرح المنشود.

وللرأس الكبير الماسك السلطان صاحب الأمر والنهي أن يبادر إلى إعلان رغبته وإصدار أمره لأن المراحل لا تتحمَّل مسايرة وملاطفة ومساومة وحيرة وحياد وترقُّب وانتظار. هي الهنيهة التي يجب أخذ المواقف فيها والجزم أسوة بالفئات الأخرى حتى نتحاشى الفوضى والصدامات والحساسيات والتناحر والنعرات.كفى التأرجح والترجرج والتلوَّن والاختباء في أفياء الأصابع!! هنا المفصل وكلمة الفصل يجب أنَ تَبُتّ للاطمئنان والارتياح.

ندائي إلى أهلنا في الشق المسيحي أن يثبتوا على ما هم عليه فإن الفرج آتٍ بعد الضيق والنور بعد العتم والربيع بعد الشتاء والشفاء بعد البلاء.

عسى مشورتي الزاخرة تواضعا ودِعة تكون ذات وَقْع يطنُّ صداه في مسامع الحالمين بالأوهام التائهين في البيداء المخدوعين أنهم باتوا نسورا وهم  صيصان كبرياء فارغ وإبهام

خاوٍ وخرافات مزخرفة طلاها الغرور وغلاها الادعاء.كفاهم يخبطون خبط عشواء كالناقة في الصحراء ويشنُّون حربا شعواء يؤذي بدل أن يفيد راسفين في ليل العماء.

دعوتي إلى كل من أوصلته الوسائل اللامشروعة وهو في موقع التخاطب والتواصل مع الجماهير، أن يكفّ عن المزايدات ويُعطي حسب المأثور العربي "القوس باريها".

أمنيتي أن تستجيب السماء لنا فنصل مع شعبنا ولبناننا إلى مرسى الأمان وخليج الخلاص.

وهكذا ينهض لبنان نافضا رماده "كطير الفينيق"متمردا بالقيامة على الموت حائزا على ولادة جديدة من فجر الخليقة أروع وأبدع.

25/11/2005