وماذا بعد الاحتلال البعثي!!

الأب/ سيمون عسَّاف

إليك يا وطن الشهداء والقديسين واليتامى والثكالى وساحة الحرب والسلم والموت والحياة في آن.

إليك رسالة مهاجر نفته الصروف والظروف إلى الأقاصي البعيدة وما زال يحملك في الحنايا ذكرى لن تموت.

لبنان يا مهد طفولتي ومسرح شبابي وملعب صباي، أنت محتلٌ من زمان يا وطني ومغتَصَب أيضا، ليس فقط من سوريا البعث وحكامها الزنادقة، بل من عقليات متخلِّفة وذهنيات متعصِّبة وخلفيات مُبَيَّتة. ولولا هذه الذهنيات  وتلك الخلفيات والعقليات لَمَا كنت في مخاضك العسير الذي دام ثلاثين سنة تتلوى خلالها تحت كوابس المآسي والقبور.

وبالرغم من مدفوعاتك الباهظة وديونك، تمشي وئيد الخُطى كسير الجناحين كعجوز أثقلته السنون ينتظر هنيهات الرحيل للخلود إلى الراحة والاطمئنان. ها هو الجيش الذي وطأ أرضك المعطاء يغادر بعد غدر ويخلو ترابك من دعسات الغرباء. ولكن ماذا يفعل أو يفتعل الفرقاء المعارضون غداً في مجلس النواب الذي عليه تقرير المصير.

لنبدأ بمنطق تسلسلي، لماذا نزلت بك يا وطني كل النازلات؟ أليس لأن بعض بنيك خانوا وارتهنوا وساوموا وساعدوا المتآمرين على الخراب والحريق والدمار؟

من غير فئة خائنة قتلت ونهبت وفجَّرت وفرَّت هاربة لائذة بالجيش المحتل وارتكبت تحت مظلته الفظائع بحق الشرفاء؟ كل الإجرام الذي نفَّذته المخابرات السورية كان بأداة لبنانية جزارة مجرمة جانحة إلى اليسار تائهة في الضلال المبين. كثيرة هي الأسماء وعديدة واللائحة طويلة وعريضة. لو كان كل اللبنانيين خاضعين بولائهم إلى الدستور وأوفياء إلى أرز بلادهم وأمناء لأخوتهم المتعلِّقين بلبنان إلى حد الاستشهاد، لَمَا كان حصل هذا الإسفاف والإفلاس والذبح والحقد والانتقام والتباغض الثأري الفاتك.

شخصياً ألوم البعث لأنهم أبالسة جهنم رقم أول لا معادلة له ولا مقياس، وأنحو باللائمة أكثر على أهل وطن يتطلعون إلى الخارج مفضلين على وطنهم العمالة والارتهان والخيانة. والحديث يجهل الختام فيما لو شئنا التمادي في تحليله والتعليل وتدقيقه والتحقيق.

نظرا إلى ظاهرات المظاهرات عندنا فإنها تنطوي على ثلاثة أبعاد. البُعد الأول على الشعور الوطني الذي كان مفقوداً ومدفوناً، البُعد الثاني في التجمع المشهود في عاصمة لبنان "ستّ الدنيا" بيروت كما يحلو لنزار قبَّاني أن يسميها ثم البُعد الثالث ألا وهو إبطان النيات البيتة عند البعض على غير ما تظهر من الحقائق.

نعيد القول تكرارا بأن اتفاق الطائف لم يكن ولن يكن الحل، بل هو المشكلة وقد تم اختباره منذ سنة 1990 وفشل بشهادات أهله المدونة فشلاً ذريعاً على كافة الصعد. لذلك نطرح السؤال وبقناعة قانعة نصارح من دون مواربة ومراعاة خواطر وتبويس لحى ومحاباة وإكراميات. ليس هكذا الأوطان تُبنى ولا يمكن التعايش المشترك بهذه النفسيات الممروضة. لبنان وطني كان سهلاً خصيبا للصراعات والمماحكات والحزازات والنعرات قبل أن تهيمن على مقدراتة سوريا البعث. لا يستطيع أحد أن يخالف رأي في قضية المصير المشترك؟ يكون هذا المصير حين يكون جميع اللبنانيين بقلب واحد ويد واحدة وروح واحدة وغير ذلك خُلْفٌ عبث.

من هنا يستفيق النداء المُلح إلى المعارضين من دون استثناء أن يأخذوا بعين الاعتبار الاستحقاق الذي عليه سيصلون. ما أجمل المسير على الضوء لا على العتمة، فالمرحلة القادمة تقتضي مصارحة كلية وطرح المشاكل والقضايا العالقة على الطاولة بشكل محترم للبحث بموضوعية مترفعة خالية من شد الحبال والكسب الطائفي.

عسى يكون المعارضون على قد الحملة وبحجم المستوى والأمل والثقة المعقودة عليهم.

يجب أن يكون سقف الحوار متكافىء ومنطقي ومتجرد عن الغايات والنفعيات والوصولية، كفانا انتهازيات واستغلال ظروف. لأبناء بلادي أن يتلقنوا الدروس من كرنفالنا الدامي وليبنوا وطن المؤسسات.

مونتريال – كندا في 2 نيسان 2005