تقرير ميليس

الأب سيمون عساف

ينتظر الشرق وأهل الشرق لا سيما لبنان وسوريا التي اغتصبت قراره ثلاثين سنة، تقرير المحقق الألماني القاطع كالعدل بخصوص مقتل رفيق الحريري. أتخيّل الحالات النفسية التي يعيشها الناس عندنا وبخاصة السياسيون. لحظات تفصلنا عن دقة الساعة الحاسمة التي تنسجم مع نبضات الشرايين التي تنقف وتتناغم مع دقات القلوب التي تترقّب. أي ذنب اقترف الشعب وأية خطيئة ارتكب حتى يرتعد ويعاقب بالخوف من أشباح الآتي القريب الرهيب المُثقل بالأحداث ولربما بالمفاجأة؟

اغتيل الحريري الحاوي مليارات الدولارات، ولأنه ثري وزعيم أقام المسؤولون الأرض وأقعدوها. نحن لا نريد الشر حتى للأفاعي أفهل نريده بالحري للناس؟ ولكن نسمح لنفوسنا بطرح السؤال، كم في بلاد الأرز من الضحايا الأبرياء والمغلوب على أمرهم ذهبوا فرائس الاغتيالات وطرائد الاعتقالات وطعم الحرائق والإجرام والتفجير والتعذيب والتدمير والسجن والقمع والقهر والذبح والرجم والقصف والإرهاب ولم يأتِ محقق محلي ولا دولي إلى حينا ولم يبالِ مسؤول بالدماء المهدورة والدموع المغدورة.

كُثُر أولئك الذين يفوقون أهمية شخصية رفيق الحريري من فلاسفة كالدكتور كمال الحاج والصحافيين كالأستاذ سليم اللوزي وسياسيين كالرئيس بشير الجميل وتطول السلسلة لو أردنا تعداد الشخصيات بأسمائها.

لم يحَقق بتغييبهم وفقدانهم المأساوي المرعب. إذا لماذا رفيق الحريري؟

هل لأن الحريري صاحب ثروة ضخمة فخمة طويلة عريضة تم الاتفاق على إجراء التحقيق بمصرعه، أم لأن الرجل كان سياسياً بارعاً ندر وجوده على سطح الكرة، أم لأن ملوك العرب يريدون الكشف عن هوية الجزارين أم لأن أميركا اليوم أعطت إشارات الأضواء الخُضر لاقتحام المعاقل المشرقية تحت ذريعة التعرف على بطاقات الفاعلين القتلة رئيس وزارة لبنان فلاقت الحجة للدخول إلى حرم العرين؟

رحل الحريري ولن يعود وما زال الباحثون يفتشون عن دعاة الشر وسُعاته وعن أبالسة المجازر وشياطينها التي دبرت هذه المكيدة-الكمين فاصطيد رغم الاحتياط غائبا عن باله أن الله وحده الحفيظ. ما القول إذا بالذين رحلوا وليس لهم من يذكر أو يطالب أو يعين لأنهم لا مال عندهم ولا كنوز؟ أينها العدالة بين أبناء الأرض وأين الحق لا يعدل نصابه؟ ليت ميليس والذي كلف ميليس يُجرون تحقيقاً في كل الجرائم والمذابح التي شاهدتها بلادي فاقشعّرت لها أبدان البشر سحابة ثلاثين عاما.

إن التحقيق ينطوي على أبعاد تخدم مصالح العيون الزرقاء في المنطقة قبل أي شيء آخر. لذلك لا نفزع من التهويل لأن عهود الأهوال ولت ورجالاتها انتحرت. وحدهم أصحاب الشأن أدرى بالبئر وغطائه!

هو صدام حسين في العراق يُحاكم اليوم بالذات، ورايس وزيرة خارجية بلاد العم سام تحشر بشار الأسد السوري في الزاوية كي تروضه أو تطيح به قوى دولتها، ومِصر تتمخض بأقباطها المستضعفين، والعربية السعودية كالنعامة تخبىء رأسها في رمل الصحراء،  والجامعة المسماة عربية مشلولة الحركة إلى أجل غير مسمى. مسكين هو الشرق بحكّامه الأنانيين المفلسين السطحيين الجهلاء ومسكينة شعوبه المكسورة المأسورة المنحورة. إن الرعاة سلاَّخي القطيع.

وما تقرير ميليس بالحقيقة إلا علاج لعٍلة ودواء لداء المنطقة العربية برمتها من المحيط إلى الخليج. هل يتعظ العرب وترتقي التحكيم فيهم إلى مستوى الأمم الحية؟ علوَّاه!

أهلا بك يا ميليس لأنك أتيت نتيجة غباء المسؤولين والحكام والسلاطين والأمراء والملوك والأسياد والفخامات والجلالات. ونمتنّ لموت الحريري الذي خدم في مماته أكثر لربما مما في الحياة إذ سرَّع بإخراج الجيش السوري وسبَّب مجيء الأميركان الذين بالأمس سمحوا لسوريا احتلال لبنان. واحدة نأخذها عليك هي عدم إنصافك جميع المقهورين وإجراء التحقيق في قضايا المعتقلين والمغتالين والمقتولين مثل الحريري. نرجوك لو تفعل كي ترفرف رايات الحرية  وبيارقها فوق كل سماء فنقول للعبودية وداعاً إلى الأبد.

20/10/2005