رسالة إلى حزب الله

الأب/سيمون عساف

إخواني في حزب الله، بتحية أستهل الكلام. إني ممن يستهويهم سلوك وسيرة الأئمة الميامين عندكم، بدءًا بأبي السبطين إلى الحسين إلى علي الرضي إلى جميع وجوه القافلة المباركة كرمَّ الله وجوهها. شخصياً أخاف من الحرب لأنها مرمغة دمِّ مرعبة، لذلك لا أتمنى أن يموت إنسان ضحية أغراض رخيصة وعبثية فارغة. إني إذ أخاطبكم يا كربلائيون أُكبرُ فيكم الشجاعة والرجولة والطيبة الموروثة من أئمَّتكم المُفضلين الفاضلين، والتاريخ أفضل شاهد على ما في الحُسَينيات من حسنات. لا أجامل لأني رسول "كلمة" صادق في رسالتي ومُخلِصٌ لها. 

ولكن إذ أناشدكم لنزع السلاح فمن حِرصي عليكم وعلى تقديري لكم فرادى وجماعات. أنا أنصحكم بنقص الرأي والمشورة  ومن غيرة مني ومحبة. هناك قرار دولي دولي مأخوذ بتجريد السلاح من كل الميليشيات فلماذا الهروب إلى الوراء إذاً وعدم التعاطي مع الواقع بفطنة وكِبَر؟ ألستم أنتم من تنادون بتطبيق الطائف يا أهل البيت؟ وهل يلحظ أو يميِّز هذا الاتفاق بين الميليشيات المُسلَّحة كائنة من تكون؟

بات من المستحيل التراجع إذاً عن القرار لأنه صدر عن الأمم المتحدة لا عن دولة مغرضة طامعة بالبترول والمعادن والاقتصاد.

 من الضروري تسليم السلاح أُسوة بكل الميليشيات والانصراف إلى الحياة العادية المُسالِمة المُطمئنَّة الهادئة.

إن الحرب بعد اليوم ممنوع والافتراء على استقلالية الغير مرفوض واحترام سيادات الحدود مفروضة. لا اعتداءات ولا تجاوزات ولا تصدِّي ولا ما يشبه ذلك من إسرائيل أو من غيرها.

أية خشية تحتم بقاء السلاح مع أيِّ حزبٍ بمعزل عن الدولة؟ في رأيي المقاومة تكون عندما يكون هناك هجوم واعتداء في غياب مسؤول هو الدولة، حينذاك يظهر الدور المقاوماتي منطقي وما من أحد يعانده أو يعاديه. أما والحال أن الدولة بإرادة مجلس أمن عالمي شاء أن تستقيم وتستعيد ريادتها، فلا مبرر لوجود أي مقاوم خارج عن سلطتها الموقرة وهيبتها الساطية.

ثم كلُّ المناورين يسايرون ويراوغون مظهرين الصدق لكم مبطنين الزندقة. لا أحد يودُّ في العمق بقاء حزب مسلَّح في لبنان.

أيُّ ضََْيرٍ في بسط سيادة الدولة ونشر جيشها على كامل الأراضي اللبنانية؟

أيُّ مبرِّر لوجود قوى مسلَّحة عندنا والوطن كله يخضع للحُكم اللبناني؟

ما هو دور الجيش في حال استمرت الأحزاب مسيطرة على أرض الواقع.

هل هكذا تُبنى دولة تتعافى ويعلو بناء مجتمع منهار؟

هل لو كان غيركم في المطرح حيث أنتم اليوم، أترضون بذلك؟

هل لأن عديدكم اوَّليٌّ تصرون على الاحتفاظ بالسلاح؟

هل من طرحٍ أو مشروع لديكم نجهله نحن أبناء الوطن الواحد؟

هلاّ تعرفون بأن لبنان يحترم التعددية وحق الأقليات ولا يقوم إلا على تركيبته الحالية على ساحة الحاضر؟ 

هل من رهان آخر تطمحون عبره إلى تحقيق أهداف تغيِّر معالم البلد؟

أناشدكم بصراحة متناهية، وأخشى اندلاع نار يحترق فيها مشعلوها ويذهبون وقوداً لها. إن المِجهر الدولي مسلَّطٌ على المشاكسين والمعاكسين.

لن أدخل في تحديات تذكي النقمة والأحقاد، بل أريد أن أُضيءَ لكم يا منتظري المهدي عجل الله بمجيئه الميمون.

أستميحكم مستعسرا عالما بأنكم مستضيئون، ولكن لإلفات انتباه بأن ليست كل الأمنيات تنقلب وقائع. هناك الكثير من التمنيات أُجهض عنها وهي في رحم الأحلام. وما قصة العددية صحيحة لأن للشركاء في لبنان أعداد في المغتربات لا يستهان بها. لِنُقلِع عن هذه المعزوفة لأن أنغامها تخدِّش الأذان والأذهان.

كفى شرائحنا عذابات وويلات وأهوالا وتهويلا!

كانت قبلكم قوات مسلحة سلَّمت لأن الأمر قُضي، وكذلك أنتم سلموا لأن الأمر مقضي. لماذا التردد إذا والمراوحة بين الإحجام والإقدام؟

للمصالحة الحقيقية الشاملة يجب التخلي عن الأسلحة والانخراط في مسيرة الدولة. ونعود لنسأل، هل جيش لبنان الجنوبي ليس من أبناء الوطن؟ هل ما زالت الضغائن متلظية والنيات مبيتة؟ فكيف تكون المصالحة وتمشي عجلة التقدم والتطور ولغة السلاح هي الملاذ؟ ما هذا الوطن الذي يقوم والتناحر والنعرات والثأر آخذٌ كل مأخذ؟ واللهِ بهكذا تصرُّف لا أرى قيامة ولا خلاصاً ولا حياة! مستحيل بعد الآن التوهم بإنجاز المفاهيم الخيالية الخالية من الواقعية المحتمة. لا حزب الله ولا غيره يجوز أن يلجأ إلى السلاح.

أترجم توجسي وهواجسي بموضوعية مطلقة آملاً أن ينصاع المقاوم والمقاومة للقرار 1559 القاضي بتنفيذ النص كما كُتِب.

آخر ما أسدي به من نُصح قناعة مني برؤيتكم للأمور وبقراءتكم للأوضاع، هي الخلود إلى الطمأنينة والسلام والركون إلى ترجمات المثقفين في سياسة المنطقه. وبغير هذا المنحى نلج بيت العنف والتجاذب والموت، ونخسر متحسرين جانباً من تضحيات غالية دفعناها وندفع كرنفالات مشؤومة من دون ثمن نحن عنها بغنىً. هي الكرامة على المحك والشهامة كذلك. الرجاء التمعن في القضية الأبْدى وليكن نور الله في قلوبكم والبيوت والأوطان.

مونتريال – كندا في 10 تموز 2005