أين الحل؟

الأب/سيمون عسَّاف

تتلاحق الأيام وتتقلّب الأحداث ويكاد ينفد الانتظار من وضع يتمخض ليلد حكومة. وأية حكومة بعد هذا العُسر ستطل على شعب جعله زعماؤه ضحايا ذل وتعصُّب وردَّه إلى قرون العشائر. نخاف أن نذكر العماد ميشال في هذا السياق، لأنه خارج سرب اعتاد السباحة في أجواء الوصاية وزحف على دروبها، وعند رحيلها استريش بأجنحة لا تجيد الطيران.

ثم هناك تشابك مصالح عربية وتجاذب  إقليمي من جهة وسهر أميركي  يتدخل من خلف الكواليس لصالح سياسته في المنطقة. لا أظن أن الحكومة ستتألف بوفاق لأن اللاعبين على الساحة السياسية في لبنان وبمقتضى اتفاق الطائف لا يخوّل تشكيل حكومة تتناغم وتنسجم. لذلك بات على الفريق الأكثر عدداً أن يؤلِّف حكومة يُجهض عنها وهي جنين. في كلا الحالين مستحيل تأليف حكومة إلا بموافقة مسيحية يكون رائدها الجنرال عون.

وهنا كذلك لا تناسب الفريق الأكثر عددا فيبقى الأمر معلَّقاً حتى ييأس الرئيس المُكلَّف ويستقيل. إن سوريا تنفرج بهكذا وضع لتحرج آل الحريري الذين اتهموها باغتيال رئيسهم رفيق. كذلك تعطل المشروع الأميركيِ بخصوص القرار 1559 القاصد سلاح حزب الله. لا أضواء في الأفق تدل على إمكانية ولادة وزارة طبيعية من نسيج وحياكة الوطن. هل سيتدخل الأميركان أم يهمسون بقنواتهم لفريق ما حتى ينخرط في اللعبة؟

لكنَّ المسايرة لم تعد تنطلي على الشعب. وما كان هذا الشلل في جسم البلد ولا كانت هذه العاهات لو تم انتخاب النواب حرَّا من دون رشوة وضغوط وإثارة نعرات دينية وعلى نظام القضاء لا المحافظة، والخلل بيِّن في التراكيب المذهلة والتحالفات واللفّ والدوران. في رأيي المتواضع، لا يمكن أن يكون بلد مثل لبنان محكوما من أكثرية لأن كرامة الإنسان في القيمة النوعية لا في الكمية العددية.

فاتفاق  الطائف جثة في نعش لأنهم يهوِّلون به ساعة يشاؤون، وطالما لم يُطبَّق منذ إعداده والصدور فأي نفع له بعد الآن. لماذا يكون استنسابيا؟ هل لإرضاء فئة على حساب فئة أخرى؟ إثر نشر وطي 15 سنة على اتفاق الطائف، ولم تنفَّذ بنوده، فلماذا يطبَّق علينا كمسيحيين وليس على غيرنا؟

لم يتبع الجيش السوري إعادة انتشار لدن استقبال الاتفاق المشؤوم. ولم تطالب الدولة ورؤساء وزرائها بإعادة الانتشار! ثم لم تُلْغَ  الميليشيات في لبنان باستثناء القوات اللبنانية. واليوم لا أرى إمكانية تأليف وزارة على مستوى طموحات الشباب اللبناني المنتظِر التغيير والإصلاح. وأي إصلاح سيكون مع أشخاص واكبوا الفساد ورافقوه حين كانوا في موقع المسؤوليات.؟ هل يخرج من الشوك عنباً ومن العوسج تيناً؟

يا ليتنا بقينا على ميثاق 1943 لأنه كان صنيعة أُناس كانوا أصفياء النيات والحنيات.

على الشكل الراهن لا يمكن أن نراهن على حكومة إنتاج وطني تمثِّل حضوراً محترما تملي عيون اللبنانيين، وإنما سيطرة فئة على سائر الفئات المتواجدة في رقعة جغرافية صُنعَت على القياس. وهذا أبشع أشكال التفرُّد  والاستعباد. يبقى حلاَّن لا ثالث لهما: أو ينخرط الجنرال بملء الخاطر أو تستحدث مظاهرات تسقط الحكومة التي لا نصيب لها فيه.

نعم إن رئيس الحكومة مرتبك متعثِّر، واتفاق الطائف معرقل عوض أن  يكون مسهِّلا،  والبحث في ميثاق ثالث تحت قبة المجلس النيابي اللبناني هو المعوِّل والمعيق. أي خيار سيتخذ الأستاذ إذاً؟ للآتي صورٌ يظهرها الاستحقاق وقد تكون إيجابية وهذا ما نتمنَّاه، أو قد تكون سلبية لا سمح الله العظيم. والسوآل للفريق المسلم في البلد، هل يريد أن نتعايش ونتآخى أم سيديرها تناحرا طائفيا كما فعل في الانتخابات الأخيرة في شمال لبنان؟

هناك تنازلات يجب أن يتخلَّى عنها لكي يمشي عجلة القضية التي تتورط في وحلها كل البلاد. إن المسحيين تنازلوا عن صلاحيات في الطائف ولا يفكَّرون مرة بالشحن الطائفي كما حصل مؤخَّرا عند المسلمين وكما سبق وذكرنا؟ أخيرا يجب إعادة القوس إلى باريها، فالمسيحيون أوْلى بالإدارة والتعايش المشترك وحل المشاكل العالقة، وهم بالتالي لا يشكلون خطرا على المسلمين.

إلى الشيخ سعد الدين الحريري والسيد فؤاد السنيوره وجميع الأفرقاء أقول: وحدهم المسيحيون يعدِّلون كفتي الميزان. خلاصة القول ، بايعوا الجنرال عون الناضج المتمرس على التعايش من خلال مؤسسة حضنته العمر حتى تسلم مقاليدها زارعا في شتى شرائحها وفصائلها الإلفة واحترام الآخر. وختاما إنزعوا السلاح بموجب القرار من الميليشيا الشيعية التي تُسمى مقاومة  تهون حلحلة العُقد ويطمئن البلد. وبغير هذا الاقتراح يبقى الحل في الغيهب والمحال.

19/7/2005