إلى متى التضليل؟

الأب/سيمون عسَّاف

نستفهم بموضوعية مترفِّعة عن الخلفيات راسمين علامات استفهام مستفسرين: هل القانون الذي عليه سرت الانتخابات شرعي هو وصالح  للأمة اللبنانية أم لا؟

هل الانتخابات كما جرت تمثِّل الشرائح كافة بعدل أم لا؟

هل اقتنع بها جميع  نواب المجلس اللبناني كما حصلت أم لا؟

هل أُلحق الغبن بغير المسيحيين في المحافظات نعم أم لا؟

هل فُرِض هذا القانون فرضاً من دون وجه حق أم لا؟

طالما الإجحاف ظاهر والظلم والخلل وعدم المساواة فكيف يتم الائتلاف وتحت أي سقف وفي أي ناموس وقاموس؟ نعم هناك اختلاف لا مرية فيه ولا ريب وهو تحت مجهر الظن والتخمين.

لنأخذ المثل من العراق، إذا كان الصراع بين الشيعة والسنة والأكراد مزمناً، وكل أبناء البيت العتيق على دين الرسول وسُنَّته، ولم يتَّفقوا على حكومة تمسك زمام الحكم ومقاليد السلطة،  مما أدَّى بهم إلى المطالبة صراحة خلق "كونتونات" تحكم ذاتها لتأمين استمرارية اطمئنان وسلام.

فما القول إذا بحالنا في لبنان ونحن مسيحيون ومسلمون؟ هل بمقدورنا الاتفاق على خلق وطن نهائي للجميع من مجتمعات لا تنسجم مع بعضها ولا تتناغم؟ بصراحة معهودة، علَّمتنا التجاريب أننا دائما عرضة للتهديد والوعيد والتناتش والثورات والمقاومة والدفاع والاضطهاد والاستشهاد. كانت محاولاتنا للتعايش والتآخي صادقة لكنها لم تنجح وآن لنا أن نتعظ ونأخذ العِبَر.  

لذلك كنا دائما نفشل وتبلونا الخيبات، وما حصل مؤخراً في انتخابات الشمال وبالحصر في طرابلس هو دليل ناخع وحجة دامغة على صعوبة العيش المشترك بين نقيضين لا يلتقيان حول المفاهيم وفي وحدة النظر والرؤيا الوطنية والقراءة الواحدة. والأسانيد عديدة نابعة من عمق الوجدان الديني والوجع الإنساني الذي يعانيه الفريقان. لا الكتاب واضح بهذا الشأن ولا التخلي عنه كذلك. فالمشكلة عالقة وستظل إلى الأبد ولا أمر يبدِّدها. هناك شعارات ومناداة مطلية بمعسول الكلام في المطلق أما في الواقع فنحن أمام تحدي وخيار إذ على كل شريحة أن تحكم نفسها ويكون حكمها ذاتيا لا تخاف من آخر أو شريك يزاحمها على دينها ودنياها ومصيرها وطاقاتها وأرضها وعرضها وتقاليدها وهويتها والقيم.

حان الوقت لنبذ التكاذب والأخاديع والمعاطات بجدية مع الرهانات والتطلعات لئلا يفوت الأوان.

ثم نلتفت إلى السنوات التي ولد فيها "اتفاق الطائف" الذي رغم فرضه على لبنان خارج البرلمان اللبناني بغطاء دولي لم ينفَّذ وهو يقضي بحل جميع الميليشيات. فلماذا لم تلغَ إلا الميليشيات المسيحية.؟ لماذا اللعب على الألفاظ وإضفاء لقب مقاومة على ميليشيا حزب الله ؟ هل من مبرَّر لوجوده طالما للدولة اللبنانية جيش يحمي حدودها؟ وإذا كان لا بد من بقاء ميليشيا حزب الله، لنعيد والحال هذه باقي الميليشيات وتتساوى القوى لمساندة الدولة فنبني دويلات بقلب الدولة وندعي أننا لِلْمُلِمَّات نبقى فنذود عن رياض وحياض.

إن المنطق عند الشركاء في الوطن غريب عجيب، يريدون الإتيان بالغرباء إلى لبنان وتقليص حجمنا فيه إن لم يكن طردنا منه والذي لولانا في الأصل لما كان لبنان. لنقلها بملء الفم ونتصارح، بات من المحال التعايش على هذه الشاكلة والتنازل والانحناء.

أما إثارة النعرات المذهبية والتناحر الطائفي الذي أذكى جمرته مدعي العروبة من المتلونين، فهو أشارة إلى الحقيقة العارية التي يضمرها الأفرقاء الآخرون ضدنا ولو استطاعوا لاقتلعونا من الجذور وذوَّبونا كسائر إخواننا في البلدان المشرقية.

لا يتَّهمنا أحد بالتعصب فالواقع المؤسف هو رسول مُدِل على صدق ما يبطنون وعكس ما يظهرون.

وكي لا ندخل في  تفاصيل محرجة  هي جوهر الطرح الآني المُلِحّ،  نسدل الستار عليها آملين أن تلطف السماء بمجتمعنا الممزق وتقيه الويلات الآتية في المستقبل القريب وتنقذنا من البلاء الأعظم رأفة بجميع الأبرياء والضحايا والشهداء والمخطوفين والمعاقين والأحرار الميامين.

وفي الختام تبقى الوصية في القلب يعني أن نصمد كي نحافظ على وجودنا وإلا ابتلعنا ياجوج وافترسنا ماجوج ورحمة الله على الراحلين وعلى الباقين.

4/10/2005