التبليغ

الأب سيمون عساف

يُسمِّي البعض حربنا التي عصفت بلبنان إبَّان سبعة عشر عاماً ونيف حرباً أهلية وقد أصابوا، إنها لم ترحم بشراً وحجراً  في وطنٍ تغنَّى به أدباء وشعراء الشرق والغرب، مُطلقين عليه لقب "لؤلؤة الشرق".

وما التفرقة في الأساس وألوان التعصب التي غرسها الجهلة في عقول اللبنانيين والنفوس، إلا السبب التي أشعلت الحرب، حرب الآخرين على أرضنا، وحربنا على بعضنا مما جعل أميرة الشرق بيروت شهيدة الصراعات تتخبط بدمها وتكتوي بنيران الطوائف والمذاهب والأديان بعدما كانت كالوشم منقوشة فوق خدِّ العمران المضيء والمدنية الزاهرة.

هل نهضت بيروت اليوم ومسحت غبار الحرب عن وجهها البسَّام، واستعاد لبنان مكانته ‏الحضارية في العالم؟ كيف؟ وما زال أهل محمد بمآذن يصيحون وأهل عيسى يدقون بالأجراس حسب قول المعرِّي: "هذا بناقوسٍٍ يدُق وذاك بمإذنةٍ يصيح" ؟ هل وعى كلٌّ منا واجبه وعياً جدياً، بعيداً عن الادعاء الاجوف أهمية التعايش بعد أربعة عشر قرناً من الزمن؟ إن آثارالمسيرة الحياتية لا تزال واضحة من خلال ما نشاهد من كنائس ومساجد تعود الى ‏العصور الاولى. والمسرحيات الداميات ما زالت أيضاً لطخات على جبين التاريخ لن تُمحى مهما حاولنا طمسها. ماذا تعني هذه  التناقضات فينا منذ وُجِدنا؟ هلاَّ أخذنا الصحو إلى الأرقى أم ما زلنا من أهل الغزوات؟ وتلك العلامات الوحيدة للتكوين الروحي للجماعات اللبنانية بحد ذاتها أليست دلائل على هذه المؤثرات الروحانية. جميل أن تكون لكل شريحة خصائص وأجمل أن لا تفرض الواحدة على الأخرى عقائد ومبادىء وقناعات. إنه التعبُّد والتُقى إرث في الاحترام ولكن ليس في التسابق لاغتنام السانحات وبناء الجوامع  بوجه الكنائس أو العكس. وهل هذا السلوك ينُم عن شفافية في الصِلات للصلاة. إنه في اعتقادي أسلوب مغلوط إن لم أقل بدائي. انجب لبنان رجال علم ودين امثال الامام الاوزاعي والبطريرك الدويهي ‏اللذين اسهما في اغناء عطاءات الفكر والروح للتعايش المثالي الحق.

لذلك، نحن مدعوون كأفرقاء في بلادي من أي مذهب أو أي دين للتعالي عن الحزازات إلى الوحدة الصادقة لإعمار الوطن، للاقتداء بالأماثل الكبار حتى نوفِّر لأجيالنا العيش الكريم. فمن عاش على مدى قرون مع أخيه، لا يجوز أن يختلف معه على سنين. إننا حتى الآن رغم الصياح للتوافق نغني على ليالينا وما للإلفة رسول. نعرف أن المسلمين يطالبون بالرئاسة وهذا أمر مستحيل عند المسيحيين، ومن العبثية أن يكون لبنان محكوماً من غير مسيحي كما من الخُلف أن تكون السعودية محكومة من غير مسلم. لنضع نقطة على السطر ونتحاور بغير هذا الجدل العقيم. هذا هو الحال، وإلا لن يبقى مسيحيٌّ في لبنان وهذا أيضا مُحال. نعتذر من الفئات جميعها إذ لن يُسمح دُوَلياُ تغيير الحاكم في لبنان، فمن رام العيش بسلام فأهلا به وإلا فالدول الإسلامية واسعة. إن بإمكان المسلم أن يعيش ويمارس حريته في البلدان العربية خلاف المسيحي الذي لا يحقق ذاته إلا في لبنان. هذا هو أمر واقع وهذا هو المنطق. لا أُثيرها نعرات ولا يتهمني أحد بالتخلُّف لآن الحقيقة هي رسالتي. قلتها مقتنعا لإنارة كل أعشى.

وللكفِّ عن اللفِّ والدوران. فلا يتذاكى واحدنا على الآخر ويختلق تعابير مبطَّنة لا تنطلي على أصحاب العقول. كثيراً ما نسمع هنا وهناك عن الطائفية السياسية أو عن الرئاسة أو عن ‏الإحصاءات هذه مواويل عفَّ عليها الزمن. حاشا أن يخدعنا خادع أو يستضعفنا في المواقف. ‏نحن دوماً أقوياء وإذ نحاور لإشراك الغير، فإنها نابعة من احترامنا والمحبة لا من الفرض والواجب. نحن لا نضطهد الناس ولا نُخَيِّرهم  للبقاء بيننا، أو يصيرون مثلنا أو يدفعون الجزية أو يرحلون. معاذ الله! ولكن هذا ما خبره المسيحييون عبر مطافهم الطويل في الشرق التعيس والشروط العمرية أدمغ  برهان. على المستاء التبَلُّغ  وعليَّ البلاغ  والله خير الشاهدين.

12مونتريال – كندا /2/2005