إلى المعارضين

الأب/ سيمون عسَّاف

أسمى ما في الإخلاص تحايا نرفع إلى الشرفاء المعارضين الرافضين بقاء الجيش السوري المحتل في وطن الأرز. تحايا إلى كل لبناني عنيد شجاع شارك في تظاهرة الاثنين وشهد للحق بصوت صارخ، ولكن نخشى ما نخشاه هو ما بعد الاعتراض وبعد انسحاب النظام السوري البعثي الذي يلملم حالياً فلوله والبقايا من جيشه المهزوم بعد 30 عاماً من الفساد والمجازر والخراب في وطن الشهداء الأوفياء والضحايا الأبرياء.

كابر في البدء وعاند بشار ابن أبيه متذاكياً عارضاً عضلاته غير آبهٍ بقرار قاضٍ بمقاصصته، ولكن فيما لو تعنَّت وراوغ بغية البقاء في بلادٍ تدرُّ له اللبن والعسل ماذا كان سيلاقي من أشباح الغاضبين؟ وأسخف ما يثير السخرية هم اللبنانيون الأبواق الذين  يسوقون لبقاء الاحتلال مهددين متوعدين.

وإذا صحّ أن بعث الشام قد استحقّوها وفعلاً التزموا ببنود القرار الدولي 1559 كما نقل تري رود لارسن عن الأسد فهذا يعني أنهم أدركوا أخيراً أن ما من مزاح مع الأحكام الدولية الحاسمة وعليم مرغمين أن يرحَّلوا من أرض لم يتركوا فيها للاحترام والكلام مكاناً. ترى ماذا يقول أتباعهم عندنا من حكام دمى وسياسيين تجار وهم الذين اقترفوا الفواحش والمنكرات بحق شعبهم الذي عانى الأمَرَّين منهم ولوى؟

هذا وما حال "حزب الله" المُصِر على التمسك بالسلاح، وماذا يفعل الفلسطينيون المسلحون داخل المخيمات؟ والسؤال الجدّي في أي خانة يكون كل من ماشى المعارضة وعلى أي شكل يتفقون؟

لم يعد من مفر فحزب الله سيسلِّم سلاحه أسوة بباقي الأحزاب اللبنانية ولا مناص من هذا المصير المحتوم، والرئيس جورج بوش قدم أمس بعد اجتماعه بالملك الأردني عرضاً مغرياً لهذا الحزب عندما طالبه أن يرمي سلاحه لترفع عنه صفة الإرهاب. نعتقد أنها فرصة جيدة على حزب الله الاستفادة منها والخروج نهائياً من كنف وصاية إيران وسوريا. هذا وعلى كل الأحزاب اللبنانية أن تكون لا محالة تحت القانون القاضي بتجريدها من السلاح والاعتراف بهيبة السلطة المدنية والقضاء والهيئات الشرعية التابعة للدولة الجديدة.

كذلك الفلسطينيون فهم أيضا خاضعون لنزع السلاح والبقاء بحماية الدولة، أما خرافات الأمس وشد الحبال وقبول فئة ورفض فئة والتدخل العربي بهذا الشأن فقد ولَّى عهده ولفَّه عالم النسيان وفي الماضي انطوى.

يبكينا تصرُّف التعساء عندنا في لبنان وفي الشرق، إنهم لا يفهمون إلا بلغة "العصا" والتهديد والقوة والوعيد، ويا ليتهم يحتكمون إلى الديمقراطية والحرية ولا ينتمون إلا إلى علم الوطن ولا يعلو لهم بيرق إلا بيرق الوطن ولا ينخرطون تحت راية إلا راية الوطن.

أوليس بهذا الاقتناع وهذا الإقناع يلتئم جرحٌ فتحه التآمر وزجَّنا فيه حتى لعق من دمائنا إلى أن أشبع مجاعته وارتوى؟

ولنعُد إلى المُعارضين الذين غداً سيصبحون متعارضين أن لم تكن معارضتهم مبنية اليوم على أسس وطنية قوية. فلم نعد نحتمل أن يرى كل فريق لبناني لبنان بمنظاره الخاص وبذاتية وبخلفية يكاد يكون من المستحيل التنازل عنها.

الولاء كل الولاء يجب أن يكون للبنان وفقط للبنان وما عدا ذلك هو تخلي إجرامي عن الوطن وهويته.

المليون لبناني الذين تظاهروا في 14/3/2005 متحدين الخوف رافعين الصوت عالياً قد تحرروا من العصبيات وطالبوا بالسيادة والحرية والاستقلال تحت راية العالم اللبناني، فليتعظ الجميع منهم ويسير على خطاهم.

بالله نود أن نعرف بأية صيغة سيكون لبنان الآتي الواعد أجيالنا بالأمن والسلام والمستوى والاطمئنان والانفتاح والرقي والثقافة والتمدن والعمران والازدهار. هل بإمكان اللبنانيين بناء هذا الوطن الصغير على مختلف ألوانهم ليكون كما كان مصدر إشعاع وفكر ورسول انطلاق ومحبة ومحطة التقاء للتآخي والسماح؟ أم أنهم سيعودون به مسرحاً للتناحر والنعرات والتناتش والاجرام والهزائم والخيبات؟

نعم إنه التحدِّي العظيم بعظمة الأحلام العريضة في رؤوس الرجال الكبيرة قوَّاد المصائر روَّاد القضايا وصنَّاع الأوطان.

كفى التغني بما فعلنا وفيه الكثير من الهِنات ولكن بما يجب أن نفعل فيكون أوسع وأعلى وأغلى من الأحلام. وللأيام القادمة دلائل على صحة القراءة التي نقرأ والرؤيا التي نرى بوضوح وجلاء، وهذا نابع من تجاريب واختبارات عايشناها خطوة خطوة ولحظة لحظة قبل وأثناء وبعد الحرب، ولا نفتري إذ نُقر بواقع لا متجانس أفراده يُرَجِّعون أنغاماً أقل ما نقول فيها أنها ناشزة. عسى أن يتوافق اللبنانيون ويعطون الأولوية للعقل والأخلاق والقيم التي عليها ترعرعوا وتربُّوا ونشأوا.

من خلال معرفتنا  بالذهنيات والنيات نتأرجح بين الشك واليقين منتظرين ما ستحبل به الشهور الآتية من مفاجآة وتتمخَّّض لتلد ما نتوخَّى من الأماني التي بحجم معاناة شعبنا الكريم وطموحاته الأصيلة وجذوره العريقة.

تمنياتنا أن يبلغ لبنان مرسى الأمان والقيامة والخلاص وتستريح سفينته من عناء سفر شاق مرهق عسير.

16/3/2005

-