يقظة

الأب/سيمون عسّاف

 

 ماذا يقول النظام السوري للسائلين غداً عما فعل في لبنان أثناء ثلاثين سنة احتلال؟ أي جواب لديه على أسئلة المهجَّرين والمهاجرين، والمسجونين والمخطوفين، والمستشهدين والمقتولين بوسائله الجهنمية المجرمة؟ ماذا ترك للشؤمة والكرامة خلفه غير شتائم اللعنة؟ قتلوا رفيق الحريري في 14 شباط بتفجير من العيار الثقيل وقتلوا معه الزعامة السنية التي لا منافس لها أقله على ساحة الحاضر.

 

ومن ينسى الرفاق الذين أكلتهم مجاعة النيران اللاهب الفاجر التي لا تشبع؟ أرثي رحيلهم المؤسف بهذه الصورة البشعة التي لا أتمناها لعدوٍِّّ لدود، كما أرثي  شكل الموت الحاصل للضحايا الأبرياء في بلادي،  متسائلاً أين كرامة الإنسان صارت يا ترى، ومن يرد عن الناس الوحش المفترس والذئب الغادر والحوت المبتلع والتنين الممزق والضبع الضاري والطير الجارح وكل أنساب الكواسر؟

 

إنها ظاهرة تقشعر لها الأبدان ألا وهي ظاهرة الانتقام بتطبيق شريعة الغاب أو ناموس السن بالسن والعين! إن الثأر مستورد من عصور سحيقة لا زال قائما عند قبائل الأدغال والجماعات المتخلِّفة. أعتذر على قولي الحقيقة التي لا يجوز لي ولغيري الخروج عن دائرتها الواضحة الفاضحة.

لماذا إذاً توجد هيئات وأجهزة وآلات عملانية تملكها الدولة في المجتمعات الراقية؟ متى نرتضي بحالنا ونعترف بفقرنا الخلقي والوطني والقومي وننتمي إلى هويتنا ونحترم إرثنا ومآثر الجدود ومآتيهم؟

 

متى في الشرق على مداه نترك شؤون الدين للمعبد والمسجد والمُصلَّى وشؤون السياسة لأهل الدنيا فيتساوى الجميع في الكرامات والحقوق والواجبات ولا يعود هناك عبدٌ وهنا حُرٌّ أمام عدل السماء والأرض.

 

هل تحصل معجزات هذه المشورة على أيامنا في تلك الرقعة الجغرافية من رقاع الكون؟

 

والمضحك حتى الغثيان هو استفاقة شريحة من اللبنانيين بعد مُضي 15 عام في غيبوبة على اتفاق نفاق خلعوا عليه اسم "اتفاق الطائف" يطالبون بتطبيقه وكأنه الكتاب السماوي المُنزل الممنوع أن يمسسه إلا الطاهرون. لماذا هذه الهَبَّة في هذا الظرف بالذات؟ والأسخف من هذا الضحك هي انتفاضة الجامعة العربية ومبادراتها لرأب الصدع وإصلاح ذات البين بين سوريا ولبنان،نسمح لنفوسنا أن نسأل: ما عدا مما بدا؟ والله العظيم عيب أن ينبري هؤلاء وأولئك باسم العروبة ويتنطََّحون إذ " سبق السيف العذل" و"ما كُتِب قد كتب". أين كان الذين ينفضون اليوم عن عينيهم غبار النوم الطويل منذ 15 سنة لم يُطِلُّوا ويطالبوا بتطبيق"الطائف"، ولماذا استيقظوا الآن وقفزوا كالنمور بوثباتهم أمام شاشات الإعلان للاحتفاظ بما حققوا من مكاسب؟

 

هل قَبْل القرار 1559 كانت الأمور على ما يرام حتى كان السكوت القاتم الخاتم المطبق؟ وأيضا "الجامعة العربية" التي يمكن أن تجمع كل شيء ما عدا العرب الذين عجزوا عن التطلع عيوبهم والى لبنان لألف علة وعلة.  أين الجامعة لا تردع  وتنهي عن الزنزانات السجون والإرهاب والتجاوزات وكل أشكال المحظورات في بلدانها المستبعدة المستعبدة والتي حُكامها دائما أتباع ولا مرة رواد.

 

لماذا للدول الغربية اعتبارها وفرض هيبتها واحترام كرامة رعاياها من كل ظلم وجور وظلام؟

أين هي حال الدول العربية لا نراها تعمل لجعل الشرق أفضل من الغرب حتى نراها تنتظر دول الغرب تقرر لها مصيرها؟

إن اختبارنا مع الدول العربية كان يائساً فلا يلومنا لائم ولا يعاتبنا أحد، ولن يستقيم لبنان طالما الطائفية الموروثة من تناحر الأديان في المنطقة معششة في نفوس مسؤوليه. وإن لم يكن هو القائد لِمَسيرةِ التحرر من الفساد المرفوض المفروض من الجيران، فعبثاً تحلم الدول العربية بمواكبة التقدم والرقي والازدهار، لا بل ستبقى في مؤخَّرة قاطرة المدنية والتحضُّر والعمران السائرة فينا إلى غايتها القصوى. يكفي التملُّق وإبطان الزندقة والمنادات الكاذبة بالتعايش الأهلي الملغوم.

إن المصارحة هي بيت القصيد بين الإثنيات وضرورية لإعلان العُرف أو النظام أو الناموس أو الشريعة التي عليها يرتكز ويستند أمر التعايش والتفاهم واستيعاب الواحد الآخر.

 

إلى حدِّ الآن يُدجِّل بعضنا على البعض الآخر لأننا لا نُصدِّق بأننا للبنان وبأن علينا قبول ما نحن فيه والتلاقي بصفاء نية وعفة روح حول مسلِّمات لا يجب التخلي عنها لأنها تزجنا في أوداء وغياهب المجاهل ودهاليز الخُلْف. نحن نقبل الآخر كما هو فهل يقبلنا كما نحن؟ والمواثيق التي جرت العادة عليها لا يجب أن نلمسها لأنها تُرجعنا إلى التباغض والجحود. هكذا كنا وهكذا يجب أن نكون لا أكثر ولا أقل فلينتصح المُضَللون وعلى الكل البركات.

 

وبما أننا نؤمن بالله فلنُصَلِّ إلى إله العرش كي يقلب لبنان عرسا في انسحاب الجيش السوري المحتل ويوآخي بين أبناء الوطن فلا يعودوا إلى ماضٍ طوى قوافل انطفأت وجوهها ونامت على وعد الرجاء بالقيامة.

عسى لبنان يقوم من مآسيه وشعبه ينال المبتغى والسلام.

 

مونتريال – كندا 23 شباط 2005