يتهمونني

الأب سيمون عساف

 

أُكبِر به الإباء فإنه أضاف إلى صفحات أمجادنا صفحة مشرقة تزيِّن خزنة الميراث.

أحبه لأن السماء أنصفت بعد عذابٍ لا يطاق وإرجعته إلى الوطن مُظفَّراً منصوراً، أحبه لأنه اعاد بجرأة الثبات والمواقف للمسيحيين عزهم وكرامتهم في زمن كادوا يفقدون فيه الأمل بالرجال. من قال أنه ليس المنقذ من مغاطس العار والإفلاس والخيبة؟ شخصياً لست من المدَّاحين والمقرِّظين ولكن لا بد للحقيقة أن تقال وللعدل أن ترفرف له رايات. هل بإمكان مسؤول في بلادي استقطاب الوفود والحشود مثلما استقطب الجنرال ميشال عون لدن عودته من المنفى؟ أما صار المغناطيس الذي يجذب الشرفاء المخلصين إلى قضايا الشعب والوطن صوب داره والديار؟

 

أليس هو الرقم الأصعب في معادلات بقايا رموز وأمراء الحرب القذرة في لبنان؟

أبمقدور إنسان إلغاء حضوره الساحر على الساحة التي يتحرك عليها؟

 

وتتدافع الأسئلة المتلاحقة كالانفجارات لتتحدَّث وتلحظ بأم العين مقابلاته وتصريحاته وعنفوانه الأخَّاذ؟

إنه يملأ الوطن كأسد في عرين لاسيما إذا زمجر. ولا يزأر إلا في المسائل المُحقَّة لأنه شجاع ونزيه لا تجد الجبانة إليه سبيلا. انتظره أبناء لبنان ليعود إليهم ويحمل شوؤنهم والشجون، تحقق الحلم بالرجوع إنما رواسب الاستخبارات ورؤساء المزرعة لم يريدوا التخلِّي عمَّا هم فيه بغية التمادي في الضلال والزيغان والتُفُوه والهوان. نعم هذا ما عكَّر صفاء الحالمين بإنهاض الهمم وبالحفظ على الذمم. إن الوضع السياسي اللبناني كالمرجل يغلي في هذه الأيام والهنيهات تتمخَّض عساها لا تنجب لنا الفئران بدل السباع. ورغم كل العاديات له وحده رئاسة جمهورية المدينة الفاضلة.

 

كل الناس تلاحظ كيف أصحاب المغانم والولائم تحاول استبعاد الكأس المر عن شفاهها لأن الجنرال سيحارب الفساد ويحاسب الفاسدين. ماذا بقي للبنان وسرطان الديون يأكل جسد الأمة وعظامها؟ هناك مليارات الدولارات هُدرت وسُرقت وتوزعت على الجيوب - العيوب والمجتمع لا سيما المسيحي يسدد الفوائد المتراكمة عليه.

 

إن أغلب الذين كانوا في السلطة أو في المجلسين النيابي والوزاري يستوجبون الإعدام لأنهم أسهموا في غض الطرف عن الممارسات الفاسقة ونهب أموال الشعب من خلال القطاعين العام والخاص.

 

جاء الذي معه السوط اللاهب كي يلفح العصاة والمخالفين قواميس الآداب ونواميس الأخلاق. جاء مًن في يمينه ملءُ السلطان لطرد الباعة التجَّار من الهيكل. يلفُّون ويدورون ولا يستطيعون التغاضي عن هيبة الجنرال ووقاره. أُعطيت له بالفعل أمائر القيادة فغار منه الصعاليك الذين في غيابه غيَّبوا الوجود المسيحي الفاعل على الأرض. أنا لا أقول أنه ينسج السياسة  بمغزالٍ طائفي كما لا أنكر أنه كماروني،  وعليه  تُعلِّق الآمال الشريحة العُظمى من المسيحيين، أن يأخذ بعين الاعتبار تطلعاتهم والطموحات. يتهمونني بأني "أحبًُّ الجنرال"، وأين العيب أن أحب بطلا من أبطالنا سيكتب عنه التاريخ بأحرف من ذهب آيات البسالة والشموخ   والفخر والعظمة لأجيالنا القادمة؟. إن للجنرال ميشال عون شخصية الباطش وهو كالأب الحنون على محبة، وشخصية القائد وهو كالمرء البسيط على كبرياء.

 

به الزعامة تليق وله يُرفعُ الكأسَ المُعَلَّى. هل هي الغربة التي أكسبته هذا العمق الروحاني أم هو الانكسار الذي أضفى على نُبله حكمة المشيب  ووقار الأجلاَّء.؟ ليس بمستطاع أحد حذف الرجل واختزاله بهذا الشكل لأنه فوق الابتذال ودون الزندقة وتندرج تحته ذروات القمم.

 

ونحن على أبواب انتخابات واستحقاقات في كلٍّ من الأرز والشرق، والنتائج ليست موَّال مغني ولكن حقٌّ صارخ في وجه العابثين بمقادس وكنائس البلد.  هل من كان بالأمس مع المتآمرين نائبا أو وزيراً، يستطيع التفكير بالتغيير والتجديد؟ لماذا يتهافت الجميع اليوم إلى عند الجنرال وحين كان متصومعاً في منفاه لم يفكِّر به أحد حتى ولا دافع أحد أو أقام الدنيا وأقعدها لدن لفِّقوا أخبارا عليه وفتحوا ملفَّات بقصد النيل من معنويته والشمم.

 

تناساه الجميع فبات متروكا إلا من مولعين بالقيم والمُثُل كانوا يترددون عليه أو يتصلون به وكنت واحدا منهم.

يا طيبه يستقبل ويودِّع فيُملي أنظار مناصريه ومحبيه ومريديه. يثلج صدر الذرافات والوحدانا التي تقاطرت للقياه يوم الإياب إلى لبنان. أدامه الله مُعافىٍ من كل خطر وضرر وأنجح ريشة مساعيه للبلوغ بالسفينة إلى المرسى الأمين.

 

مونتريال 23 أيار 2005