يراوغون وكأن الناس أغبياء

الأب سيمون عساف

 

تعودنا أن نصارح المجتمع بكتابتنا المعهودة دون التملق والمسايرة، ونحن نرى أن الشعب لن يستريح أو يطمئن والنفسيات ما زالت ربيبة مسح الجوخ وتفضيل شعور الغير على حساب الهوية والكرامات.

 

كيف يكون لنا وطن تحترمه البلدان المتقدمة إذا كانت ذهنية بعض شعبه أسيرة التعصُّب والسيطرة والانتهاز؟

لا لن يكون لبنان الذي تاق إليه الشهداء والرجال الأحرار طالما هناك من يحملون الهوية وبها يخجلون وولاءاتهم لغير لبنان الوطن والكيان والإنسان. نسأل إلى أي فئة من المواطنين يمكن نسْب هؤلاء؟

 

إذا كان الشخص يستحي بانتمائه والهوية وبالتاريخ والتراث ماذا يبقى عنده حتى يجالس الكبار والعقلاء؟

أبناء لبنان اليوم يثورون للتحرير والانعتاق من سوريا البعث والعبودية وجيشها الفالت على غارب حبله وما من رديع. لماذا لم تكن هذه الانتفاضة والحس القومي منذ بداية الحرب قبل سقوط آلاف الضحايا وذبح الأبرياء وخراب المجتمع برمَّته؟ هل فعلاً أدرك اللبنانيون أنهم جميعا معنيون بخلاص البلاد وما من أحد بمقدوره إلغاء الآخر؟

 

هل شعر في العمق كل فريق سوَّلت له نفسه الاعتداء على غيره من شرائح المجتمع اللبناني المتعدد الإثنيات والحضارات والمذاهب أنه مهاتر وضال؟

ليس من فريق يمكنه الاستقواء على فريق إلا بالنظافة والنزاهة والتضحية. أمَّا من ينوي الإطاحة بغيره من الشرائح وكناسة البلد فهذا كلام لا يقبله رضيع الجهالات.

نريد أن نعرف ماذا بعد الاحتلال البعثي وزوال الدولة الكرتونية المخابرتية التي فصلها هذا المحتل على مقاس أتباعه؟ على أية صيغة سيتفَّق المعارضون وكل معارض منهم تتحكم في ممارساته رسوبات قبيلته؟ كيف سيبنون مستقبلهم، وفي رؤوسهم عفن التخلُّف والرجعية؟

 

كيف يمكن أن ينتمي لبنان إلى غير هويته وتاريخه وجذوره، ولم محاولات البعض إعطائه صفات ونعوت هي أساساً وهمية ولا علاقة لها بالحرية؟

مشكلة بلادي أنها تتكلَّم بلغة الحضارة والرقي والتمدن والازدهار هادفة اختراق المستحيل، فيما البعض من أهلها يعيش في عقليات ومفاهيم العصور الحجرية، فعلى مَن تُقرأ مزامير داوود؟

 

إنه حديث الطرشان مع بعض الفرقاء والعبثية المطلقة! لبنان بعد الحرب والتحرير لا نريده عينه الذي قبل الحرب. نريده وطناً له القدرُ والاعتبار ويُحج إليه من أقاصي الأرض وأطراف الدنيا. لا نريد  العودة إلى شيخ العشيرة ونتوزَّع رقاعاً إلى عهد البداوة إذ كل قبيلة تصون نفسها من الغزو والاحتلال.

أليس احتلالاً من نوع آخر هذه الأشكال الذي تفرزه المشاحنة والمماحكات السياسة على الساحة اللبنانية؟ نخاف من الانقلابات المسيئة أكثر من النافعة ومن التسلُّح والتناحر وما شابه.

 

وحدها الكلمة تعني لنا، والناموس والقاموس هما الوسيلة الناجعة لِسنِّ قوانين تأخذ بعين الاعتبار حقوق الأفراد وتنهض بالوطن إلى مستوى التمني المنشود. ثوابت لا مناص منها ولا خلاص يجب اتخاذها شعارا للأجيال الطالعين وراءَنا. ويا أسفي إذا أطلَّ البنون سألون عما تركنا لهم من الميراث؟ ماذا ترانا نردّ أو نُجيب؟

لبنان يا عرين الأسود ووكر النمور، يا معقل الأبطال ومقلع الرجال منك البطولة انكشف قمرها مسجلة ملاحم البطولات على صفحات الأبد.

ننتظر الآتي المليء بالمفاجآت متوقعين الاستقرار باستمرار وهيهات !؟

 

إلى السماء نرفع الأكف مستهبطين شآبيب البركات على الذين تمنوا لنا وطنا وماتوا وفداء عنه، سائلين اله القيامة أن يهدي الشاردين  وتُلئِمِ الشمل تحت سمائنا الصافية

راجين  البعث الروحي والنهوض من تحت نير العماوة والبلاهة والهوس.

هي هذه صلاتنا وعلى أمل اللقاء في المقال القادم.

 

مونتريال – كندا 5 نيسان 2005