"إلى حزب الله"

الأب/ سيمون عسَّاف

أناشدك يا "حزب الله" بالذي باسمه أنت مُدجَّج بالسلاح، لماذا تُصِرُّ على الاحتفاظ بموقعك وتعتبر أنك رمز المقاومة؟ لا أعتقد أن الله يحتاج إلى أحزاب تدافع عنه، ولا لبنان بعد انسحاب كل الجيوش من أرضه يعتاز مقاومة!

 

من باب التسلُّح نحن مثلك نؤمن بالله، وارتكبنا أغلاطا حين سحبنا سلاحا على بعضنا، أما من باب المقاومة فنحن أيضا قاومنا لأجل تحرير لبنان من الطامعين والمحتلين والمخرِّبين. واليوم والحمد لله رمينا السلاح، لأن الدول الكبيرة أصدرت القرار1559 وهي أقوى منا- ونحن بتعقل ومن أجل لبناننا وكرامته قبلنا الركون إلى السكينة والهدؤ وامتثلنا راضين من دون تمرد وعصيان.

 

إذا صحَّ أن الجيش السوري سينسحب من لبنان، يعني أن الجيش اللبناني هو على مستوى رسالته بالحفاظ على شعبه وهيبة الدولة برعاية عالمية. فما المُبرِّر إذَنْ والمُسوِِّغ للإبقاء على سلاحك؟ تدَّعي أن إسرائيل مشكلة ؟ إنها منهمكة في شؤونها وتتصرف داخل حدودها وليست تتعدى علينا كي نحاربها وهي من أرضنا انسحبت ونفذت القرار الدولي 425 منذ سنة 2000، فيما دولتنا التابعة لبعث الشام أوقعت البلد في ورطة ورفضت تنفيذ ما هو مطلوب منها. ولو كانت فعلا تريد شيئا من لبنان لَما تركته وتراجعت إلى داخل أراضيها. فلا يخدعنا أحد أنك جيش مقاومة وانت تعرف قصة مزارع شبعا وكيف تم تركيبها لتبرير بقاء السلاح معك. فلو إسرائيل قصدت البقاء في لبنان لما استطاع الجيوش العربية كلها على قوة عسكرها الباطش وتقنيتها اللوجستية المتطورة. ولو أرادت القضاء على كل الأحزاب وليس على "حزب الله" فقط لكان بالمقدور. فما أنت بإمكانك محاربة إسرائيل ولا بمستطاعك الحلول مكان الجيش اللبناني. فماذا تقول إذا للشعب اللبناني الذي يستغرب ويتعجب من إصرارك على الاحتفاظ بسلاحك؟

 

إذا كنت تحترم هويتك وتؤمن بوطنك عليك أن ترمي السلاح وتنضم إلى شرائح مجتمعك الذي رفض لغة الحرب والقتل بعد مرير المعاناة. أما إذا كنت تريد أن تعود بالوطن إلى مفهوم القبلية فانتظر من الأمم المتحدة ما يُسرَّك وأعذر من أنذر.

 

ما هو سر الذين هم من لبنان ولا يقدسون هويتهم وبلادهم والتعايش المُطمَئِن الآمن؟ توحَّد الدروز والسنة مع المسيحيين في لبنان وطالبوا بالسيادة والحرية والاستقلال، وبقيت يا "حزب الله" وحدك تشهر حرب الجهاد ضد إسرائيل. هل تمزح أم أنك على محمل الجد تتكلَّم؟ هل يُصدِّق عاقل بما أنت  تتحدَّث وبما تهجس؟ ها هم العرب اليوم يفاوضون إسرائيل من رئيس مصر المتقدم في الزعامة العربية إلى قطر إلى الأردن إلى الرئيس الفلسطيني بالذات وهو صاحب القضية الأول، ناهيك عن رئيس سوريا التي تنافس مصر على القيادة العربية، وبشار رئيسها قد طلب المفاوضة مع إسرائيل من دون قيد مسبق أو شرط.

ولا أخال أحدا من الملوك والقادة والسلاطين والأمراء العرب يرفضون الصلح مع إسرائيل ومعظمهم يقيم افضل العلاقات الديبلوماسية والتجارية معها. أخبرنا أيها الحزب الذي يقاتل لِلَّه وعن لله وفي سبيل الله، لماذا أنت وحدك تنطلق من أرض لبنان وإليه تعود؟ هل أنت مُخوَّل بأمر لبنان أو بأمر فلسطين؟ هل يقبل عقل منطقك الانتحاري أو أسلوبك الذي سيؤدي إلى حرق البلد ومن فيه؟

 

يراوغك كل الأفرقاء لأنهم يخافون من أسلحتك التي صانتها سوريا لمثل هذا الإحراج التي فيه سقطت تتخبط.

لا أنت تقدر إلغاء الآخرين ولا الآخرون يريدون إلغاءك كمواطن لا كمسلَّح. تطالب بالطائف والاتفاق هذا ينص على تجريد كل الميليشيات من السلاح بما فيهم أنت يا "حزب الله"، كما ينص على الإلتزام بمعاهدة الهدنة ونشر الجيش على الحدود.

 

للخروج من المأزق أنصحك بالتخلي عن لغة التخاطب بالقوة واطرح السلاح خلف ظهرك وتعال نبني وطنا مزدهرا يسير مع مسيرة المدنية والعمران. هلَّم معا نرفع الرؤوس إلى الأعظم مُصلين للواحد الأحد ألله الصمد. أخنق الغريزة بالمحبة والحقد بالحنان والبغض بالوداد والغضب بالتروي.

والحرب بالسلام والانتصار وبغير هذا السلوك سلام على الوئام والإخاء.وإلا لنقسِّم لبنان ويأخذ كل فريق نصيبه رقعة تراب ونعود إلى الجاهلية. إنك فعلا أزمة!

 

8 اذار 2005