الصوتُ لـ "المعلم" والصدى لـ8 آذار!

بول شاوول

 

كنّا نظن أن بين جماعة 8 آذار مراتب وَرُتَباً، بين صغير وكبير وضابط ونفر وجنرال وزعيم وشبه زعيم، وقائد وشبه قائد، بين من يتخذ قراراً مستقلاً أو ربع قرار... كنّا نظن أن بين جماعة آذار من يتميّز عن سواه في العلاقة مع الشقيقتين، ولكن تأكد أخيراً أن حرافيش "8 آذار" متساوون كأسنان المشط، في تبعيتهم الخارجية. وكان يكفي أن يُعلن المعلّم ما سبق أن أعلنه جنرال العمالة ميشال عون وبعض "الرموز" (غير المرمزة) من المراجع "النيابية" وبعض صغار المخربين، حتى يتبيّن لنا أن "السلة" التي يريدون أن يقدموها كشرط (معرقل) من شروط انتخاب العماد ميشال سليمان، ليست موجودة لا في أيديهم ولا على أكتافهم ولا على ظهورهم. إنها كلها في أحضان الشقيقتين: المعلّم أراح رئيس مجلس النواب وبعض نواب حزب الله، وجنرال الخراب عون...

 

من مهمة إعلانهم العرقلة هذه المرة... هو تلا الأجندة المتكاملة، وهكذا سبق الصوت الأصلي هذه المرة الأصداء.. التي تلاشت في الحناجر ولو لحين!وهذا لم يكن مفاجئاً: فمتتبع "سيرة" بتوع 8 آذار على الأرض (وفي السماء أيضاً)، وعلى امتداد السنتين الماضيتين أي بعد خروج النظام الأمني المشترك، وصولاً الى كلام المعلّم، ومروراً بالمحاولات الإنقلابية المتعددة: كانون الثاني الماضي، وحركة العبسيين (الأشقاء) في البارد، واحتلال وسط العاصمة باعتباره إرثاً من آبائهم وأمهاتهم، فمتتبع سيرة هؤلاء يعرف أنهم، فعلاً، بلا سيرة ذاتية: سيرهم من سير الوصايتين. ويعرف أن كل هذه التحركات التي فرضوها على الأرض من إملاءات الخارج، ويعرف أن "تسكير" مجلس النواب بيد رئيسه المفدى هو قرار خارجي، ثم يعرف أن كل العراقيل التي وضعت وتوضع، لإحداث الفراغ، تمهيداً للسطو على النظام والسلطة، والحكم بالقوة والابتزاز والإرهاب، هي من لدن "ملائكة" الوصايتين!

 

ونظن أن الجولة العاشرة المفترض أنها ستتم اليوم في البرلمان، ستلقى مصير سابقاتها: هذا ما بشّرنا به الوزير المعلّم، وهذا ما سبق أن ردّده ببغاءات 8 آذار من دنيويين وإلهيين وآدميين وغير آدميين. وهنا نتساءل: أي قيمة بقيت لما يمكن أن يردده أي "رمز" من رموز 8 آذار بعد كلام المسؤول الديبلوماسي السوري: لا شيء! الكلام من هناك! والصدى عندنا من هنا! ومن سيُصغي غداً لما يجعر به هذا الحليف برتبة قائد أو ذلك العميل برتبة مخبر: من سيصدق كلمة واحدة من كلماتهم؟ ونظن أن الوزير المعلّم كأنه يقول: ما عاد ينفع أن تحاوروا "حلفاءنا"، فهذه مضيعة للوقت. حاوِرونا نحن: فحلفاؤنا غير موجودين إلاّ لتأدية الأدوار التي نسندها إليهم. ويقصد بالأدوار هنا: الكومبارس. وكأنه أراد أن يقول: هل تصدقون أن هذا الزعيم "الإلهي" وذلك الجنرال اللوناتيكي، وذلك القائد التاريخي، هم موجودون فعلاً؟ نحن موجودون بقراراتنا، واستراتيجيتنا، وأسلحتنا وما هؤلاء سوى جنود صغار في جيوشنا!

 

بل كأنه يقول: لا تصدّقوا لحظة أن صوتاً واحداً ينطق من جماعتنا الآذارية من دون علمنا! أو أن قراراً واحداً يصدر عنهم وهو ليس قرارنا!

هذه الأمور لم تفاجئ. ولطالما تردد ما نورده اليوم. وهذا يعني أن عملاء 8 آذار، كأدوات وأشباح، وأخيلة ظل، سينفذون كل ما تطلبه منهم "الشقيقتان" (عنوان ميلودرامي يصلح لفيلم هندي!).

 

ونظن أن ما يريدونه من وراء محاولات تعطيلهم الحلول التوافقية مصادرة إرادة أكثرية الشعب اللبناني. وما الخطوات الإنقلابية التي تمت سوى محطات في مسلسل متكامل: يبدأ بتعطيل الاستحقاق الرئاسي، ويكمل بإحداث الفراغ. والفراغ هنا مرحلة أيضاً من مراحل إحداث الفوضى، وتفريغ البلد من مكوّناته ومقوّماته الدستورية والسياسية والاجتماعية والأمنية، لفرض "حلول" تؤدي الى تحويل النظام برمته، وتجويفه، وكسر المعادلات المتفق عليها في "الطائف"، ومن ثم الهيمنة الاستبدادية لتسريب الوصايتين الى كل مفاصل السلطة.

 

هذا ما تريده الوصايتان. من أجل العودة المظفرة الى لبنان، وتحويله خرقة في جيوب هؤلاء، أو منصة لحروبهم، أو ساحة لمطامعهم وفسادهم أو أرضاً سائبة ملحقة بحدودهم. وهكذا يرجع لبنان ساحة حروب بديلة: فبدلاً من مواجهة العدو الصهيوني في الجولان يواجهون اللبنانيين في لبنان. وبدلاً من مواجهة الأميركيين في إيران، يواجهونهم في الجنوب اللبناني عبر إسرائيل! أما لماذا لا تحارب إيرانُ إسرائيلَ من إيران وهي تمتلك ما تمتلك من صواريخ قادرة على ضرب عمق إسرائيل، فهذا سؤال غريب. أما لماذا ترسل الأسلحة الى لبنان لمحاربة إسرائيل من لدن الشقيقة، ولا تحارب الشقيقة إسرائيل في الجولان، فهذا سؤال غريب أيضاً يصل الى حدود الخيانة، والعمالة: أنكون عملاء إذا قلنا إن العدو موجود في الجولان وليس في بيروت. أنكون عملاء إذا قلنا لهم: إسترجعوا أرضكم من المحتل الصهيوني! إذاً: حروب البدائل ما زالت قائمة، وآخرها كانت حرب تموز الأخيرة. بمعنى آخر: يريدون أن يفاوضوا سلمياً إسرائيل وعلى لبنان أن يحاربها عسكرياً باسمهم ولمصلحتهم! بمعنى آخر أيضاً: يريدون أن يزجّوا باللبنانيين كوقود في حروبهم وصراعاتهم، ويُحيِّدوا بلدانهم! والغريب: أن بعض اللبنانيين، من وكلاء وسفهاء وعملاء، يقبل هذا الدور البديل، ويخوّن كل من يطالب بعكسه: أي استقلال القرار الوطني في اتخاذ خيارات الحرب والسلم (تأملوا أن هذه الخيارات يمسكها حزب "لبناني" يأتمر بالإخراج: أي أن لا سلمنا بأيدينا، ولا حروبنا بأيدينا! براو!).

 

لكن الأمور لن تستوي لهؤلاء "البدائل" والاستعارات (الخارجية)، ولن ينجحوا حيث فشلوا على امتداد سنتي السيادة والاستقلال. فالمواقف قد انكشفت كلها اليوم. وما عاد يجدي لا اللعب على الكلمات، ولا على الوقت، ولا على الأعصاب، ولا على الغرائز. فالمعلّم قالها وسبق أن قالها افشل وزير خارجية عرفته سوريا أي فاروق الشرع. قالوها للجميع علناً. لكن المضحك أن تسمع "خرتيتاً " كميشال عون يصرح بملء "خواته": حاوروني أنا! أنا أو لا أحد. السلة معلقة في كتفي. سلة الشروط. والعقد والحلول: "ألا يخجل ميشال عون بعد تصريحات المعلّم والشرع من ادعاء دور له في الوقت الذي فتحت السلة فاذا فيها شروط الوصايتين!

 

والمضحك: ان بتوع 8 آذار (والله !عتاق! وحرابيق) فوضوا جنرال الخوات ان يفاوض باسمهم. طبعاً من خلال الشروط السورية ـ الايرانية. وابو الميش صدق انه مكلف التفاوض "باسمهم" وصدق ان معه "سلة"، وصدق انه "موجود" ! وما ينطبق على ميشال عو... ينطبق على من فوضه: اذ أوكل لهؤلاء، ومن أجل عرقلة التوافق ان يفوضوا عوناً، بالشروط المرسلة اليهم بالسلال السورية، واذا صدق عون انه مكلف، فهؤلاء صدقوا ايضاً انهم فوضوه!

 

لعبة مرايا! لعبة دمى! لعبة ظلال! ولكن لعبة الخطر ايضاَ: ماذا ينتظر هؤلاء المستظلون "خيم" الوصايتين: ان تستسلم الأكثرية وتعطيهم ما يريدون؟ ان تقبل مجيء رئيس جمهورية (كإميل لحاحيد) بلا حول ولا قوة، اضافة دمية تشبههم! أو ان تُقدم الأكثرية على انتخاب رئيس بالأكثرية المطلقة: فلربما تكون ذريعة لهم (كما تخطط الوصايتان) للاقدام على مغامرات جديدة لا تختلف كثيراً عن مغامراتهم الدموية السابقة، واذاً ستكون النتيجة: تدمير البلد وضرب الاقتصاد ومزيداً من الخراب على الجميع، ومع هذا لن تغير مجازفاتهم المحتملة شيئاً: وكما أفشلت جموع 14 آذار منقلباتهم العديدة وَصَدَّتْ اعتداءاتهم، وقاومت تخريبهم، وردتهم على أعقابهم الى حيث "كلفوا" فستعاود الجموع حماية الإنجازات السيادية والاستقلالية والديموقراطية والمقررات الدولية (المحكمة: بيت القصيد) وأكثر: سيزداد التعاطف العربي والدولي على لبنان، وسيزداد تمسك المجتمع الدولي بمقرراته.

 

واذا أرادوا (بتوع 8 آذار أو عبابسة الداخل)، اللجوء الى السلاح. فلن تكون الحصيلة بافضل مما كانت مع احراق الدواليب وتكسير السيارات والاعتداء على الممتلكات العامة والاغتيالات التي يتبنونها بحرف الانظار عن القتلة الحقيقيين. ولا يظنن ان "نصراً" الهياً أو ميدانياً.... سينتظرهم. بل ما ستنتظرهم لعنة التاريخ، والدين والعالم والوطن.

ما العمل اذاً: الوصاية السورية تقدمت الى المنصة كطرف مباشر باعلام مباشر، وبشروط مباشرة، وحلفاؤها يصطفّون وراءها يرددون كجوقة حسب الله أناشيدها "القومية" المظفرة.

 

فالمواجهة لم تعد مداورة بين 8 آذار و14 آذار وانما صارت مباشرة بين 14 آذار والوصايتين! خُلعت الاقنعة وبانت النواجذ. وظهر أن "سلال" بتوع 8 آذار فاضية، لا أثر حتى لبصماتهم عليها، وان السلال المليئة بالافاعي والعقارب. موجودة لدى الوصايتين. بل وبدا أكثر فأكثر أن "زعماء" 8 آذار "تَنَحّوا" الى الخلف، وكأنما ما عادت الوصاية تحتاج الى من ينطق باسمها، ويعرقل باسمها، بل تحتاج الى من يضرب بذراعها، ويحرق بنيرانها، ويحارب بسلاحها، وينقلب بحسب خططها المعلنة. ولهذا بات من غير المجدي حتى ملامة 8 آذار أو حتى باعتباره طرفاً مقابلاً: فقد تخلوا عن دورهم الوطني كلبنانيين، وذابوا في الادوار الثانوية الخارجية، فَلِمَ التفاوض معهم اذا كان المفاوض الاصيل في مكان آخر. ولماذا تصديق مواقفهم ومبادراتهم اذا كانت المواقف والمبادرات في أمكنة اخرى: أيعمد 14 آذار اذاً الى محاورة الاصيل لا البديل:

أم تعمد الى عدم التمييز (جدلاً) بين الاثنين، وعندها عليها ان تستنفر كل ما تمتلكه من علاقات وطاقات وناس لصد الوصايتين عبر 8 آذار وصد 8 آذار عبر الوصايتين.، ونظن ان المواجهة لن تنتهي لا بانتهاء الاستحقاق الرئاسي ولا حتى بتأليف الحكومة... ولا حتى بتعيين قائد جيش... وانما ستكمل المواجهة لأن الوصايتين عبر وكلائهما الالهيين والقومجيين، لا تريدان هذه المرة المشاركة في القرار، بل القرار كله، ولا تريد ترميماً للنظام، بل تدمير النظام، ولا انقلاباً محدوداً على الحكم، بل الحكم كله، وهذا كثير عليهم لأن أكثرية الشعب اللبناني وبرغم معاناتها خراب عبابسة الداخل، قادرة علي حماية نفسها وكيانها وجمهوريتها وديموقراطيتها ودستورها ووجودها!والحكومة التي تمثل لبنان "المقاوم" المدني والجمهوري والدستوري والديموقراطي مطلوب منها وبقدر تخلّيها عن "الخطاب الاعتذاري" ان تتنكب ما يمليه عليها الواجب، ومسؤوليات الحكم وادارة البلاد لكي تُفَوِّت على اهل "السلال" الفارغة فرضهم الفراغ... والفوضى والتخريب لاحداث خلل عضوي في هيكلية الدولة.

 

المستقبل - السبت 22 كانون الأول 2007 -