الحروب أنهكتهم والتحديات عرَّت زعماءهم

المسيحيون... الخيار الثالث

الكاتب شارل جبور

 

“إن لبنان على أبواب مرحلة تاريخية جديدة بالغة الأهمية والخطورة، ما يستدعي مواكبتها بكل تفاصيلها للمحافظة على نهائية لبنان وسيادته والوجود المسيحي الحر فيه نظرا الى الارتباط الوجودي بين المسيحيين ولبنان”، هذا ما خلصت إليه أوساط سياسية مسيحية تدفع باتجاه قيام حركات وأحزاب مسيحية جديدة تحمل مشاريع وبرامج مستقبلية، لأن برأيها لا خلاص من الإحباط إلا بخلق رؤية تجمع المسيحيين حول ثوابت وقواسم مشتركة، وتعيد إليهم الريادة ضمن الشراكة.

تعزو أوساط سياسية مسيحية بارزة، تعمل على خط بلورة خيار ثالث داخل الصف المسيحي، أسباب تنامي ظاهرة نشوء أحزاب أو أطر سياسية مسيحية إلى حال القلق الواسع الذي ينتاب المسيحيين على مصيرهم ومستقبلهم، في ظل غياب رؤية سياسية واضحة المعالم، وانعدام الثقة بالمكونات القائمة، خصوصا بعد تبديدها سريعا للفرصة الأخيرة التي مُنِحوا إياها بعد انتهاء زمن الوصاية السورية، وانطلاقا من مقولة “من جرب المجرب كان عقله مخربًا”.

فبعد ثلاثين سنة من الحروب والوصايات، انهارت المقولات التي قامت في وجه المسيحيين الذين أثبتوا صوابية الخيارات السياسية والاقتصادية والثقافية التي اعتنقوها واعتمدوها، غير أنهم فوتوا على أنفسهم فرصة استثمار الانتصار التاريخي المتمثل بالخروج العسكري السوري من لبنان في 26 نيسان 2005 تعزيزا لدورهم وحضورهم، إما لعجزهم الذاتي المتأتي من خروجهم منهكين ومتعبين من المقاومة العسكرية ومن بعدها الممانعة السياسية، وإما بفعل تطويقهم ومحاصرتهم بأمر واقع سياسي-انتخابي قديم-جديد خشية خلعهم رداء الإحباط واستعادتهم الريادة ضمن الشراكة.

وتقول الأوساط أن مستقبل المسيحيين في لبنان يتوقف بشكل أساسي على مدى قدرة الجماعة المسيحية على الصمود في أرضها أولا، وإقناع دول القرار ثانيا بأهمية دورها ومركزيته في نشر الديمقراطية والدفاع عن الحرية والحد من انتشار الأصولية، وابتداع ثالثا أفكار ومشاريع تعبئ المجتمع المسيحي من جهة، وتشكل عامل جذب للشركاء الآخرين في الوطن من جهة ثانية.

لا شك أن هذه العوامل الثلاثة تشكل مجتمعة “عدة الشغل” المسيحية المفترضة، ففي غياب الالتزام المسيحي بالرسالة المدعوين إليها في هذه البقعة من العالم التي تعطي معنى مختلف لوجودهم، وانكفائهم المستمر عن القضايا الوطنية والمصيرية، وميلهم الدائم نحو الهجرة عند أول اهتزاز أمني أو سياسي، يصعب على الدول الغربية تبني قضيتهم، ويسهل على شركائهم مهمة الهيمنة على قرارهم والاستئثار بمواقعهم داخل مؤسسات الدولة وخارجها.

فالمطلوب إذا، وقبل أي شيء، التمسك بوجودهم ودورهم ورسالتهم لإظهار أنهم يستحقون فعلا هذه الأرض، ليصار بعدها إلى تثبيت حضورهم سياسيا داخل الجغرافية اللبنانية، وإبقاء قضيتهم، أي لبنان السيد الحر المستقل والمتعدد، على رأس أولويات المجتمع الدولي.

وتؤكد الأوساط أن أخطر ما يتهدد جماعة معينة شعورها بعدم الطمأنينة الى وجودها واستمراريته والاسترخاء النضالي والسياسي، والأمثلة على ذلك كثيرة، من اليهود إلى الأكراد مرورا بالأرمن وغيرهم، ما يستوجب دائما، ليس فقط إشعار مجتمع معين بأنه مهدد بالخطر والزوال، لأن الانغلاق والتقوقع يولدان التعصب والعنصرية، ويحولان دون الانفتاح على الآخر أو الإلتقاء معه على قواسم مشتركة تحفظ خصوصية كل منهما وتفتح آفاق التعاون لما فيه خير البشرية جمعاء، فالانكفاء خطأ والانفتاح إلى درجة الذوبان خطيئة، إنما المطلوب إشعار أي جماعة أنها إذا فقدت المشروع والهدف فقدت تلقائيا مبرر وجودها.

فالتعبئة في هذا المجال ليست بالضرورة في المنحى السلبي بل في السياق الإيجابي الرامي إلى تأكيد التفاعل بين الهويات المتعددة على قاعدتي الشراكة والتوازن، وما ينطبق على المسيحيين ينسحب على الطوائف الأخرى، فالضعف من مسؤولية كل جماعة بمفردها، والشراكة كما الحرية تؤخذ ولا تعطى.

وفي السياق ذاته، تذكر الأوساط بتجربتين مسيحيتين مضيئتين في تاريخ لبنان الحديث، الأولى تتمثل بالفكر الاستقلالي المسيحي الذي تبلور إبان المتصرفية ووجد ترجمته بعد الحرب العالمية الأولى في السعي إلى تثبيت جغرافية لبنان في العام 1920 ومن ثم إعلان استقلاله في العام 1943، والتجربة الثانية تكمن مع حزب الكتائب، بعد العام 1969، وبشير الجميل بعد حرب السنتين، اللذين تمكنا من تعبئة المجتمع المسيحي دفاعا عن نهائية الكيان الذي يحفظ وجودهم. ففي المرحلتين استطاع المسيحيون، إن في المبادرة سعيا وراء الاستقلال، أو دفاعا عنه، من إنجاز الكثير كي لا نقول المستحيل، ما يثبت أنه عندما ينوجد المشروع وتتوضح الرؤية، تسهل المهمة وتستقيم الأمور.

أما مرحلة ما بعد العام 1943 فهي شبيهة بنتائجها ومفاعيلها، مع اختلاف الظروف والمعطيات والأوضاع، بمرحلة ما بعد العام 1990، فالأولى شهدت استرخاء مسيحيا ناتجا من الشعور بالانتصار والنشوة بعد الحصول على الامتيازات داخل الحكم، والثانية شهدت انكفاء مسيحيا ناتجا من الشعور بالهزيمة والإحباط بعد إقرار الإصلاحات الدستورية في الطائف وفقدان الامتيازات. فالمشترك بين مرحلتي الاسترخاء والانكفاء، الانتصار والهزيمة، غياب المشروع والرؤية.

وتتابع الأوساط: انحصر الهم المسيحي طوال عقد التسعينات ومطلع الألفية الثالثة باسترجاع السيادة كمدخل لاستعادة التوازن، ولكنهم بعد إنجاز السيادة وقعوا ضحية التحالف الرباعي من جهة، وتمنياتهم غير الواقعية من جهة أخرى، إذ يصعب، حتى بعد الانسحاب السوري وخروج الدكتور سمير جعجع من السجن وعودة العماد ميشال عون من المنفى، العودة بالزمن إلى الوضع المسيحي عشية التوقيع على اتفاق الطائف، فهناك عقد ونصف من الاستهداف المنهجي والمبرمج للمسيحيين لم يقتصر فقط على تزوير التمثيل النيابي والوزاري وضرب مؤسساتهم الحزبية وإقصائهم عن الإدارة، بل تعداه إلى الإخلال عمدا، ولأهداف سياسية مكشوفة، بالتوازنات الديمغرافية من خلال إقرار مرسوم التجنيس.

غير أن تمنياتهم بوحدة الصف المسيحي والموقف كانت واقعية جدا على عكس ما سبق وتشكل حاجة ماسة خصوصا بعد الحال المزرية التي وصلوا إيها، ولكنهم تفاجأوا أن “المسيحيين لم ينسوا ولم يتعلموا” على حد قول البطريرك الماروني، فعادت الخلافات والانقسامات والشرذمة إلى المناخات نفسها التي خبروها باللحم الحي في أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات.

ولم تتأخر المفاجأة الثانية من الظهور في الحرب التي افتعلها حزب الله في تموز الماضي والتي عرّت القيادات المسيحية حيث ظهرت فاقدة للمبادرة والعلاقات العربية والدولية ومغيبة عن مسار الأحداث حربا وسلما.

في هذا الوقت بالذات، تداعت القوى الحية داخل الجماعة المسيحية للتفكير مليا بما يمكن القيام به لاسترداد المبادرة السياسية والبحث عن خيار سياسي يجمع بين أولوية السيادة لدى قوى 14 آذار المسيحية من دون إغفال شبه اكتمال مسار اللبننة لدى الجماعة السنية، وأولوية التوازن لدى ميشال عون مع الأخذ في الاعتبار أن شيعة اليوم هم نسخة طبق الأصل عن سنة الأمس، وذلك من خلال وضع خارطة طريق تحدد بوضوح الأولويات الواجب اعتمادها، من أجل عودة الروح إلى الجسم المسيحي والتأثير بقوة في مجرى الأحداث منعا لأي تسويات على حسابهم وتأكيدا لدورهم الطليعي في دفع الدولة باتجاهات مختلفة إلى الأمام وحرصا على الشراكة لترسيخ المكاسب التي تحققت مع الآخر منذ العام 1920.

وعلى هذا الأساس، انطلقت ورشة العمل، اجتماعات أسبوعية دورية تبحث وتدرس الأوراق السياسية التي تكفلت بإعدادها لجان متخصصة تجتمع يوميا منبثقة عن اللقاءات العامة مهمتها التوصل إلى أرضية مشتركة وتفكير مشترك وتواصل مشترك، تمهيدا للإعلان عن تجمع أو لقاء أو حزب جديد.

وتقول الأوساط أن سرعان ما انفرزت المجموعات، على قاعدة التلاقي، منها المنتديات الفكرية التي تجمع نخبة من المفكرين والباحثين والأكاديميين والإعلاميين الذين انقسموا بدورهم بين من يتطلع إلى وجود دائرة مسيحية مهمتها الوحيدة تنحصر بالتخطيط ورسم الاستراتيجيات وإعداد الملفات والدراسات التي تعنى بأوضاع المسيحيين على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية والديمغرافية... دون أن تلامس العمل السياسي الميداني المباشر، ومن يسعى إلى الجمع بين العمل والتخطيط، لأنه لا يجوز وضع نتائج ما تتوصل إليه اللجان المتخصصة على طاولة السياسيين أو الأحزاب والتيارات الفاقدة للمشروعية السياسية والثقة الشعبية “بالنسبة للمجتمعين طبعا”.

وبعد النقاش والبحث المستفيضين في إيجابيات وسلبيات كل خيار، قر الرأي أخيرا على الجمع بين الفكر ووسائل الضغط والعمل. ويبدو أن من بين هذه المنتديات من سيبصر النور قريبا وأخرى لن تتأخر عن اللحاق بها.

أما من الجانب الآخر، فلقد برزت بقوة أيضا حركة الأطر الـميني- حزبية” التي تشكلت في زمن الاحتلال السوري والتصحير السياسي والاستدعاءات اليومية الى مراكز المخابرات، وفي ظل تغييب الأحزاب والتيارات المسيحية، وتضم مناضلين سابقين في هذه الأحزاب.

فالآثار التي خلفتها حرب تموز على اللبنانيين عامة والمسيحيين خاصة دفعت بهذه الأطر إلى حسم خياراتها سريعا والإعداد لنقلة سياسية نوعية كانت لا تزال تتردد في مقاربتها. برز أمامها تحديان، الأول يتعلق بتطوير بنيتها التنظيمية لتصبح حيثية سياسية حزبية بذاتها، والتحدي الثاني استدعته الحاجة إلى إنشاء نوع من لقاء شبيه بتجربة قرنة شهوان، يجمع هذه الأطر التي باتت تتعدى السبعة، إلى جانب الحيثيات السياسية الفردية.

الحاجة التي أشرنا إليها مردها موضوعيا إلى ضعف إمكانات كل إطار بمفرده مقارنة مع الأحزاب القائمة التي تحتكر المنابر الإعلامية وتتمتع بمشروعية تاريخية أساسها الحروب العسكرية وقدرات مالية هائلة (مقارنة مع هذه الأطر وليس مع حزب الله الممول إيرانيا وتيار المستقبل سعوديا)، مما يضعف تأثيرها على مختلف شرائح المجتمع ويبقي دورها ثانويا ومحصورا في مجالات محددة وضيقة.

فالخيار المطروح أمامها إذا هو أن تأتلف ضمن إطار مشترك بغية أن تفرض نفسها بقوة على المسرح السياسي اللبناني والمسيحي، خصوصا أن ما يجمع بينها أكثر من أن يعد ويحصى، فهي لها أولا رمزية مهمة كونها تعيد جمع المقاومين الذين تعاقبوا في المقاومة اللبنانية منذ العام 1975 وفرقتهم الأحداث وأبعدتهم حروب التدمير الذاتي، ومؤمنة ثانيا بالتغيير والديمقراطية والتعدد والتنوع والحق في الاختلاف بعيدا عن التوارث السياسي ومنطق التعيين والولاء للزعيم، وحريصة ثالثا على بلورة استراتيجية جديدة تكون بمثابة خيار ثالث ينسجم مع الدور التاريخي للمسيحيين في لبنان، ويجمع بين دينامية الحركة والثوابت السياسية.

وتكشف الأوساط أيضا عن بعض العناوين التي يتم تداولها في اللقاءات الثنائية التي تجمع الأطراف، من التمسك باتفاق الطائف كنص دستوري ومرجعي لحل المشاكل الداخلية والدعوة إلى تطبيق كل مندرجاته وأهمها اللامركزية الإدارية الموسعة وإقرار قانون انتخابي يتيح إيصال 64 نائبا مسيحيا بأصوات المسيحيين، إلى ضرورة الانفتاح على المسلمين والتواصل معهم مع استبعاد مرحليا فكرة نشوء رابط حزبي قبل التوصل إلى تفاهم في العمق على المسائل الخلافية، كي لا تتكرر تجربتا الكتلتين الدستورية والوطنية اللتين انهارتا عند أول استحقاق جدي، والعمل مستقبلا، بعد ترييح الطوائف، على تطوير الصيغة السياسية انسجاما مع ما ورد في المجمع البطريركي باتجاه مشروع الدولة المدنية التي تقوم على إعطاء الحقوق للأفراد والضمانات للجماعات. فالمسيحيون في حاجة إلى ضمانات تكون في صلب بنية الدولة، للمحافظة على الحد الأدنى من المفاصل الأساسية داخلها.

هذا غيض من فيض الأفكار والبرامج المتداولة، اللقاءات والاجتماعات الدورية تمكنت من تذليل الكثير من العقبات والمشاكل السياسية والتنظيمية وقربت المسافات وقطعت شوطا مهما على طريق إنشاء اللقاء الجديد الذي لن يبصر النور قبل العام المقبل، لكي تكتمل كل التحضيرات منعا لأي “دعسة ناقصة” ترتد مفاعيلها على الشارع المسيحي الذي يتطلع إلى تجارب جديدة يتكوكب ويتوحد حولها المسيحيون.

فلقاء قرنة شهوان، بمعزل عن الانقسامات الانتخابية، شكل تجربة ناجحة، بعد الجبهة اللبنانية، لجمع الأحزاب والقادة المسيحيين على أهداف سياسية مشتركة. ولكن ما يميز التجربة الجديدة التي لم تكتمل عناصر انطلاقتها بعد، أن وحدتها واستمراريتها هي من مسؤوليتها وليست وقفاً على بندقية وميليشيا حزبية أو مطرانا مكلفا من بطريرك.

إن مهمة اللقاء الأولى ستكون الوصل بين مختلف المكونات السياسية، وتعميم تجربة أو ثقافة سياسية جديدة تعتمد على التعددية الحزبية بعيدا من عقدة التزعم والترؤس، الجامع بينها مبادؤها وثوابتها، والأولوية تبقى في النضال من أجل تحقيق الأهداف العامة أي المبادئ والثوابت وليس توسلها للوصول إلى غايات وأهداف سلطوية خاصة.

لا تطمح هذه الأطر، وفق الأوساط عينها، أن تأخذ مكان أي حزب أو تيار مسيحي، لا بل أنها ترغب في الانفتاح على الجميع والتعاون لما فيه خير لبنان والمسيحيين، فهي لا تنطلق في مواقفها وأفعالها من خلفيات ماضية أو حاقدة، فالماضي مضى والمطلوب فقط استخراج الدروس والعبر والتطلع إلى المستقبل بثقة وأمل، على أن تكون المواقف السياسية المعيار الوحيد لتحديد مدى القرب أو البعد عن أي إطار سياسي.

ولا تسعى إلى أي منافسة على أرض غيرها، تعلم جيدا أن لكل حزب جمهوره وأنصاره، إنما ترغب في جذب السواد الأعظم من الرأي العام المسيحي المحايد، أي الأغلبية الصامتة، نحو العمل السياسي المباشر والاهتمام بالشأن العام والالتزام بقضايا المجتمع وحمل قضية المسيحيين، وتجديد الثقة بالعمل الحزبي.

إن فشل الأحزاب أو تراجع دورها له أسباب موضوعية وذاتية، أهمها غياب الحياة السياسية الطبيعية بفعل الحرب والوصاية السورية والنظام الأمني وافتقادها إلى الديمقراطية والبرامج السياسية وتحولها إلى الشخصانية، إنما لا حياة سياسية سليمة من دون أحزاب، ما يقتضي إعادة ترميم الصورة لدى الرأي العام وتصحيح المسار الحزبي، خصوصا بعد استرجاع لبنان سيادته وحريته.

وتعجب الأوساط للحملة التي تستهدف الأطر الجديدة باتهامها أنها صنيعة الأجهزة وغايتها الشرذمة وإضعاف القوة المسيحية المركزية، والمقصود في هذا المجال التيار الوطني الحر، لأنه أكثر من يخشى، بعد تحالفه مع حزب الله الذي أفقده جزءا كبيرًا من مؤيديه، أن تنجح هذه الأطر حيث فشلت الأحزاب القائمة، من استيعاب موجات النازحين وتثميرها في عمل مشترك، ما يضع إمكانية استردادها، بعد إعادة تموضعه السياسي، في خانة المهمة المستحيلة.

التركيز على التيار الوطني لا يعني أن الأحزاب الأخرى مرحبة بهذا التطور وليست متضررة منه، إنما نسبة تأثرها أقل، حاليا، من مفاعيلها على “الحزب العوني”.

فالغاية من وراء هذه الحركة، بكل بساطة، فتح الآفاق المسيحية أمام النخب الراغبة في العمل السياسي خارجا عن الاصطفافات الراهنة، وخلق رؤية وأمل جديدين لدى المسيحيين.

“إذا بدأ طبل الموارنة يمكنك أن تسمع طبولا في كل مكان”. تستعين الأوساط بهذه الجملة الشهيرة للكاتب عباس بيضون للدلالة على موقع المسيحيين ودورهم الطليعي في الحقبات التأسيسية. فانكفاؤهم هو الاستثناء وليس القاعدة، فكما شكلت مساهمتهم بالأمس حاجة لنشوء الكيان اللبناني، تشكل اليوم وفي المستقبل حاجة لتثبيت هذا الكيان نهائيا، جغرافيا في حدوده المنصوص عنها في الدستور اللبناني والمعترف بها دوليا، وسياسيا على قاعدتي الحرية والتعددية.

إن نقل عدوى الديمقراطية وتعدد الأحزاب إلى الطوائف الأخرى هي من أبرز مهام المسيحيين في المرحلة المقبلة، وهذا ما التقطته سريعا الأطر الجديدة المنكبة على صياغة هذا المشروع الذي يضع المسيحيين بقوة على أجندة المجتمع الدولي ويعيد لهم الدور والشراكة والريادة، فيتحولوا من تابعين إلى متبوعين في مجال نشر الديمقراطية وتعميمها، مع الحرص الشديد والدائم على عدم المساس بالتوازنات الداخلية المنصوص عليها في الدستور.

عنوان الكاتب اللألكتروني

charlesjabbour@almassira.com

24 تشرين الأول 2006