عون يبدأ معركته الانتخابية على أنقاض خسارته للرئاسة ولهذه المعطيات يسعى للقبض على وزارة الدفاع

بقلم إيلي محفوض محفوض (*)

 

يردد عون مؤخراً أمام زواره من مؤيديه ومناصريه عبارة واحدة مفادها أن معركة الرئاسة لم نخسرها بعد، والانتخابات النيابية المقبلة ستصحح الخلل والخطأ الحاصلين ذلك ان عون يمنّن نفسه باكتساح كافة المقاعد النيابية على خلفية اعتماده على حزب الله، وهو بدأ برسم معالم معركته تلك عبر استنهاض المسيحيين ونبش القبور وتعيير الآخرين بتاريخ أقل ما يمكنه وصفه بأن عون هو جزء أساسي منه، على الرغم من تصوير نفسه، الطاهر المنزّه عن كل الخطايا وهذا ليس بصحيح على الاطلاق، وخير دليل حروبه التي خاضها على المسيحيين والتي سقط بنتائجها العملية المئات دون أن يهتز للرجل جفن، وأكثر تلك المعارك ـ المجازر وأبشعها وأفتكها بالحضور المسيحي الحرّ، تلك التي أطلق عليها اصطلاحاً حرب توحيد البندقية، كون شعاره الذي رفعه أن لا بندقية خارج الجيش اللبناني، ألزمه تنفيذ حرب إلغاء ضدّ المقاومة اللبنانية بجسم القوات اللبنانية، وهذه الحرب هي التي جرّت إلى الطائف، وبسبب الطائف دخل جيش الاحتلال السوري ولأول مرة إلى أهم معقلين للشرعية اللبنانية وأعني بهما القصر الجمهوري ووزارة الدفاع الوطني.

 

منذ اليوم الأول لقبض عون على السلطة وضع نصب عينيه السيطرة الكاملة على المنطقة الشرقية، ولتحقيق هذا الهدف يجب ضرب القوات اللبنانية عن طريق إلغائها بشكل نهائي. ولمّا لم يتمكن الرجل من تحقيق هذا الأمر نكث السوريون بوعدهم له بتنصيبه رئيساً للجمهورية وحصل ما حصل وكان ما كان في ذاك الصباح التشريني المشؤوم يوم الاجتياح السوري للبنان.

 

وعلى الرغم من مرور أكثر من ثمانية عشر عاماً على عون متقاعداً من قيادة الجيش، فانه لا يزال يعتبر نفسه القائد الفعلي لهذا الجيش، وهو يسمح لنفسه بالتطفل على شؤون بعض الضباط والعسكريين على اعتبار انه القائد الأبدي الأزلي من دون أن يراعي الأصول والقوانين التي ترعى هذا الموضوع.

 

ولعل تشكيله لحالات شاذة داخل المؤسسة، عبر تحويل ولاءات هؤلاء للجنرال المتقاعد وليس للمؤسسة بشخص قيادتها، لهو خير دليل على خلفية الرجل الحقيقية الكامنة وراء مطالبته الحثيثة بحقيبة وزارة الدفاع الوطني، ليكون بذلك قد ضرب عصفورين بحجر واحد، والمقصود تأديب حليفه بالأمس غريمه المتني اليوم النائب ميشال المرّ، ومن ثم نقل قرار الدفاع إلى الرابية ليتسنّى له العبث وبحرية مطلقة بالمؤسسة التي لم يفهم بعد أنها ليست ملكاً له ولا هي إرث بإمكانه التعاطي من خلاله وكأنه تحصيل حاصل.

 

وهو بعدما رفع من سقف مطالبه إلى حدّ المجاهرة علناً دون أي خجل بأنه لا يريد لرئيس الجمهورية أن يحصل على حقيبتين سياديتين، وفي حال حصول الأمر فإنه يشترط طائفة الوزيرين، بالفعل غريب أمر هذا الضابط المتقاعد كيف انه لا يسمح للآخرين بالتدخل في أمور الدولة والحكومة فيما هو وبكل صفاقة يشترط حقائب وطوائف الوزراء على رئيس الجمهورية اللبنانية.

 

عون بدأ المعركة الانتخابية النيابية ولو باكراً، وهو وضع العدّة اللازمة لهذه المعركة. ولعلّ العنوان الأبرز لمعركته هذه استنهاض المسيحيين، وقد جاءت الحلقة الخاصة بمجزرة إهدن على شاشة التلفزيون الليموني لتخدم معركته تلك والحبل على الجرّار، حيث سيشهد اللبنانيون في الأيام والأشهر المقبلة حلقات مماثلة حتى لو جاءت من باب نكء الجراح وتحريض المسيحيين بعضهم على البعض وتأليب الرأي العام المسيحي. وهو لن يوفر الكنيسة المارونية حتماً في أسلوبه الرخيص والمتمادي في ضرب المسيحيين وتفتيتهم وشرذمتهم وإحداث المزيد من الشدخ في هيكلية العائلة المسيحية، ولا بدّ من التذكير بما أقدم عليه الرجل على خلفية أحداث 23 كانون يوم أبرز تلك الصورة المزوّرة والمركّبة والتي تُظهر شاب من القوات اللبنانية يصوّب الكلاشينكوف باتجاه عناصر الجيش اللبناني، وهو لم يرتدع بالرغم من كشف زيف وزور صورته المفبركة تلك، بل انتظر الفرصة المناسبة للانقضاض من جديد على القوات اللبنانية فأعاد مشهدية التزوير واختلاق المزاعم عبر ترويج كذبة عشية أحداث الشياح الأخيرة حيث أطلق إعلامه الليموني من راديو وتلفزيون وموقع الكتروني من ان قناصاً على احدى الابنية في عين الرمانة افتعل الأحداث وتسبب بالمشكلة والهدف كل الهدف إحداث المزيد من الشدخ والفرقة بين الجيش اللبناني والقوات اللبنانية، وصولاً مؤخراً إلى عملية نبش اوتوستراد حالات بعد اتهامه بوجود مقابر جماعية مزعومة.

 

الرجل الذي أمضى طوال سنوات توليه لقيادة الجيش يعمل جاهداً لضرب الجيش بالقوات، يعمل جاهداً لترسيخ صورة لدى اللبنانيين أن العدو الأكبر لمؤسسة الجيش هو القوات اللبنانية، ولكن الأصح أن المشكلة لم تكن بين الجيش والقوات بل بين جيش ميشال عون الذي حوّله إلى ملك خاص تابع له وبين القوات، وهو لا يرغب أبداً بنزع هذه الصورة القديمة، لا بل يعمل مستحيلاً وجاهداً لتعميق سعة وهوة الخلافات وتأليب الرأي العام اللبناني على القوات، وهو لم يستكن في سبيل هذه الغاية الملتوية ولن يهدأ له بال ما لم يُبق على هذه المعادلة المرضية التي تلازمه كمزمور عقائدي يريد ترسيخه حتى عند عناصر الجيش، كما يريد فرضه على كل قائد يتولى قيادة الجيش، وكأنه يضع عقيدة جديدة للجيش اللبناني مفادها بقاء الحقد والضغينة بين الطرفين، وهو يسعى باتجاه القبض على حقيبة وزارة الدفاع الوطني لكي يتسنى له تحقيق المزيد من بث وإشاعة هذا الجو لإحداث المزيد من التفرقة والبُعُد، على الرغم من أن كل الميليشيات والاحزاب خلال الحرب اللبنانية اصطدمت بالجيش، إلا أن الجنرال المتقاعد يضع نُصب عينيه الفريق المسيحي، الذي يريده عدواً للجيش، وعدواً لكافة مؤسسات الدولة، ولكن فات الرجل أن محاولاته هذه تسقط الواحدة تلو الاخرى، ولكن لن يرتدع، وهو بدل أن ينقّي صفوفه من الحاقدين، وهو بدل إحلال جو الوئام والتسامح حتى الساعة باتجاه مصدر واحد ولعل سهامه وحربه الدائمة باتجاه بكركي تعطي تفسيراً واقعياً لما يقوم به الرجل من دور سلبي في هذا الاتجاه.

 

إنها لمفارقة أن ينبري زعيم الأكثرية المسيحية في دور سلبي سبّب ويسبب بمزيد من تفتيت المسيحيين وشرذمتهم، وكأنه أعلن حروبه تلك ولا يزال حتى إلغاء وجود آخر مسيحي على أرض لبنان. وهو يستعد من جديد للإمساك بمراكز ومواقع القرار العسكري ليتسنى له فرض إرادته أولاً بفرض اسم قائد الجيش ومدير المخابرات، وتالياً ليكون في قلب موقعية القرار الذي سيمكّنه من الإشراف على كافة التشكيلات العسكرية داخل الجيش، وبالتالي يعود من جديد ليتحكم رسمياً بقرار الأرض وعلى المستوى العسكري في كل مرة تستوجب معها الأمور تحركاً شعبياً كتلك التي خاضها الرجل منذ تاريخ عودته في أيار 2005 وحتى آخر يوم من احتلال العاصمة بيروت.

 

إذاً موضوع وزارة الدفاع سيكون حيوياً بالنسبة لعون، وسيمكّنه من استعادة رونقه داخل المؤسسة العسكرية، وهنا ولإبراز الحالة المرضية للرجل على هذا المستوى، نشير إلى إقدامه طوال فترة معارك نهر البارد على التصرّف بأسلوب يتنافى مع الأصول المعمول بها من قبل ضابط متقاعد مع ضباط في الخدمة الفعلية، ولعل أيضاً ما قاله في إحدى المرات حول الشهداء يؤكد هذا الكلام، حيث انه ومع سقوط الشهداء من فريق 14 آذار الأمر الذي سبّب له قلقاً وازعاجاً كونه لا يفقه معنى الشهادة وهي بعيدة عنه كلياً، ليطل على اللبنانيين ويقول ليس فقط جماعة 14 آذار يسقط لهم شهداء فأنا يسقط لي كل يوم في نهر البارد عشرة شهداء.. وكأن الجيش ملكه..

 

(*) رئيس حركة التغيير عضو قوى 14 آذار

 

17 حزيران 2008