بكركي على كرسي الصلب

حنا عون

ابريق مياه الشرب الموضوع عند مدخل الصرح البطريركي في بكركي لا يفارق مكانه لا صيفا ولا شتاء مهما اشتدت الازمات، وهو في ذلك يطبق كلام السيد المسيح: "كنت عطشانا فسقيتموني".

 

ليس هناك اعظم لدى المؤمنين المسيحيين من الاقتداء بالسيد المسيح، فكيف بنا والحال مع بكركي، رأس الكنيسة المارونية السريانية الشرقية التي سقط اول بطاركتها شهداء الايمان والحقيقة والصمود في الارض والتشبث بها، ولم يساوموا ولم يتراجعوا عن الايمان نظير البطريرك حجولا الذي صلبه المماليك على خازوق في خراج طرابلس واحرقوه ولم يتراجع عن موقفه.

 

وكما صلب المعلم يسوع المسيح على خشبة الاضطهاد والموت، صلب البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير على كرسي الطائفة التي خرج منها الكثير من الاولياء والقديسين، والكثير الكثير من اليهوذا وتجار الهيكل الذين هم على استعداد لخيانة ايمانهم وقضيتهم وقول كل كلمة سيئة وشريرة على البطريرك الماروني انفاذا لرغبة اسيادهم ولشهوة الشرير التي لا تنتهي الى السلطة والمال. ذلك الثنائي الذي ما دخل جماعة الا ودمرها وشتتها.

 

لم يتعرض بطريرك ماروني الى ما اصاب البطريرك صفير خلال رئاسته، لكنه رغم كل ما جرى استمر على هدوئه وصمته المعبر ولم يرفع صوته يوما الا لللمجاهرة بالحق. لذلك تراه يجلس في كرسيه مستمعا الى شكوى الوفود الكثيفة، التي تزوره يوميا حاملة معها ما تتعرض له من ضيق ومهانة وعوز ومشكلات. ورغم حجم الشكاوى الا ان الشيخ الجليل الطاعن في السن والمتقدم في الحكمة، لا يكثر من الكلام، بل يجيب باقتضاب مختصرا الوقت ومحددا مكمن الداء فالرجال لا تقاس باقوالها بل بأفعالها. وللذكرى فقط فأن صوت بكركي والبطريرك كان الوحيد المدوي في زمن الاحتلال السوري ولولا حكمة بكركي وصلابتها ورفض البطريرك القيام بزيارة رعوية الى سوريا ولقاء القيادة السورية البعثية لما كان لكل اليهوذا وتجار الهيكل الذين يتطاولون على البطريرك مكان على ارض لبنان.

 

اهين البطريرك تكرارا واجبره يهوذا وتجار الهيكل وشعب اليهود في احدى المرات على تقبيل صورة قيافا بعدما اجتاحوا بكركي والصقوا صور يهوذا عليها ومزقوا ودنسوا وحطموا. ولكن عند اول فرصة قام البطريرك باستقبال قيافا واللقاء معه، لكي يفهم من يعنيه الامر، ان كلام السيد المسيح لم يكن هباء:

"اغفر لهم يا ابتاه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون". 

 

ولكن عبثا الكلام مع يهوذا وتجار الهيكل الذين لا يكفون عن الترداد:"اصلبه، اصلبه، اصلبه" وهم يرقصون في هذيانهم وجنونهم الى السلطة.

سيد بكركي في نهاية المطاف ليس الا تلميذا صالحا للسيد الحقيقي والاوحد يسوع المسيح.

                                               

بيروت في 16 كانون الثاني 2007