الفقيه» ميشال عون

حسان حيدر

 

يقال، مبالغة، ان كل لبناني يولد مارونياً يصبح على الفور مرشحاً لرئاسة الجمهورية. لكن أكثر من يمثل هذا الحلم الرئاسي اليوم يبدو بلا منازع النائب ميشال عون الذي ذهب به الولع بكرسي بعبدا حد ابتكار واستعارة تعابير وصيغ لم يسبقه اليها أحد من منافسيه المفترضين على «تولي» بلد لا يؤمن مراسه ولا يسهل قياده.

 

والتولي هنا مشتق من «ولاية الفقيه» لأن عون بات اقرب الى حليفه «حزب الله» من قربه لجمهوره الذي توسم خيرا في عودته من المنفى، فإذا نزوح المسيحيين أكبر، وانقسامهم أعمق، واذا الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد أسوأ، واذا الحلول التي يقترحها ويطرح نفسه محوراً لها قبض ريح فحسب.

 

أما «الفقه» فبات على لسان الجنرال المتقاعد في كل مناسبة، كان آخرها بالطبع الجلسة البرلمانية الرئاسية التي لم تكتمل نصابا، حين اعتبر اصرار الاكثرية على حقها الدستوري في انتخاب رئيس جديد بنصاب النصف زائداً واحداً «انقلابا» وتوعد بأن «كل الوسائل لقمع هذا الانقلاب سيكون استخدامها حلالا». وتعبير «الحلال» هذا امتداد منطقي لتعبير «المال الطاهر» الذي استخدمه حليفه لتفسير ما يحصل عليه من تمويل ايراني.

 

وتبنى عون للمناسبة نفسها اسلوب التخوين الذي دأب عليه الحزب ومن شاكله واستلهموه من المدرسة «البعثية» القريبة، فرأى ان انتخاب رئيس اكثري بالغالبية المطلقة «سيكون اشبه بحرب تموز ثانية على المقاومة، ولكن بطرف لبناني هذه المرة»، اي انه، على غرار ما فعل الحزب بعد حرب العام الماضي، وعلى غرار ما فعلت دمشق عندما اعتبرت الغالبية النيابية «منتجاً اسرائيلياً»، علق على «المشجب» الاسرائيلي كل من لا يتفق معه في الرأي ومن لا يجاريه في سياساته ومواقفه، ومن لا يؤمن به مرشحاً وحيداً للرئاسة.

 

ثم لم يلبث ان «أفتى» بأن «لا أحد يصير رئيساً للجمهورية وهو على عداء مع حزب الله»، أي وضع الرئاسة التي يصبو اليها بكل الوسائل في أيدي حليفه وتحت شروطه، ربما في محاولة لإقناع الحليف بعدم التخلي عنه وتأكيد استعداده لقبول شروطه كاملة، بعدما بات الحديث عن رئيس توافقي يعني تجاوزه وتلاشي فرصه.

 

واذا كانت الجلسة الانتخابية التي لم تنعقد أشرت الى امكان بدء حوار او تفاهم ما بين اطراف الموالاة والمعارضة، فإن عون كان الغائب الاكبر عنها عمليا، بل ان حلفاءه تصرفوا وكأنه مجرد ملحق بهم لا غير. فنصاب الثلثين الذي تتمسك به الأقلية يمكن تأمينه بحضور النواب الشيعة فحسب اذا حصل اتفاق مع الأكثرية، ولا حاجة عندها لعون ونوابه ولا لرأيهم في الرئيس العتيد، وستكون مشاركتهم في اي تفاهم شكلية فقط. وسيكتشف جمهور عون انه زج به وبنفسه في معادلة سياسية خاطئة، لم تكرس فقط الانقسام المسيحي بل همشت دور الذين تحدث باسمهم وأقصتهم عن موقع التأثير والقرار وألحقتهم بتركيبة اقليمية لا تقيم لهم وزناً ولا تحسب لهم دوراً ولا تصنفهم بين معتمديها المحليين.

 

لم يعد ينقص عون، لشدة تماهيه مع «حزب الله»، سوى ان يختفي لفترة من الوقت، لعله يظهر بعدها «رئيساً».

 

الحياة/27/09/07/