رسالة مفتوحة الى وليد بك

بقلم نديم قطيش

(اعلامي في قناة "المستقبل")

http://www.annahar.com/content.php?priority=5&table=kadaya&type=kadaya&day=Mon

وليد بك،

 

أكتب اليك من موقع الاحترام الكبير لما تمثل من قامة وطنية كان لها الدور الأبرز في انتفاضة الاستقلال، والامتنان العميق لكل ما فعلته لأجل لبنان، ليس منذ شباط 2005 كما يختصرك البعض بل منذ العام 1998 حين رفضت تعديل الدستور وفق رغبة الوصاية السورية لانتخاب إميل لحود... هذه فترة من الثبات السياسي تبدد واحدة من الخرافات الكثيرة حولك وهي أنك السياسي الأكثر تقلباً في لبنان.

 

وأكتب اليك من موقع الصداقة التي منحتني مشكوراً.

 

ليس خافياً أنك منذ مؤتمر أنابوليس مروراً بأحداث السابع من أيار وأنت تعبر عن تمايزات لا تني تتزايد عن قوى الرابع عشر من آذار وأحياناً، وهذا أخطر، عن ثوابت الحركة الاستقلالية التي لم تنجح، كما لاحظ حبيبنا المشترك سمير قصير، في التحول الى برنامج إصلاح حكم...

 

هذه المواقف سرعان ما توضع في إطار خرافة أخرى إسمها "أنتينات وليد جنبلاط"، التي تجعل منك "نبي" السياسات اللبنانية الذي لا ينطق عن هوى، وذلك كمقدمة ضرورية لاستثمار مواقفك في ضرب معنويات الحركة الاستقلالية.

 

هذا ليس للتقليل من شأن ثقافة لا ينازعك عليها سياسي لبناني، ولا لتجاوز تنوع العدة المعرفية التي بها تقارب الشأنين السياسي والعام، بل للقول إنه ليس من العدل، لك ولنا، أن تحسب كل قراءة لك بصفتها المستقبل الناجز للبلد، وكل هاجس بصفته واقعة يبنى على مقتضاها...

أعرف أنك من بين مكونات قوى الرابع عشر من آذار، الأكثر عرضة لامتحان تداخل السياسة والديموغرافيا، انت المدرك ان الرياح الأربع تعصف بجبل الدروز. وأنك تواجه خصماً لا يرحم هو انتصار العدد على الجغرافيا. فكيف إذا كان هذا "العدد" بالغ التوتر على منعطف استحقاقات حاسمة، أكانت محكمةً دوليةً أم مستقبل دولة الرعاية في النظام السياسي الدولي؟

 

وفي هذا السياق عدت وقرأت بعناية ما سُرّب عن خلوتك ببعض مشايخ الطائفة ولم أفاجأ بتوصيفك لفداحة الاختراق الحاصل، الذي تسميه بواقعية جارحة في تهذيبها، "الضاحية امتداد للجبل". ولن أسألك عن الناعمة حيث الاختراق يرتدي بزة مرقطة بمرجعية سورية أو عرمون حيث البنية التحتية لـ"حزب الله" ماضية كسهم خلف طريدة..

 

وأقرأ بألم ما تصفه بأنه مصالحات على مستوى القواعد الشعبية، وأنت العارف انه لا يعدو كونه دعوة جماعية للعض العلني على الجراح وذروة استكمال مفاعيل السابع من أيار. تعلم ونعلم ان هذا اليوم لم يكن سوى محاولة جادة، وإن مراهقة، لكسر الزعامتين السنية والدرزية للممانعة ضد المحور السوري الايراني وفشلت.

 

لكنها اليوم تحت عنوان المصالحة والتواصل تبدو أقرب الى تحقيق الهدف بنقل وليد جنبلاط الى الضفة الأخرى.

 

يوم بدأت المصالحات قلت إنها تجري على قاعدة كل وفق أدبياته وكل وفق مواقفه السياسية لكن خشيتي كبيرة أنها ربما تجري وفق مسار آخر... المتصالحون معك ما زالوا على عهدهم فأين عهدنا؟؟ ثم ماذا عن فلسطين؟ وأين اخطأت 14 آذار كقوى استقلالية في مقاربة الملف الفلسطيني؟ طبعاً أنا أساجل هنا على قاعدة أن وليد جنبلاط لا يمكن ان يكون "ديماغوجياً" في حديثه عن هذه القضية او شعاراتياً استغلالياً على نحو أنظمة الشقاء العربي. أما وأن القاعدة كذلك فحبذا لو تقدم، يا بك، قراءة موضوعية هادئة لكيفية تطوير البند الفلسطيني على جدول أعمال الحركة الاستقلالية.

 

العدالة تقتضي هنا التذكير أن قوى الرابع عشر من آذار تلتزم علناً موقف الشرعية الفلسطينية التي تمثلها منظمة التحرير. فهل ثمة موقف آخر في الأفق؟ وهل طريق فلسطين الاسلم هي التي تمر حكماً بحارة حريك او بقصر المهاجرين؟

 

أما لبنان أولاً والحساسية المستجدة على هذا الشعار فاسمح لي، بشأنها، أن أتحدث ببعض الصراحة التي أريد.

 

أكاد أقول حسناً فعلنا حين نسينا فلسطين لبرهة كي نتمكن من صياغة حلم لبناني لنا الحق فيه بمعزل عن فلسطين والموقف منها. لن أزايد بالقول إن "لبنان أولاً" بما يعنيه من توفير كامل الدعم لقيامة وطناً معافىً سيداً ومستقلا ومتفاعلا مع العالم على قاعدة الاحترام والمصالح، هو توطئة لفلسطين مشابهة. فالامور أعقد من ذلك. ثم إن فلسطين ليست العدسة التي بها يُرى العالم... كل العالم. ولكن لبنان اولاً وفق ما ورد أعلاه أقدر على الوقوف الى جانب فلسطين وتوفير دعم لها لا يكلفنا الا وسعنا... أما الطائف وتقديمه بصفته معادلة سورية - سعودية فيحتاج الى بعض النقاش.

 

اولاً: لم يكن الطائف وليد هذه الثنائية حصراً بل يضاف اليها إرادة دولية أيضاً عبّرت عنها، على الأقل، الولايات المتحدة في المواكبة الدقيقة لكامل تفاصيل الاتفاق والمفاوضات الجارية بشأنه. وهذا تفصيل لا ينبغي إسقاطه من معادلة قراءة هذا الاتفاق.

 

ثانياً: إن الاستقرار النسبي في لبنان بين العام 1990 وحتى تشرين الاول 2004، تاريخ محاولة اغتيال مروان حمادة، لم يكن وليد إتفاق الطائف بقدر ما كان وليد تأجيل تطبيق هذا الاتفاق بل ومحاولة نسفه في تشرين الثاني 1989 من خلال جريمة اغتيال الرئيس رينيه معوض وانتهاز دمشق لانشغال العالم بالحرب الاولى على صدام حسين لإخراجه من الكويت.

أما اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري فما هو الا المحاولة الثانية لتعطيل إعادة تشغيل عجلات هذا الاتفاق، التي كنت أنت اول المطالبين بها بعد بكركي في برلمان العام 2000.

 

جمد الإتفاق إذا للمرة الأولى بدم الرئيس معوض وجرت محاولة تفجيره بدم الرئيس الحريري.

فأي هرطقة سياسية هذه التي عنوانها "سين سين"؟؟

 

ناهيك أن دمشق لحظة الاتفاق هي غيرها دمشق اليوم لا سيما ما يتعلق حيالها بالعامل الايراني. هذا العامل الذي يخترق سورية بقدر ما بات يخترق لبنان معيداً في كل مرة اعلان بَرَمه بإتفاق الطائف تارة تحت مسمى المثالثة وطوراً تحت مسمى الثلث المعطل وأخيراً تحت شعار الضمانات...

 

وليد بك،

سأصارحك بحقيقة أن جمهور الرابع عشر من آذار الذي تزعجه مواقفك الاخيرة بات محصناً حيال ما قد تُقدم عليه من مواقف سياسية.

 

لا خوف بهذا المعنى على 14 آذار. الخوف كل الخوف عليك.

 

ذات ظهيرة في كليمنصو قلت لي أنك أكثر من يعرف السوريين.

 

"اعرف ماذا يريدون مني"، قلت لي بثقة بطل ملحمي يمضي الى قدره بكل هدوء.

 

 

إعتذار فزيارة ثم لا تلبث أن تأتي الـ "..." أضفت وتابعت رشف الشاي بشرائح الليمون...

 

وليد بك،

 

أنا خائف عليك.

 

**( اعلامي في قناة "المستقبل")      

جريدة النهار 20/07/2009