عون يتجه بخطى حثيثة نحو الاصولية المسيحية.

بقلم/ مهى عون 

 

الاصولية هو مفهوم ساد وانتشر استعماله في التاريخ الحديث، للدلالة على كل الدعوات والحركات السلفية الاسلامية، بغض النظر عن مذهبيتها. والاصولية بدأت سنية بالاساس ولكنها اليوم تتجلى شيعياً، من حيث أنها تأخذ كل مداها الديني وبعدها المدني في ما يسمى بالدولة الاسلامية، أو دولة ولاية الفقيه.

 

واعتبارنا أن النهج العوني يتجه نحو الاصولية المسيحية يرتكز على عوامل واشارات تزداد جلاءً يوماً بعد يوم. فهو متحالف أولاً مع تنظيم ذو فكر شمولي وإيديولوجي أصولي. لذا لا يمكن لمشروعه السياسي إلا أن يكون متناغماً معه .وادعاؤه التمسك بالديمقراطية ليس في محله من منطلق أن نقيضان لا يلتقيان، حتى ولو ادعى أن اللقاء يقتصر على ورقة تفاهم لا أكثر. فاللقاء والتفاهم يحتم بحده الأدنى وجود انسجاماً، و قاسماً مشتركاً يكون الارضية الملزمة لأي اتفاق.

 

وهو أي عون لا يفوت فرصة دون ذكر "المسيحيين" في خطابه مفرغاً هذه العبارة من محتواها الواقعي، ومحولاً إياها إلى محطة للكلام، يأخذ كل مرة بعدها نفساً عميقاً، قبل الاجهاز من جديد على مغتصبي ومنتهكي حقوق هذه الطائفة، الافتراضيين. هذا مع العلم أن موضوع الاجحاف والحرمان هذا لا يتعدى كونه وسيلة شائعة، لطالما أدرك الناس أنها مستهلكة، وتستعمل عادة من قبل الساسة، من أجل جني المكاسب الذاتية،ولا سيما الوصولية منها. 

 

إن تصرف عون الاقطاعي والذي هو أقرب إلى ممارسات رجال الدين في القرون الوسطى في فرنسا، من ناحية الولاء لزعيم الطائفة قبل الولاء للوطن، يناقض أسس ومعايير الدستور اللبناني سواء في ميثاق1943 أو في اتفاق الطائف المعمول به حالياً ، والذي يكرس علاقة المواطن/الدولة. والرسالة الذي يسعى عون إلى إيصالها للمسيحيين هي أن الطائفية السياسية هي أكثر رسوخاً من الدولة، كون الطائفة تقوم بدور الدولة المقصرة في غالبية أدوارها.والمرجعية الطائفية المتمثلة" بالبطريركية السياسية" على حد تسمية الجنرال عون لمركزه الجديد، هي وحدها الكفيل والضامن للحقوق والحامية من الاجحاف والتغييب. وسيكون بالتالي من العبث التنظير لـ "ديمقراطية توافقية" مثلما نص الدستور، ما دام المواطن ضمن هذه الدولة مهدورة حقوقه دائماً، في حال لم يلتجىء ويستنجد بزعيم الطائفة وحامي حماها.  ولما لا يكون بلتالي لهذه الطائفة- الدويلة، تنظيمها المدني، ومصالحها الخاصة، وارتباطاتها الخارجية، التي تقوم على أساس هذه المصالح، أي بعنى آخر سياستها الخارجية الخاصة.ولما لا في المستقبل جيشها الخاص أو ميليشياتها المسلحة؟

 

ننطلق من مقاربتنا لهذا النموذج المتنامي من جديد على الساحة اللبنانية لنؤكد على مسلمات وهي أن الخطاب الطائفي هو من دون شك خير محرك للجماهير كونه يؤجج الغرائز قبل أي شيء آخر. وخطورة ردات فعله خبرها جيداً الشعب اللبناني كونها شكلت أرضية مؤاتية لكل تصفيات الحسابات الاقليمية والدولية على أرضه. ولكن دونه وأخذ العبر فها هو يقع في المطبات ذاتها، بانجراره وراء الخطاب الطائفي من جديد.

 

ومعروف أن المنهجية الاصولية لا تقوم عل العموميات بل تدخل وتهتم بالمسائل المعيشية الصغيرة. فالزعيم أو القائد يهمه الاحتكاك المباشر مع حيثيات الحياة العادية، من أجل الاطلاع على حاجات المواطن المعيشية بهدف الامساك برقبته من طرف حاجاته الاولية، وهذا ما تهدف اليه مؤسسات حزب الله الاجتماعية على أنواعها، وهذا ما يسعى اليه عون عندما يفلش اجنحته على رعيته متوجهاً للدولة العتيدة أياً كانت، كي لا تقتص من المواطنين المحازبين له، على أن تقارعه هو القائد والمسؤول .

 

يبقى لاهل الالتزام المسيحي والواعي، ولذوي الاختصاص من المسيحيين المنورين، الحق في التدقيق في مدى الانسجام بين أهداف عون المتوخاة والمعلنة، وبين الوسائل المتبعة من أجل تحقيق هذه الاهداف. فهو علماني في تفكيره الأولي ولكنه طائفي متشدد في مشروعه السياسي. أي أن تفكيره مبني على تحفيز الغرائز الطائفية بعيداً عن الدعوة إلى التدين. من هنا دعوته للتباين بين "البطريرك الروحي" و"البطريرك السياسي". وبالرغم من كون مبادرته هذه لفصل الدين عن الدولة جيدة بالمطلق، إلا أنه لا يلتزم بها في مشروعه السياسي كونه بعد هذا الفصل يعود ليقحم العواطف الدينية من جديد من أجل استثمارها في برنامجه الوصولي.

 

وأصوليته كما كل الاصوليات هي من النوع الاختزالي القسري، وليس من أصولية العودة ألى روحية الدين وجوهره. وخطورتها كما في كل الاصوليات أيضاً، هي في احتمال أن يؤدي الهاب المشاعر والغرائز عند الشباب اليافع إلى مواقف وتصرفات عدائية، فتتحول الطائفة إلى متراس لحقل الرماية بعيداً عن المعاصرة وعن كل ما يمت إلى الحداثة والديمقراطية بصلة. لأنه عندما يصبح الآخر "آخرا"ً، وعندما يحتم على المحازب الاقتداء بالزعيم الذي يقول" أنا أولاً"، ينمو عند الارواح اليافعة المفهوم ذاته، ويصبح الغائياً يهدد كل مفاهيم العيش المشترك ويؤسس للتباعد والتقسيم. أما تصنيف الآخر بمفهوم عون فهو على الشكل الآتي: المعتدل المسيحي  والذي ينتمي إلى الطائفة المسيحية دون أن يكون طائفياً،  والمسيحي الآخر المتعصب والملتزم بحزب مسيحي طائفي آخر، هو حتماً "آخراً"، أي إما خائن وإما متخاذل وهو مرشح ليكون هدفاً للهجاء والرماية .

 7 كانون الاول 2007