هل المطلوب دعم الحكومة أم مشروع الدولة والتسليم بمبدأ مؤسساتها؟

لا يكفي التمثيل الديبلوماسي فالمسألة أهم من ذلك بكثير

ايلي محفوض - رئيس حركة التغيير

 

من الخطأ بمكان اعتبار تشكيل الحكومة الحالية بتلاوينها ومشاربها المتناقضة، إنجازاً دستورياً، أو انتصاراً للديموقراطية في لبنان، ولعلّ توصيف هذه الحكومة وتحديد حجمها أمر ضروري حتى لا يقع اللبنانيون لاحقاً في صدمة ما قد تعتري الحياة السياسية في الأشهر المقبلة، وتحديداً ما سوف يطرأ من انتكاسات ومناوشات داخل الحكومة ومن خارجها، وهذا الكلام ليس من باب الانتقاد الهدّام بقدر ما هو تصحيح ما تمّ تسويقه وتعميمه في الآونة الأخيرة حول المهام الملقاة على عاتق المولود الجديد الذي أطلّ على اللبنانيين عبر عملية قيصرية صعبة.

 

وإذا كان البعض أشاد بـ"حزب الله" لناحية إهدائه بعض المقاعد الوزارية لحلفائه، إلاّ أن واقع الحال ليس كما اعتقد البعض بأنها مجرد ردّ جميل أو أن الحزب يحتوي الحلفاء ويقدرّهم. كلا، الحقيقة غير ذلك تماماً، فالحزب إنما يحافظ على وجوده ويحتفظ لنفسه بهامش كبير من مساحات المناورة التي سيضطر حُكماً عاجلاً أم آجلاً الى اللجوء إليها وبالتالي تمكين نفسه من إحداث فجوة داخل النظام اللبناني عبر توسيع مروحة المعطلين وبذلك تكون حركته تعتمد على التنويع ليس الطائفي فحسب إنما الحزبي والعقائدي، ولعلّ تمسكه بتوزير قومي سوري كان على رأس حزبه يوم "فتح بيروت" يرمي الى توجيه رسائل في كل الاتجاهات ولعلّ أهمها على الإطلاق، أن زمام المبادرة لا يزال في جيب "حزب الله".

 

الحكومة الأولى لعهد الرئيس ميشال سليمان جمعت الأضداد، ولعلّ الأهم من دعمها بالمطلق هو دعم مشروع الدولة، وقوامه تدعيم المؤسسات والالتزام بالدستور واحترام القوانين، وهنا يتبادر الى الأذهان طرح قديم ـ جديد، مفاده هل أن الحزب الإلهي مقتنع بالكيان اللبناني، كما هو مقتنع بضرورة تعميم ثقافة الدولة والمؤسسات أم أنه لا يزال يبحث عن وسيلة عبر مشاركته الوزارية للإفادة قدر الإمكان لتدعيم مشروعه الخاص وتغذيته مع ما يحويه من مرادفات للدولة اللبنانية ميليشيا مقابل الجيش، مالية خاصة مقابل الخزينة العامة، تربويات مقابل كتاب الجمهورية اللبنانية، الأمن الذاتي مقابل القوى الأمنية الشرعية...؟ هذه هي لبّ المعضلة، ومن هنا يجب أن يبدأ الحوار الآتي على فرس من فرسان القصر الجمهوري، المكاشفة بهذه الوقائع وحدها تؤشّر الى مستقبل واضح للبنانيين، وإذا كان حزب ولاية الفقيه جادّاً هذه المرة بخلع ثوب الدويلة البديلة، وإذا كان حقيقة ما عاد يتطلّع الى إقامة الجمهورية الإسلامية، فإن المطلوب منه إذاً تبديل جوهرية دستوره الخاص الذي لم يتبدّل منذ إنطلاقته في العام 1985 من إحدى حسينيات الضاحية الجنوبية، وهكذا نبدأ فعلاً بمرحلة تأسيس الدولة وتعميم ثقافتها عبر ترجمة عملية لهذا الخيار الطوعي لنخطو لاحقاً باتجاه كل الاستراتيجيات المطلوبة لحل باقي الملفات العالقة والشائكة.

 

ومن جهة أخرى يمكن التأشير الى ما حققته قوى 14 آذار على خلفية تشكيل الحكومة، بحيث أثبتت هذه القوى مرة جديدة أن التعددية الطائفية والحزبية داخل التجمع أرست لدينامية ديموقراطية بعكس الأحادية لدى فريق 8 آذار حيث حقيقة الأمر أن اللون الواحد والنهج الواحد هو المتّبع، فالكل تابع للحزب مهما حاولوا إظهار عكس ذلك. وقوى 14 آذار المجتمعة على المسلّمات والمبادئ الأساسية تُبقي الهامش الأكبر من مواقف بعض أقطابها ليعبّروا بحرية عن آرائهم من دون قيود ولا محرّمات كما هي الحال لدى الفريق الآخر.

 

وعشية انبلاج البيان الوزاري الذي أخرّته مسألة السلاح وحيثية "حزب الله" وموقعه الآني في المجتمع اللبناني، بحيث أنه لا يجوز بعد كل الأحداث والتطوّرات التي حصلت في الآونة الأخيرة ومنها على الأخصّ أحداث أيار، أن تطلّ الحكومة الجديدة على اللبنانيين بإشادة ما أو إطراء بسلاح "حزب الله" وبدوره، من هنا القول السقف الأقصى هو باستعمال لغة الـ"كان" أي ما كان عليه الحزب قبل أيار وبغير ذلك نكون كمن يشرعن ميليشيوية أحداث بيروت والجبل، كما نكون كمن يزيد الناس إذلالاً وقهراً. صحيح المطلوب التوفيق بين اللبنانيين ولكن ليس على حساب فئات شعرت بأنها أُهينت في عقر دارها.

 

وإذا كان التقارب السوري ـ اللبناني الأخير عبر زيارة وزير خارجية سوريا الى بعبدا أخرج نوعاً من قبول على إقامة تمثيل ديبلوماسي، فهذا لا يعني أبداً أن ما تمّ تسويقه على هذا المستوى كاف ومؤشر الى مستقبل مستقر بين البلدين، فالتمثيل لا يعني أبعد من بداية اعتراف من السوريين بلبنان ككيان قائم بذاته، وإذا لم ينتبه البعض فإنه بمجرد إقامة سفارة واعتماد سفراء يعني أنه بات لزاماً التغيير في عقيدة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي لا يعترف أساساً بلبنان كدولة مستقلة، وهذا أيضاً ينسحب على باقي الأحزاب التي لا تؤمن بلبنان وطناً وكياناً قائمين. من هنا التأكيد على أنه لا يكفي إقامة السفارات، ولا يكفي إعلان النوايا، بل المطلوب ترجمة عملية على واقع هذه العلاقات التي لم تعتريها الشوائب منذ الاحتلال السوري للبنان في العام 1976 ولا هي بدأت مع قمع المظاهرات في بيروت في العام 1957 حيث تم اعتقال أكثر من خمسماية سوري، ولا هي تعود الى مشكلة المصالح المشتركة التي أوجدها الانتداب الفرنسي... المشكلة مع سوريا مزدوجة تاريخية ـ جغرافية، وإذا كانت النوايا صادقة في تثبيت سلام حقيقي بين البلدين يجدر بنا المصارحة والمكاشفة والحساب ولا أقول المحاسبة، هكذا يمكن البدء بأول خطوة في مرحلة قد لا تنتهي بالسهل، ولن تكون السفارات هي نهاية المشكلة بل دعنا نقول بداية لشبه حل يبدأ مع هذه الخطوة التي يجب أن تترافق مع كشف مصير اللبنانيين في أقبية زنازين سوريا التي هي أشبه بعالم المجهول كونه ممنوعاً على أي مرجعية إنسانية أو طبية زيارة هذه الأماكن التي تعود في سلوكياتها الى الزمن الستاليني والهتلري اللذين انقرضا من عالم الغرب على عكس بعض دول الأنظمة البوليسية.

 

وإذا كان السوريون مقتنعين جذرياً بأن لبنان للبنانيين، فهذا يلزمهم بضرورة لجم أجهزتهم عن التدخل في شؤون لبنان، كما وعن إقفال معابرهم المستعملة في تمرير الأسلحة والبضائع المهرّبة لزوم الأمور العسكرية، وهذا غيض من فيض من مسائل شائكة يجب معالجتها على الطريقة اللبنانية بتنسيق مع سوريا، وليس بحسب مصالح سوريا الاستراتيجية التي توافق جيوبها في لبنان والمتمثلة بأحزاب وأفراد يعملون لها على حساب لبنان، وهذه المعالجة تبدأ بإقفال بوابة الشام أمام المتآمرين على لبنان من داخل لبنان لتتحوّل العلاقة بين البلدين على المستوى الرسمي وتحديداً بين الحكومتين دون سواهما.

 

 

ايلي محفوض - رئيس حركة التغيير