عن أحوال ابن المقفع والوهّاج والدكْتَر

ريمون جبارة

 

ذاك اليوم اطلّ دولة الرئيس الجنرال على مناصريه أطفال لبنان، وزحلة تحديداً. أطفال سيكبرون غداً ويشكلون رجالات لبنان المستقبل. أطفال حملتهم امهاتهم على صدورهن، ومعهن اكياس حفاضات "روزيرف" اذا ما دعت حاجة التصعيد العفوي لانتمائهم العقائدي، او حاجة اضطرارية تسمّى "زركة" تصيب الأطفال والكبار ايضاً. حفاضات تهدف الى التخلص من هذه "الزركة" في ساحات العنفوان حيث قد لا تتوافر الامكنة اللازمة، لضرورات امنية وربما بيئية ايضاً.

 

كان الاطفال يرفعون شارات النصر بأصابع مفشكلة، حتى ان بعض هذه الشارات بدت مسيئة عن طيب نية من الطفل صاحب الاصابع المفشكلة، وحمدنا الله ان جهاز الامن لم ينتبه الى هذه الاصابع اذ كان يركّز تركيزاً دقيقاً وراء نظارات سوداء على متسلل من جماعة 14 اذار يخفي صاروخاً في جيب قميصه ويضمر السوء لراعي الحفل ومحرّكه الأوحد. ولأن الطفل "بعد بكّير" عليه ان يفهم السياسة العميقة والمستقبلية، كانت السيدة والدته تقرصه في قفاه ليعمل شارة النصر ويصفّق إن استطاع.

 

ولأن الجنرال هو جنرال كل الأعمار وكل الناس والمناسبات، فقد ارتأى ان افضل وسيلة وأقربها للوصول الى الحشد الكريم هي التكلم بلغة "كليلة ودمنة"، من غير الاستئذان من ابن المقفع. وتشجيعاً للأطفال هؤلاء، كان دولة الرئيس الاسبق يسبق جمهوره الحبيب بالضحك بعد كل عبارة يظنّها نكتة، كنكتة الواوي الذي ظن نفسه نمراً وهجم على ثور فأكلها لبطة وسقط في الساقية.

 

لم يكن بطل الاحتفال وحده الذي يضحك بل كان وراءه وجه سعادة نائب زحلة (قائد الحملة الطفولية) الذي ركّب على نيعه ابتسامة تجمّدت في وجهه منذ غادر زحلة حتى نقطة الوصول، سعياً الى نقاط جيدة يخصه بها معلّمه. وكان سعادته مبسوطاً كثيراً لأنه كان حرّ اليدين، ذلك أنه لم يحمل طفلاً على كتفيه ولا تلبّك بتغيير الحفاضات. يكفيه كم غيّر من حفاضات في اجتماع الكتلة، وكلما نظر اليه "المعلم" منرفزاً.

 

لهذه الاسباب كانت فرحة النائب، بل سعادته، "دوبل"، اذ اعتبرها لحظة انتصار على اعداء التكتل معنوياً اذا تعذر خوضها عسكرياً. ودولة الرئيس له الف جولة وجولة في هذا المجال. لم ينسَ اللبنانيون مشاهده على التلفزيون وهو يدخل مدرّعة بالهندام القتالي ثم يخرج من دبابة مع بعض التمويه المرتجل على الطاسة، بواسطة الاعلام الذي حلم به دولة الرئيس آنذاك بتشجيع من مستشاره السابق صديقنا الاستاذ شلالا الذي انشأ له اذاعة خاصة وكان ضارباً عينه على تلفزيون خاص، لذلك في احدى الليالي اختفت من "تلفزيون لبنان" صناديق خشبية كبيرة كانت تحوي معدات ارسال تلفزيونية، هدية من التلفزيون الفرنسي. قيل وقتذاك ان شاحنات غير مدنية حمّلتها واخذتها.

 

ليس بعيداً من مهرجان دعم الأطفال لدولة الرئيس، أطل بعد ايام وهّاج الجبل فهدّد بقطع طريق بيت الدين، ونصح لجماعة 14 آذار بأن يفتشوا عن مطرح ثانٍ، واذا ما سافروا خارج لبنان لانتخاب الرئيس نصح لهم بالبقاء هناك حيث عملوا عملتهم وانتخبوا رئيساً لا يوافق عليه شخصياً. نسي اللهلوب ان اعضاء 14 آذار أحرار في ان يعملوها وين ما كان، ولِمَ لا... عليه!

 

وما دمنا في اجواء شخصيات "كليلة ودمنة" لماذا لا يتفضّل "اصحاب" بعض المتعاطين بالسياسة، كباراً أكانوا ام صغاراً، ليردعوا هؤلاء عن عضّ الناس ويربطوهم في سور حدائقهم، كي لا يكون الشعب اللبناني عرضة للعض من سياسيين ينتمون الى كل التجمعات وخصوصاً تلك المصنّعة برغبات خارجية، مع اعتذارنا من معدّي البرامج السياسية المستفيدين وحدهم، ومعهم ايضاً صاحب المحطة ذو الانتماء المشبوه.

 

27 أيلول 2007