إنه الشهيد مصطفى جحا

بقلم/بيار البايع

 

أرفض لصق العروبة بمن يعتبر نفسه فينيقيا أو سريانيا ولو كنت إلى اليوم أتوخى رضا الناس لما كنت عبداً للمسيح.

إنه الشهيد مصطفى جحا مصطفى جحا هل تذكرون؟ 

 

قلة هم الناس الذين قرروا السير عكس التيار أيام الحرب اللبنانية وكان مصطفى جحا من هذه القلة القليلة التي تمردت على نفسها ومجتمعها واخذت القرار الصعب في الزمن الصعب. يقول البعض أن التمرد اودى به الى الأبدية ويقول البعض الاخر ان اعجابه بالشخصيات اليمينية في لبنان وقربه منها وفي طليعتهم الرئيس المؤسس الشيخ بيار الجميل والرئيس الشيخ بشير الجميل وأركان الجبهة اللبنانية جعلاه كبش محرقة على مذبح الوطن. 

 

كان ذلك يوم الأربعاء 15 كانون الثاني سنة 1992 في السبتية، يوم قرر المجرمون اسكات صوت مصطفى جحا فكانت الجريمة التي هزت الوطن. فبينما هو في سيارته أطلقوا عليه النار فأردوه قتيلاً، فيما أطفاله الثلاثة الذين كان يوصلهم إلى المدرسة يشاهدون الجريمة البشعة.

 

وهكذا غابت شمس ذلك النهار من العام 1992 بعد أشهر من انتهاء حرب المدفع وبداية الحرب الثانية حرب الكبت والحد من الحريات في وطن عشقه مصطفى جحا لصونه الديمقراطية وحق الاختلاف.

 

وفور شيوع خبر الاغتيال اختفت كتبه ومؤلفاته من الأسواق اللبنانية رغم توافرها بأعداد ضخمة.  وصيتي الى المسيحيين لكنه وقبل الرحيل كتب وصيته الى المسيحيين في لبنان وعبرهم الى كل مسيحيي الشرق داعيا اياهم الى التوحد لمواجهة أزمات المنطقة وما تمر به، من مشكلات ومحاولات الغاﺀ وتطرف واصولية تحاول ان تعطي للشرق صبغة واحدة، وهو امر لا يستقيم كما يقول مصطفى جحا لأن في المنطقة تعددية ثقافية وحضارية لا يجوز الغاؤها.

 

وفي الكتاب الوصية بحث فـــي كل طائفة من الطوائف المسيحية وعرض لأهم الكنائس فــي المنطقة والارث الثقافي والحضاري المسيحي والمعاناة التي عرفتها كل طائفة مثل الأرمن والسريان والاشوريين والكلدانيين.

 

ومن خلال هذا الكتاب الوصية أراد مصطفى جحا افهام من يدعي أصالة وتملك الشرق اليوم أن لهذه المنطقة اصول والأصول كانت مسيحية ويشدد على أن تاريخ المنطقة حافل بالوجود المسيحي ولا يمكن نكران دورهم الذي يسبق الإسلام بقرون(كما يقول).  ولعل هذا الكتاب الوصية ينطبق على واقعنا اليوم أكثر من أي وقت مضى لأن الوجود المسيحي في الشرق الى تقهقر في وجه الهجمات الاصولية سلفية كانت ام فارسية. 

 

واللافت عند مصطفى جحا انه ركز اكثر من مرة على ضرورة اتخاذ موقف كنسي جامع لكل المذاهب المسيحية في الشرق كخطوة أولى لتحصين الذات والحفاظ على الوجود والبناء للمستقبل. 

 

من هو مصطفى جحا؟

 بكل بساطة هو اللبناني الشيعي الجنوبي الأصيل الذي رفض اطارا لطائفته غير الاطار اللبناني الصرف فشنت عليه الحروب الشعواء من القيادات الدينية والحزبية في طائفته فنعت بالعمالة وبحليف الانعازاليين وكان دائما يواجه الاتهام بالقلم والموقف والجراة. 

 

خلال فترة الوصاية السورية كان الاتيان على ذكر مصطفى جحا من المحرمات في الصالونات الادبية لانه كان يعتبر وصمة عار بالنسبة اليهم وحتى الآن (وكالعادة في لبنان) لم يتم القبض على المجرمين، علماً أن البعض يقول ان مرجعياتهم السياسية والعقائدية معروفة.

 

لا للتعصب!!! لا للتعصب صرخة مدوية اطلقها مصطفى جحا يوم راى عاصفة الاصوليات بدأت تكشر عن انيابها لافتراس الشرق الحزين فهو آمن وعن قناعة وعلم بحق الآخر بالتميز المطلق مذهباً وحضارة وجذوراً وثقافة ونمط حياة، فرفض لصق العروبة بمن يعتبر نفسه فينيقيا أو سريانيا ورأى ضرورة قصوى لفهم هذا الآخر والتعامل معه بمحبة ومساواة وعدل وإيمان. وكان يردد دوما في مجالسه الخاصة قول القديس بولس :""فلو كنت إلى اليوم أتوخى رضا الناس لما كنت عبداً للمسيح" .

 

مصطفى جحا رغم التغيب المتعمد باق في ضمير الامة و صرخته اليوم ربما تكون اقوى من اي وقت مضى. 

 

31 كانون الثاني/2010