مرتاح ومطمئن إلى مستقبل البلاد رغم "الشهرين الصعبين"

عون لـ "النهار": للمسيحيين الكلمة الأولى في اختيار الرئيس الجديد

ولن أغطي أي مسؤول مذنب حتى لو كان شقيقي 

كتبت هيام القصيفي - النهار 02 ايلول 2005

"اذا كنت الشخص المناسب لرئاسة الجمهورية فستصل الرئاسة الى بيتي، لكنني لن أذهب الى خطبتها. واذا لم أكن الشخص الصالح فلن تأتي. ومهما يكن الامر من المهم عدم خلق اجواء فوضى. وعلى كل مسؤول ان يتحمل مسؤوليته من اجل ابقاء الاوضاع هادئة وتأمين وصول رئيس للجمهورية يستطيع ضبط البلاد".

هذه الكلمات التي انهى بها الجنرال ميشال عون حديثه الى "النهار"، تصح ان تكون بداية الحديث، فالجنرال هو المرشح لرئاسة الجمهورية من دون ان يعلن ترشيحه، وهو الذي سكن قصر بعبدا رئيساً للحكومة الانتقالية، مرشح لها على الاقل من جانب تياره ومؤيديه، فيما يلقى معارضة ابرزها من النائب وليد جنبلاط. معركة رئاسة الجمهورية التي فتحت على خلفية التحقيقات التي يجريها القاضي الألماني ديتليف ميليس معني بها عون بطريقة او بأخرى. ففي اجتماعات باريس كان اسمه مطروحاً، وقد يكون من زاوية رفضه، وهو ما عبر عنه الوزير مروان حماده بقوله ان البرلمان الحالي لن ينتخب الجنرال. لكن عون الذي تصله اجواء باريس ولائحة الاسماء التي طرحت، وبعضها للمناورة وبعضها للاستفزاز، كأسماء ضباط سابقين، وبعضها للمساومة عليها، يحرص بقوة على عدم الدخول في اي من الاسماء، لا بل الابتعاد كلياً عن هذا الملف إلا من زاوية التأكيد ان للمسيحيين الكلمة الاولى في اختيار الرئيس الجديد.

نسأل عون: هل تعتقد ان معركة رئاسة الجمهورية فتحت في لبنان؟

- طالما ان الناس يتحدثون عنها، هم فتحوها. هل هذا هو الوقت المناسب؟ لا أعرف، فهم يتحدثون عن تغييرات في الحكم، من دون وجود مؤثرات حاسمة في ان هذا التغيير سيتم. ولكن اعتقد ان هذه المرحلة تشهد محاولة لتحويل الرأي العام عن المآسي الاساسية التي يعيشها الحكم حالياً. أشعر دائماً ان ثمة محاولات لألهاء، عند حدوث أي أزمة. اليوم تعيش الحكومة ازمة عدم الانتاج والتفاهم، واذا لم يخلقوا قضية الرئاسة والتحقيق الدولي وتضخيم الاحداث، فسينعكس الوضع السيئ على الحكم بكل عناصره، بما فيها الحكومة. اعتقد ان ما يحدث تضليل للرأي العام اكثر مما هو معركة رئاسة.

لكن المعركة فتحت بعد التقرير الاجرائي، وبعد توقيف عدد من القادة الامنيين، وكأن ما يحدث مقدمة للتغيير الرئاسي، وذكر ان اجتماعات باريس بحثت في التفاصيل.

- اذا كانوا ينتظرون تقرير ميليس حتى يفتحوا معركة الرئاسة فأعتقد ان ذلك "أرذل" أنواع الشعور لقيام العدالة في الوطن. يجب ان ننتظر التقرير من أجل الحقيقة وتحميل المسؤولين المسؤولية، وبعدها تأتي النتائج في شكل طبيعي. في حين ان ما يحصل هو تقديم النتائج السياسية على النتائج القضائية، كأنهم غير مهتمين بحقيقة الجريمة وهوية مرتكبيها بقدر ما هم مهتمون بنتائجها السياسية حتي يصلوا الى مواقع معينة في الحكم.

ولكن اذا صدرت مذكرات التوقيف الا يجب فتح المعركة الرئاسية ام يجب انتظار التقرير النهائي؟

قبل كل شيء يجب احقاق العدالة ومن ثم تأتي النتائج. لا نستطيع اعدام اي شخص ثم نحاكمه. ما يطالبون به حاليا هو تنفيذ الاعدام ثم البحث اذا كان هذا الشخص يستطيع الحكم ام لا. نحن قلنا اننا لن نغطي اي مسؤول، وكل من يثبت عليه انه ارتكب جرما ما يجب ان يتحمل مسؤوليته. ولكن لماذا استباق الاحكام، طالما لم يصدر بعد القرار الظني؟ وفي حال خروج هذا القرار، يجب انتظار المحاكمات. طبعا اذا صدر القرار الظني في حق اشخاص معينين فيجب ازاحتهم من موقع الحكم والمسؤولية، وليس قبل ذلك. وفي حال استدعي احد المسؤولين الكبار الى الاستجواب والمساءلة فان الاجراءات تصح. اما اليوم فما يحصل هو نفاد صبر لتغطية القصور في عمل الحكومة.

ولكن الانظار اليوم لا تتوجه الى الحكومة والتعيينات، بل الى ما سيسفر عنه التحقيق من انعكاسات، والكل يسأل لماذا غطى رئيس الجمهورية قائد الحرس الجمهوري مرتين، في حين ان الجنرال عون يتجه الى مكان آخر؟

- لا اذهب الى مكان آخر، انا في مكاني الطبيعي وهم يهجمون الى المكان الاخر. انا في موقعي الطبيعي اتابع ما يصلني من مطالعات ميليس واستنتاجاته. ميليس لم يتهم احدا في مؤتمره والتحقيق حتى الان سري، واستغرب ان الجميع بما في ذلك الصحف، يعلقون ويوجهون الاتهامات في حين ان احدا لم يقرأ ورقة واحدة من التحقيق، ولا يحق له اساسا في الاطلاع عليها. حتى المحقق لا يحق له في ان يدلي بأي امر عن التحقيق قبل انتهائه. انا في الموقع الطبيعي وهم في الموقع غير الطبيعي. ولكن يبدو انه اذا جن الجميع فيصبح العاقل مجنونا والمجانين عقلاء. يريدونني ان اجن مثلهم.

ولكن ثمة من يتهم الجنرال عون بأنه دافع عن الاجهزة الامنية وقال انه ابن هذه المؤسسة وهذه المؤسسة لا ترتكب جرائم؟

- يوجد عدم تمييز لدى الرأي العام ولدى بعض الصحافيين مع الاسف، بين الاجهزة الامنية والاشخاص. الجهاز الامني ليس شخصا، بل يضم الاف الاشخاص، ومسؤولين عن وظائف محددة. اذا تكلمنا على الاجهزة الامنية فهذا يعني انه يجب ان نهدم كل البناء بينما قد لا نحتاج الا الى هدم جدار، او اصلاح باب. يمكن اننا نحتاج الى قاموس لنحدد العبارات التي نقولها. ميليس في مؤتمره تحدث عن متهمين، ولكن أصبح المتهمون قيد المحاكمة بحسب بعضهم. في التحقيق حين يستمعون الى شخص يكون شاهدا ثم يصبح متهما اذا استمعوا اليه ثانية ثم يصبح متهما، ويبقى بريئا حتى تثبت ادانته. اذا تحدثت عن الأجهزة وآسف لأن بعض الذين كانوا وزراء ونوابا وبعض الصحافيين، فهموا ان الدفاع عن الجهاز الامني، يعني اننا ندافع عن اشخاص ارتكبوا ذنبا او اعطيناهم شهادة حسن سلوك. الجهاز الامني لم يتربّ على الجريمة، وان كان فيه انسان ارتكب الجريمة. هل نستطيع ان نقول الشعب اللبناني مجرم لمجرد ان أحد أبنائه ارتكب جرائم؟ الجهاز ليس مجرما بل الاشخاص مجرمون.

يؤخذ عليك انك تمشي عكس التيار ويمكن ان تغطي رئيس الجمهورية، كما أخذ على البطريرك الماروني انه دافع عن موقع رئاسة الجمهورية. اذا وقعت شبهة ما على قائد الحرس الجمهوري، اين سيكون موقف الجنرال عون من رئيس الجمهورية، مع العلم ان ميليس حرص على اعتباره غير مشبوه؟

-- حتى يصدر القرار الظني بكل تفاصيله والشهود والافادات. اذا لم ينسب الى أي انسان تهمة ما فماذا نقول؟ لا شيء. انما تبقى مسؤولية معنوية على رئيس الجمهورية. هناك ذنب ومسؤولية معنوية. فاذا دين ضباط من الحرس الجمهوري ولم يدن رئيس الجمهورية بالذنب، تبقى عليه مسؤولية معنوية. لا أحد يغطيه. لكننا نمنع استباق الامور. لا يحق لأحد ممن هم في المسؤولية او غيرها استباق الامور وتوجيه الاتهامات. حتى الصحف لا يجوز ان تصدر اتهامات وتستبق التحقيق. ما نراه هو معركة تضخيم سياسية ليصلوا الى نتيجة سياسية. يتصرفون كما كانت تحكم المخابرات السورية منذ 15 عاما. حين ذهبت الى اميركا، بدأ المدعي العام التمييزي يوجه تهما الينا عبر الصحف ويحاكمنا، وسميناه حينها القضاء التشهيري. اليوم عدنا الى القضاء التشهيري. توجد قلة ثقافة سياسية قضائية بين السياسيين والذين يكتبون عن هذا الموضوع.

الناس يريدون منك جوابا واضحا، هل سيغطي الجنرال عون رئيس الجمهورية اذا وقعت عليه مسؤولية معنوية؟

- لن أغطي احدا لا معنويا ولا ماديا حتى لو كان شقيقي او من التيار الوطني الحر او من احد افراد عائلتي. يجب ان يدفع المذنب ثمن جريمته. هكذا تربينا في البيت، وهكذا هي تربيتنا المهنية واخلاقنا السياسية. قد يكون الانسان رحوما لكنه لا يستطيع الا ان يكون مساعدا لاحقاق العدالة. وعلى كل انسان ان يدفع ثمن ذنوبه. انطلاقا من هنا نطالب بالتحقيق المالي. ثمة جرائم تتعلق بالقتل. وثمة جرائم تتعلق بسرقة اموال الدولة. ويصعب علينا ان نرى اشد الذين يطالبون بقطع الرؤوس ويضخمون المسؤوليات، يرفضون التحقيق المالي ويرفضون دفع ثمن ذنوبهم، لانهم مدانون.

هل توقيت هذه القضية ملائم اليوم؟

- متى وقتها اذا؟ عندما يكملون دورة سرقتهم. اليوم تنفذ مشاريع بحكم استمرار العمل في المؤسسات، لكن اسعار هذه المشاريع غير مقبولة. متى نوقف دورة السرقة والاهدار، في حين ان لبنان يتأخر اقتصاديا. كيف تتم تجزئة العدالة؟ جميع الذين افسدوا الدولة موجودون وهم يطالبون بالعدالة فلماذا لا تطبق العدالة عليهم؟

"أكبر صفة تمثيلية"

اليوم يفتح النائب وليد جنبلاط معركة الرئاسة ويقول امس النائب مروان حماده ان البرلمان الحالي لن ينتخب عون رئيسا للجمهورية. الغالبية النيابية ليست معك.

- الغالبية النيابية ليست معي. ولكن لم تكن الغالبية النيابية يوما هي التي تحدد الرئيس. ثمة شروط للصفة التمثيلية للرئيس. العماد عون بصرف النظر عما اذا كان مرشحا ام لا، يتمتع بمفرده بأكبر صفة تمثيلية على الارض اللبنانية. واذا كانوا يفكرون برئيس على نمط الذين اختارتهم دمشق كالياس الهراوي والجنرال اميل لحود، فنقول لهم ان هذه الايام انتهت. الرئيس الجديد سيفرضه الشعب اللبناني وسيكون متمتعا بصفة تمثيلية ويكون قادرا على الوقوف على رجليه، وليس العوبة في ايدي بعضهم كما كانوا يفعلون سابقا.

تصلك معلومات عن اسماء بعض المرشحين للرئاسة، هل تعتقد ان ثمة محاولة لاستفزازك بطرح بعض هذه الاسماء؟

- لا يستفزني اي اسم. ولكن ثمة عنجهية يتحدثون فيها عن قبولهم بفلان ورفضهم لفلان. اعتقد ان مصيرهم حينها يتحدد. اسلوب تعاطي قضية الترشيح والانتخابات والاستفزاز كلها امور ترتد عليهم، ولكل منهم ماض غير جيد وليس لهم لا حاضر ولا مستقبل جيد. الاسماء كلها قابلة للطرح وللمناقشة. لكن اسلوب التعاطي هو ما ارفضه. انا لست مرشحا لرئاسة الجمهورية. هل قلت انني مرشح؟ لماذا يقولون ان البرلمان لن يصوت لي؟ هل ترشحت ليقولوا هذا الكلام. هذا هو الاستفزاز في ذاته، وهو سيرتد عليهم.

ما سر هذه العلاقة المتوترة بينك ويبن جنبلاط والتي تكاد تصبح قصة قديمة؟

 

-- اسأليه. انا لا أراه في منامي ولا في صحني ولا في كوب الماء.

 

ں من يختار اليوم رئيس الجمهورية، الكتلة النيابية ذات الغالبية؟

 

-- هل نعود اليوم الى قانون انتخاب 2000 المزور والذي جاء بـ42 نائبا لم ينتخبهم من يفترض ان ينتخبوهم؟ اذا أرادوا تفجير الوضع فليتحدثوا عن أغلبية قائمة على قانون 2000. فليكفوا عن هذا القول لئلا يجبرونا على الرد.

 

ں الكتلة المسيحية منكفئة، الجميع يتحدث عن تغيير رئيس الجمهورية والفريق المسيحي صامت؟

 

-- لا انكفاء، على النقيض، نحن لسنان منكفئين. لكن الحديث حاليا لا طعم له فلماذا نشارك فيه؟ نحن نعتبر أنفسنا رصينين. ننتظر نتائج التحقيق ومن ثم نتحدث.

ں من بين ما يقال حول المعركة، ان ثمة رضا من "حزب الله" على مجيئك رئيسا؟

 

-- لا أعرف لماذا يضعونني في هذه الخانة. تارة يتضايق مني الحزب لانني أتحدث عن القرار 1559، ثم يقولون انني حليفهم في انتخابات رئاسة الجمهورية، في حين ينتخب الحزب غيري، كما حصل في الانتخابات النيابية. الزمر السياسية لديها خبريات تقولها. لكن هذا لا يعني اننا لا نريد ان نكون على وفاق مع حزب الله. هذه الخبريات للحرتقات السياسية.

 

ں ثمة اطمئنان في مواقفك، في حين ان اللبنانيين متخوفون من الوضع ويخشون حتى مرحلة الاستعداد للمدارس، الى ماذا تستند؟

 

-- كلما كان الوضع جديا أكون مطمئنا وأرى الوضع كما هو. انا درست كل الاحتمالات وأعرف ماذا أفعل ومصدر اطمئناني رؤيتي الواقعية. لا أقول ان الامور سهلة، لكن حين يدرك الانسان كيف يتصرف لا يعود قلقا، وخصوصا عندما يشعر انه قادر على السيطرة على الموقف.

 

ں هل تشارك اللبنانيين هذه الرؤية وهم متخوفون من الاشهر الثلاثة المقبلة؟

 

-- هذان الشهران صعبان، سياسيا وأمنيا، ولكن الغريب هو انني عندما كنت في فرنسا وكان الامن سورياً، كانوا يقولون لي لماذا لا تأتي جنرال، فنحن نعيش في لبنان، ممّ انت خائف؟ اليوم انا عدت وصار الامن لبنانيا، ووضعوا رؤساء الاجهزة في السجن، وتسلموا الحكومة وصار القرار عندهم، لكنهم ذهبوا الى باريس. (مازحا) سنطلب من السوريين ان يعودوا كي يعود هؤلاء من باريس. انا مطمئن الى وضع لبنان ومستقبله. لكن بعضهم يقلق حين تتغير اوضاع البلاد لان سجلهم غير نظيف، ولكن المرتاح الى اعماله وماضيه يشعر انه مسيطر على الوضع.

ينصح بعض القيادات المسيحية البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله صفير بالقيام بمبادرة ما، خصوصا ان ثمة حركة سنية شيعية ودرزية، وسط انكفاء مسيحي.

-- لست ضد أي مبادرة، ولكن لا ارى حاجة اليها ماذا يزعجنا؟ ما حدث في البلاد لناحية ارتكاب الجرائم والقلق والاشتباكات، حدثت كلها بين شركاء مزق بعضهم بعضا فيما كانوا ينفصلون بعضهم عن بعض فلنتركهم يعالجون امورهم. ولكن لا يظنوا ان الحل سيكون على حسابنا. هذا خطأ لأن صداما سياسيا سيقع عند ذلك. هم ارتكبوا الاخطاء فلنتركهم يعالجونها، ولكن لا يظنوا ان الحل سيأتي على حساب طرف آخر.

ولكن في ظل انكفاء المسيحيين قد يقولون: نحن نقرر في رئاسة الجمهورية وليس انتم؟

-- هذه فرضيات مستحيلة، حان الاوان ما دام النظام طائفيا لتقرر كل طائفة رئيسها ولا يختار رئيسها احد من خارجها. عندما اردنا ترشيح رئيس مجلس النواب قالوا لنا الطائفة الشيعية هي التي تختار، وحدث الامر نفسه مع رئيس الحكومة. مع العلم ان هذين الرئيسين كما رئيس الجمهورية هما لكل لبنان.

هل تعتقد ان بعد 15 عاما ستكون للطائفة المسيحية كلمتها في اختيار رئيس الجمهورية بالتشاور طبعا مع الطوائف الاخرى؟

-- لماذا يحق للجميع في ان تكون كلمتهم، في حين انتم تسألون السؤال؟ من الطبيعي ان يكون للمسيحيين الكلمة الاولى وليس الاخيرة. الا اذا كانت الكلمة الاخيرة تعني ان الكلمة الاخيرة هي القرار.

لدى من القرار؟

-- القرار مشترك، ولكن يجب ان يأخذ في الاعتبار المسيحيين. اريد ان افهم ما قاله الوزير مروان حماده. قال انه ضد الجنرال عون ولكن فليقولوا لنا لماذا يؤيدون فلانا ويعارضون فلاناً، فليشرحوا لنا الاسباب.