عون لـ«الديار» : اذا قررنا الاعتراض سننزل الى الشارع بنصف مليون

صورة جعجع الجديد لم تكتمل بعد ولم تأخذ كل الوانها

جنبلاط يحب الفيدرالية وكلامه عن صفير كجحا كسر الجرّة للناس تحكي فيه

الديار - ابتسام شديد 29 تموز 2005

اللقاء مع الجنرال ميشال عون كان قبل ان يتوجه الى جلسة مناقشة البيان الوزاري حيث كان يجوجل افكاره النهائية تمهيداً للنقاط التي سيثيرها في هذه الجلسة وكأنه كان يتقصد القيام «ببروفة» لما سيقوله، ليدرك مدى وقع وتأثير مواقفه على مستمعيه تطبيقاً لسياسته المعروفة التي يقول فيها داخل الجدران الاربعة تماماً ما يقوله على الملأ. يبدي الجنرال استياءً من نموذج السياسيين اللبنانيين فمعظمهم لا يعملون للوطن بل لتحقيق سياساتهم الخاصة، وهو يشخّص الوضع على الشكل الآتي: «كان السوريون يحكمون البلد بواسطة هؤلاء «الاولاد الصغار» اي السياسيين، رحل السوريون وبقي الاولاد الصغار يحكمون.

وعندما يشعر العماد عون بأنه ربما يكون قد أصابه اليأس من هذه الطبقة السياسية، وبأن صوته اصبح صوتاً صارخاً في البرية يقول بانفعال وحزم «صوتي سيهّز عظام أرباب الفساد والسارقين والمتآمرين على الشعب وسترون النتيجة».

وعندما يُسأل كيف ستكون بمأمن من «وكر السياسيين» الذي يشبه «وكر الدبابير» خصوصاً وانه يشدد على فتح كل الملفات يروي الجنرال قصة من قصص طفولته في حارة حريك مع «اوكار الدبابير» ويستعرض خبرته في كيفية خنقها تحت الارض واستفرادها واحداً بعد الآخر، ويقول «خبرتي سابقتني بهذا المجال، وما على الشعب اللبناني إلاّ ان يراقب ويواكب، وسندعوه في الوقت الملائم لكي يعبر عن رأيه».

ومن يراقب حركة «رئيس المعارضة» يدرك ان العماد يخوض اكبر واهم واخطر معاركه وهي معركة التغيير والاصلاح ومعركة ارساء دولة المؤسسات بعد «الصحراء القاحلة» التي خلفّها الوجود السوري في الحياة السياسية كما يقول والجنرال يؤمن اليوم انه يواجه مخلّفات الحقبة السورية ويستعّد لمواجهة صعاب كثيرة، ولكنه يؤمن بحتمية الانتصار تماماً كايمانه بقدرة الشعب اللبناني على قول كلمته متى دعت الحاجة.

جنرال الرابية بات يمثل في اذهان الناس صورة المقاتل ربّما الوحيد القادر على حمل سلاح التغيير فهو محصّن ضد المساومة والتسويق ومنطق البيع والشراء وهدفه لا يحيد عنه، وصلابته وانتماؤه الى وطن نفي من اجله خمسة عشر عاماً لا يتزعزع، ولذلك تراه مؤمناً بكل ما يقوم به، ولو كلّفه ذلك اقصى حملات التشكيك، وربّما التجريح. فكل مسيرته السياسية والوطنية مصانة بتقدير شعبي لم يعرف تاريخ لبنان الحديث انه اعطي لشخص إلا الجنرال عون. هذه صورته الحقيقية التي تجلّت امس في مداخلته غير الديبلوماسية التي بدأ بها اولى محطات عمله البرلماني طارحاً ملفات تهمّ اللبنانيين لم تطرح سابقاً بروح المسؤولية بعدما تحاشى الآخرون خوض غمارها وخصوصاً انه لمس كما يقول عون ان البيان الوزاري في شقه السياسي لم يتطرق الى مواضيع اساسية مطروحة اليوم اقليمياً ودولياَ. ولأن ثمة مواضيع انسانية ومزمنة لم تعد تحتمل الانتظار وحولها لغط كثير مثل مسألة اللاجئين في الداخل والخارج والمهجرين والمهاجرين في وقت يُحكى كثيراً عن المصالحة الوطنية والاعفاءات وتصفية الخلافات.

الاعتذار من رايس بإسم الصحافة

في المواضيع والتجاذبات الاخرى يرد عون على كل التساؤلات، خصوصاً تلك التي اثيرت حول مضمون لقائه بوزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس فيرد حول فحوى الكلام الذي سرب عن لقائه في احدى الصحف «نحن سنعتذر من السيدة رايس باسم الصحافة اللبنانية» لانهم «كذبوا عن لسانها» وعن سبب عدم صدور نفي رايس لهذا الكلام قال «عادة» لا تعطي رايس ولا اي مسؤول اميركي تعليقاً «لما يتناولهم في الصحف».

هل حصل اللقاء بطلب منك او من الاميركيين؟ يبتسم الجنرال ويتساءل وماذا يُغيّر الامر في الجوهر سواء حصل اللقاء بطلب مني او منهم، ويضيف معقبا، عندما يزور المسؤولون الاميركيون اي بلد كانوا يلتقون المعارضة وكذلك يلتقون الحاكمين في الوقت نفسه، من هذا المنطلق فان برنامجهم يتضمن زيارة الموالين الذين تجسّدوا بالحكومة والمعارضة من خلال التقائهم «برئيسها».

وعن ما جرى في المباحثات مع رايس يقول ضاحكاً، «اهم شيء عدم اعلان اي شيء».

صورة جعجع الجديد.. لم تكتمل بعد

وعن تعليقه على خروج الدكتور سمير جعجع خصوصاً انه كان اول سياسي يزوره ويقول بعد اللقاء انه «كان لقاء مفرحاً» قال عون «نحن جسّدنا طي صفحة الماضي الذي تكلل بخروجه من السجن عندما أيدنا وناشدنا الجميع ان يصوتوا على العفو وهذا ما حصل... اليوم هناك مسيرة جديدة لقائد القوات اللبنانية مع تجربة جديدة ومعاناة جديدة استمرت احد عشر عاماً ونصفاً. وان طريقته بالتعاطي مع الناس والاحداث في هذه المسيرة الجديدة هي التي ستحدد مسارها سلباً او ايجاباً.

ان الدكتور جعجع دخل الى السجن وخرج منه مبدئياً بصورة جديدة ولكن هذه الصورة لم تأخذ بعد كل ألوانها.فسلوكية جعجع وسلوكية القوات اللبنانية هي التي ستعطي الصورة كل الوانها.

اما بخصوص شكر قائد القوات للتيار يقول عون «انا اقدّر شكره للتيار الوطني الحر وهذه اشارة ايجابية تتكامل مع لقائي السيدة ستيردا جعجع ومعه عندما زرته في السجن وهي تكمل طريق التفاهم بيننا.

وعن سبب عدم مشاركته في جلسة العفو ولقاء المطار يقول ان تكتل الاصلاح والتغيير شارك في جلسة العفو وصّوت مع اقراره القانون وشارك التكتل ايضاً في استقبال المطار وبالنسبة لي الامر مختلف لان لي اسبابي الخاصة والكل يعرفها «السبب الامني» وقد الغيت مواعيد كثيرة مهمة خارج المنزل بسبب «امني الخاص» في هذه المرحلة.

يتجنون على الاجهزة... للإمساك بالبلد

لكن هل انت مستهدف خصوصاً في ضوء ما يحكى عن لائحة الاغتيالات؟ يعطي الجنرال رأياً مختلفاً عن الآخرين ويقول «انا استصعب» ان يكون هناك لائحة اغتيالات، «نعم» لكن انا مستهدف في بلد غير مستقر كما هي الحال في لبنان اليوم حيث تسعى الارادات الدولية الكثيرة لخلق المشاكل، ووفق هذا التصور يمكن ان اكون مستهدفاً بسبب او بدون سبب وليس من الضروري ان يكون الشخص المستهدف في حالة عدائية مع أحد لأن المقصود في اللعبة الدولية الجارية ضرب الاستقرار في البلاد وليس «ضرب الأشخاص». ولاحظوا كل الاحداث في لبنان بدأت باغتيال شخصية ما فعام 58 اغتالوا الصحافي نسيب المتني وهذا الاغتيال اتخذوا منه ذريعة لتحريك الشارع وعام 75 جرى تحضير سلسلة احداث بدأت باغتيال معروف سعد وأكملوا ببوسطة عين الرمانة. وبالمقارنة مع ما جرى في الماضي نجد اليوم ان الاغتيالات يتم تحضيرها وفق السيناريو نفسه لضرب الاستقرار في لبنان وهذه الاغتيالات تترافق مع تصريحات لسياسيين تدعو الى تدمير الأجهزة الأمنية ووجدنا صعوبة في ايقاف هذه الحملة التي تسعى الى تضليل الرأي العام. ويضيف عون «الأمر ذاته جرى في اوائل السبعينات من خلال بث الأجواء بأن الجيش سوف يضرب الفلسطينيين وكلنا نعلم ان الفلسطينيين كانوا يحضّرون للقضاء على الجيش. واليوم يقال ان الاجهزة الأمنية ترتكب الجرائم وهؤلاء الأشخاص هم أنفسهم و«مدرسة» الذين يهاجمون الأجهزة ذاتها التي ضربت الجيش في السبعينات تضرب الأجهزة الأمنية اليوم. فعندما اتهم الجيش بقتل معروف سعد فلتت الأمور في حينها ونسي الناس قضية الاغتيال وبقيت الآثار السلبية على المؤسسات الأمنية، المدرسة المحلية التي تبدأ كل مرة بضرب الأجهزة هي التي تكون تُحضر لهذه المشاكل. وأنا هنا أنبّه الرأي العام اللبناني بأن هذا التجنّي على الأجهزة الأمنية لا يهدف إلاّ الى فرط سلطة هذه الأجهزة لكي يتمكن صانعو الشعب من الفلتان للإمساك بالبلد.

وعن مواقفه الأخيرة التي توحي بأن الدور السوري السلبي في لبنان انتهى وبأن الوصاية السورية انتهت قال «اول وثيقة تحكي عن سيطرة سوريا هي وثيقة 1923 وهذه القصة لا تزال تتكرر من عام 23. أنا قلت ان سوريا لم تدخل لبنان لكي تتركه، ولكن بما ان سوريا تركت لبنان فان اللبنانيين أعطوا حظاً وBonus لاعادة بناء دولتهم. وليست سوريا هي وحدها التي ساهمت بضرب لبنان فكل من يتعاون مع الخارج لضرب الاستقرار ولأخذ النفوذ السياسي على حساب فئة اخرى في الجانب اللبناني ومن يعتبر نفسه «بُعد خارجي في لبنان» يساهم في تخريب الوطن، واليوم اذا كنت تريد أن تبني وطناً يجب ان تبنيه مع الشركاء في هذا الوطن.

لقاء تعارف مع رايس..

وهل بحث مع رايس بموضوع المساعدات الدولية؟ قال انا ابحث مع رايس كمعارض، فأنا لا أمثل الحكم وليس لدي علاقة رسمية مع الدولة، ولهذا فان اللقاء مع رايس هذه المرة كان لقاء تعارف، وتحدّثنا حول دور المعارضة الفعّالة وأين هو موقع المعارضة الفعّال اذا شاركنا في الحكم أم في المعارضة وأنا أظهرت محاسن هذه المعارضة من اجل استقرار النظام الديموقراطي وتطوير حسّ المسؤولية داخل المجلس النيابي. فالحياة الديموقراطية تعيش عندما نبدأ بالحساب الجدي للسلطة السياسية ولادائها.

نزل الى الشارع بنصف مليون

وهل يمكن ان يتجه الى الشارع ومتى وكيف، قال عون لم أضع جدولاً بعد بموعد النزول الى الشارع. فاللجوء الى الشارع هو احدى وسائل الضغط وهو حق تعبيري جماهيري للشعب اللبناني، ويمكن ان نستعمله في حال عدم الاصغاء لمشاريعنا الاصلاحية، لاننا حتى الآن نتحفظ على الصفة التمثيلية لمجلس النواب، فلو كان قانون الانتخاب صالحاً كان للتيار الوطني الحر اكبر كتلة نيابية اليوم وكنا في مركز المسؤولية وفي الحكم وليس في المعارضة. من هذا المنطلق، نحن نملك حقين شرعيين: اولاً بأن الذين يمثلوننا في الحكم لا يملكون الصفة الشرعية لتمثيلها، وثانياً بأن حقنا الدستوري يسمح ان نعبر بواسطة الشعب عندما نرى ان الشعب مهمشاً في الحياة العامة.

وهل من خطة وجدول زمني للنزول الى الشارع؟ يقول انا لم اضع اي خطة بعد لكن اذا دعت الحاجة لن تقتصر معارضتنا على المعارضة البرلمانية ستكون ايضاً معارضة شعبية من دون شغب ومشاكل مثلما نزل مليون و200 ألف لبناني في 14 آذار نحن قادرون على الأقل ان ننزل نصف مليون الى الشارع عندما نريد ان يعترض.

جنبلاط.. «لا يقوّص» هذه الأيام

وعن سرّ العلاقة مع رئيس حزب التقدمي التي يسودها الهدوء يضحك عون «الهدوء مرده لأنه لا يقوّص علينا اليوم وعندما «قوّص» علينا في السابق لم نرد عليه. وهذه العلاقة ستبقى هادئة اما اذا حدثت «فرقعة» من جهته فستكون فرقعة من جهة واحدة.

يبدو ان وليد جنبلاط يحب الفيديرالية وربما هو يريد من كلامه عن البطريرك هذا ان يفتح حواراً حول هذا الموضوع فأسلوبه الهجومي يكون عادة يفتح باباً للحديث فعندما يريد ان يفتح حديثاً مع احد يهاجمه، وعلى ما اعتقد فان فكرة فيديرالي لا تزعجه لذلك هو هاجم الموضوع مباشرة لكي يفتح باب الحديث عنه، وليردد الناس «جحا كسر الجرّة للناس تحكي فيه».

وبالنسبة الى تأليف الجبهة العريضة قال «يجب ان تتمخض الظروف اكثر من اجل تأليف جبهة سياسية لان تأليفها لا يكون ارتجالياً، ويجب ان تكون لها اهداف سياسية واضحة مثلما كنت اسعى قبل الانتخابات ليكون هناك برنامج سياسي للمعارضة وهذا ما لم يحصل وهو الذي اوصلنا الى «التخبيص» الحاصل في الحكم.. وأنا أحب ان «اعمر على صخر» والبناء على صخر يحتاج الى الوقت، فالمهم ان نصل الى تفاهم واسس معينة وليس فقط تجميع الاشخاص».

وفي شأن الحوار مع امين عام حزب الله قال «لا نزال نؤمن له ظروف النجاح لأن مثل هذا اللقاء يجب ان ينتهي بشيء مهم. والجو اليوم لا يزال ملبداً بالمزايدات والمتدخلين وعددهم كبير جداً.