رحلة مع الجنرال في ذكريات المنفى والابعاد والاستعداد للعودة في 7 أيار [1]

عون: لم أعرف اليأس والايمان أعطاني القوة وعملي السياسي مغطى بالفضائل المسيحية

كان معي كل جندي متعلق بوطنه وأبكي كل من سقط ووفيّّ لعقدي مع الشهداء 

باريس - من هيام القصيفي: النهار 25 نيسان 2005

حين بكى الجنرال كنا ثلاثة هو وابنته ميراي وانا. كانت دموعا تعادل في وقعها المفاجىء دموع طفل مشتاق الى والدته، او دموع رجل يودع حياة ليستقبل اخرى جديدة من سلسلة حيوات يعيشها منذ ان ولد في حارة حريك عام 1935.

السبعيني، القائد، الجنرال، رئيس الحكومة الانتقالية، الاب والعم والخال، يذرف دموعا تغسل مآسي الحرب الطويلة واعوام النفي والابعاد، يجدد عقدا ابرمه مع الشهداء انه لن يستكين، الا حين يتحرر لبنان ويستعيد حريته واستقلاله وسيادته.

الرجل الذي فتح قلبه، غاص في احاديث استذوقها أبعدته قليلا من دهاليز السياسة. الجنرال الذي اخذتنا دموعه الى مكان آخر، اخذنا في رحلة جديدة مع رجل هادىء، غير عصبي، مسترسل في ذكرياته، تمر امامه كشريط مصور، يختزن كما يقول الكثير الكثير من الاحداث التي لو اراد كتابتها لملأ مجلدات.

هو غيره رجل الشاشة الصغيرة، وبالتأكيد هو غيره "جنرال بعبدا”. صار القائد الذي عرف العزلة والنفي والابعاد، والذي عجنته اعوام" السجن" الباريسي. انه المنفى، أكان في باريس ام فيينا. انه المنفى الذي شهد فيه وفاة اول المنفيين العميد ريمون اده، فلم يرد لنفسه مصيرا مشابها. انه المنفى الذي شهد فيه مرور خمسة عشر عاما من حياته،وهو المنفى الذي حضن زواج بناته ميراي وشانتال وكلودين. وهو المنفى الحاضر في ذهن الجنرال الذي اصبح في السبعين ويريد العودة الى الوطن الذي احبه على طريقته وسجل اسمه في تاريخه.

يقول ان اسم ميشال عون صار يعبر عن نفسه. لا الجنرال ولا دولة الرئيس ولا القائد.

وميشال عون يعود الى بيروت في السابع من ايار المقبل، رجلا متصالحا مع نفسه ومع الاخرين. لا يحمل احقادا، لكنه يحمل تاريخا طويلا، "يجب الا ننساه، كما يقول، كي لا نعيد تكرار الاخطاء نفسها". لكن التاريخ صعب جدا، وهو الحافل بكثير من الصداقات والعداوات، التي عاشها عون في اليرزة وبعبدا وفرنسا.

العسكري الذي تنقل في لبنان، من منزل الى آخر، ورئيس الحكومة الذي سكن في قصر، وصارت السفارة الفرنسية منزله لاحد عشر شهرا، تنقل في ثلاثة منازل في المنفى.

حين يصف عون كيف كان يقرأ قرب المدفأة، والثلج قبالته، تخاله يحكي عن رحلة استجمام، وليس عن منزل تحت الحماية الامنية، فيه ترك ذكرياته وكتبه وموسيقاه. ومنه عاد الى شقة في باريس ليذوق الحرية .

ميشال عون يعود الى بيروت في 7 ايار. موعد اختاره بدقة: بعد خروج الجيش السوري في 30 نيسان، وبعد الخامس من ايار الموعد القضائي الذي يعطي فيه السلطة فرصة لاقفال ملفه،وبعد السادس من ايار ذكرى الشهداء، وفي عطلة الاسبوع كي تتوافر ظروف الاستقبال الشعبي.

السابع من ايار موعد اكيد، لا عودة عنه، حتى لو لم يقفل الملف القضائي، يعود عون في طائرة تحمل حشداً اعلاميا، واقرب القريبين منه الذين عاشوا معه رحلة المنفى الطويلة.

في باريس التي يقول عنها "عاصمة نعشقها لكنها مرهقة"، يضع عون اللمسات الاخيرة على عودته. منزله يغص بالزوار، وهاتفه لا يهدأ، والمقابلات الاعلامية تتوالى وهو النجم الاعلامي الساطع هذه الايام من دون منازع.

يعشق باريس التي كانت تشكل بالنسبة اليه المركز القريب من بيروت، ومن عواصم العالم كلها. فيها ومنها يتحرك بسهولة ليتابع من كثب القضية اللبنانية"، اللبنانيون كانوا يعتقدون اما انهم محور الكون واما لا شيء. لا يعرفون ان القضية اللبنانية كانت تحتاج الى جهد. احيانا كنت اصبح" لزقة" على المسؤولين الغربيين كي اذكرهم بالقضية اللبنانية".

اليها سيعود حتما لانها المنفى الذي احبه الجنرال، لكنه مشتاق الى بيروت التي تغيرت عليه كثيرا. مشتاق الى حرج بكاسين ودير مار شعيا. مشتاق الى "أبي نعيم" شقيقه الياس الذي لم يره منذ ان غادر عام 1990.

في منزله زوار كثر، سياسيون، معارضون وموالون، لا يتحدث عنهم ابدا. عادة يقول انه احترمهم منذ زمن"، انا لا أقول من يزورني. لكن الاخبار تتسرب. زارني جان عبيد وميشال سماحة، وموفدون سوريون، ولست انا من الذي سرب الخبر".

في منزله ضباط رافقوه الى المنفى ويعودون معه الى بيروت.

وفي منزله اسرار كثيرة، من الصعب عليه ان يبوح بها.

قبل اسبوعين من العودة، تزور "النهار" ميشال عون في منزله، وتفتح معه حوارا حول الانسان والعسكري والسياسي. يبدأه هو بالحديث عن شقيقه.

وهنا نص الحوار في الحلقة الاولى:

"شقيقي الياس اعطى "النهار" حديثا ( "النهار" 15 نيسان مع منال شعيا) وتحدث فيه عن ورقة سندويش كتبت عليها كنت قد نسيتها. قالوا لي ثمة ورقة كتبتها لشقيقك الياس فقلت لهم صوروها وارسلوها الي. كتبتها بسرعة، فيها غلطة حذفتها واعطيتها الى الشاب الذي كان يخدم في غرفة الطعام وتولى مساء ايصالها اليه، ثلاثة اسابيع لم يتمكن احد خلالها من الذهاب الي، اي في 5/11/1990اي ثلاثة اسابيع بعد 13 تشرين.

ں منذ متى لم تر شقيــــقك الياس؟

- منذ ان تركت لبنان.

ں كنتما تتواصلان عبر الهاتف فقط؟

- اتكلم معه دائما واتكلم مع جميع افراد عائلتي عبر الهاتف.

ں من كنت تلتقي من اشقائك؟

- شقيقي الاصغر روبير زارني مرتين، والتقيت شقيقتي جانيت ايضا. اشقائي زاروني وجاؤوا لحضور اعراس اولادي، ما عدا شقيقي الياس الذي رفض المجيء.

ں مع الاستعداد لعودتك، ماذا تشعر بالنسبة الى رؤيتك شقيقك وماذا يربطك به عاطفيا؟

- العلاقة بيننا قوية جدا، انا قريب جدا من اخوتي ، نحن عائلة قريبة جدا بعضها من بعض، كثير جدا وليس شوي.

ں واضح هذا الامر، حتى من خلال علاقة ابناء اشقاؤك بك ان من الناحية السياسية او العاطفية؟

- هم ربوا في قلب الازمة التي عشناها ومتعلقون بي، وهم اكثر من يعبر جيدا عني، لان فكرنا السياسي جزء من تربيتهم. ليسوا منتمين الى حزب، بل ان ما يتحدثون عنه امر طبيعي ونتيجة تربيتهم.

ں وشقيقك الياس الذي لم تره منذ 15 عاما، هو الذي سيكون مركز عاطفتك عند رجوعك؟

- اكيد. المشاهدة بعد 15 عاما مدة هجرة، وكانني مهاجر وعائد. واذا اردنا ان نستعيد النفي خلال التاريخ، لكانت مدة نفيي هي الاطول، قد يكون لمانديلا الرقم القياسي في السجن لمدة 27 عاما، وانا لدي الميدالية الفضية بعده.

ں اليوم تستعد للعودة بعد 15 عاما، كيف تعيش حال الانتظار؟

_ اعيشها بسرعة اكثر من الذين ينتظرونني، لان الفترة التي تفصلني عن 7 ايار اعيشها بالعمل المكثف، بالمقابلات. الوقت يمر بسرعة عندي، اما الذي ينتظرني، فيشعر كأن الوقت اطول كلما اقترب موعد 7 ايار. وهذا قياس نفسي وليس قياسا زمنيا، كل يوم يمر يصبح اطول. واخر اللحظات تصبح دوما هي الاطول.

ں تلهي نفسك بالعمل حتى يمر الوقت؟

- كلا، هذا هو الاسلوب اليومي لحياتي لكنه زاد مع اقتراب الموعد.

ں ما هي اول لحظة تفكر فيها لدى نزولك الى مطار بيروت، هل هم الناس الذين يهمك ان تراهم ام ثمة امر آخر تود ان تفعله؟

- ـ اول امر هو مشاهدة الناس. عشت في كل لبنان في اماكن لا يعرفها جميع اللبنانيين، من عكارالى فنيدق الى الهرمل وبعلبك وراشيا الى كل الزنار الحدودي وبيروت التي عشت فيها بعد دخولي الحياة العسكرية. اريد ان ارى كل هذه الوجوه، اريد ان ارى صورة مختصرة عن كل لبنان.

ں اتتخيل كيف سيكون الاستقبال ؟

كلا، يقولون لي ان كثيرا من اللبنانيين سيأتون، لدي فكرة عن التظاهرات التي حصلت، لا اعرف ما الحجم الذي سيكون عليه الاستقبال. اعرف ان كثيرين يحبونني، لانني ايضا احب الناس ولا استطيع ان اتصور العلاقة من دون حواجز بين الناس اذا لم يكن ثمة محبة بينهم بصرف النظر عن موقع الانسان، أكان سياسيا في السلطة ام اجتماعيا . اعتقد ان القصة تبدأ مع محبة الناس التي تسقط الحواجز، وتنتهي بالثقة والاحترام. ولكن اذا لم يكن الانسان يستطيع ان يحب لا يقدر ان يكون قريبا من الناس.

ں هل ثمة مكان اول محدد تريد ان تزوره عند العودة؟

- اكيد ثمة محطات اعتقد ان من واجبي ان اقوم بها.

ں ما هي؟

لا استطيع ان اذكرها اليوم.

ں لا اتحدث عن الزيارات السياسية، بل الانسانية. قد تحب زيارة بيتك، او بيت شقيقك الياس او حارة حريك؟

- عاطفيا، ثمة اماكن كثيرة اريد ان ازورها. لكن يوجد الكثير من الناس الذين يشدونك اولا لمشاهدة الاهل والاصحاب . ولكن عند اول فترة استراحة، اريد ان اذهب واصلي في كنيسة في ضيعة لا يوجد فيها سوى اربعة او خمسة بيوت. اريد ان اذهب الى دير مار شعيا واجلس على المقاعد خارجا. هناك اشعر بأن السماء اقرب الى الانسان. اريد ان اذهب الى حرج بكاسين، اتمشى واتنزه فيه . هناك اماكن كثيرة تربطني، خصوصا في الجبل، اذ لم تخربها غابات الباطون المسلح . اكيد الاماكن التي اريد زيارتها هي المرتبطة بالمشهد الطبيعي اللبناني.

ثلاث فضائل

ں علاقتك بالكنيسة والايمان هي التي جعلتك تتحمل هذا المنفى.

اكيد، ثلاث فضائل الهية هي المحبة والايمان والرجاء. كتبت عن المحبة التي نقاوم بها الظلم ونستطيع من خلالها فتح قلوب الناس. والايمان هو الذي يعطيك قوة غير محدودة. والرجاء الذي يجعلك تنتظرين الضوء وانت في الظلمة، حتى لو كانت الظلمة تطبق عليك. الرجاء هو الذي يظل يربطك بالحياة حين تنقطع كل الامال، وهذا ما نترجمه حين نكتب على الضريح، عبارة " هنا يرقد على رجاء القيامة". الرجاء هو الذي يبقى لدى الانسان وهو تراب، الايمان ان يقوم مجددا من التراب. كتبت مرة عن الاحباط وقلت كيف يمكن المسيحي ان يكون محبطا وهو مؤمن. نموذج الاحباط الوحيد هو يوضاس الذي شنق نفسه، وهو نموذج مرذول عند المسيحيين، وليس نموذجا يعتقدون به.

ں كان يقال ان المسيحيين لم يروا في فؤاد شهاب الزعيم المسيحي رغم انه كان ملتزما دينيا، في حين ان كميل شمعون هو الرمز المسيحي الحقيقي لهم. اي نموذج ترى ان المسيحيين يرونه فيك بين الاثنين ؟

- لا اعرف كيف ينظر الي كل شخص. لكن اعتقد انني اغطي امانة فئات كثيرة، يمكن الا تكون قريبة بعضها من بعض. كل فئة ترى فيّ النموذج التي تريده ويمكن لاسباب مختلفة.

ں لا تؤخذ عنك صورة الرجل المؤمن الذي تشارك في القداس.انها صورة غير معممة عنك؟

- ابدا ، هذه حال امارسها وحدي بيني وبين الله. عملي السياسي مستقل عن ايماني الديني. ولكن عملي السياسي مغطى بالفضائل والاخلاق المسيحية.

ں علاقتك بالكنيسة تتأرجح، حاولت تحييدها احيانا.

- لم احيد احدا، لكل شخص الحق في التعاطي. ولكن لدى رجال الدين عندنا حصانة معينة وحين يريدون ان يتعاطوا في السياسة فعليهم تحمل النقد لان الموقف السياسي ليس موقفا ايمانيا. انا لم اتناقض مع الكنيسة ابدا في علاقتي الدينية ولم ابشر لا بدين جديد ولا ببدعة جديدة. انا مسيحي حتى لو لم امارس بعض التقليد. مسؤوليتي الشخصية معنية بما اعمله دينيا. ولكن افصل السياسة عن الممارسة الدينية. وقد يحدث هناالالتباس لدى البعض.

ں هذا ما اتحدث عنه.

- ليس لدي هذا الالتباس. لا صورة خلافية بيني وبين الكنيسة. ما هي الكنيسة؟ هي جامعة المؤمنين، ليس المؤسسة والهيكلية فقط. انا وانت اجزاء من الكنيسة وكل مسيحي جزء من الكنيسة. في العربية واليهودية والفرنسية، كلمات كنيسة وجامع وكنيس كلها كلمات تعبر عن المعنى نفسه.

ں خلال خمسة عشر عاما عشت بعيدا من منزلك ووطنك، عرفت ضغوطا وخضت حربا وقع فيها ضحايا، وعرفت المنفى. هل تمكن الايمان من مساعدتك، ام عرفت لحظات يأس قررت فيها ترك كل شيء والاستسلام.

- كلا ، مررت في لحظات تأمل اكثر. لكل مرحلة لحظاتها، في المرحلة الاولى حين تسلمت قيادة الجيش حاولت ان اعطي نفحة وطنية للعسكريين، واخلق لهم حوافز للدفاع عن وطنهم. قيل الكثير انني عملت انقلابا كي اصل الى السلطة ، لكن اعتقد أن هذا الكلام تافه. حتى الذين اتهمونني بانني ديكتاتور عرفوا لاحقا الحقيقة . حين تألفت الحكومة الانتقالية كانت مرحلة جديدة من حياتي فانا لم اعد نفسي يوما للحياة السياسية. اخترت الحياة العسكرية وكنت على القمة وتوجتها بتسلم قيادة القوات المسلحة . شاءت الظروف ان اتسلم كرة النار وجاء المسلسل الصعب، وكانت اصعب مرحلة المواجهة مع السوريين عند تسلمي الحكومة الانتقالية وعدم اعترافهم بي كرئيس حكومة، بل اقاموا حكومة من القبر ليس لها صفة دستورية ولا تمثيلية. وكان عليّ ان اواجه، فاما ان ارضخ للضغط السوري واترك البلد واما ان اواجه. وطبعي ليس طبع الهروب بل المواجهة. وتطورت الامور مع القوات اللبنانية، فحدثت مشكلة 14 شباط، بعدها اخذنا المرافىء من القوات، وقلنا ان هذا الامر يجب ان يعمم، فلا يجوز ان نفتح مرفأ شرعيا ونضع ضرائب على البضائع ونعطي المدخول الى الدولة، وعلى بعد كيلومترين، تبقى مرافىء التهريب مفتوحة لجميع الناس. اتخذنا قرارا بتطبيق الخطة التي درسناها سابقا على ايام حكومة الرئيس عمر كرامي. قامت القيامة، وبدأ نوع من الحملة الاعلامية الرهيبة علينا من الداخل والخارج. مع ان الامر كان بمثابة تحد ان الحكومة لن تستطيع ان تأخذ المرافىء لا من القوات اللبنانية ولا من غيرها. حاولت الحملة الاعلامية ان تضعني في مصاف الرجل المنحاز المسيحي الذي يريد " التسكير" على المسلمين. وهذه كانت اكبر كذبة قاموا بها في الداخل والخارج. لاننا حين تركنا المرافىء، تركنا صور وصيدا وطرابلس وجونية اي المرافىء الشرعية، لكنهم قاموا بتحريض وسخ انني اقوم بحملة ضد المسلمين. وهذا ما عمم في الدول العربية، اضافة الى اصوات غربية، وسمعت تصريحات لمسؤولين اميركيين يقولون" اقفل المرافىء على المسلمين". وهذا كله لا يخيفني ، لانني ضميريا لم افعل شيئا، ولا يستطيعون ان يؤذوني اكثر مما فعلوا. فهم لم يعترفوا بحكومتي واقفلوا خطوط التماس. كانوا يروجون ان الجيش " فرط" على ايامي، لكن ما حصل هو العكس، فالجيش لم ينفرط على ايامي، وظل مختلطا وقاتل. لكنهم هم الذين اقفلوا المعابر، ووضعوا قائدا للجيش دمية، حتى يؤلف جيشا ويعمل مواجهة لبنانية - لبنانية بالعسكر. وهنا ، تحية لجميع العسكر اللبناني ضباطا وافرادا، الذين كانوا في المنطقة الواقعة تحت السيطرة السورية ورفضوا ان تخاض هذه المواجهة، وظلوا على وفائهم لقسمهم. اخيرا لم يجدوا اي حل معي الا ان يعرضوا علي رئاسة الجمهورية، وكان ثمة توصية اميركية بان ادخل ولبنان تحت الوصاية السورية. لكنني رفضت الوصاية ورفضت عرض رئاسة الجمهورية على هذا الاساس. حينها حصلت حادثة الاونيسكو واتهموا الجيش اللبناني بها، وقصفوا اليرزة وهدموها، ويومها بقينا كما في كل الاحداث، من يبقى على قيد الحياة يبقى حيا قضاء وقدرا، حين تكون المعارك على هذا القدر من الشراسة. وكنت امام امرين، اما ان اعلن المواجهة مع السوريين، واما ان اترك. وانا بطبعي من الذين اذا كان معهم امانة تقدر بمليون ليرة، وفي جيبي الاخر مليون دولار لي، اتخلى عن المليون دولار ولا اتخلى عن الامانة، اقتل نفسي ولا اسلم.

شواذ

ں هل هذا جنون؟

- سمه شواذا ، " في ناس مش متل غيرهم". وجدت نفسي في بلد تسلمت فيه السلطة وفقا للدستور، اعرض التفاوض والتحاور مع سوريا، لكنهم يقابلونني بانه يجب ان ازيح بالقوة، وعلى بعد 800 متر، ترمي الدبابة السورية نيرانها على القصر الجمهوري. اعتقدوا انني تحت هذا الضغط سأسلم ، لكنني ظللت اقاوم وفي الوقت نفسه ايجابيا، ولم اغير خطابي لا تجاه اللبنانيين ولا تجاه اقتناعاتي. حتى تطورت الامور وصولا الى الطائف، وتحدثت عن هذا الموضوع طويلا، ومن ثم الى 13 تشرين، وانا كنت انتظر تلك اللحظة. ف 14 شباط مع القوات فرض علي، و14 اذار فرض علي، و30 كانون الثاني مع القوات ايضا فرض علي. اما 13 تشرين الاول فانا فرضته، فقد اجبرت على الدفاع. ولم اكن استطيع ان ارضخ لا للعبة الداخلية مع القوات ولا لأي لعبة اخرى كنت اريد ان اكشف المؤامرة على لبنان، وعلى الجو الدولي. في 13 تشرين زارني القاصد الرسولي وقال لي " سيزيحونك بالقوة، وقداسة البابا قلق لهذا الوضع، والمطلوب منك كلمة واحتفظ بالسلطة.

جاءتني عروض كثيرة، ان اكون وزيرا وان اختار ما اريد، شرط الموافقة على الطائف. لكنني قلت انني ماشي مع الطائف، ولكن اريد ان يعدل فيه بند واحد، هو ما قيل عنه حينها " زائد فاصلة"، اي جدولة الانسحاب السوري، او ربطه باي حدث آخر. كنت مؤتمنا على السيادة، ويجب علي ان احافظ على القسم، وان اكون منسجما مع نفسي. وكتبت حينها الى وزير الخارجية الاميركي : " ستشلحوني لبنان بالقوة وليس من خلال نصائحكم السياسية". استغربوا هذه المقاومة. لقد رفضنا هذا الشق من الطائف وطالبنا بايضاحات وضمانات لتنفيذه. عشنا خمسة عشر عاما و جميع السياسيين في بيروت معارضين وموالين، يقولون ان ميشال عون ضد الطائف ولم يقر احد انه اخطأ، ولم يكن لاحد الشرف ان يقول ان العماد ميشال عون طلب ضمانات مع انها كانت معلنة امام جميع الناس. وصاروا يحملونني ويحملون موقفي معاني اخرى، من انني ضد توزيع الصلاحيات بين مسيحيين ومسلمين وهذا رجل ماروني متعصب وجزء من المارونية السياسية. من هنا ليس لدي اي تقدير كبير للطبقة السياسية حاليا والتي خاضت هذه اللعبة. كان يجب ان يكون لديهم موقف واضح. اذا لم نتربّ على الحد الادنى من الصدق، نكون نزور تاريخنا. وهذا امر غير مقبول. اتحمل رأي الناس ضدي ومواجهتي لكنني لا اتحمل ان يكذبوا. وصار الكذب جزءا من السياسة وصاروا يقولون " ميشال عون لا يفهم سياسة، وهذه مش شغلته"، لانهم اعطوا للسياسة نوعا من الممارسة تقبل الكذب جزءا من الاخلاقية والممارسة.

ں تقول انك لا تتحمل الكذب هل تعتبر ان الصدق الذي تقول انك مارسته في السياسة، كان مفيدا ام انه كان من الافضل ان تكون مناورا اكثر وديبلوماسيا، بدل ان تكون " مواجها ومباشرا " في التعاطي؟

- انا رجل اذا لم استطع ان اقول الحقيقة امتنع عن الكلام احيانا. قد اقول بعض الاجزاء لكنني لا اقول عكسها ولا اقول ما هو ضد الحقيقة. انا لا اناور ضد عدو في لبنان، انا اتحدث مع مواطنين. انا شاطر في العملية العسكرية والخدع مع العدو، فهذه مهنتي. لكن لا استطيع ان اخدع مواطنا في خياراته السياسية والمستقبلية.،هذا ليس مقبولا. الخداع غير مقبول مع المواطنين. ليس هدفي ان اغش الناس ولا اسحب اموالهم ولا تأييدهم. الجميع ينصحني مثلا هذه الايام الا اتحدث عن المحاسبة والمساءلة كي لا يصبح بعض السياسيين ضدي . فليصبحوا ضدي ولكن لا استطيع ان اتخلى عن الحقيقة التي اعيشها مع المواطنين.

ں كنت صادقا مع الناس كما تقول لكن هل خدعت من اللبنانيين او من غير اللبنانيين؟

- انا لم اخدع من غير اللبنانيين.

ں لم تخدع منهم ؟ ومن اللبنانيين هل خدعت؟

- خدعت كثيرا.

ں من القريبين منك؟

- من السياسيين . على كل من هم القريبون مني؟

ں اتحدث عن فترة بيروت .

- خدعت من ناس وعدوني بانهم لن يوافقوا على بنود كثيرة في الطائف لكنهم خدعوني.

ں كنت اسألك عن فترة الحصار والنفي بعد 13 تشرين ، الم تشعر باليأس . لقد قتل جنود معك وضباط واخرون ابعدوا.

- حين وصلت الى السفارة وانفضح الموضوع بكرت كثيرا في بيان وقف النار. هنا خدعت ايضا. لقد دعيت الى السفارة، ورنيه الان قال انه كان على الجنرال عون ان يأتي الى السفارة حتى يتم وقف اطلاق النار. كنت انتظر ان اعود الى بعبدا واستقبلهم واسلمهم مهما كانت النتيجة. لكن حين دخلوا بسوس وقتلوا المدنيين وصارت الاخبار تاتي الى السفارة قال لي السفير يجب ان تبقى هنا بحماية فرنسا. هذا ما حدث. هو خدع ايضا، لان الاتفاق الذي تم اثناء التفاوض و الذي لم اكن اعلم به، هو ان اغادر بواسطة طائرة امنها الان من باريس الى قبرص على ان يتولى الجيش اللبناني نقلي الى باريس بعد الظهر.

في اثناء وجودي في السفارة فكرت انني استطيع الان ان اقول للشعب اللبناني، انني عملت ما في وسعي، بقيت على قيد الحياة قضاء وقدرا، لم اسلم لبنان بل خسرته.

بدأت تصل الرسائل بالاكياس الى السفارة، من اطفال ونساء ورجال، جميعهم، ابدوا عاطفتهم وافكارهم وتعلقهم بي. كانت فترة تأمل بالنسبة الي، وكنت اقول غدا سينسون، لكن الامر استمر متواصلا. صرت افكر بكل الذين ماتوا. في سؤالك اصبت النقطة الحساسة . هؤلاء ماتوا لماذا؟ شهداء سقطوا مدنيين وعسكراً ، والانسان يتأثر بالصور التي يعرفها وتخطر في ذهنه ضباط وعسكر " منهم رأسه مفصول عن جسده، او مقطع او امعاؤه خارجة منه. قاتل هؤلاء من اجل هدف. الان وصلنا الى حال غير طبيعية، وهذا كان عقد بيني وبين الموتى، وليس الاحياء، الذين كان يمكن ان اقول لهم رغم كمية الرسائل التي ترد انني قمت بواجباتي. لكن ماذ اقول للموتى وللشهداء ......... توقف الحديث لدقائق بعدما بكى الجنرال عون.

ں عادة هل انت عاطفي؟

- ثمة مشاهد لا استطيع ان اقبلها. ولد مصاب او مجروح لا استطيع ان اراه. في المعركة اقاتل وامشي.

ں كرجل عسكري هل تتأثر بهذه المشاهد؟

- في المعركة لا اتأثر ابدا وادعس وامشي. لكن ثمة قيم وامور لا اتمكن من تخطيها وتهزني من الداخل. ابكي كل شهيد يسقط، ولكن اتابع. العاطفة لا تشلني. لكن حين افكر بالأم التي قالت لي حين كنت اعزيها بابنها" فدى الوطن جنرال". ماذا اقول لها؟ماذا اقول للجندي الذي مات . هناك عقد بيني وبينه، ان نبقي لبنان وطنا حرا سيدا مستقلا. هذا هو قسم الجندي. لا نستطيع ترك الناس الذين لديهم ارادة. هكذا فعل جميع الذين حرروا بلادهم، منهم من سجن ومنهم من قتل لكنهم لم يتركوا مهمتهم. هذا العقد بيني وبين الشهداء وليس مع سائر اللبنانيين. فاما ان اترجم شهادتهم عملا معينا، واما اكون قد خسرت وليس فشلت. لان الفشل يكون حين لا يقدم الانسان على عمل معين.

رحلة مع الجنرال في ذكريات المنفى والإبعاد والاستعداد للعودة في 7 أيار [2]

عون: سأكتب تجربتي وصية لأولادي  والأميركيون لا يعجبهم طبعي لكنهم براغماتيون

باريس - من هيام القصيفي: النهار 26 نيسان 2005

رحلة مع الجنرال في ذكريات المنفى والابعاد والاستعداد للعودة في 7 أيار [1]

عون: لم أعرف اليأس والايمان أعطاني القوة وعملي السياسي مغطى بالفضائل المسيحية كان معي كل جندي متعلق بوطنه وأبكي كل من سقط ووفيّّ لعقدي مع الشهداء

حين سألت القريبين من العماد ميشال عون والعائدين معه الى بيروت في السابع من ايار المقبل: "بعد كل ما حدث، هل تعتقدون ان الجنرال كان على صواب"؟ كانت الاجابات كلها: " نعم".

وحين سألت عون الم يحاسبك احد؟ اجاب " لا احد".

انها قمة المفارقات في بلد كان للجنرال فيه اليد الطولى منذ عام 1989وحتى 2005. هل اخطأ الجنرال ميشال عون ام لا؟ يقول انه جُرّ الى الحروب التي خاضها لكن حربا واحدة فرضها هي حرب 13تشرين الاول 1990. اليوم بعد خمسة عشر عاما على مغادرته لبنان، ومع اقتراب موعد العودة، بدأت الاسئلة تطرح مجددا: هل اخطأ الجنرال ام لا؟

ثمة تنزيه كامل يعامل به القريبون "جنرالهم"، وثمة خصوصية يتعاطون بها معه، خصوصية التسليم الكامل بما قاله ويقوله وفعله سابقا ويفعله اليوم. بين صورة الجنرال والانسان العادي، حاولنا دخول صفحات جديدة من كتاب ميشال عون، فيه حكى علاقته بعائلته، بزوجته، باولاده وباحفاده. لكن ميشال عون ما كاد يقترب من الخاص حتى شده الشأن العام، و"ندهت" له السياسة من بعيد.

"امران سيفتقدهما الجنرال في عودته الى بيروت: ان يمشي في الشارع متفلتا من كل رقابة وحماية، وهدوء اللحظات داخل منزله في باريس وتنظيم المواعيد الدقيق. يعرف تماما ان عودته ستخربط كثيرا من المواعيد، وستشرع الباب امام استقبالات ولقاءات مكثفة، هو العائد على ابواب الانتخابات.

في استعداده للعودة في السابع من ايار المقبل، يعدّ عون حقائب الهجرة الطويلة، واوراق السفر، وافكاراً سطرها في مذكراته، ووثائق مكتوبة ومحفوظة في عناية في مجلدات خاصة، يختار منها اوراقا خاصة ليقرأها لزائريه، مذكرا بمواقفه من سوريا او من المؤتمر الوطني الذي دعا اليه، ومذكرا بكثير من مراحل علاقته بالاميركيين.

الى جانب حقائبه، يعد عون للعودة سياسيا، وامران يشغلان باله، صوغ ورقة المعارضة تمهيدا لخوض الانتخابات، وتحويل "التيار الوطني الحر" حزبا بعد الانتهاء من الانتخابات، واعادة تنظيم هيكلية الحزب الجديد. وكلا الامرين فيه من التحديات الكثير، والتحدي الاكبر ان يعود الجنرال الى بيروت كما وعد وسط تطبيع كامل لعلاقاته مع القوى السياسية، سواء تلك التي كان على خصام معها، او تلك التي هادنها او حالفها في احد الاوقات.

في الحلقة الثانية مع ميشال عون في المنفى، محاولة دخول عالم الجنرال الخاص، وتلمس علاقاته مع الاميركيين والفرنسيين.

لماذا لم يحاسب احد الجنرال عون؟ الم يقل لك احد مات ابني من اجلك، وانت تقيم في باريس؟

- لم يحاسبني احد.

لماذا، هل وحده الصدق الذي تقول عنه، ام ثمة وهج ما سيطر على الذين احبوك؟

- كان الجميع معي عن اقتناع. لاول مرة جاء مسؤول عسكري ليقول للجنود اذا لم تكونوا مقتنعين فارحلوا. انا لم اطبق عليهم القانون العسكري بأن من يهرب نحيله على المحاكمة. لم يكن المسيحي فقط معي، كان معي كل جندي متعلق بوطنه، لم يكن الجنود مرتزقة او يطيعونني فقط لانني قائدهم.

شادر

حتى حين جئت الى باريس، تحمل الكثيرون الابعاد والنفي، ما علاقتك معهم وهم تركوا كل شيء من اجلك؟

- ليس من اجلي فقط. انا كنت امثل بالنسبة اليهم الرمز الذي يقاتل معهم. انا كنت قريبا جدا من العسكر. لا احد يعرف حياتي الخاصة معهم. انا لم اجلس على كرسي مكتب الا حين اصبحت قائدا للجيش. كان عندي مكتب معدني وشادر، كنت ازور المراكز فجأة وكانوا يسرون بي، لانني اشاركهم في كل شيء. لا تجدين الكثير من الناس الذين يعرفون جميع الضباط بالاسماء ومواقعهم، وتسعين في المئة من العديد. ثمة علاقة انسانية بيني وبين الجنود والضباط.

هل لا تزال على علاقة معهم؟

- اذهبي الى عكار واستمعي الى الجنود الحاليين والمتقاعدين.

هل شكل الهاتف الصلة التي تجعلك على تماس يومي مع الناس والمناصرين؟

- هو الصلة معهم، والحمدلله خفضت الفاتورة بواسطة الانترنت.

كيف تستطيع التواصل مع الجميع ومعروف عنك انك على اتصال دائم باميركا واوستراليا ولبنان. ومع فارق الوقت كم تنام وكيف تستطيع ان تجد الوقت الكافي للجميع؟

- انام حاليا ست ساعات. ولكن سابقا كان البعض لا ينتبه الى فارق التوقيت، ولكن لاحقا حددنا وقتا للاتصالات، كي استطيع تنظيم الاعمال. مثلا في عيد الميلاد او في عيد رأس السنة، تبدأ اتصالات المعايدة من الظهر من نيوزيلندا حتى اليوم التالي.

الجميع يعترف لك بمتابعتك الدقيقة للاحداث: قراءة صحف وانترنت وكتب، وايضا عبر الاتصالات الهاتفية، الى حد انك تعرف كل الاخبار لحظة بلحظة.

- اقرأ اولا الصحف. ولكن أحيانا يحصل حادث ما فيرن الهاتف، ليخبرني مواطن ما عن حادث او تطور. احيانا يصلني الحدث قبل ان يصل الى الصحافيين. ولكن هذه الشبكة من المعلومات غير منظمة. وهذا له دلالة كبيرة بعلاقتي مع الناس. الاتصالات تأتيني من بعلبك وراشيا ، ولاتحدث هنا بالمفهوم اللبناني، لا يكون الاتصال من مسيحي بل من شيعي او سني او درزي، فهؤلاء يشعرون ان ثمة خللا في مرجعياتهم والا لما كانوا يركضون نحو الجنرال عون. ثمة فراغ في المرجعيات تجسده هذه الاتصالات، وليس الامر عبارة عن غرام بي . يسألونني دائما متى تعود. انها اسئلة تأتيني من اناس لا اعرفهم.

ثمة ناس لا يعرفونك شخصيا، ولكنهم ظلوا على اتصال بك وانت تلبي. الا توجد اي فوقية سياسية في تعاطيك مع الناس؟

- اعوذ بالله ، كانت تردني اتصالات من بلدات الشيخ محمد ومشتى حسن من البقاع والجنوب، كنت اعرف اخبار القصف الاسرائيلي، عبر الهاتف الخليوي الذي سهل كثيرا العمل.

علاقتك بالاعلام هل كانت متوترة ، مع العلم ان ثمة كثيرا من الصحافيين على علاقة جيدة بك؟

- كان للاعلام وضع خاص معي. كان له تأثير سلبي عندي، لكنني كنت اتفهمه. كان الاعلام اقرب الى الفكر الواحد، وكانت المراقبة الذاتية ابشع انواع المراقبة. لان الانسان يدجن نفسه ويدافع لاحقا عن الافكار التي تنتج من هذا التدجين. احسست بالانحراف الفكري في لبنان، احيانا عبر الاتصالات الهاتفية كنت اشعر بأن الاشخاص لم يعودوا انفسهم.

بقيت على تواصل مع الاعلاميين، رغم انك احيانا تخانقهم.

- التواصل مستمر. كنت اتضايق احيانا من التحوير. لم تكن الامانة الصحافية محترمة كثيرا معي.

كان التحوير مقصودا؟

- طبعا. احدى المجلات الكبيرة طلبت مني اخيرا حديثا فلم اوافق لانها كانت دائما تحور اي حديث اعطيه لها. انا اتحمل مسؤولية رأيي، ولذلك اتضايق من تحوير كلامي. سئلت اخيرا اذا ما كنت قلت انه يجب الا يكون صليب القوات المشطوب شعارا، لان الصليب هو لجميع المسيحيين . هذا الكلام تردد اخيرا، مع العلم انني قلت هذه العبارة منذ زمن، وكان لها ظروفها، ولا استطيع ان انكر انني قلتها.

هل لديك وقت للقراءة، وخصوصا انه يقال عنك انك مهووس بالكتب؟

- مر وقت كنت اوزع الكتب على قريبين مني يحبونها، وكان هؤلاء يسطرون لي الامور المهمة لقراءتها، لانه لم يعد لدي الوقت للقراءة كالسابق. الان ثمة كتاب عن دينيس روس ومحادثات السلام يجب قراءته، لكنني لا اتمكن حاليا من ذلك بسبب ضغط الوقت. استعمل الكتاب حاليا كمرجع لخبر اكثر منه للقراءة بكامله.

قراءتك اليوم للصحف والرسائل الالكترونية؟

- حين يقع حدث آني، كما اليوم. يكون ثمة اخبار يومية تضطرين الى متابعتها، وخصوصا التصريحات التي يطلب مني التعليق عليها.

هل لديك فريق عمل مثلا يحضر لك جدول اعمالك او حتى قراءاتك؟

- يرسلون الي المقالات عبر البريد الالكتروني.

نشعر في كثير من الوقت بأنك لاعب منفرد رغم ان لديك تيارا واناسا من حولك؟

- المسؤولية علي وحدي، لكن العمل موزع . للشباب عملهم ودورهم، ولكن ليس لديهم بعد الخبرة الكافية، فالعونيون هم الشباب الطالع من الجامعات وهؤلاء لديهم الثقافة والعلم، من دون التجربة السياسية. ولا ننسى ان ثمة مواضيع داخلية حساسة يجب عدم التحدث عنها اذا لم يكن المرء يعرف ظروفها وخلفياتها الخارجية. انا لست قريبا منهم لاجمعهم واخبرهم بكل المعطيات، هذا يحدث حين نقوم بخلوات للتيار اطلعهم فيها على خلفيات الاحداث. الان بدأت بعض الوجوه تظهر الى الاعلام اكثر من السابق، بعدما اكتسبت خبرة اكثر.

ما هي اصعب لحظات عشتها في المنفى، هل هي زواج بناتك، وولادة احفادك مثلا؟

- اكثر اللحظات صعوبة هي زواج بناتي وولادة الاحفاد. كان لدي شعور بالذنب تجاه بناتي الثلاث. فانا كأب لم اخصص لهن الوقت الكافي، ليس لاني لا احبهن، ولكنهن تقاسمن محبتي مع كل الناس. اتذكر انه حين كنت رئيسا للحكومة، مررت عند احد اصدقائي، فقالت ابنته لابنتي شانتال لقد مر الجنرال بنا بالامس، فاجابتها ابنتي "وهو يمر بنا احيانا ايضا". لقد تفهمت بناتي منذ صغرهن دوري وخصوصا زوجتي.

لم يعرف عن بناتك تورطهن المباشر في "التيار" رغم انهن متزوجات بناشطين فيه؟

- ابدا. حياتنا العائلية بعيدة من الاعلام، ومتحفظة ولدينا روح العائلة، ونعرف اننا في الحياة العامة معرضون للظهور، لكننا في طبيعتنا لا نحب الظهور، ولا نقوم بجهد خاص لذلك.

أليس لانك رجل عسكري حافظت على خصوصية معينة لعائلتك؟

- اسألي بناتي اذا كنت رجلا عسكريا . اتذكر انني كنت اعود الى البيت متأخرا جدا فيما هن نائمات. لا استطيع ان ادخل غرفتي من دون ان افتح باب غرفتهن لاطمئن اليهن. واحيانا يكن مستيقظات مما اثر فيهن حتما.

وولادة احفادك؟

- حين ولدوا احسست كم انا مقصر في تغنيج بناتي. كل حفيد من احفادي رغم انني لا اراهم دائما اخذ حقه من الغنج اضعاف ما اخذته امهاتهن.

هل العودة الى بيروت تعني لك استقرار بناتك او احفادك؟

- لا افرق بينهم. لكن حين ولد احفادي شعرت بأنني اكتملت عاطفيا كانسان. هذا ما شعرته مع اولاد اولادي وليس مع اولادي فقط.

ماذ عن زوجتك ناديا، لا نراها دائما ولم يعرف عنها تدخلها كسائر زوجات المسؤولين؟

- ناديا اعطتني كل ما عندها للحفاظ على الاستقرار والسكينة النفسية. اهم امر لدى الانسان الا يكون هناك صراع بينه وبين ضميره، وان يكون منسجما مع عائلته. المسؤولية الاولى اتحملها انا، اما عن العائلة فناديا اعطتني الراحة العائلية.

هي مركز استقرارك وامينة سر؟

- اكيد . بالنسبة الي ان تعبس ناديا امر يمسني ويزعجني جدا. فرضاها هو الاهم.

هل تعارضك؟

- لديها فكر رائع، ولديها حدس بالناس، هي تكتشفهم بحدسها وانا بالتجربة.

هل انت من الرجال الذين يعبرون عن عاطفتهم؟

- هذه الحال فقيرة عندي. ولكن انا من الذين يحافظون على مزاج هادىء في البيت. مهما كانت المشكلة كبيرة خارج البيت، حتى لو كانت حربا لا يشعر احد في البيت بالامر، فقط يحسون انني منصرف الى التفكير. ولكن لست من الذين يغضبون او يصرخون. قد انفعل واصرخ على شاشة التلفزيون اكثر منه في البيت.

لا اعرف راتبي

ألا تقوم بأي مبادرة تجاه المرأة التي هي زوجتك او حبيبتك؟

- انا لا امثل. سأخبرك امرا. منذ ان تزوجنا، لا اعرف ما هو راتبي، كنت احمله واعطيه لناديا وهي تتصرف به. الثقة متبادلة الى اكبر درجة. ولم نتجادل يوما حول اي امر مادي، رغم انها كانت تنزعج احيانا من هذه المسؤولية التي تتحملها وحدها.

تحملت عائلتك الحرب والنفي.

- لقد رفضت عائلتي وزوجتي مغادرة القصر حتى حين تبلغنا ان الطيران سيقصف بعبدا.

من هم اصدقاؤك، هل هم من خارج الوسط السياسي؟

- اصدقائي الذين هم من خارج السياسة هم رفاق الدراسة ولا نزال اصدقاء ، واراهم اقل حاليا بسبب الوضع. كنا مجموعة متآلفة، رغم انه لم يكن لدينا كلنا الرأي نفسه.

هل هذه الصداقة التي تبقى؟

- اكيد كنا نتبادل المحبة ولم تكن بيننا اي مصلحة. ولكن عشنا بعضنا مع بعض رغم اختلاف توجهاتنا السياسية. حتى في لقاءاتنا العائلية، نتناقش في السياسة ونتجادل من دون ان يسيطر احد على آخر.

تنقلت في فرنسا بين ثلاثة بيوت وفي بيروت كنت تتنقل دوما بين منزل واخر. ألا تشعر بالحاجة الى الاستقرار في منزل واحد؟

- البيت بالنسبة الينا هو الجو اكثر من الجدران، لم نستقر في منزل واحد، لا ذكريات طويلة لاولادي في منزل واحد. تزوجت في بعلبك، وبعد انتهاء شهر العسل ذهبت الى الحدود، فانتقلت ناديا عند اهلها وكنت آتي الى البيت كل خمسة عشر يوما مرة. حتى حين ولدت ميراي، قلت لاهل ناديا: ماذا تريدون احسن من صهر اعاد ابنتكم اليكم مع الفائدة؟ سنة كاملة لم نعد الى بيتنا. نقلنا الى صيدا وصربا ومن ثم الى"بل فو"ثم الى مار تقلا والرابية. الجو العائلي كان الاهم. لاحظي بيتي هنا في باريس، نعيش فيه كأننا في حال انتظار.

في بيروت الى اين تعود؟

- بيتي الحالي غير آمن بالنسبة الي، وتعيش فيه ابنتي كلودين. نفتش حاليا عن بيت.

كنت تفتش عن منزل وسط اخضرار طبيعي؟

- وجدنا ثلاثة منازل مناسبة امنيا، في بعبدا وفي الحدت وفي المتن. ولكن حين انزل الى بيروت وفي آخر 24 ساعة نختار المنزل.

معروف ان لبنانيين يرسلون لك مآكل لبنانية، هل هذا صحيح؟

- يرسلون الي لبنة مكبوسة وزعتراً وزيتوناً وخبزاً مرقوقاً ومربيات وعسلاً وكل ما يعتقدون انه غير متوافر هنا. وهذه هدايا اسر بها جدا، اشعر بأنها مبادرة عائلية.

هذا ما اريد السؤال عنه. يتعاطى معك هؤلاء ليس كرجل سياسي بل كفرد من عائلة. عادة ترسل الام الى ابنها في الخارج هذه المآكل، ولكن الى قائد عسكري؟

- هذه الامور تعني لي عاطفيا الشيء الكثير. .يتعاطون معي كأنني واحد من العائلة. انها مبادرة محبة ، تصلني هذه الاطعمة من كل لبنان، يرسلون الي ما ينتجونه في منازلهم من مربيات اوعسل او عرق من كرومهم.

هل تشرب العرق؟

- قليلا.

ماذا ستفتقد في بيروت؟

- اشياء كثيرة سأكون محروما إياها في بيروت واقوم بها الان، ان امشي من دون ان يعرفني احد. هذه الحرية والخصوصية فقدتها منذ زمن في بيروت. ثمة امور كثيرة احبها اشعر بأنني لن استطيع القيام بها في بيروت .

حريتك الشخصية ستكون مقيدة امنيا ام ان الناس ايضا سيقيدون حريتك؟

- اتعب احيانا من كثرة الاستقبال، لكنني لا استطيع ان ارد من يحبني. رغم الارهاق اظل استقبل.

هل ستكون لديك حراسة امنية خاصة؟

- ثمة حد ادنى من الحماية الامنية لي الحق بها. والحماية لا تتحدد بعدد معين، بل بالخطر الذي يتعرضون له. الاجهزة الامنية سواء احبتني او عليها ممارسة المسؤولية. وانا سيكون لدي رأي بالنسبة الى الذين سيحمونني. مع انه اجمالا ليس لدي اي اعتراض على العسكر، فانا كنت اجول بينهم من دون اي تحفظ، رغم كل المشاكل التي مررنا بها. لم اكن استطيع ان اقاتل مع جيش اشك فيه او ليس لدي ثقة به. ولكن في الحماية الشخصية، افضل ان اكون مع من تعودتهم وطريقة ادائهم، اكثر مما هي علاقة وفاء.

ماذا يخيفك في العودة؟

- منذ عام 1973 صار الخطر جزءا كاملا من حياتي اليومية. تعودته، كما يتعود الانسان وجعاً، الى حد انه لا يعود يشعر به، وهو ما يصبح خطرا اكبر عليه. لذلك يجب ان يصغي الى المسؤولين عن امنه اكثر مما يجب ان يصغي الى نفسه. اهم خطر على الانسان هو من نفسه، فاحيانا اخرج في السيارة من دون اي حماية وهذا هو الخطر الاكبر. الاستخفاف بالخطر اخطر من الخطر، يجب ان استمع الى المولجين الامن رغم انهم يزيدونها احيانا.

ما هي لحظات السكينة هنا في فرنسا هل تسمع موسيقى ام تقرا ام تقوم بالرياضة؟

- كلها. في "الهوت ميزون" كنا نعيش في منزل محاط بالشجر وفي منزل زجاجه مصفح، ارى من خلاله الخارج من دون ان يراني احد. كنت اجلس للقراءة قبالة الثلج، وقرب المدفأة اقرأ واستمع الى الموسيقى. اما الرياضة فهي المشي على السجادة الكهربائية اذا لم يكن الطقس يسمح او المشي خارجا. لكن اكثر ما احتاج اليه الشمس التي اشتاق اليها.

ماذا تسمع من موسيقى؟

- لدي الكثير من انواع الموسيقى، اضع الكتب والاسطوانات في صناديق لان المكان لا يتسع لها كلها. اسمع الموسيقى الكلاسيكية، والفرنسية الكلاسيكية، وفيروز وماجدة الرومي.

هل لا تزال تحب ماجدة؟

- اكيد، مرت بظروف صعبة لكنها لم تفقد روحها.

هل تكتب مذكراتك؟

- كتبت الافكار والاحداث الاساسية، لكنها تحتاج الى صياغة.

هل تفكر بنشرها؟

- اليوم ابدا. لقد طلب مني كثيرا ان اكتب مذكراتي وبكل اللغات العربية والفرنسية والانكليزية، لكن قلت للجميع اني حين اريد ان اكتب الحقيقة التي اعرفها، سأكون اوقف مسار احداث لا ازال مشاركاً فيها. اذا اردت ان اقول الحقيقة كلها فستجرح، ولن اتمكن مجددا من اصلاح الاوضاع. يستطيع المرء منا ان يغضب ويصرخ شفوياً في وجه من يواجهه، ولكنه لا يستطيع ان يكتب ما يريد ان يقوله، لان الكتابة ستكون آنذاك ملكاً للتاريخ. الا انني حين اترك السياسة سانشرها، واذا مت وانا اعمل في السياسة، ستنشر بعد موتي. مع العلم ان ثمة اموراً اصر على نشرها كوصية مني، اما تجربتي في الحياة السياسية مع اللبنانيين فلن انشرها اليوم لان البعض سيعتبر انني استفيد منها. في حين اني اريد ان اكتبها كوصية الى اولادي، لانني قاسيت كثيرا، واليوم اعيش وانا عائد تجربة مماثلة للتجربة التي عشتها وانا خارج من بيروت، لان ما حدث ويحدث ظاهرة غير طبيعية. كل امر له حدود، ولكن حين تتعدى القصة الحدود الطبيعية، لا يعود الوضع يطاق. حين نعرف ان اي سياسي حتى القريب مني، وليس خصمي، لم يقل الحقيقة، بل تاجر بها، هذا ما اعتبره لا يطاق. والبعض القليل الذين ليسوا في مركز الصداقة السياسية يقرون بالحقيقة اكثر من الذين بقربي. هذا صعب ولا استطيع ان اكتبه.

حتى الوثائق لا تريد ان تنشرها اليوم ولا بعد زمن طويل؟

- اغلب الوثائق يجب التفتيش عنها، مع العلم انهم أحرقوا القصر الجمهوري ووزارة الخارجية. واذا اردت ان اكتب قد استعين بالذاكرة، عما كتبت الى البابا، والملك الحسن الثاني والملك فهد.

ولكن تجربتك الخاصة لن تكتبها؟

- اكتب اليوم الافكار الاساسية، واستعين بكثير من الذين كانوا ولا يزالون حولي، وهم يذكروني بكثير من الاحداث. لقد عشت احداثا كثيفة تملأ مجلدات لو اردت ان اكتب عنها. اسلوبي مختصر ولكن كل جملة تحمل عنوانا.

بأي لغة تكتب؟

- بالعربية والفرنسية.

لم التق ميتران وشيراك

عشت في باريس فترة نفي وعزل بعد 13 تشرين كيف تعايشت معها؟

- بدأت العزلة في السفارة، في الفترة الاولى عزلت، ثم بدأت تصل الرسائل، ومن ثم زيارات اهلي واهل زوجتي. في فرنسا، حكم علي ان اعيش خارج باريس تحت حماية امنية وسياسية، منع الصحافيون من دخول منزلي خلال خمسة اعوام. وحتى بعد هذه الاعوام، كنت كلما تحدثت يأتيني تنبيه بضرورة احترام شروط الابعاد والتزام التحفظ. احسست كأنني تلميذ في صف الروضة اذا تكلمت تخرجني المعلمة. كانت هذه شروط الابعاد اذا لم تستطيعين فهمها على هذا النحو فستتضايقين كثيرا.

كنت معتادا على العجقة والناس والمهرجانات وفجأة صرت وحيدا؟

- منع الصحافيون من مقابلتي، لكن سمح للناس بزيارتي شرط الابلاغ عن الزيارة قبل 48 ساعة، وهذه كلها محاولات للعرقلة.

كيف كانت علاقتك بالدولة الفرنسية في عهدي الرئيسين فرنسوا ميتران وجاك شيراك؟

- راسلت الرئيس ميتران، وكان يكتب لي بخط يده، وانا ايضا.

لكن لم يحدث اي لقاء مباشر بينكما.

- كلا، فرنسا تطبق القوانين. اتفقوا لاخلائي من بيروت على شروط معينة، احترمها الرئيس ميتران. وحتى الان يحترم الفرنسيون العلاقة شكليا وكأنني انسان مبعد.

الم تلتق شيراك، وهل حدثت معه اي مراسلات؟

- لم التقه، راسلته كواجب، ولم تكن العلاقة معه كالعلاقة مع ميتران.

لكن الدولة الفرنسية تسهل تحركات العونيين في فرنسا و"التجمع من اجل لبنان"؟

- من ضمن الحقوق الفرنسية، لان من يتحرك في فرنسا فرنسيون، في كل المدن الفرنسية.

لكن العلاقة معك ظلت رسمية؟

- رسمية وبقيت على مستوى محدد.

العلاقة مع الفاتيكان هل كانت ثابتة؟

- قمت بمراسلات معه بواسطة السفير البابوي لكنها لم تكن كثيرة. وزرت الفاتيكان اخيرا وقابلت كل المسؤولين فيه، وقابلت البابا، وباركنا، ولم يكن في صحة جيدة لاجراء حديث طويل.

من هي الدولة التي تربطك بها علاقة قوية؟

- رسميا لا احد. لكن على مستوى ممثلي الشعب هناك علاقات. انا في خطبي في بعبدا كنت اقول ان الحكومات تمثل مصالح، اما الشعوب فتمثل القيم. واعتمدت هذا الامر دوما.حين يوجد نواب يمثلون الشعب والحس الشعبي، كنت اتعاطى معهم. حتى حين ذهبت الى الولايات المتحدة كانت الادارة الاميركية " مسكرة" علي، فكانت علاقتي مع النواب ورجال الكونغرس.

حرمت طويلا الحصول على التأشيرة الاميركية.

- نعم، كان ثمة دعوة من الكونغرس عام 1997 للحديث عن الوضع في الشرق الاوسط، لكنهم لم يمنحوني اياها واول مرة زرت اوستراليا كانت صعبة ايضا، واجتمع مجلس النواب الاوسترالي وناقش الموضوع، حتى وافقت الحكومة على دخولي. وحين قمت بالزيارة، قدم الي العلم خلال عشاء كبير، العلم الذي كان مرفوعا على مجلس النواب يوم اتخذ قرار السماح بدخولي اوستراليا، ولا ازال محتفظا به، موقعا من رئيس مجلس النواب.

ألم تكن ثمة مراسلات بينك وبين الادارة الاميركية؟

- أمن التواصل معها اعضاء مجلس المنظمات الاميركية اللبنانية cleo والذين كانوا في اساس قانون عودة السيادة اللبنانية (محاسبة سوريا). ولا ننسى ان الادارة الاميركية لم تكن مؤاتية لنا. حتى ديفيد ساترفيلد لم التقه الا مرة واحدة، حين عاد من دمشق لابلاغنا انهم اتفقوا على الرئيس، واجبتهم انه يجب حصول الانتخابات.

هل تعتقد ان الاميركيين موافقون على عودتك وساترفيلد ايضا؟

- ليس لدى الاميركيين حالات نفسية. قد يكون طبعي لا يعجبهم، لكنهم براغماتيون، حاليا هذه هي سياستهم، وتتوقف عندها القضايا الشخصية. ورغم انه كان معارضا للقانون 1559 فلا يستطيع اليوم الا ان تكون مواقفه كما هي الان تمثل المصالح والسياسة الاميركية. جميع السفراء الاميركيين الذي مروا بلبنان او الملحقين العسكريين يتصلون بي على الصعيد الشخصي، اما السياسة الاميركية فامرآخر. اقول للبنانيين ان الاميركيين لا يكذبون، هم يقولون بوضوح "هذه سياستنا"، فلا تلصقوا اخطاؤكم بها.

ولكن ثمة انطباعا غالباً ان الاميركيين لا يحبونك كثيرا، هل تغير موقفهم تجاهك؟

- ليس تجاهي انما تجاه لبنان وهذا ضروري بالنسبة الي. انا لم اذهب الى اميركا للدعاية لنفسي، والا لكنت فشلت. اقول للتاريخ ان الغائب الوحيد عن اي محادثات قمت بها مع الاميركيين ، او مع الاوروبيين او البريطانيين او الفاتيكان، كان ميشال عون.

هل تعتقد ان اللبنانيين يحفظون لك الجميل انك مع الـ cleo في صلب تحريك القرار 1559؟

- لا انتظر عرفان جميل. ولكن اخجل من القول ان لكل امر كلفته غير المعنوية. اللبنانيون في لبنان لم يساهموا باي امر في هذا الموضع. اللبنانيون الذين صرفوا اموالهم في عنجر كي يصبحوا نوابا او على مآدب طعام، لم يساعدونا بل ذهبوا الى حد العداء. حتى انني اجبرت على الرد عليهم. انا اعمل لوحدي فاذا خسرت اكون خسرت وحدي والا صحتين على قلبكم. حتى ان نائبا مسخا في تفكيره قال للشباب في ساحة الشهداء: ماذا فعلتم انتم خلال 15 عاما بينما نحن حررنا لبنان في بضعة اشهر؟ كم رئيس قتل في لبنان؟ الا تعتقدين انه كان لدى اللبنانيين ثورة غير قادرين على التعبير عنها، لان لا شمسية فقط؟ لو كان هذا الغطاء الخارجي موجودا هل كان ليجرؤ احد على محاربة اللبنانيين عام 1990 . هذا النائب شعر بأنه حرر لبنان فقط لانه زعل من سوريا، وهو ليس زعلانا بالمعنى الحقيقي.

 

رحلة مع الجنرال في ذكريات المنفى والإبعاد والاستعداد للعودة في 7 أيار [3]

عون: طالبت بضمانات لتنفيذ الانسحاب السوري وتطبيق الطائف

الديموقراطية تحل المشكلة مع "القوات" و"حزب الـله" يمثل طائفته

باريس – من هيام القصيفي:   27/4/2005

عون "راجع". هذه المرة الموعد اكيد في السابع من ايار كما يقول ويعد، رغم كمية الشكوك حول امكان الوفاء بهذا الوعد. الاسبوع المقبل سيكون موعد عون مع مناصريه، لكن عون يعود ومعه كمية كبيرة من الخلافات والتحالفات. سيعود وامامه كثير من العقبات لتذليلها، وكثير  من التحديات المطروحة، سواء على مستوى المعارضة او على المستوى المسيحي او الوطني. بعد غياب خمسة عشر عاماً، تغير الكثير وتبدلت وجوه وكبرت ونشأت وجوه جديدة وقادة وزعامات جديدة، لن يستطيع عون ان يتجاهلها، كما لا نستطيع ان نتجاهله. والايام التي تلي 7 أيار ستكون حاسمة في رسم صورة المشهد المسيحي، والمشهد المعارض، على ابواب الانتخابات، وكما يقول عون: "لا احد يستطيع الادعاء انه يعبر عن الرأي العام الا بعد صدور نتائج الانتخابات".في الحلقة الثالثة من اللقاء مع عون في باريس، لا بد من الدخول في بعض الملفات السياسية.

وعون الذي يطل كثيراً على وسائل الاعلام في الآونة الاخيرة، ادلى بدلوه في كثير من المواضيع. لكن ثمة اسئلة لا تزال قيد البحث، ومن دون اجوبة شافية من الجنرال. ثمة اسئلة كثيرة معلقة: ماذا سيفعل في الانتخابات المقبلة، مع من سيتحالف، هل سيخوض حلفا مع المعارضة بكل تلاوينها، وهل يتحالف مع "حزب الله" في ظل غزل واضح بينهما، ومع وليد جنبلاط الذي زاره اخيراً في باريس، من دون ان تكون نتيجة اللقاء ايجابية، رغم محاولات التكتم.

اسئلة كثيرة يختار الجنرال الا يجيب عنها، تاركا الجواب الى ما بعد عودته، وهذه الاجوبة تتعلق بالتحالفات وبقيامه بزيارة قصر بعبدا او بكركي.

عودة عون الى بيروت تحمل كثيراً من الالغاز والاسئلة. كيف سيعود ومن معه، هل يعود بضوء اخضر، وممن؟ هل طويت ملفاته القضائية وملفات من معه والعائدين الى لبنان في الطائرة نفسها؟ ومن سيعود معه؟ كلها اجوبة نطرحها في الحلقات التالية مع العائدين معه الى لبنان.

ومعه نفتح اليوم بعض المحاور السياسية وبعض الاسئلة عن مرحلة عاشها من بعيد قادة عرفهم من منفاه، ويعود الى لقائهم في الايام المقبلة. فاي تواصل بينهم واي فراق؟

هنا الحلقة الثالثة:

ٌں هل يحز في قلبك ان البعض لا يحبذ عودتك كثيراً؟

- هم يستمرون في الكذب كما فعلوا منذ عام 1990. احد المعارضين قال في محاضرة له: لماذا ذهب عون الى اميركا فهي كانت ستقوم بما قامت به اليوم من دونه. لو يعرف هذا النائب الجهد الذي بذلناه لاقناع الكونغرس، لما كان تجرأ حتى على التفكير بما قاله. هل يعرف احد ما معنى قلق ثلاثة اعوام من الصراع بين الادارة والكونغرس، اضافة الى محاولات اللوبي الصهيوني للعرقلة. لقد تحدثت دوما عن ثلاثة عقود ابرمتها، الاول الا اسلم حتى النهاية، والثاني ان ارفع القضية اللبنانية الى اعلى مستوى وهذا ما قلته حين صدر القرار 1559 وقلت انني لا استطيع ان افعل اكثر مما فعلت. والعقد  الثالث مع اللبنانيين، وقلت ذلك لشباب التيار ولكن لا تجعلوني اصل الى اكثر يوم اردد فيه ما قاله الجنرال شارل ديغول حين ترك باريس واراد الانسحاب من الحياة السياسية. قال له ابنه: عملت من اجل فرنسا وحررتها، والآن تنسحب الى الضيعة، اجابه ديغول: لا استطيع ان اكون رجل العواصف والسياسات الكبيرة،

عون في باريس.

الديموقراطية تحل المشاكل.

ابتسامة العودة في 7 أيار.

ولا استطيع ان اكون رجل الحرتقات الصغيرة. "انا لست رجل حرتقات صغيرة. الشباب يريدونني في السلطة ولكن اذا لم أكن أستطيع ان احقق شيئاً فلماذا السلطة؟ انا مرتبط بشعب وليس بحياة مهنية عادية. انا مرتبط بالشباب واريد ان احقق لهم اهدافهم. ماذا اريد؟ لقد كنت رئيسا للحكومة والجمهورية، عندي اللقب اذا كان هذا الامر مطلوباً، المال؟ كلنا بعد عمر معين، تصبح مطالبنا من اكل وملبس محدودة، ورواتبنا تكفينا للعيش المحترم. اللذة الكبيرة في الحياة ان نحقق امراً جيداً وان نترك سمعة طيبة. احترام الانسان لنفسه واحترام الاخرين له هو الذي يبقى. وهذا لا يعني ان لا طموح لدي، ولكن طموحي ان احقق امراً عظيماً وليس حرتقات سياسية.

ں البعض يعتقد، ان الجنرال بعد عمر معين وولادة احفاده وتعبه، يريد العودة الى لبنان والاستقرار حتى لو لم يصل الى اي منصب؟ هل عودتك عودة الراغب في الاستقرار ام عودة المقاتل؟- انا عائد لاكمل القتال ولكن هذا القتال ليس عقدا بيني وبين نفسي او تحدياً ما. أريد ان انجز العقد الاخير، ولكن اذا خذلني الشعب فماذا افعل؟ انا دائماً اتوجه الى الناس واقول لهم هذه مسؤوليتكم، لا تقولوا لي جنرال ماذا نفعل وانتم تجددون انتخاب المسؤولين عما وصلتم اليه. انتخبوا وجوها جديدة. العقد الثالث انسحب منه ديغول فانسحب. انا اليوم اذا خذلت فسأرتاح ولكن ما حققته حتى الآن يرضيني.

ں يقول البعض انك لم تفعل كديغول، عدت الى بيروت بعدما انتهى تحريرها وليس لتحريرها، تعود بعدما "خلص كل شي"؟

- من خلصه؟ انا خلصته. حين كان معظم السياسيين يرتمون عند جزمة رستم غزالة، كنت اقول لا التقي بشار الاسد على الارض اللبنانية. قولي لي، اين كان هؤلاء الذين لم يتحركوا الا بعدما تضرروا من التمديد لاميل لحود، اين كان هؤلاء ألم يكونوا يشتمونني لاني ذهبت الى اميركا؟ انها قلة حياء. تذكري، ألم اقل لك دوماً سيذهب السوريون غصباً عنهم؟ كان الجميع يسخر من احاديثي.

ں عشت في المنفى، مع سياسيين منفيين، العميد ريمون اده والرئيس امين الجميل، كيف كانت العلاقة معهما؟

- مع ريمون اده كانت العلاقة منيحة حتى 13 تشرين حين فوجئت بتصريح له يقول: كان على العماد عون ان ينتحر. لم افهم لماذا قال ذلك. وصار يهاجمني ويقول ان يدي ملطختان بالدم.

فوجئت بمواقفه، واتهامه بأنني وافقت على الطائف، من دون ان يقول انني كنت اطالب بتعديل الطائف. في باريس، ثمة كثيرون كانوا معه والتحقوا بي. كنت ارد ان كلامه غير منطقي، فكيف اكون مع الطائف وتهاجم بعبدا واليرزة. على الاقل كان يجب ان يقول للياس الهراوي، كيف تقوم بهذه المجزرة. اعرف ان كثيرين غاروا سياسيا. ولكن انا كنت آمن للعميد على المستوى الوطني وكنت اقول قد يكون لا يحبني ولا يحب ان يراني، هذا ليس مهما ولكن ما يهمّني هو موقفه الوطني الذي كان سليماً.

ں ومع الرئيس الجميل؟

- التقينا في المؤتمر الوطني، وحاولنا ان نؤسس جبهة، ولكنها سقطت بعد البلديات. حساباتي في السياسة مختلفة، حتى في معركة البلديات كنت اقول انه يجب ان توظف في خط تحرير لبنان، وان تكون مكونا لقاعدة شعبية معارضة تعمل للتحرير، وليس ان نربح البلديات فقط.

ں لم يجمعكم المنفى الا كمكان وليس كاشخاص؟

- لم اكن ابدا المشكلة. انا قاتلت كعسكري، وكضابط، وكنت رئيساً للحكومة. وكنت اقول لهم ليس لدي شروط للعمل مع احد، اذا كان اسمي يزعجكم، اتنحى جانباً، واعطيكم الدفع اللازم، شرط ان تنصفوا القضية. ولكن هم حملوا خلافات 25 عاماً الى باريس، وانا جئت خفيفاً لا احمل الا مشاكل الحاضر. وحتى يبرر كل واحد لماذا لا يعمل مع الاخر، تحولت القضية سجالات وشتائم، وانا وقفت جانباً ورددت مرة او مرتين على العميد.

اسألوا الآخرين

ں حتى صديقك دوري شمعون الذي كان اقرب القريبين منك ابتعد، هل السياسة فرقت بينكما؟

- لم ابتعد عن احد، ظللت وفيا للخط ولم اغير، تستطيعين سؤال الاخرين. صار دوري شمعون يتهمني بانني اتخذ قراراً واطلب من الجميع ان يتبعني. انا اريتهم نموذجاً للسياسي لم يروه في حياتهم ولا يزالون على عنادهم. في انتخابات بعبدا قالوا انني قررت وقلت لهم ليمشوا. انا لم اقرر حينها الا امراً واحداً لا اتنازل عنه، كيف يسمحون بان يقرر سياسي ترشيح آخر بطريقة فوقية. بالنسبة الي، لم اكن اعرف حتى ان لبيار حلو شاباً مهندساً اسمه هنري، يأتي في منطقة لنا فيها وجود بالحد الادنى. يأتي القرار فوقيا فيوافق عليه ويهمشون 250 الف ناخب. هذا الكلام كنا نرفضه، وقلنا يجب ان تحصل معركة وتفضلوا عينوا مرشحا لها. ولكن هربوا وقاطعوا. احدهم ممن تنقصه التجربة قال: العماد عون يريد ان يقاتل بعسكرنا. نسوا ان العماد عون معه عسكر وضباط. فكرهم التقليدي والوراثي والاقطاعي، جعلهم يعتقدون ان نموذجهم هو الأفضل، ولم يدركوا أننا ندخل عصراً جديداً لن يكون فيه المرشح من العصر الماضي، بل من المستقبل.

ں هل انتخابات بعبدا وحدها فرقت دوري عنك؟

- كلا، سبقها انتخابات الاطباء السابقة، تناقشنا حول المرشح واتفقنا على ترشيح اثنين، لكنه أخذ على خاطره.

ں ألا يعز عليك هذا الابتعاد؟

- أكيد دوري "يعز علي"، كانت تربطني علاقة كبيرة بالرئيس شمعون، ومع داني رحمه الله. ذهنيتهم السياسية وطنية ومؤسساتية، رغم ان لديهم حزب الوطنيين الاحرار، لكنهم يحترمون جداً المؤسسات. الرئيس كميل شمعون كان يحترم الدولة أكثر مما تتصورين.

ں دائماً تتحدث عنه باعجاب؟

- كان باهراً. في آخر ايامه كان يعمل كأنه يحضر للمستقبل. في حين ان بعض الشباب اليوم يعيشون حالة يأس وكان نصفهم في القبر.

ں يقال ان عودتك اليوم هي لتحقيق التوازن مع وليد جنبلاط كما كان التوازن قائماً بين كميل شمعون وكمال جنبلاط؟

- ليست القضية قضية توازن، نحن اليوم متحالفان.

ں ألا يحتاج المسيحيون الى هذا التوازن حتى لو كان مع زعيم معارض كجنبلاط؟

- أنا اؤمن بصراع الاهداف وليس بتوازن توزيع السلطة والحصص.

ں ألا تعجبك المقارنة بينك وبين الرئيس شمعون؟

- الوزن الذي يأخذه كل انسان هو الذي يعطيه اياه الشعب. المقارنة موجودة في ذهنية الناس، ولكن في ذهنيتي انه الصراع من أجل تحقيق الاهداف. قد نتفق مع وليد بك على أهداف وهذه هي دينامية الحياة الديموقراطية. وليست القضية قضية توازن معه، لانني لا أشعر بأنني على تناقض مسبق مع أي فئة من اللبنانيين أكانوا من الدروز أم السنة أم الشيعة أم الملحدين أم المستقلين.

ں لماذا كانت تمر معك العلاقة بين المعارضة وبينك بفترات غزل يعقبها انتقادات؟

- حسب الضغط في لبنان. أحياناً يطولون السنتهم حتى يبرروا أنفسهم. أقول للبعض اذا لم تستطع قول الحقيقة التزم الصمت، كما أفعل.

ں هل تعتقد ان عودتك تقلق البعض لأنك مشروع رئيس جمهورية أم لان زعامة ما تفلت من ايديهم؟

- لا اعرف. تضرب الغيرة في رأس البعض. في مرحلة الانتخابات البلدية قالوا لي ان اللبنانيين سيخذلونك، فأجبتهم، سيكون هذا خيارهم ولن ازعل. اجرب، وكلامي ليس منزلاً، ولكن اعتقد انه بعد هذا الوقت، يتضح لي ان الحق معي ولا يكونون على حق.

ں تجربة "لقاء قرنة شهوان" هل كانت ناجحة؟

- في رأيي لم تكن ناجحة، اذا أرادوا ان نكون صريحين لهم رأيهم بي وليس دوماً ايجابياً، وأنا لي رأيي بهم. تألفت قرنة شهوان من أربعة أو خمسة افرقاء كنا جزءاً منهم بعد صدور بيان مجلس المطارنة عام 2000. حاولنا ان يكون اللقاء على مستوى وطني لبناني مسيحي، فلم ننجح. على المستوى المسيحي حاولنا ان نعد بياناً فانتظرنا أشهراً حتى صدر البيان.

ں هم يقولون ان سبب الخلاف هو موضوع الطائف الذي كنت ترفضه والآن تقبل به؟

- هذا جزء من الكذب ليسمحوا لي. الخلاف هو على قصة انسحاب سوريا من لبنان، هم كي لا يلفظوا الكلمة يطالبون بالطائف، والطائف لا ينص على الانسحاب السوري من لبنان، بل هو بناء على اتفاق بين الحكومتين. لذلك طالبت بالضمانات من فرنسا لتطبيق الطائف. لا احد يقول الحقيقة، لقد قدرت للصحافي ابرهيم الامين ان يقول على العلن انه يعتذر مني على اساءته لي. هذا أول انسان يتعاطى الشأن العام ويعتذر مني. قدرت له شجاعته.

ں ما كان اعتراضك على "قرنة شهوان"؟

- يستخدمون دوماً تعابير غامضة حتى اللحظات الاخيرة. وصلنا الى الانتخابات الرئاسية، ماذا كان الاعتراض؟ عدم التجديد والتمديد، وكلهم تحت السقف السوري. فاذا كانوا راضين وراضخين وكانوا يستعملون نوعاً من المعارضة الاستيعابية للرأي العام وهو أمر مؤذ، حين يكون شخص ما يقوم بعمل مقاوم ومن الى جانبه ينفس الناس بأمور لا توصل الى نتيجة. هذه أمور نسيناها. لكن اسئلتك كي أجيب عليها للتاريخ وأنا أجيب للتاريخ. أنا اؤمن بانه لا يمكن ان نقوم بعمل تحريري اذا لم تحتشد الجماهير، حتى يحرر الشخص يحتاج الى الجماهير وحتى يحكم يحتاج الى النخبة.

ں ما هي "القرنة" نخبة أم جماهير؟

-- هم يعتبرون انهم نخبة وجالسون في مكتب. بدليل انه كلما حصل حدث شعبي لم يكونوا يتجرأون على الدعوة الى الشارع. كم مرة دعونا الى التظاهر من أجل الـ"ام تي في" وفي النهاية نزلنا لوحدنا "وأكلنا قتلة لوحدنا".

ں الحركة التي قامت بها "القرنة" من ضمن جسم المعارضة، هل أذابتها؟

-- كلما اتسعت الرقعة كان الامر ضروريا من أجل التحرير. فالعمل الجماهيري يحتاج الى الجميع بغض النظر عن مقاربتهم وأحجامهم. ولكن من أجل الخيارات السياسية يختلف الامر، الخيارات السياسية يجب ان تكون واضحة ودقيقة.

ں في الجسم المعارض اليوم زعيم المعارضة هو النائب وليد جنبلاط، مرت العلاقة معه بفترات متقلبة، كيف تصفها اليوم بعد اللقاء معه ولقاءات التيار في لبنان مع كل أطراف المعارضة؟

-- ضمن الخطوط الكبرى اللازمة، اوكي، متفاهمون عليها، ولكن لم نبحث يوما في التفاصيل الانتخابية او تفاصيل المرحلة المقبلة.

ما زلنا نطالب بالورقة

ں ألا توجد تفاصيل أكثر عما حدث؟

-- لا نستطيع ان نعطي تفاصيل أكثر عما حصل، ولا نستطيع ان نزعبر. الخطوط الكبرى ماشي الحال. لقد تقلبت العلاقة، لكن التواصل ظل موجودا، كنا اتفقنا على بعض النقاط الاساسية، واتفقنا على ورقة عمل حتى ندخل تجمع البريستول. اغتيل الرئيس رفيق الحريري، ووجدنا انها مناسبة كي نتحدث في التحرير. دخلنا من دون ورقة العمل الى لقاء المعارضة. لكن لا نزال نطالب بها، حتى تكون الانتخابات على الخط نفسه. يفتشون عن الثنائيات في التعاطي السياسي. لا أجد ان ثمة أهلية لقيام جبهة كبيرة في لبنان. لكل واحد خصوصيته وهو يستعد للقبول بورقة عمل ولكن مع الاحتفاظ بخصوصيته، وبهذه الخصوصية يطير كل يوم بند واحد، وتصبح الورقة ممسوخة.

ں اذا لم تتوصلوا الى ورقة عمل مشتركة مع المعارضة ألن تخوضوا الانتخابات معا؟

-- لا أعرف بعد، ستكون الامور خاضعة لظروف أخرى وتقديرات مختلفة. سميت اللقاءات لتشكيل اللوائح الانتخابية وكأنها لقاءات مع بنات هوى، تنتهي القضية عند اقفال صناديق الاقتراع وكل واحد يعود الى بيته.

ں يتردد ان النائب جنبلاط يريد جبل لبنان محافظتين كي لا يخضع لضغوط العونيين والقواتيين، فأجبت بتمسكك بالنسبية؟

-- هو يريد تسع محافظات مع الاكثري، اي ان يبشّع النظام السابق، في أي حال من يقول ان محافظة الشوف وبعبدا وعاليه كما يطالب بها ستكون لمصلحته؟ لا أحد يستطيع ان يملك الرأي العام اللبناني قبل الانتخابات. عليه أولا ان ينتصر، علينا الانتهاء من الحديث عن امتلاك الرأي العام قبل فرز النتائج. أما عن النسبية فانا طالبت اولا بالدائرة الفردية مع الاكثري، او المحافظة مع النسبية.

ں اعتبرت هذه المطالبة كأنها غزل بينك وبين "حزب الله" والرئيس نبيه بري والقوى الشيعية؟

-- ليعرف الجميع انني لا أريد ان أتعاطى مع أناس تمثيلهم لطوائفهم تمثيل مزور. ليس المهم ان يكون الانسان مواليا لك او معارضا. المهم ان نكون نتعاطى مع الممثل الحقيقي لأي فريق او طائفة، لان أي اتفاق معه يعني اتفاقا يرتكز على قواعد ثابتة. اما ان نأتي بـ"خيالات" كما فعل المسيحيون  خلال 15 عاما وفي الوزارة الحالية ايضا، ولكن سنقبل بها من أجل الاهداف الكبيرة.

ں "حزب الله" برأيك يمثل القوة الشيعية؟

-- اليوم هو يمثل هذه الفئة التي قد لا يمثلها بعد أربع سنوات، والحال هي نفسها بالنسبة الي. انا أدعو الى قانون انتخاب نهائي، حتى لا يقول البعض بعد أربع سنوات هذا القانون غير عادل وغير محق. اليوم بعدما خرج السوريون، صاروا يقبلون بقانون عام 2000، لماذا؟ لأن الرأي العام انقلب وصار يشكل أكثرية بالنسبة اليهم.

ں يتعاطى "حزب الله" معك بود، فهل ثمة رسائل مباشرة بينك وبينه؟

-- ولا مرة كانت الرسائل سيئة. حديثي يأخذ دوما الطابع التنبيهي حتى للخصم السياسي. نحن لبنانيون ويجب ان نصل معا حتى لو كنا خصوما. نحن نختلف في العقائد الدينية، ولكننا شعب واحد له المصير نفسه. الوحدة الوطنية بالنسبة الي تشكل الحصانة قبل البندقية.

ں علاقتك بـ"القوات اللبنانية" هي العلاقة المحورية في حياتك السياسية. انت في باريس اليوم تلتقي القواتيين وتلتقي المجلس السياسي؟

-- التقيهم دوما في فرنسا وخارجها ونتناقش.

مرتزقة كثيرون

ں كيف ستكون العلاقة في بيروت وهل تعتبر ان الحديث عن اطلاق الدكتور سمير جعجع اليوم مع استعدادك للعودة، يحمل أبعادا أكبر من الافراج في ذاته؟

- هناك كثير من المرتزقة في الحديث عن الدكتور سمير جعجع، ولا اتحدث عن القواتيين الذين يحبونه والذين يسعون الى انقاذه متحملين الكثير. يجب ان يتذكر كل قواتي خصوصاً الست ستريدا جعجع، وانا اقول هذا الكلام ليس من باب تربيح الجميل بل من باب الرد على كل ما اسمع منهم كلاماً انه عام 1994 والنار كانت لا تزال حامية كنت اول من قال ان العدالة الاستنسابية لا تجوز لانها تتناول سمير جعجع، وقانون العفو اما يطبق على الجميع واما لا يطبق. لقد استغرب حينها كثيرون هذا الكلام وكانت المشاعر لا تزال متأججة. لكنني قلت للجميع ان الثأر من جعجع امر شخصي، ولكن من موقع المسؤولية لا يجوز الا الكلام عما يجب ان تكون عليه الامور. اليوم تجمع كل الناس حول القوات وصاروا اقرب اليهم من صاحب الكلمة الاولى. وللتاريخ اقول ان ثمة مبادرة عرفان بالجميل حصلت تجاهي ولا استطيع كشفها ولا اتاجر بها. وانا بعثت برسالة شفوية الى غبطة البطريرك بعدم جواز القبول بما يحصل. كنت اول من قال ان القوات ليست من قام بتفجير الكنيسة.

ں هل تعتقد ان الاوضاع على الارض ستكون مقبولة بين مؤيديك ومؤيدي جعجع؟

- لا اعرف. لقد نشأت اجيال خلال هذه الاعوام، البعض منهم ربما يشتمني والبعض ممن عرف انني اتخذ هذا الموقف يقول ان الجنرال عون منيح. والسؤال اي رسالة يتداولها القواتيون، هل هي رسالة 1990 ام رسالة 1994؟ لقد اتخذت موقفي هذا لانه يتعلق بكل لبناني وبضرورة تطبيق العدالة المتساوية على الجميع. اذاً اي رسالة تلقن للاولاد، رسالة 1990 تعني الكراهية ورسالة 1994 تعني المحبة. الموقف عندهم. احداث 1990 صارت في التاريخ، يجب الا ننساها حتى لا نكرر الاخطاء نفسها وليس لنتبادل الحقد. اما عن التحالف الانتخابي مع القوات فأقول ان التحالف السياسي ليس شرطاً للعلاقة الجيدة. الديموقراطية هي التي تحل المشكلة وهذه اهم حسنات الديموقراطية ان نختلف او نتحالف من دون اي اضرار ومواجهات.

ں هل توقيت تحريك قضية جعجع له اي مغزى يرتبط بعودتك؟

- المطلبان محقان، قد يطلق جعجع قبل عودتي، وهذا ليس مهما ولا يشعر احد بالحزن اذا عدت قبل الافراج. كنت منسياً والله يشهد انني لم ازعل يوماً حين كان يجري الحديث عن اطلاقه قبل عودتي. وكنت اقول لمن يسألني: هل تريدون ان نقوم بنذر لخروجه لسيدة لورد او للقديسة تيريزا، انا مستعد. لا يستطيع احد ان يحذف احداً في السياسة في لبنان. الانسان يحذف نفسه، اذا اخطأ يبتعد عنه الناس. اليوم عدنا في لبنان الى حال سلم وتنافس سياسي ولسنا في حال حرب.

اما عن الصدامات، فجرى مثلها بين فرنسا والمانيا واليوم ترين كيف اصبحا. اما نحن فشعب واحد وعائلاتنا واحدة وقرابة الدم تجمعنا.

ں تبقى العلاقة مع البطريرك الماروني من العلاقات التي وضعت دوما تحت الضوء؟

-- كان ثمة نوع من الاعلام التحريضي. اذا قلت مثلا انني لا اوافق  غبطة البطريرك على موقف ما حين كنا نؤيد حق التظاهر، تصدر الصحف بان قصفا مدفعيا يطلقه الجنرال على البطريرك. كانت العناوين تحريضية حتى يكبر الخلاف. أناس لديهم مصالح باستمرار الخلاف. كانوا يلعبون احيانا على تصريحاتنا فاذا قلت انني غير موافق على اسلوب البطريرك، يقولون ان ثمة عداوة بيننا. البطريرك يعمل من اجل سيادة لبنان وحريته واستقلاله وانا ايضا لكن اساليبنا مختلفة.

ں ستصل السبت الى بيروت هل نفترض مثلا انك ستشارك في قداس بكركي؟

-- التحركات ستكون صعبة في الاسبوع الاول.

ں الن تشارك في اي نشاط في الاسبوع، الشخصان البديهيان اللذان يخطران في البال هل ستزور رئيس الجمهورية والبطريرك الماروني؟

-- ثمة بديهيات ولياقات، الانسان يستقبل اولا المهنئين بعودته ثم يقوم بلياقاته الاجتماعية. عادة ندعو الناس الى العرس والناس يشاركون من تلقاء انفسهم في المآتم. وبما ان ما يحصل هو عرس فالناس مدعوون الى المشاركة في فرح العودة.

ں كيف ستكون علاقتك بالسلطة، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة؟

-- انا ميشال عون قائد جيش ورئيس حكومة سابق، وانا ميشال عون ابن بيت عون ولدي أقارب. حتى هذا العمر اعتقد ان اسمي وحده صار يكفيني ويعرف عني. هذا ليس كبرياء. انا لا اريد ان يناديني احد الا باسم الجنرال عون، قد تكون هذه العقدة العسكرية. البعض في التيار يناديني بدولة الرئيس، بينما بعض الصحافيين ينادونني بميشال عون.

ں في الجيش كنت رئيسا للعماد اميل لحود، عادة كيف يتم التعاطي مع الالقاب بين الضباط، هل سيناديك مثلا MON GENERAL وهل ستناديه فخامة الرئيس؟

-- التعاطي الرسمي يختلف عن التعاطي الشخصي، اصدقائي ينادونني ميشال اذا كنا معا، اما في المناسبات الرسمية فيتعاطون معي بما امثل. لماذا ندخل في البروتوكول؟

ں لانكما كنتما خصمين؟

-- الخلافات كانت كبيرة ولا تزال على المستوى السياسي.

ں وعلى المستوى الشخصي؟

-- اخذت طابعا شخصيا ايضا في المدة الاخيرة لانه يعرف ان ملفاتي فارغة، يعرف ذلك كقائد للجيش وكرئيس للجمهورية. وانا لم استحسن تصرفاته معي طوال هذه الفترة.

ں دوما كنت تنزه المؤسسة العسكرية وتحيدها؟

-- انا لا انزه الاشخاص بل المؤسسة التي لديها توجه وطني. السفينة تكون جيدة، فاذا ضربها القبطان بالصخرة لا نضع اللوم على السفينة بل على القبطان. اعرف المؤسسة جيدا كقائد لها وارفض المساس بها. عام 1975 – 1976 كان الخلاف سياسيا لكنهم ذبحوا الجيش وقالوا ان العسكر فرط. اخر من يفرط هو الجيش واول من يلتحم هو الجيش. لدينا تربية وطنية اعرفها جيدا، وعشتها من كثب.

ں هل لا تزال ثقتك بالمؤسسة كما هي؟

-- الثقة كبيرة ولا تتغير. بعض الضباط يشذون بفعل التوجيه السياسي. احمل المخابرات المسؤولية لانهم قبلوا الاوامر وتصرفوا فرديا. انا تعرضت في حياتي لعقوبات كثيرة في الجندية لانني كنت اخالف الاوامر  وانتقد بعض القوانين.

ں ولك ثقة اليوم بحمايتك لها؟

-- جداً. لم اسمح يوما خلال زيارتي للجبهات الا بان يكون الجنود يحملون سلاحا معبأ خلال تفقدي لهم، رغم كل التحذيرات. حين اشك في العسكري يجب الا اتفقده في الجبهة.