في أول حديث له عن حزب "التيار الوطني الحر" عون لـ"النهار": عماد شرعتنا "لبنان وطن للانسان"

نعيش لاعدالة رهيبة ومشروعنا لمجتمع جديد

كتبت منال شعيا: النهار 12/9/2005

"لبنان وطن للانسان".

عبارة موجزة اختصر بها النائب العماد ميشال عون شرعة حزب "التيار الوطني الحر" الجديد، ملخصا بذلك نظرته الى المرحلة المستقبلية عبر تحديد مفهوم وطني وانساني لبناء هيكلية دولة ما بعد الوصاية.

وسط الاحداث الداخلية المتسارعة، يتطلع الجنرال الى "تحقيق مشروع مجتمع جديد" لا تنحصر عناوينه في الشق الاصلاحي فقط، بل تتجاوزه الى ترسيخ العدالة والعبور الى المواطنية بدل التنازع الطائفي.

من أجل ذلك، بات ملحا "خوض معركة التحرر بعد مسيرة التحرير"، وكان لا بد ان يخطو "التيار الوطني" أولى خطواته نحو تأطير حزبي يواكب التغيرات ويمزج بين النضالين الفكري والعملي بهدف انتاج قوة سياسية. لهذه الغاية، سيعقد كوادر "التيار" خلوة الاحد المقبل لاعلان شرعة الحزب والتنظيم الداخلي، تمهيدا للانطلاقة الفعلية.

وعون الذي قال يوما ان "الرهينة لا تتخلص من حالتها النفسية الا بعد وقت"، يقر بأن "مرحلة التحرر ستكون أصعب من التحرير، لأنها في الاساس معركة مع النفس تتطور مع الزمن، لا يمكن ان ننهيها دفعة واحدة، انها ككرة الثلج".

في أول حديث له عن الحزب، آثر عون عدم تفصيل الشرعة والتنظيم الداخلي قبل أيام من الخلوة، ايمانا منه بأنه لا يجوز التكلم على موضوع قبل أوانه، ثم دعوة الناس الى سماعه، وخصوصا ان ثمة تعديلات قد تطرأ على ميثاق الحزب في الآونة الاخيرة، وبالتالي لا يجوز نشر معلومات تفسر على انها تضليلية، لكن العماد حدد لـ"النهار" الخطوط العريضة التي تشكل أساس الشرعة والتنظيم، وتختصر "بمشروع وطني يسعى الى رفع مستوى الشعب وانهاضه". ففي الشرعة مزج بين أهداف سيادية ينبغي الحفاظ عليها، وأفكار تحررية ثلاثية عبر التخلص من الاقطاع السياسي والمالي والعصبية المذهبية. وفي التنظيم، لا يجزم عون ان يترأس الحزب، "المهم الارتكاز على ديموقراطية تنبثق من القاعدة الى القمة. وسيتألف الحزب من هيئة تنفيذية يعينها الرئيس، على أن تأخذ فرديا ثقة المجلس التمثيلي لئلا تكون سلطة الرئيس مطلقة في التعيين". ويقول مازحا: "لا يجوز الخلط بين سلطة العماد عون وقدرته على الاقناع. فهل انا أرغمت الناس على تأييدي؟ هناك ايمان بالتجربة والمواقف، ,المهم ان السلطة ليست ديكتاتورية وثمة ضوابط ومحاسبة".

والحديث "الحزبي" سرعان ما يتشعب الى محاور سياسية ساخنة، اذ يصف عون السياسة الآن "مثل أكل لحم مدوّد. نحن نعيش صراعا تنافسيا مع الآخرين ولاعدالة رهيبة في صفتنا التمثيلية. هناك حيلة شكلية أعطت أكثرية، واذا لم يؤخذ في الاعتبار الحجم الذي نمثله فسيقع التصادم". وفيما يطلب من اللبنانيين ان يسألوا انفسهم هل تحققت الامنيات التي انتظروها من 14 آذار يقول لهم: "انتظروا 14 آذار آخر"، متداركا: "لكن هذه المرة سيكون أنقى. اصلا لا يمكن ان يسرقوا 14 آذار بالصدفة من التيار الوطني الحر. هو ملكه".

والجنرال الذي سلك في حياته خيارات صعبة وضعته في مواجهة دول وأكثرية الفئات السياسية اللبنانية، يبدو اليوم مرتاحا الى تلك الخيارات، مستشهدا برواية عنه نقلها اليه أحدهم في اميركا حين قال: "نطلب من العماد عون القيام بشيء وهو متحفظ، وكما عودنا فاننا لا نجرؤ على القول له لا، لانه يصيب دائما. وهذا ما حصل".

بداية، نسأل عون لماذا الحزب؟

يجيب: "من الناحية العامة، انتقلنا من التحرير الى التحرر بعدما استرجعنا السيادة والقرار الحر وتكريس الحريات العامة، رغم ان الهدف الاخير لم يكتمل بعد،  نسبة الى بعض الخروق والاعلام الممسوك والمرهون، لكننا في المبدأ انتقلنا الى التحرر، وهذه المعركة هي في الاساس مع الذات. لذا، سنتحرر في حزبنا من قسم اليمين ونركز على تشكيل الاقتناعات، مما يتطلب جهدا ويفرض علينا تكوين انسان مثقف سياسيا يحدد انتسابه الحزبي على أساس ميثاق ومبادىء.

في المقابل، نحن نؤمن بأن الانسان بمفرده لا يمكن ان يحقق التغيير بل يحتاج الى تضامن مجتمعي ينتج قوة سياسية تفرض الاصلاح وفكرا تجدديا لتحقيق الامنيات، وحزبنا سيكون مزيجا من الطبقات العلمية والشعبية العاملة، اي انه يجمع بين النخبوي والشعبوي، وسيتكامل النضال الفكري مع النضال العملي، وبالتالي سيتشارك القادة والمناضلون للوصول الى أهدافنا السياسية".

"اغتصاب للحرية"

لعون رؤية محددة للتحرر يستوحي منها مبادىء الحزب، يقول: "التحرر هو مجموعة مبادىء ينبغي ان نلتزمها، وجملة اهداف يجب تحقيقها. وهذه المبادىء والاهداف تشكل ميثاق الحزب.

ان الاهداف السيادية تحققت ويجب الحفاظ عليها لانها ضرورية لتنفيذ الاصلاح. في الماضي كنا نُسأل ما هو برنامجكم؟ وكنا نجيب لمن سنقدمه؟ لأي دولة؟ هل كان هناك سيادة وطنية؟ اليوم، استرجعنا القرار الحر، ولكن ثمة عوائق داخلية، فالجميع ليسوا مع الاصلاح انما سنسعى بالسبل الديموقراطية اليه، وللوصول نحتاج الى قوة سياسية تستطيع ان تفرض اصلاحا محددا".

من هنا، يأتي "مشروع المجتمع الجديد" الذي يطمح اليه عون، "فهو ليس مشروعا اصلاحيا فقط، لان المجتمع الطائفي الحالي يفتقر الى الاستقرار الفكري ولا يضمن العدالة والمساواة، وبالتالي يجب الخروج منه الى حالة المواطنية وتصحيح الخروق في ما يتعلق بالاعلان العالمي لحقوق الانسان".

ويقر الجنرال بأن "مرحلة التحرر أصعب بكثير من التحرير. ففي الاخيرة، الهدف محدد ومعروف وظاهر وله اطاره المادي، الا ان معركة التحرر هي مع النفس، وعلى الفرد ان يتخلى عن بعض التقاليد ليكتشف ان ثمة علاقات زائفة. واذا حرر نفسه فقد يصطدم بصراع مع مجتمعه القريب، فالتحرر يعني تحرر الذات من تأثيرات المحيط والتقاليد الشاذة.

وأول تحرر يطبقه حزب "التيار الوطني الحر" هو التحرر من قسم اليمين، لان في ذلك "نوعا من الاغتصاب لحرية الانسان"، وفق عون، "فقد ينتسب الفرد في مرحلة اقتناع ذاتي لا يكون عميقا، ومع الوقت تتغير تجربته ومقاربته للقضايا العامة، عندها لا يجوز ان يشعر بأنه مقيد بقسم يمين. انتسابنا يكون على اساس الاقتناعات والمبادىء".

ويفصّل العماد بنود التحرر:

"الاول: التخلص من الاقطاع السياسي او الفكر السيىء الذي استعبد المجتمع وتسبب بالركود في الحياة السياسية ومنع التغيير، فترسخت الوراثة وأصبح الناس مثل الممتلكات يخضعون لحصر ارث. هذه اول معركة عنيفة خضناها عبر استحقاق بعبدا – عاليه الفرعي في 2003، وهكذا  انتصرنا في بعض المجالات على الاقطاع السياسي وخسرنا في مجالات اخرى.

الثاني: التحرر من الاقطاع المالي، وهو أكبر افساد لمجتمع قائم على الحاجات، رغم ان قسما كبيرا من اللبنانيين استطاعوا ان يتحرروا من هذا الاقطاع متخطين الحاجة.

الثالث: التخلص من العصبية المذهبية الضيقة، ونحارب ذلك بحق التباين في الرأي، ولا نقول حق الاختلاف.

في هذا السياق، يأتي مفهومنا للعلمنة، فنحن نميز بين السياسة والدين ولا نمزج بين العلاقة العمودية، أي الدينية، والعلاقة الافقية اي العلاقة مع الآخرين، وننطلق من المبدأ الآتي: نولد متساوين، نعيش متباينين ونموت متساوين.

من كل هذه المبادىء، استوحينا الشرعة وميثاق حزبنا".

بين السلطة والاقناع

يعتمد التنظيم الداخلي لحزب "التيار الوطني" على المبدأ الديموقراطي الذي يبدأ من القاعدة. وهكذا ستنتخب القاعدة الحزبية الرئيس، وهو بدوره يعين الهيئة التنفيذية.

يشرح عون: "ستكون الهيئة بجانب الرئيس، وقد يرأسها الامين العام او نائب الرئيس او غيره. كلها أمور تفصيلية. المهم في روحية الحزب هو الارتكاز على الديموقراطية التي تبنثق من القاعدة الى القمة، فكل القواعد المطبقة في الحزب ستكون ديموقراطية: المجلس التمثيلي تنتخبه القاعدة، والرئيس يعين الهيئة التنفيذية التي ستأخذ فرديا ثقة المجلس التمثيلي، اي ان سلطة الرئيس لن تكون مطلقة في التعيين.

في هذه الحالة، نحقق التوازن، اذ ان الرئيس مسؤول عن السلطة التنفيذية وعن السياسة، مع فريق هو اختاره، على ان يشاركه المجلس التمثيلي في المسؤولية. اذا ً هناك ضوابط ومشاركة حقيقية في تعيين الاشخاص ومحاسبة فعالة، وخصوصا ان المجلس يحاسب كل فرد بحيث يمكن ان يشجع على أدائه الجيد كما يستطيع ان يلومه ويسحب منه الثقة".

وعندما نسأل عون عن الدور المركزي الذي يمكن ان يؤديه في الحزب، وبالتالي الى أي حد ستكون السلطة فردية او جماعية، يجيب ضاحكا: "لا يجوز الخلط بين سلطة العماد عون وقدرته على الاقناع. السلطة ليست ديكتاتورية. فهل انا أرغمت الناس على تأييدي او انني اكتسبت تأييدهم بفعل قوة الاقناع والصدقية والمواصفات المحددة؟ مرت البلاد في ظروف صعبة وسلكت خيارات صعبة وتحمّل معي الشعب وتحملت مسؤولياتي ونُفيت. كل ذلك صنع تاريخ حياة لشخص وجزء مهم من تكوين السلطة وتكوين التوجه الوطني. فاذا كان العماد عون رئيس الحزب، وقد لا يكون لمدة طويلة، فانه بالطبع سيساعد على تركيز أسسه، لانه قد لا يتسنى للرؤساء الذين سيتعاقبون ان يتمتعوا بالتجربة نفسها التي عشتها. هذا لا يعني اني اذا كنت رئيس الحزب، وقد لا أكون، سأضع يدي على السلطة، انما هناك ايمان بالتجربة والمواقف.

لقد دخلت بمعارضة مع أكثرية الطبقات السياسية، وبمواجهات مع دول، وقمت بجهد دولي كبير ووقعت في تناقضات داخل الولايات المتحدة نفسها بين الادارة والكونغرس وخضت معارك قاسية، لكن التاريخ أعطانا حقا فيها، كل ذلك يشكل تجارب عديدة لا يمكن ان تزول من ذهن اللبنانيين".

وهي بالتأكيد لا يمكن ان تزول من ذهن الجنرال الذي يستعيد أحداثا كثيرة اتخذ فيها مواقف مصيرية، قبل ان يعود ويحدثنا عن الحزب الجديد.

يقول: "سيكون هناك فترة انتقالية قبل الانطلاقة الفعلية، سنفتح خلالها باب التعبئة الحزبية والتنشئة السياسية. أعطينا أنفسنا فترة من تسعة اشهر الى سنة قبل ان تثبّت هيكلية الحزب ولكن هذا لا يعني انه سيخسر وجوده ونشاطه السياسي طوال هذه المدة، بل سيكون حاضرا وفعالا وسيخضع فيه الفرد لتنشئة محددة ليدرك معنى الشرعة ويفهم التنظيم والتراتبية داخل الحزب ويمارس نشاطه".

وفيما أُقرت التسمية النهائية للحزب وهي حزب "التيار الوطني الحر" من المقرر ان تعلن الشرعة والتنظيم في خلوة الاحد المقبل بعد نقاش نهائي، وقد يلقي العماد عون كلمة، على ان تبدأ التعبئة الحقيقية بعد 18 ايلول، ويتوقع عون الحصول على "ما لا يقل عن 20 الف طلب انتساب".

وعن التمويل، يعلق: "المعروف اننا لسنا في حال يسر. وجودنا اليوم لم يعد مضطهدا بل هو محمي بالقانون، والتمويل سيكون من التبرعات ومن مردود بعض النشاطات".

ومن المشاريع المستقبلية ايضا، انشاء محطة تلفزيونية يعلن عون انها ستكون "شركة مساهمة، وسنقدم رخصة قريبا ونفتح باب الاكتتاب، وقد تكون التسمية TTV أو Orange TV".

14 آذار أنقى

بعبارتي "لاعدالة" و"صراع سياسي"، يصف عون الواقع اللبناني "فنحن الآن في صراع سياسي وتنافسي مع الآخرين، وحين تصم السلطة آذانها نضطر الى الصراخ. عندها يأتي دور التعبير الجماعي عبر التظاهرات والوسائل الديموقراطية. اليوم نعيش لاعدالة رهيبة في المجتمع وفي صفتنا التمثيلية، اذ لدينا 37 في المئة من مجموع الاصوات رغم المقاطعة في بيروت، ونحن ممثلون بالسدس. انها "زعبرة" قانون الـ2000، فيتصرفون كما لو انهم يملكون الاكثرية، فيما الواقع ان ثمة حيلة شكلية أعطت اكثرية، واذا لم يؤخذ في الاعتبار الحجم الذي نمثله فسيقع التصادم وسيكون 14 آذار آخر. أصلا، لا يمكن ان يسرقوا 14 آذار بالصدفة من التيار . هو ملكه، صحيح انه لا يحتكره، ولكن من يحب ان يشاركنا فيه أهلا وسهلا، انما وفق الاصول وليس لمبادىء اختلاس الشعارات. لقد مضى 14 آذار، وكان لدى الجميع أمنيات. ليسأل اللبنانيون انفسهم هل تحققت؟ اذاً عليهم ان ينتظروا 14 آذار آخر، ولكن هذه المرة سيكون أنقى، والداعون اليه أصدق، لن يدخلوا لغة المنافع والمصالح المشتركة التي يتألف منها الحكم الذي أجهض 14 آذار، سيبقى فقط الصامدون الانقياء، ولكن حجم الشعب سيكون أكبر. على الشعب أن يتابع، فنحن لا نستعمله ورقة تسلية، وعندما نقرر النزول الى الشارع سيكون هناك أمر جدي. بالفعل، لقد قطعنا الامل من الاصلاح بالسبل العادية".

واذ يحدد عون عناوين اصلاحية كبيرة تظلل شرعة الحزب بعنوان عريض "لبنان وطن للانسان"، يرفض ان يكون مفهوم المبدئية التي تُلصق عموما بـ"التيار" مناقضا للواقع، ويسأل: "ما الفرق بين البراغماتي والخروف؟ هناك مفهوم خاطىء للمبدئية. نحن نتبع نجمة القطب لندرك أين هو الشمال، رغم ان لا أحد يمكن ان يطال نجمة القطب".