عون يروي ل" الصياد": هذه قصة "المنفي" العائد لعقلنة لبنان

الصياد - فؤاد دعبول 14 تموز 2005

بادرتنا السيدة الهام فريحه بعد عودتنا من الرابية، كيف وجدتم الرئيس العماد عون في حديثه الى (الصياد).

واجبناها الزميلة نينا رستم وانا، بانه ازداد وضوحاً واشراقاً وهدوءاً، عما كان عليه قبل 16 عاماً، عندما كنا نقصده لحوار مباشر وحميم احيانا في بعبدا، لا بل انه ازداد نضجاً واستشرافاً للامور، عقب سنوات النفي.

وعقبت بان هذا هو ما خرجت به من احاديثه معها، منذ عودته من باريس، او حوارها الدائم معه.

وعادت الى السؤال: كيف كان الحوار، وهل قال شيئاً جديداً لـ(الصياد).

واجبتها بان الحوار حرصنا على ان يكون صدامياً، اكثر منه ودياً، رغبة في استجلاء الحقائق، ومعرفة ما لا يريد (الجنرال) البوح به. لكنه روى، ربما للمرة الاولى، قصته مع الاميركان، وحكاية نضاله في الخارج، لاستعادة الاستقلال، وحكى ايضا للمرة الاولى، رواية تحالفه مع سعد الحريري، موحياً بان (التحالف الرباعي) حل محله (تحالف ثنائي) مشدداً على الثنائية بين (الرابية وقريطم) ثنائية ثابتة، لانها تقوم على مناهج ورؤى في مقدمها قانون جديد للانتخابات واستعادة الدولة والمؤسسات، بعد استعادة الاستقلال في 14 آذار/مارس الماضي.

وكشف العماد عون بواقعية، عدة امور خلفت سياقاً عاماً ادى الى خروج سوريا من لبنان، ابرزها التحرك الذي قام به في اميركا، وعلى صعيد الكونغرس، وصدور القرار 1559 قبل التمديد، وجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

وقال العماد عون ان هبّة الشعب اللبناني باكمله ضد الجريمة، والتحرك اللبناني معطوفاً على التحرك الخارجي، حققا الشرطين المطلوبين للخروج السوري.

واوضح العماد عون لـ(الصياد) ان لا اميركا اصبحت (عونية) في لبنان، ولا هو أصبح اميركياً، وكشف عن وجود تغيير في السياسة الاميركية من اولها الى آخرها. وذكر للمرة الاولى انه لم يطرد السفير الاميركي من لبنان في العام 1989، بل هو غادر لبنان بانتظار احداث ضخمة وقعت وتمثلت بالاجتياح العسكري الذي ابعدني الى اوروبا.

واوحى العماد عون انه عندما ذهب الى اميركا، (لم اجرؤ على اخبار اقرب المقربين اليّ بما كنت سأفعله، كي لا يظنوا بانني (مجنون) لانني قصدتها لاستصدار قانون يخرج سوريا من لبنان، ولتغيير سياسة اميركا في لبنان. وانا الآن لست خائفاً اطلاقاً على (المجنون) الذي كان محقاً ولم يكن مجنوناً...

واردف: حاولت شبه المستحيل ونجحت، وكل الناس يحبون النجاح ويتبنونه، وانا أقدمه هدية الى اللبنانيين، لكن، لو هزمنا لكنا تحملنا مسؤولية الهزيمة.

وماذا يريد العماد عون الآن?

السؤال طرحناه عليه واجاب: نريد اعادة جميع فئات الشعب اللبناني الى الحالة اللبنانية التي نقاتل من اجلها، ويجب ان نستوعب اللبنانيين جميعاً ليحتفلوا بعودة السيادة والاستقلال ولا يمكننا ان نفرز الشعب اللبناني ونطلب منه ان يرحل مع سوريا، لأن هدف (المنفي) العائد، عقلنة لبنان. وهذه هي وقائع الحوار:

> دولة الرئيس: حيرت الناس في ما تدلي به من طروحات متناقضة. ساعة تطرحون مسألة المنهج قبل الحقائق والتوافق قبل الاثنين، ثم تذهبون الى قريطم، وتبحثون في الحقائب، متناسيين موضوع

المنهج والتفاهم حول الموضوعات العامة.

فكيف توفقون بين ادعائكم السابق وموقفكم الحالي?

- لا وجود للتناقض. فقد سبق ان درسنا المنهج والتوافق وجاء الاعتذار، بعد حملة إعلامية اعتبرتها تفجيراً للحكومة قبل ان تتألف. وانقطع الموضوع في حينه. لكن بعد إعادة النظر في محاولة تأليف الحكومة، استأنفنا من حيث توقفنا وليس من جديد. وكانت مرحلة التفاهم والتوافق قد أنجزت، وعلى أساسها قررنا المشاركة في الحكومة. حصلت بعض العقبات التي تمت ازالتها، وأكملنا الطريق من دون العودة الى الوراء في العلاقات. اما زيارتي للنائب سعد الحريري

يوم الاحد الفائت، فأخذت طابع العلنية،

ولم نراجع خلالها كل ما تحدثنا عنه في السابق، على اعتبار اننا متفاهمون.

حلحلة العقد

> لكنكم استبعدتم عن المشاركة في مرحلة، ثم استدعيتم الى المشاركة في مرحلة لاحقة. فهل كانت هذه العملية رضوخاً لمشيئة الإرادة الدولية، أم هي مشيئة لبنانية تبدلت وتغيرت في لحظة من اللحظات?

- أعتقد ان الجميع لاحظوا وجود صعوبات تعذر معها إخراج شكل الحكومة. وجرت محاولة من الرئيس المكلف لتخطّيها. وظهرت هذه الصعوبات اثناء الإجراءات. فكان لا بد للرئيس المكلف من إعادة إجراء دراسة للموضوع، لتوفير ظروف النجاح. لتأليف الحكومة. وهو يحاول ازالة العقبة تلو الأخرى، للوصول قريباً الى نهاية حلحلة العقد.

تطابق وتنافر

> هل هذا التراجع في المواقف، هو سمة من سمات العماد ميشال عون? ففي انتخابات بعبدا - عاليه رفضت التضحية بالعميد عصام ابو جمرة من أجل التفاهم مع وليد جنبلاط ثم استبعدتم العميد ابو جمرة للتفاهم مع المير طلال ارسلان والآن نفاجأ بتجاوبكم مع سعد الحريري والتضحية بالمنهج?

- لم نضحّ بشيء مطلقاً، لا بالمنهج ولا غيره. والبرهان على ذلك، اننا دخلنا الحكومة للتعاون، والعمل على تحقيق الإصلاح وكل بنود برنامجنا. هذا البرنامج الذي اطّلع عليه النائب سعد الحريري ودولة الرئيس السنيورة، وأعربا عن وجود تطابق كبير. فاذا صحّ الامر، اعتقد ان هذه الكلمة تغني عن بحث كبير. ومن هنا سرنا في الموضوع.

> سرتم في ماذا?

- في تأليف الحكومة والمشاركة على أساس التعاون داخل مجلس الوزراء.

هذه هي مقترحاتنا

> هل المنهج الذي قدمتموه الى سعد الحريري ينطوي على شيء جديد في الحياة السياسية? وعلى التغيير الذي تحدثتم عنه في 14 آذار وما قبله، والذي جعلكم تقولون انكم اساس انتفاضة الشباب?

- الآخرون شاركوا ايضاً في هذا الموضوع. المنهج لا يفرض. فهناك تعاون وشراكة.

> ما أهم بنود هذا المنهج?

- جميع البنود واردة في البرنامج الذي طرحناه. ثمة أولويات اساسية أهمها قانون الإنتخابات. فكي توحي الحكومة بالثقة بكونها جدية، يجب ان تطرح في الدورة الأولى للمجلس النيابي، قانون الانتخاب الجديد. وهناك ايضاً إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية، وإعطاؤها الدفع، لتتمكن من القيام بواجباتها، كي لا يظل البلد فالتاً أمنياً في ظل غياب أجهزة تحرٍ واستقصاء ومخابرات تقوم بواجباتها. ومن دون ذلك، تضيع المسؤولية والدليل ان كل جريمة تقع، تهز لبنان بأجمعه. كما يجب إحياء المؤسسات الدستورية بحد ذاتها كمجلسي الوزراء والنواب للقيام بواجباتهما في المراقبة والتشريع. ولدينا ايضاً برنامج للنهوض الاقتصادي، يجب أن توضع له خطة عمل، وان نعرف من سيدفع كلفة هذا النهوض الذي يتطلب تضحيات. ولوضع خطة النهوض، يجب ان نعرف أوضاع ماليّة الدولة من خلال ما تخضع له الشركات والمؤسسات. فموضوع الـAuditing يرى البعض انه موجه ضد اشخاص، لكنه في الحقيقة يتيح لنا معرفة الاوضاع الحقيقية للخزينة العامة ليجري على أساسها، المقتضى للخطة الاقتصادية، لجهة الثغرات والأخطاء التي ارتكبت. وقد نكتشف خلال الـ Auditing أموراً سيئة تترتب عنها مسؤولية. الا ان الغاية ليست فقط إظهار المسؤولية لدى من كان لديهم حق إدارة المال والتصرف فيه، بل ايضاً الاطلاع على كل الاوضاع. الفكرة الاساسية هي الشفافية في وضع الدولة المالي، لنتمكن من الخروج من الازمة، والتصحيح في المستقبل.

شرطان للاستقلال توافرا معاً

> كانت هناك ثغرة اساسية في علاقتكم بآل الحريري تمثلت بمزاعمكم، ان الخروج السوري من لبنان كان بسبب ما قمتم به، من خلال زيارتكم للولايات المتحدة وحضوركم اجتماعات الكونغرس الاميركي. في حين يقولون هم ان مصرع الرئيس الحريري هو الذي أدى الى حركة عالمية سببت خروج السوريين من لبنان. فكيف وفقتم بين الأمرين عندما التقيتم سعد الحريري?

- ثمة أمور عديدة خلقت سياقاً عاماً أدى الى خروج سوريا. هذا السياق أعلنا السيناريو الخاص به، منذ بدأنا العمل على تحرير لبنان من الاحتلال السوري. وقد اشتغلنا خارجياً وداخلياً، ضمن فريق مؤلف من أميركا وفرنسا. التخيل وضع عام 1991، فور وصولي الى مرسيليا. حينها سئلت عن كيفية استرجاع زمام الاوضاع، بعد الهزيمة، ووجودي في المنفى. فأجبت يومها ان الوضع أصبح اكثر تعقيداً، وهناك شرطان لتحرير لبنان، اولهما التغيير في السياسة العالمية تجاه لبنان والثاني ارادة لبنانية ثابتة تطالب باستقلال لبنان وسيادته فيتلاقى التغيير السياسي مع الإرادة المحلية، ليتحرر لبنان من الاحتلال السوري. لذلك علينا كلبنانيين ان نعرف متى تتغير الظروف الدولية، وأن نكون دائماً جاهزين، ونعبر عن ارادتنا الدائمة بالتحرير.

من هنا نشأ (التيار الوطني الحر) الذي كان يشكل إرادة التعبير على مدى 16 سنة. وقدمنا لهذه الغاية 16 ألف موقوف ومعذب وسجين.

والإرادة الدولية لم تتغير من ذاتها، بل بدأنا بتغييرها منذ العام 2001، حين بدأنا العمل على قانون. فخلال التسعينات، كنا نعمل كل عام أو اثنين، لينتهي الامر بتوصية ترفع للإدارة من دون ان تأخذ بها، لأن التوصية غير ملزمة. وفي 2001 تأكدنا بان الوجود السوري اصبح دائماً الى جانب انحلال في مؤسسات الوطن الذي فقد مقوماته. وحاولنا ان نشتغل على اصدار قانون اميركي ملزم للإدارة، بان تتعاطى من خلاله، مع القضية اللبنانية.

هذا ما انجزناه، وصدر علي الحكم بالبراءة في 5 تموز الجاري من التهم التي وجهت الي بسببه. هذا القانون تجسد في قانون استعادة سيادة لبنان، وقد وقعه الرئيس جورج بوش في 11 كانون الاول 2003، وبعد 6 اشهر فرض عقوبات اقتصادية على سوريا. وخلال تلك الفترة كان ظاهرا التلاعب اعلاميا بالقانون فحينا يقولون ان القانون لن يصدر، وانه من مخيلة من يعملون عليه وله، كل هذه المعارك يتذكرها اللبنانيون، لأنها كانت معركة هدم العزائم، وشل الفكر اللبناني عن التعبير والمقاومة، فيسقط القانون لعدم وجود ارادة لبنانية تتلاقى مع الارادة الدولية ولا ننسى كيف كان يتم التعامل معنا حتى من قبل من كان يفترض بهم ان يساعدونا. فهم يتكلمون عن سيادة لبنان، وفي حينها كانوا يقولون لا للاستقواء بالخارج، فتنكروا لنا. وهؤلاء هم من واجهونا في الانتخابات وسقطوا، وربما كان هذا احد اسباب سقوطهم.

القرار 1559 صدر قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري وقبل تمديد ولاية رئيس الجمهورية. فجاء ليضع اطارا زمنيا للانسحاب السوري، بالاضافة الى بعض البنود الامنية التي تم نسخها من اتفاق الطائف. وكان تسلسل الاحداث منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة، التي اثارت ردة فعل لبنانية ضد سوريا، اذ احس الجميع بثقل الجريمة، لأنه لم تعد لدى احد رغبة في سماع صوت رصاصة. ثم جاءت جريمة اغتيال الرئيس الحريري التي كانت كبيرة الى درجة ان الشعب اللبناني بأكمله هب. وبذلك توفر الشرطان بشكل مطلق. فالتغيير الخارجي حمى التحرك اللبناني والعكس صحيح، فوصلنا الى مرحلة الاستقلال. اذا كان اغتيال الرئيس الحريري المحفز لاطلاق الحركة الشعبية الكبرى في 14 اذار.

نصيحة لا اكثر

> تطور الاحداث ادى الى الخروج السوري، فهل كان هذا الخروج كما كنتم تحلمون به?

- بالتأكيد، كنت اتوقع ان تتغير الظروف، لكنني لم اتصور كيف سيتم ذلك عمليا. ولم اكن اتخيل ان اغتيالا سيحدث، وان الشعب اللبناني سينتفض. لكن منذ بدأت السعي الى قانون استعادة سيادة لبنان، كنت في المحاضرات عبر الهاتف او (الانترنت) اقول للبنانيين ان لبنان عاد الى الخريطة السياسية العالمية، وان الاستقلال والسيادة سيعودان، لكن من شدة الاحباط لم يكن اللبنانيون يصدقون هذا الكلام. وحتى من داخل (التيار الوطني الحر)، كان اقرب المقربين والذين يجاهدون على الارض يسألونني السؤال نفسه عما اذا كانت اميركا ستغير موقفها. فالامر كان اجمل من ان يكون حقيقيا.

والقلق الذي اصاب اللبنانيين بعد تجاربهم العديدة، غذوه بين بعضهم بعضا عندما كانوا يقولون ان اميركا كاذبة. لكن هذه الاخيرة فجة في سياستها الى درجة انها تطلب ما تريده مباشرة. وحين قيل ان الاميركيين وعدونا في الطائف، لم تكن هناك اي وعود، والا لكنت انا ايضا سرت في الطائف، فحين تعد دولة عظمى في العالم، تلتزم بوعودها. واذا راقبنا القضية الفلسطينية، نلاحظ التغير في مستوياتها. فصحيح ان الاميركيين يميلون احيانا نحو الاسرائيليين لتخليص الوضع، لكنهم يعودون الى القاعدة التي وضعوها للتعاطي مع هذا الموضوع. في عامي 1989 و1990 لم يعدنا الاميركيون بأن سوريا ستخرج من لبنان في فترة محدودة. وفترة السنتين كانت اتفاقا بين اللبنانيين. واميركا لم تكن ملزمة بالتحرك بعد سنتين، فلم تكن يومها على استعداد لذلك ولم تكن اجواؤها السياسية تسمح لها بالتدخل. هذا خلق المشاكل، وكي لا يتحمل اللبنانيون المسؤولية راحوا يرمونها على اميركا وطورا على فرنسا وايران. الا ان المسؤولية في الطائف كانت لبنانية، علما ان الاميركيين شجعوا هذا الاتفاق، والتوافق بين اللبنانيين كما يفعلون اليوم من دون الدخول في تفاصيل تشكيل الحكومة. هم يتدخلون بالنصيحة، واذا لم نقبلها نتحمل المسؤولية من دون ان يكون هناك ما يلزمنا.

لست اميركيا ولا هي عونية

> يلاحظ المراقبون انكم استقبلتم في الاسبوع الماضي زائرة اميركية هي ايزابيل ديبل التي لاقت منك كل تكريم، ولاقيت منها كل ترحيب ببرنامجكم وتشجيع على اكمال النهج الذي بدأتموه. وهل يعني هذا انكم اصبحتم اميركيين في لبنان ام ان اميركا اصبحت (عونية) في لبنان?

- يشجع الاميركيون كل المبادرات الايجابية، وخطنا السياسي الداخلي هو تعزيز الديمقراطية والبرامج الاقتصادية. والاميركيون يسعون الى نموذج ديمقراطي في الشرق الاوسط، يعمل وفقا لنهج علمي قريب من نهجهم، فيدعمونه ويساعدونه. فاذا قبل البعض او رفضوا، تقع على الولايات المتحدة مسؤوليات عالمية. فالعالم يحتاج الى ضوابط تكون احيانا لمصلحتنا واحيانا اخرى تأتي ضدنا، كما حصل في مرحلة من المراحل. اذا يجب الا تكون لدينا عقد في التعاطي مع الولايات المتحدة، من منطلق تحقيق ذاتنا بمساعدتها. لم نصبح اميركيين، لكننا نريد ان نكون اصدقاء لهم من دون ان يعني هذا انهم يتدخلون في كل التفاصيل. فالشعب الاميركي ديمقراطي، وهو منفتح على العالم باسره، وهذا ما تأكدنا منه عندما كنا نتعاون مع الكونغرس، لشرح قضيتنا. انا اؤمن بأن اي قضية محقة، يمكنها ان تنجح في الولايات المتحدة، اذا شعر الشعب الاميركي بهذه القضية. لكنني لا اؤمن بأن اميركا تفعل ما تريده، فيما اللبناني يظن انه محور العالم، وعلى هذا الاخير ان ينقذه من دون ان يقوم هو بشيء. النهج الاميركي يقول بأن يساعد الشخص نفسه، فيساعده الله ومن ثم الاميركيون، شرط الا يكون عدوا لهم.

> من الذي تغير? قبل 15 عاما طردت السفير الاميركي من لبنان. واليوم استقبلت الموفد الاميركي في الرابية. فمن تغير?

- هناك تغير في السياسة الاميركية من اولها الى اخرها. واريد ان اوضح انني لم اطرد السفير الاميركي بل هو الذي غادر في انتظار احداث ضخمة وقعت وتمثلت بالاجتياح العسكري الذي ابعدني الى اوروبا. كل خطاباتي موجودة ولم اكن يوما اقول شيئا غير اننا اصدقاء الشعوب التي تحافظ على المثل والمبادئ، في حين تحافظ الحكومات على المصالح. مشاكلنا كانت حول المصالح في السابق. واليوم انا متأكد بأن الشعب الاميركي يحب العدالة والديمقراطية.

انا لم اتغير اذ ما زلت ادافع عن القضية نفسها. عدت الى لبنان وقد تحرر، والسياسة الاميركية تغيرت تجاهه. وهذا صب في مصلحة اللبنانيين الذين يطالبون بالاستقلال والسيادة.

المستحيل بسيط

> هناك من يقول ان العماد عون خط طريقا جديدة مع الاميركيين فالحكام في لبنان والدول العربية تعاونوا مع قادة البيت الابيض والوزراء، فيما ذهبت الى الكونغرس، في الولايات المتحدة وطرحت القضية على الكونغرس حتى وصلت الى البيت الابيض. فهل هذه نقطة متقدمة في طريقة العلاقة مع الاميركيين?

هذه النقطة بالغة الاهمية لكننا في الاساس صدمنا بالادارة الاميركية لذلك تحولنا الى الكونغرس. فعندما بدأنا بمشروعنا كانت الادارة مصممة على البقاء على ما هي عليه من دون ان تدخل الهم اللبناني الى مكاتبها. وكانت تعتبر ان سوريا عنصر استقرار في لبنان وسوريا. فوجدنا انفسنا امام طريق مسدودة، وفتشنا عن الاسلوب الاخر. فقصدت ممثلي الشعب الاميركي في الكونغرس، الذي لا تتحكم به الادارة، بل هو من يمثل السيادة الاميركية، ويفرض بالتشريع ما يريد على الادارة. وعندما اخبرت بعض المسؤولين في الادارة عن نيتي بالذهاب الى الكونغرس، سخر منا بعضهم. فكيف سنقنع الاكثرية، ومن اين سنؤمن ثلثي الكونغرس المؤلف من 435 نائبا، وثلثي مجلس الشيوخ الذي يبلغ عدد اعضائه المئة? كنا نعي مشقة الطريق وندرك انها مكلفة من جميع النواحي، لكن ما من وسيلة اخرى. فهذا اقصى واخر ما يمكن فعله. واذا لم ننجح في هذه المساعي، فلا يوجد ما يجعلنا نأمل بالخلاص. عندما بدأنا بالمسألة، لم اجرؤ على اخبار اقرب المقربين الي بما كنت سأفعله، كي لا يظنوا بأنني مجنون. فانا اقصد اميركا لاستصدار قانون يخرج سوريا من لبنان وتغيير سياسة اميركا، في حين لم يكن اللبناني يؤمن بأنه موجود. وكان من الصعب تخيل الموضوع قبل حدوثه. اذ بعد ذلك اصبح يقال ان اميركا تريد هذا، ولم يعترف احد لجهودنا طوال 4 سنوات، لقد تعبنا، والصلوات لم تفتر والنذور التي رفعناها، لم تتوقف، واقول بأن هناك شيئا من العناية الالهية ساعدنا لأنه كان من المستحيل اصدار قانون غير مسبوق في الولايات المتحدة.

ثمن رأي (المنفي)

> هذا (المجنون) دفع غاليا ثمن بقائه على رأس الحكومة الدستورية بسبب دخول صدام حسين الى الكويت، واصرار الاميركيين على طرده منها. فهل يمكن لهذا (المجنون) ان يدفع مرة ثانية الثمن على مذبح اتفاق اميركي - سوري لحل ازمة الوجود الاميركي في العراق?

- السياسة ليس فيها تراجع الى الخلف. والسياسة الاميركية في ضبط الانظمة ضمن حدودها، وتشجيع الانفتاح والتفاهم، لم يعد بامكانها السماح بالتدخل، لأنه يؤدي الى عدم استقرار في المنطقة، والتوقف عن النهج الديمقراطي الذي تشجعه بشكل علني، وهو احد الاهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة.

الحق والهدية

> دولة الرئيس الست خائفا على مستقبل لبنان وعلى هذا (المجنون) في انقاذ لبنان?

- اطلاقا: (المجنون) كان محقا ولم يكن مجنونا. حاولت شبه المستحيل ونجحت، وكل الناس يحبون النجاح ويتبنونه. وانا اقدمه هدية للبنانيين، لكن لو هزمنا لكنا تحملنا وحدنا مسؤولية الهزيمة.

 (ثنائي) لا رباعي

> اجتمعتم في قريطم بالرئيس المكلف، برعاية زعيم الاغلبية النيابية سعد الحريري. فهل يعني هذا انضمامكم الى (الملف الرباعي) المؤلف من الحريري، جنبلاط، (امل)، و(حزب الله) وهل يمكن ان نطلق على الحلف تسمية (الحلف الخماسي) بدلا من الحلف الرباعي.

- التفاهم حاليا ثنائي بيننا وبين الاكثرية التي يمثلها النائب الحريري. التحولات التي قد تحصل داخل هذه القوى، هي تحدد التفاهم ضمن الكتل. فبعد الانتخابات جرت تحولات في التحالفات، وهي كانت مرتقبة لأن هذه التحالفات لم تركب على اساس برامج سياسية. وقد تكون هناك خيارات سياسية لا يتم التوافق عليها. وما حاولت انجازه قبل الانتخابات يتم بعدها. ولو تم قبل الانتخابات، لكانت المسألة سهلة جدا، ولكانت وصلت اكثرية متجانسة تمثل كل القوى، ولكانت تشكلت الحكومة فورا. نحن نسعى الى حصول تحالف اذا كان هناك تفاهم حول البرنامج.

 (عقدة الذنب)

> هناك (عقدة ذنب) تلاحقكم وتلاحق انصاركم وهي انكم جئتم الى لبنان بصفقة مع السلطة، وتحالفتم مع رجال سوريا في لبنان فهل تحررتم من هذه العقدة بنزولكم الى قريطم?

- في (التيار الوطني الحر) ولدنا وعشنا وظللنا احرارا وسنموت كذلك. ولا عقدة ذنب لدينا تجاه احد. وبامكاننا ان نحرر الناس من لغة الصفقات وغيرها. ويحق لنا ان نصنف لأننا بقينا نظيفين. اذا اسقطنا مسألة الصفقة من القاموس السياسي، ونلاحظ انها بدأت تختفي من الخطاب الذي نقلناه من الرهان والمحاصصة الى حد ما، الى البرنامج والشفافية والمسؤولية والـ auditing وطريقة جديدة للتعاطي بين المواطن والنائب. اظن ان علينا امورا كثيرة يجب ان ننجزها. لكننا فخورون بما انجزناه ما دمنا اصحاب الحق. وقضيتي حسمها القضاء وكل شيء واضح في حيثيات الحكم الصادر بحقي. واكثر من ذلك سنظل شفافين في سلوكنا.

> لكننا نلاحظ ان حلفاء سوريا والحكم السابق يؤيدون منهجك وخطك السياسي فيما المعارضة الحقيقية كما تصف نفسها تجد ذاتها متضررة وملاحقة في هذه الفترة. فكيف ترد?

- من اللبنانيين، وبتأثير من السياسة الغربية الاميركية، من كانوا في الاساس مع سوريا مثل كتلة وليد جنبلاط، حتى قبل دخول سوريا الى لبنان. فهؤلاء تعاملوا مع سوريا خلال الحرب والمشاكل. وهناك مجموعات لم تكن مع سوريا، لكن بحكم الوجود السوري في لبنان والدعم الغربي، اجبرت على التعاون مع سوريا. وفي مرحلة انقسم هؤلاء بسبب خلافات على المصالح.

اليوم وصلنا الى ما نحن فيه، ونريد اعادة جميع فئات الشعب اللبناني الى الحالة اللبنانية، التي نقاتل من اجلها، منذ اصبحنا تنظيما سياسيا. وانطلاقا من هنا يجب ان نستوعب كل اللبنانيين، ليحتفلوا بعودة السيادة اللبنانية والاستقلال لأنهما يخصانهم ايضا. لا يمكننا ان نفرز قسما من الشعب اللبناني، ونطلب منه ان يرحل مع سوريا، وكأننا نشجع على البقاء السوري من خلال الشعب اللبناني في لبنان، ونغذي عدم الاستقرار. مصلحة لبنان تقتضي استعادة كل شعبه، وهذه سياستنا الواضحة. سندعو الشعب كله للمشاركة مع الاحتفاظ بعلاقات مميزة مع سوريا، لأنها دولة على حدودنا، ويجب ان نظل على تفاهم كامل معها، اذ ثمة مصالح تفرض نفسها، بحكم الجوار، كالامن المشترك على الحدود والمياه المشتركة، والمصالح الاقتصادية والتبادل التجاري بين البلدين بالاضافة الى قضايا سياسية تستوجب التنسيق على المستويين الاقليمي والعربي. اذا هذه كلها ثوابت يريدنا البعض ان نقف ضدها، والبعض الاخر يطالبون بأكثر مما يلزم في العلاقات التي نريدها متوازنة ومتكافئة.