نصّ محاضرة العماد ميشال عون في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية"

واشنطن- 7 آذار 2003

سيداتي سادتي،  يشرفني ويسعدني أن أشارك في هذه الندوة، حيث نفكر معاً بصوتٍ عالٍ حول المواضيع الأكثر أهمية في العالم، كحقوق الإنسان والديموقراطية والاقتصاد والتنمية، والتي أصبح مصيرها مقلقاً في مناطق كثيرة من هذا العالم، لأنها تعيش حالة من المواجهة الشاملة والمصيرية مع الإرهاب؛ أقول شاملة لأن الإرهاب بطبيعته يشمل عدة قطاعات في الحياة العامة والخاصة، وأقول مصيرية لأن نتائج هذه المواجهة ستحدّد منعطفات حضارية مهمّة وفريدة، فإما أن ينتصر العالم بقيادة الولايات المتحدة على الإرهاب، ويؤسّس لتفاعل إيجابي في إطار التعددية المجتمعية، وإما أن يستمر الإرهاب، وتدخل الإنسانية في مرحلةٍ من الظلامية والانحطاط.  نظراً لأهمية المواضيع المطروحة، وحجمها في سياق الوضع العالمي الحالي، لا يمكن لأيٍّ منا، ضمن الوقت المحدد، أن يفي هذه العناوين حقها من التحليل، واستخراج العبر بشكل مسهب ومفصّل، لذلك ما سأقوله هو خلاصة معارف واطّلاعات وتجارب، وسأترك الوقت الباقي في ما بعد لطرح الأسئلة حول الأفكار التي تودّون توضيحها.

 

بعد تأسيس منظمة الأمم المتحدة، وانتهاء الحرب العالمية الثانية، وإعلان شرعة حقوق الإنسان وشرعة الأمم المتحدة، كانت آمال الإنسانية كبيرة في قيام نظام دولي مبني على أسسٍ جديدة تحترم الحقوق وتؤمّن العدالة. ومن دون التوغّل في جدل حول نجاحات الأمم المتحدة وإخفاقاتها، نستطيع القول بأن التقدّم الذي أحرزته لم يكن على مستوى الآمال المعقودة عليها، وخاصةً في ميدان مساعدة الشعوب في حق تقرير مصيرها، ولا في الحد من ظاهرة الحروب في العالم. فحق تقرير المصير وُلِد مصادراً في غالبية الأحيان، من قبل سلطات محلية اعتمدت أنظمة ديكتاتورية أو تيوقراطية تتنكّر لشرعة حقوق الإنسان، وتهمّش شعوبها، وتشلّ قدراتها على التطور بترسيخ تقاليد سلفية موروثة من مراحل الظلامية، هذه الأنظمة هي اليوم الأرضية الخصبة لإنتاج الإرهاب ورعايته، واستعماله بعداً ضاغطاً في سياستها الخارجية.

 

لبنان هذا الوطن الصغير بحجمه، الكبير برسالته، كان الضحية الأولى لهذا الإرهاب، ففي نهاية الستينات كان موقعاًً متقدماً بين الغرب والشرق المتصارعَين، كما أصبح في بداية الثمانينات على خط التماس مع الإسلاميين الأصوليين؛ كان ديموقراطياً في محيطه العربي الذي لم يعرف غير الأنظمة الأوتوقراطية، كان نظاماً اقتصادياً حراً، ولكن مطوّقاً بأنظمةٍ اقتصادية موجّهة ، ساهم في وضع شرعة حقوق الإنسان، وما زال وحيداً بين الدول العربية في التوقيع عليها، كان يعيش في ظل دستور علماني، وينتسب إلى جامعة الدول العربية التي تعيش في ظل أنظمة دساتير تيوقراطية. وكان اللبنانيون انطلاقاً من طريقة حياتهم اليومية، ووصولاً إلى حوارهم الفكري والحضاري، يعيشون التسامح والاعتدال، فأصبح لبنان نموذجاً لكل المفكرين العرب وملجأً للمضطهدين، فسمي آنذاك "سويسرا الشرق".

 

هذا اللبنان، واحة الحرية في الصحراء الإنسانية التي تزنّره، والجسر الحضاري بين الشرق والغرب، كان يعيش في ظل قيم الحرية بجميع مفاهيمها، ابتداءً بحرية المعتقد، وحرية التعبير، وحق الاختلاف، والتعددية السياسية، ووصولاً إلى الحرية الاقتصادية.  هذه القيم الكونية كانت تشكل خطراً على الأنظمة التيوقراطية والدكتاتورية، صاحبة الفكر الإيديولوجي الواحد، لذلك استهدفت هذه الأنظمة لبنان وقتلت دوره الطليعي، واعتقدَ في حينه، بعض الفرقاء الإقليميين والدوليين، بأن لهم مصلحة في ذلك، فالتزموا الصمت تجاه المعتدين، وأحجموا عن مساعدة لبنان.

 

ولعب النظام السوري الدور الأول في هذه الحرب، فادّعى أولاً حماية الثورة الفلسطينية من اللبنانيين، فتحالف معها حتى تمكّن من تقويض استقرار المجتمع اللبناني، وتهديم مؤسساته الأمنية، ولما بلغ هذه المرحلة، ادّعى حماية لبنان من الفلسطينيين، وشرّع دخوله تحت اسم قوات الردع العربية العام 1976. ما بين العامين 1976 و 1982، كانت "قوات الردع العربية" بقيادة رئيس الجمهورية اللبنانية، ولكن القسم السوري منها، وهو الأكبر، تصرّف باستقلالية تامة عن باقي القوى، وعن رئيس الجمهورية، فقصف الأحياء السكنية وارتكب المجازر، فرض الرقابة على الصحف وأقفل بعضها، اغتال سياسيين ورجال دين وصحافيين ودبلوماسيين ونسف سفارات، وهجّر معظم مواقع الدبلوماسية الدولية من بيروت، كما خطف جماعاتٍ وأفراداً من المواطنين، وقام بتصفيتهم، وشجّع على ارتكاب المجازر في بعض المناطق، كما اغتال الأسرى العسكريين، ولا يزال يحتفظ في سجونه بكثير من المخطوفين. بسبب هذه الأجواء تركت القوى العربية الأخرى المشاركة في "قوات الردع"، وتفرّد النظام السوري بلبنان الذي أصبح في معظمه تحت قبضته، يعيث فيه إرهاباً وفساداً، وجعل منه ملجأً ومرتعاً لجميع التنظيمات الإرهابية في العالم، يعملون انطلاقاً من أرضه.

 

وفي ظل هذا النظام، ازدهرت زراعة المخدرات وصناعتها، وأصبح الشاطئ اللبناني مزروعاً بالمرافئ غير الشرعية التي تسيطر عليها الميليشيات المختلفة، وتستعملها منطلقاً للإرهاب والتهريب. وفي العام 1982 حصل الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وخرجت منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، وحلّت الحكومة اللبنانية قيادة "قوات الردع العربية"، وطلبت من سوريا سحب قواتها أيضاً، ولكن الحكم السوري تجاهل الطلب اللبناني مخالفا" شرعة الامم المتحدة، وبدل الانسحاب أعاد تسليح المنظمات الفلسطينية، والأحزاب الموالية له، وعاد الوضع إلى ما كان عليه قبل الاجتياح الإسرائيلي، فعادت الصدامات المسلّحة إلى لبنان، واستؤنفت عمليات الخطف والتقتيل، ونُسفت في هذه الآونة سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا مرتين على أيدي الارهابيين المدعومين من سوريا، كما ضُربت قواتهما العاملة في إطار القوى المتعددة الجنسيات. 

 

انسحبت هذه القوات فيما بعد تاركةً لبنان يواجه مصيره منفرداً، وبعدها أجهضت سوريا اتفاق 17 أيار، وعادت إسرائيل إلى الشريط الحدودي، كما عادت سوريا إلى قضم لبنان، وانتهت هذه المرحلة بالاجتياح لآخر معقل حر في لبنان في 13 تشرين الأول 1990، ووضع النظام السوري يده على كل لبنان. ومنذ ذلك التاريخ ولغاية الآن، عمد النظام السوري إلى تهديم منظَّم لبُنى المجتمع اللبناني، فنصّب في جميع مؤسسات الدولة، السياسية والإدارية، دمىً تأتمر به وتنفذ رغباته وتبرّر سياسته. فتّت الأحزاب بجعل كل حزب منها أحزاباً، وفرض عليها الفكر الإيديولوجي الواحد، كما ألزم جميع وسائل الإعلام بالرقابة الذاتية، وأقفل محطة تلفزيون ال أم. تي. في. التي لم تلتزم دائماً بتوجيهات السلطة، وخرقت الحظر الإعلامي المفروض على بعض الشخصيات السياسية. وبالاضافة الى تزوير الانتخابات ونتائجها, جعل لكل دورةٍ انتخابية قانوناً خاصاً بها، يتلاعب بواسطته بحدود الدوائر الانتخابية، ويعطي بذلك أرجحية لمرشحيه. 

 

وجعلت السلطة من القضاء أداة للانتقام من خصومها، وأخضعته للأجهزة الأمنية، فأصبح انتقائياً ووقائياً وتشهيرياً، فالتهمة تسبق التحقيق، ويأتي الحكم على سبيل التسوية، وأصبح التوقيف الاعتباطي مع ضرب وتعذيب الموقوفين أموراً عادية في حياة المواطنين اللبنانيين، بالإضافة إلى اختلاق الملفات القضائية، والتهديد بها. وألغى النظام السوري لبنان عن خريطة السياسة الدولية؛ أوقف المفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية، متخطياً مبدأ ثنائية مفاوضات السلام، وربط الحل بين لبنان وإسرائيل بتقدّم المسار السوري في هذه المفاوضات، كما فرض على الحكومة اللبنانية الانصياع له، وعدم تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 426، الذي يقضي بانتشار الجيش اللبناني مع قوات الطوارئ الدولية، بعد أن نفذت إسرائيل القرار 425 وانسحبت من الشريط الحدودي في جنوب لبنان، واتّخذ من قضية مزارع شبعا ذريعة لعدم نزع سلاح الأحزاب الموالية له من أجل ابقاء التوتر في الجنوب، وجعل من هذه الأحزاب أداة ترهيب للمواطنين المطالبين بانسحاب الجيش السوري من الأراضي اللبنانية. 

 

بالإضافة إلى واقع اللبنانيين الأمني والسياسي السيئ، فهم يعيشون واقعاً اقتصاديا أسوأ، إذ فُرض على لبنان سياسة مالية اعتباطية، تتأقلم مع المصالح الخاصة للعائلات الحاكمة، وبعيدة عن القواعد والمعايير العلمية الحديثة، وتقوم على تمويل المشاريع بزيادة الضرائب، والاستدانة بفوائد عالية، ثم الصرف دون شفافية ومراقبة. ومن النتائج المباشرة لهذه السياسة تحوُّل المجتمع اللبناني من مجتمعٍ منتج إلى مجتمعٍ ريعي: خُنِِق القطاع الخاص وأُفلِس القطاع العام، لقد اختفت تقريباً الطبقة الوسطى وتضخمت نسبة الفقراء، وبدأت تزداد نسبة الأمية بعد أن كانت على وشك الانقراض، وهجّرت سياسة الحكومة الاقتصادية في عشر سنوات ثلث الشعب اللبناني، وهذا ما لم تفعله الحرب في عشرين سنة، وإذا كانت بعض المجتمعات تشكو من وجود المافيا بينها، ومن بعض الفساد فيها، فإنه، وبفضل الاحتلال السوري، أصبحت المافيا هي التي تملك في مجتمعنا، وتشكّل كل الفساد.  نستغرب كيف استطاعت سوريا في البدء، بيع نفسها للعالم كعنصر استقرار في لبنان وهي من قوّض استقراره!

 

نستغرب كيف يسمح العالم ببقاء سوريا في لبنان وهي لم تفِ بأي التزام من التزاماتها!  تُطالب سوريا بتنفيذ قرارات مجلس الأمن التي تتعلّق بإعادة أراضيها المحتلة، ولكنها ترفض القرار 520 الذي يفرض عليها الانسحاب من لبنان!!  تدّعي سوريا أنها تريد رعاية المصالحة بين اللبنانيين، ولكنها في الواقع تمنعهم من الحوار واللقاء، وتلعب دور الإطفائي المهووس، فتزرع الفتن بينهم حتى تؤمّن استمرارية الحاجة إلى وجودها.

 

ولقد تركت في لبنان بعض الجزر المحظورة على قوى الأمن، فأصبحت مأوىً لأبطال الجريمة المنظّمة، وهذه الجزر تتجسّد بالمخيمات الفلسطينية، حيث تنمو المنظمات الإسلامية المتطرّفة، وقد تكرّرت الجرائم المرتكبة بدافعٍ ديني ضد المسيحيين؛  لقد قتل أحد الموظفين في صندوق تعاضد المعلمين في بيروت بتاريخ 31 تموز 2002 ثمانية من رفاقه وجرح ستة آخرين، واعترف أمام قاضي التحقيق بدوافعه الدينية،  وبتاريخ 25 تشرين الثاني 2002 اغتيلت في صيدا مبشرة أمريكية ونسبت الجريمة لأسبابٍ دينية تتعلّق بمهمتها التبشيرية،  وبتاريخ 30 كانون الأول 2002، وفي إحدى ثكنات الجيش اللبناني، أطلق أحد المجندين النار على رفاقه الخمسة وهم نيام، فقتل واحداً منهم وجرح أربعة، وتبين أثناء التحقيق بأنه كان يتابع دروساً في مدرسةٍ قرآنية داخل أحد المخيمات، وتعلم فيها بأن قتل النصارى واليهود هو الطريق إلى الجنة... لقد أعطينا وصفاً موجزاً لما هي عليه الحال في لبنان، والتي تشكل انعكاساً لحالة أكبر تغطّي المنطقة، ولها جذورها العقائدية والمادية والنفسية، ولا بد لنا من العودة إلى هذه الجذور لمعالجة هذه الحالة، ولاستدراك المستقبل فنتجنّب الأخطاء. 

 

إذا ما نظرنا إلى مصادر الإرهابيين، يتبيّن لنا أنهم متجذّرون في الدول ذات الأنظمة الدكتاتورية والتيوقراطية، التي لا تعترف ولا تحترم حقوق الإنسان.  والنقطة الثانية هي البعد الديني للعملية الانتحارية، الذي يعتبر العملية استشهاداً يفتح طريق الجنة أمام المنتحر.  إن الأوتوقراطي، سواءً كان تيوقراطياً أو دكتاتوراً، لا يمكن أن يعتبر نفسه على خطأ؛ بالنسبة للأول فإن الشريعة الإلهية التي يطبّق لا تخطئ، وبالنسبة للثاني فهو يعتبر خطابه الإيديولوجي لا يخطئ... ويستبق كل منهما مساءلة الشعب عن أسباب الفشل، بإلقاء المسؤولية على الخصوم السياسيين فيصفّيهم، وعلى أعداء خارجيين فيوجّه نحوهم العدائية الشعبية، ويقي نفسه منها.  وإذا أردنا فعلاً أن نحارب الإرهاب، فهو ليس هوية مستقلة عن الأنظمة التي تأويه، إنه صمّام أمان داخلي بالنسبة إليها، وبُعدٌ في سياستها الخارجية، تبتزّ به الآخرين. ولذلك، فاستئصال الإرهاب يمر بإسقاط الأنظمة غير الديموقراطية التي تعلّم الإنسان القتل، وتدفع به إلى الانتحار.

 

إن الأنظمة الديموقراطية التي تحترم شرعة حقوق الإنسان، هي وحدها تسمح للفرد أن يحقّق ذاته في المجتمع بشكلٍ إيجابي، بعيداً عن العنف والكراهية، وذلك من خلال ما تؤمّن له من حرية الفكر والمعتقد، وتحميله مسؤولية صيرورته، في الدنيا والآخرة.  ويجب ألا يحجب قلقنا الأمني من الإرهاب أهمية الديموقراطية في بناء الأنظمة الاقتصادية الحرة، لأنه من السذاجة أن نفكّر بنظام اقتصادي حر، في ظل نظامٍ سياسي غير حر، أو في ظل قضاءٍ يعمل بتوجيهات الحاكم، وليس بوحي القانون الضامن لحقوق الناس، في أي قطاعٍ عملوا.

 

وأنا أتكلم في عاصمة أعرق وأقدم دولة ديموقراطية في العالم، أشعر بحجم الصعوبات التي يمكن أن تعترض تطبيق النظام الديموقراطي في دول لم تكن يوماً ديموقراطية، وغابت عنها الثقافةٍ السياسية التي تنمّي قدرة الشعب على العيش بحرية، وهذا ما يبدو لي أنه أصعب منالاً من الانتصار في المعارك العسكرية، التي تحسم نتائجها بأيام أو أسابيع. فالديموقراطية ليست بنية تحتية تبنى بشهور، ولا هيكلية فوقية ترسم على الورق، ولا عملية انتخاب فقط، إنها قبل كل شيء تربية ومفاهيم، لذلك فإن أي تغيير في الأنظمة يجب أن يواكَب بتغيير في نظام التربية، لتسهيل استيعاب المفاهيم الجديدة وتطبيقها في الحياة العامة. فمن المستحيل أن تعيش ديموقراطية في ظل مدارس تدعو إلى إبادة الآخرين، وما يجب فعله ليس استنكار الجريمة وتوقيف المجرم فحسب، بل إقفال المدرسة التي تعلّمه. 

 

وإذا كانت الديموقراطية هي مفتاح تحرير الإنسان من الخوف، فإن التنمية الاقتصادية في البلدان النامية هي مفتاح تحرير الإنسان من الحاجة، وتزيد في قدرته على الاستهلاك، مما يتلاءم أيضاً مع مصالح الدول المتطورة. إننا نرحّب بكل سياسة أميركية تساعد على ترسيخ الديموقراطية ونتمنّاها، ونساهم بكل مقدراتنا في إنجاحها، الشيء الذي لم نتمكن من القيام به في لبنان بسبب وصاية نظامٍ سوري عليه، يشكّل نقيضاً للديموقراطية. 

 

ن تجربة لبنان الديموقراطية الحديثة بدأت في العام 1926، عند إعلان دستور الجمهورية اللبنانية الأولى، وكان علمانياً ومستوحىً من دستور الجمهورية الثالثة الفرنسية، وتمرّس اللبنانيون بالحكم الدستوري في ظل الانتداب الفرنسي لغاية نيلهم الاستقلال 1943، وبعد هذا التاريخ مارسوا الديمقراطية دون وصاية، وأصبح لبنان من الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة، ويبقى اليوم البلد الوحيد المحتل في العالم.

 

ولكن، وبالرغم من كل محاولات القمع التي قام بها الاحتلال وعملاؤه في مراكز السلطة الحاكمة، وبالرغم من إهمال العالم الخارجي لقضية لبنان، ونصائحه المتكررة لنا بوجوب التسليم بدور الاحتلال السوري، رفضنا الأمر الواقع وقمنا بتطوير مقاومة سلمية، نواتها الناشطة طلاب الجامعات وأصحاب المهن الحرة ومؤسسات المجتمع المدني، ويتعاطف معها معظم الشعب اللبناني، وهذه الحركة الوطنية الحرة تغطي جميع الفئات، وجميع الأراضي اللبناني. 

 

وإذا كان الحكم في لبنان يجثو اليوم تحت نير الاحتلال السوري، فأن الشعب اللبناني لم ينحنِ بعد، ولم يقبل بالنظام الديكتاتوري، ويبقى الأكثر تأهيلاً للقيام بدور نموذجي رائد في تنمية الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط، فلديه التجربة والثقافة اللازمتين. وهكذا يبقى بامكان الولايات المتحدة ان تعيد توحيد الشرعية الدولية حول طرح تنفيذ القرار 520 الذي سيحظى باجماع دولي والذي يحرر لبنان من القوى الغريبة وينهي الاحتلال السوري. 

 

ان إعادة الحالة الديموقراطية الحرة إلى لبنان هي إعادة الصورة الحقيقية للولايات المتحدة، وتخليداً لذكرى الأمريكيين الذين سقطوا على أرضه. وشكراً لإصغائك.