لا سورية ولا حزب الله ولا قادة لبنان يثقون بميشال عون وبكركي أنهت آخر أمل له بتزعّم الموارنة وباستبدال رئاسة الجمهورية بمجلس رئاسي ينهي دورهم إلى الأبد 

المحرر العربي-18 /10/2007  - لندن- كتب حميد غريافي

 

«لم يستطع رئيس الوزراء العسكري الأسبق ميشال عون أن يدرك حتى الآن أنه غير مرغوب فيه مارونياً أو سنّياً أو درزياً ومن عدد لا بأس به من قيادات روحية وسياسية شيعية محاصَرة ومكتومة من إيران وحزب الله»، أو أنه «يفهم ذلك لكنه يرفض التسليم به»، كما أنه «بات أكثر من مرفوض جملة وتفصيلاً من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن، وهي الدول التي بأيديها الآن الحل والربط على الساحة اللبنانية بعدما فقدت حليفتاه سورية وإيران مواقع أقدامهما المتجذّرة في لبنان واكتفتا أخيراً، منذ طردهما من جنوب الليطاني، مركز ثقلهما الميداني في حرب تموز/ يوليو من العام الماضي وحلول القوى الأجنبية والجيش اللبناني محلهما، باستخدام الإرهاب والاغتيال والتفجير والتهديد والوعيد وسائل للإبقاء على حضور أقل ما يقال فيه إنه مشوش وهش ولا قواعد له سوى معسكرات السلاح والمقاتلين ومحاولات زرع الشقاق أطول مدة ممكنة».

 

وقال مقرّبون روحيّون وسياسيّون من البطريركية المارونية ودار الإفتاء السنية في آن معاً، أوردوا هذه الصورة القاتمة لوضع ميشال عون الراهن، إنه «يقاتل الآن طواحين الهواء من دون أن يكون واثقاً من أي شيء، لا من قبول «الجيش الأسود»، أي الإكليروس الماروني والمسيحي كما وصفه وديعة حزب الله في تياره النائب الشيعي اليتيم عباس هاشم خلال انتخابات المتن الأخيرة، به كفريق ماروني ملتزم بالطائفة ومصالحها وأهدافها القريبة والبعيدة، ولا من قناعة حقيقية غير مصلحية لحزب الله بزعامته مفقودة الدعم مارونياً بشكل خاص، إذ أن حسن نصرالله ونعيم قاسم وتوابعهما في القيادتين العسكرية والسياسية لا يثقون به كحليف دائم لا ينقلب عليهم عندما يضع رجليه في ركابَي رئاسة الجمهورية ويحيط نفسه بالأجهزة العسكرية التي أين منها أجهزة سورية وإميل لحود في عهد الوصاية، وبحكم البلد بالحديد والنار مع إلغاء شبه كامل للديموقراطية الراهنة على الأقل ولحرية الكلمة والتعبير، ثم يستدير نحوهم لاقتلاع أنيابهم العسكرية: فإذا كان لم يقدّر عواقب إعلانه الحرب على دولة مثل سورية في أواخر الثمانينات، فمن سيردعه عن إعلان الحرب على من هم أضعف منها؟».

 

كذلك - حسب هؤلاء المقربين من بكركي - «يعاني الجنرال بطل حربي التحرير والإلغاء اللتين ما زالتا راسختين في ذاكرة اللبنانيين والسوريين على حد سواء، نقصاً هائلاً في ثقة النظام السوري به، استناداً إلى التجارب المريرة معه، وإلى انقلابه المتواصل حتى ضد قادة ثورة الأرز الذين سبقوه في إخراج هذا النظام كسير القلب مهزوماً من لبنان وضد قيادته الروحية في البطريركية المارونية التي ما أن يستعيد في كل مرة بعض قواه وسطوته ويستفيق فيه مجدداً النبض العسكري الذي يتحكّم بتصرفاته في كل شيء، حتى ينهشها بسهامه ويعتدي عليها ظنّاً منه أنها لا تريده ولا تأمن جانبه ولا تقف إلى جانبه ظالماً كان أو مظلوماً، وبالأخص لأنه لا يريد أي منافس له يعتقد أنه يتجسّد في الإكليروس الماروني»..

 

وأعرب هؤلاء المراقبون لـ«المحرر العربي» عن قناعتهم بأن بشار الأسد وأعضاء بطانته الذين يستخدمون ميشال عون راهناً كما يستخدمه حزب الله، «حصان طروادة داخل المعاقل المسيحية الحصينة التي ما زالت وحدها تشكل في نظرهم المانع غير المختَرَق للعودة إلى السيطرة على لبنان مجدداً، هم أيضاً لا يمكن لهم أن يأمنوا جانبه ويأخذوا بوعوده، لأنه سبق له أن فاجأهم «بحرب تحريره» في أواخر الثمانينات بقلب ظهر المجنّ لهم وهم في عزّ التفاوض معه من خلف الستار، ولم يستعد مد جسوره معهم إلاّ في أواخر عهد نفيه في باريس، بعدما أصيب باليأس والقنوط من العودة إلى لبنان، ولولا اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وانفجار الشعب اللبناني في وجوههم، لما كانوا انسحبوا ولما كان عاد بنفس الطبيعة العدائية لكل الناس متوهماً أنه هو «بطل التحرير» الفعلي رغم أن هزيمتهم النكراء في لبنان هي التي حملتهم على مغازلته واستعادته إلى «طريقهم الأخوي».

 

وقال أحد رؤساء الرهبانيات المارونية ممن همّشهم عون خلال فترة رئاسة حكومته العسكرية في أواخر الثمانينات آخذاً إياهم بجريرة حقده على البطريرك نصرالله صفير الذي عارض على طول الخط نَزَقَه وشَغَفه بالحروب والاقتتال واستخدام المدفع والصاروخ وسيلة لتحقيق مطامعه التي لم تتحقق، «إن مبادرة جمعه في بكركي الأسبوع الماضي في «حفلة» حوار متباعدة مع الموالاة، وُلِدَت ميتة لعدد من الأسباب، أولها أن صاحب بكركي لم يكن متحمساً لعقد أي اجتماع في بيت الطائفة للمتناحرين من أبنائها لأنه يدرك تماماً أن عون على الأقل، وبشكل خاص، لا يمكن أن يتنازل عن أي شيء لأنه يضع نصب عينيه كرسي الرئاسة، ولأن طبيعة تركيبته الشخصية لا تؤهله لأي تنازل في سبيل المصلحة العامة، وهو ما زال يعيش أواخر الثمانينات ويعتقد أنه ما زال الآمر الناهي في قصر بعبدا «يحرك الجيوش» ويتلاعب بمشاعر الناس المخلصين الذين تخلّى عنهم عند ظهور تلك الطائرة السورية اليتيمة فوق رأسه، وفرّ إلى السفارة الفرنسية تاركاً جيشه و«شعبيته» في مهب الريح وعرضة للقتل والانتقام والقمع التي استمرت على يد نظام دمشق خمسة عشر عاماً، لم تنته إلا بطرده من لبنان على يد المجتمع الدولي».

 

لاءات الطائفة المارونية

ونقل رئيس الرهبانية لـ «المحرر العربي» عن أحد الأساقفة الموارنة قوله عشية توجيه دعوة بكركي لعون للحضور الأسبوع الماضي «أنه مِلْح فاسد، وإذا فسد الملح فبماذا يُملَّح؟»، معبّراً بذلك عن مساندة البطريرك في نظرته إلى عدم جدوى استدعائه إلى نفس صالون الاستقبال في الصرح الذي فيه حاول الاعتداء على سيده عندما أرسل رعاعه «لتأديبه» في أواخر الثمانينات لعدم مساندة اندفاعه الأهوج الذي دمّر معظم المناطق المسيحية». وقال المطران إنه «منذ تلك الحادثة المريرة التي اضطرت البطريرك صفير للانتقال إلى مقره الصيفي في الديمان للحفاظ على كرامة البطريركية التي لم تتعرض في تاريخها لمثل هذا الإعتداء، «فَقَدَ عون في نظرنا ونظر الموارنة دينه ودنياه وآخرته، وهو الآن يدفع ثمن تلك الخسارة».

 

وأكد المطران الماروني «لاءات الطائفة المارونية الأربع في وجه طروحات عون الأربعة أيضاً وهي: لا للحكومة الانتقالية التي يطالب بها الآن عوضاً عن حزب الله وحركة أمل وعملاء سورية، ولا لانتخابات نيابية مبكرة في أيار/ مايو المقبل، ولا لتشكيل المجلس الدستوري إلاّ في عهد لبنان الجديد، ولا لتأجيل الانتخابات الرئاسية إلى حزيران/ يونيو، وهذه كلها طروحات من داخل وخارج الحدود، هدفها أولاً وأخيراً إحداث فراغ رئاسي قد يلغي - إذا طال - حق الموارنة في رئاسة الجمهورية، وتثبيت قيام مجلس رئاسي نصفه لسورية ونصفه الآخر لإيران وعندئذٍ على لبنان السلام».