دولة رئيس مجلس الوزاء اللبناني
بقلم/لاحظ س. حداد

 السيد فؤاد السنيورة المحترم

 باعتزاز وتقدير بالغين تلقينا كلمتك التي وجهتهتا إلينا، نحن اللبنانيين في المغتربات، وإلى قادة الأمة العربية وشعوبها والشعب السوري بشكل خاص.. هكذا تكون الوطنية والقومية أيها العرب! 

تحية إكبار لهذا الموقف الشجاع الي اتخذته حكومة لبنان في رفضها حضور قمة دمشق الموصوفة بالتضامن العربي أو العمل العربي المشترك.. وعسىأن تأتي المواقف المقبلة أكثر صلابة تجبر العرب على الانتفاض لحقهم وللحق اللبناني! 

كلمتك باختصار كانت من النُبل والمصداقية في مكان لم يرقى إلى مستواه الكثيرون من دعاة الوطنية أو القومية العربية، وحبذا لو استعاد هؤلاء وأولئك بعضَ توازنٍ في الضمير وإخلوا ذواتهم من عنجهية الشخصانية والشوفينية القاتلة لكل تقدم وتطوير، وتطلعوا بإخلاص وترفُّع إلى حقيقة مآل أوطانهم جرّاء الاندفاع، غير الموزون وغير المُبَرَّر، في ركوب موجات هجينة لا تمتُّ إلى قيمنا الوطنية أو تلك القومية الأصيلة، وتسببوا دون إدراك ربما، ولِنَقل دون تبصُّر في النتائج التي قد تذهب بالبقية الباقية منها.. عند ذاك: ليت ساعةَ مندم!  

خطابك، دولة الرئيس، وضع النقاط فوق الحروف المبهمة وأوضحَ للجميع حقائق مجريات الأمور في وطننا وعلاقة النظام السوري، وليس الشعب السوري، بنظامنا وطرق عيش شعبنا، وما يسببه النظام السوري من شقاق في مجتمعنا الديمقراطي ووصفنا، امام شعبه، بالطائفية والمذهبية تارةً وبالعمالة والخيانة تارةً أخرى.. كل ذلك، من أجل استمرار هذا النظام في القبض على عنق الشعب السوري وحجب رؤيته الوطنية الحقيقية ضمن دوائر أجهزة مخابراته وداخل مجاهل معتقلاته، ومنعه من الانتفاض والانقضاض عليه وهو الذي، أصلاً، أتى إلى الحكم بمثل هذه الوسيلة..   

طرحك لأسباب المعضلة اللبنانية والرغبة الأكيدة لحلها، أثبتت للملأ أن رسالة لبنان السلامية لن يكتب لها البقاء إلاّ في حرية اختيار أبنائه وليس في فرض وصاية الآخرين عليهم.. من هنا كان الإصرار على رفض الأمر الواقع الذي كان قائماً أيام احتلال النظام السوري للإرادة الوطنية اللبنانية وحرية القرار واستقلاله، وتجلى بانتفاضة الاستقلال على أثر اغتيال رئيس حكومة لبنان.. كذلك رفض التكيُّف مع الواقع المعيوش حالياً تحت ضغط التهديد والترهيب لذات النظام الآبق لكل القيم القومية والمنضوي تحت ألوية فارسية في استعادة لدور بن ذي يزن في الاستنجاد على بني قومه...

لقد أوضحت، دولة الرئيس، وبكل الصراحة والمصداقية التي عودتناها، أن رسالة لبنان السلامية التي يرى فيها العالم العربي والغربي معاً، نضوجاً حضارياً ممتميزاً تصلح أن تكون أمثولةَ كل دولةٍ تسعى إلى سؤدد شعبها: حريةً وسيادة واستقلال بل استغلال ديمقراطي للمواهب الفردية في سبيل تطيرٍ جماعي إلى الأفضل وهذا ما نراه تمازج نموذجي لتآلف الأديان وتعايشها، لكنها مع الأسف ومع كل فرادتها، لم تفلح في إقناع الكثيرين، وحتى من أبنائها، بفرادتها.. وعوضَ أن يأتي تثبيت مقوِّمات هذه الرسالة على أيديهم دأبوا على بذل كلَّ وسيلة لتقويض هذه المقوِّمات ومنع ترسيخ جذورها.. ليس هذا وحسب بل هم جربوا ويجربون إلباسها أثوابهم الخاصة المرقطة والمرقعة بفضلات أثواب الردِّية والرجعية والراديكالية الدينية التي يحاول العالمين العربي والغربي تجاوزها أو معالجتها..  

دولة الرئيس، ما أعلنته عن وجوب تمثيل لبنان برئيس جمهوريته أكَّدَ للجميع أن السيبة اللبنانية لا تستقيم إلاّ على زنود أبناء طوائفها مجتمعة، وأن لا طائفة، مهما بلغت من قوة تمثيل، لا يمكن أن تأخذ موقع طائفةٍ أخرى؛ وأن الصيغة اللبنانية ليست موضوع تحلل أو تفكك كما أن الدستور الذي ارتضاه اللبنانيون ليس ولن يكون ألعوبة في أيدي أيّ طائفة أو فريق مهما أوتِيَ من دعمٍ داخلي أو خارجي ومن أي نوع.. فإمّا أن يستوي العمل ديمقراطياً أو يزول الوطن..

وإن ادعاء النظام السوري بقَدَرية نظرية اللا غالب ولا مغلوب التي قاسى لبنان منها الأمرّين طوال أكثر من ثلث قرن، فهذه لم تعد تصلح لحكم بلدٍ اعتمد الديمقراطية نهجاً؛ وعليه، فعلى كل دعاة المشاركة والمخاصصة واقتسام المغانم أن يتخلوا عن تهديداتهم وترهاتهم إذ لم يعد من الجائز، وتحت أي شعار أو عنوان، أن يقوم أحد الأطراف أو الأطياف المذهبية، المدعوم محلياً أو خارجياً، إلى استحداث ظروف خاصة يطالب بعدها بنغيير النظام بأكمله.. وبالتالي، على هذا الطرف، إن كان يتمتع بقليلٍ من العلم السياسي، أن يجهد سياسياً ومن خلال المؤسسات، وليس بالتعدي والقسرية والاستقواء بالغير وفرض الأمر الواقع، لإجراء التغيير الذي يرغب به..

فهذا الوطن لم يعد حكراً لرئيس مؤسسةٍ تشريعية أو تنفيذية يديرها على ما يرغب وكيفما يشاء بل هو نظام حكمٍ ديمقراطي متكامل يتبع نهجاً استقلالياً سيادياً لا يرتبط بأيّ محور خارجي، أقليمي أو دولي، إلاّ بمواثيق أقليمية، على المستوى القومي وأخرى دولية على مستوى الأمم المتحدة.. ولا يمكن أن يُطلب من شعبنا أن يحجرَ على مؤهلاته ويتنازل عن امكانياته ويتخلى عن مقتناياته ويضحي بمذدخراته كرمى تحقيق ايديولجيات الآخرين واستراتيجياتهم غير المعروفة نهايتها، فقد سئم اللبنانيون أن يكونوا كبش فداء أو محرقة تضحى على مذابح القضايا، مهما على شأنها أو سمى، فيما الآخرون يناظرون بها وعليها يختلفون..   

دولة الرئيس،

فهمَ العرب أم أبوا، فاشعب اللبناني، كما نوهتَ وشرحت في رسالتك، بات تفكيره ينصبُ على هدفٍ وحيد هو بقاء كيان وطنه واستقلاله وسيادته، وكما فعلت مصر، كبرى الدول العربية، والأردن وغيرهما من دول العرب، الالتفات إلى مصالح شعوبها مع الحفاظ على دورها في القضايا العربية الأخرى؛ ولم يعد مقبولاً قط إبقاء وطنهم ساحة نزال اقليمي أو دولي، من أي نوع، أو ساحة تجارب لنظريات لم تسمن حتى شعوب القائلين بها.. لذلك نأمل أن تكون خطوة الحكومة هذه أول مسمار يُدَقُّ لتثبيت أركان دولتنا بمطارق أبنائها وليس مسمار نعشٍ يُدَقُّ في نعش الوطن على أيدي بعض المهووسين والمهلوسين من الخوارج أو أهل الردة المحليين،ولقد آن الأوان أن تتخذوا الخطوات الآيلة تأكيد عنفوان ابناء وطن الأوطان، لبنان..     

صانك الله لبنان
لاحظ س. حداد
التيار السيادي اللبناني في العالم / نيوزيلندا
3 نيسان 2008