رسالة ثورة الأرز في نيوزيلندا

بقلم/لاحظ س. حداد

                                                 

ايها اللبنانيون... ويا أبناء ثورة الأرز الخالد

 

من أبعد منفى لبناني باتجاه القطب المتجمّد الجنوبي، من المنفى الجميل، نيوزيلندا، أحييكم..

 ذكرى شهدائنا الأبرار، شهداء الاستقلال الثاني، ذروة الوطنية وقمة العنفوان لا يضاهيهما إلاّ الولاء المطلق لوطن الأرز الذي ضحوا بحياتهم لأجله..

قافلة الشهداء التي قادها رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري، لم تكن الأولى في قوافل الشهداء والأمل أن تكون الأخيرة..

هذه القافلة التي انضم إليها خيرة شبابنا وشيوخنا وأبنائنا هي التي فجرت ثورتكم وأطاحت بطغاة العصر وجلاوزته

وأعادت إليكم لبنانكم، فلا تتراجعوا عن مسيرتكم في دروب الحرية والسيادة والاستقلال..

 

ثورتكم أخرجت جيش ومخابرات النظام السوري الذي قبع على قلوبكم وتربّعَ على أرضكم نيّف وثلث قرن..

وأنتم من وقفتم إلى اليوم سداً منيعاً في وجه محاولات عودته إلى بلادكم..

 

أنتم من فقدتم أعزَّ الأبناء وأشجعهم شهداء حقٍّ وواجب، فلا تدعوا دماءهم تذهب سدىً في سبيل مصالح سياسية خاصة

ولا تأخذنكم عاطفة الولاء الشخصي عن واجب الولاء للوطن..

 

مصير لبنان في أيديكم، إمّا أن تنقذوه فتنقذوا ذواتكم وإمّا تتقاعسوا عن نجدته فيذهب أيدي سبأ وطهران وَ ( دم شق )..

 

إن مصير لبنان يتأرجح اليوم بين إرادة الأغراب في محاور الشر والطائفية والمذهبية الكريهة وبين من آلوا على أنفسهم التضحية بكل غالٍ ونفيس، وبعضهم ضحوا فعلاً، في سبيل تثبيت الاستقلال والاستقرار وسيادة القانون..

 

خلال السنوات الماضية شاهدتم عودة مرعبة للطائفية والمذهبية إلى الواجهة السياسية قادها بعض ذوي النفوس الضعيفة والقلوب الحاقدة ذهب ضحيتها خيرةُ أبنائكم ولولا حكمة العقلاء من بينكم لاغتال الأشرار وطنكم.. 

 

نحن لا نخاف اضمحلال الوطن أو زواله فهذا اللبنان صنعه الله وليس لإنسانٍ قط يستولي على إرادة الخالق..

 

المعركة الانتخابية في حزيران يجب أن تكون مفصلية وهي ليست معركة بين مذاهب أو طوائف إذ أن الجميع يحاول الابتعاد عن افتعال فتنٍ تحرق الجميع في أتونٍ سبقت تجربتها.. إنها معركة وجود بكل ما للكلمة من معنى..

وجود لبنان لم ينل منه السابقون فلا تكونوا أنتم من يتخلى عنه..

في أيديكم تحديد مصير النظام اللبناني وموقعه على خارطة الشرق الأوسط.. فإمّا أن يثبّت استقلال كيانه اللبناني وينطلق في مسيرة "عزل ذاته" عن المحاور الخارجية وإمّا أن يتحول مجدداً أداة صراع الأقوياء حيث يفقد استقلاله ويعود إلى التبعية والوصاية الأقليمية أو الدولية..

ثورتكم أنتجت موالاة فأثارت حفيظة الأغراب فاستخرجوا، من مخلفاتهم، معارضةً تُسمّى لبنانية وتتكنى بهم..

ولا تثريب أن يعود الإبن "الضال" إلى أبيه ( وطنه ) لكن المُفجِع أن ينضمَّ الأبن "الشاطر" إلى أعداء أبيه فيحاول قتله

كي يرث مكانه، وفي أحضان من ضيّع أخيه ..

الموالاة لم تعد موالاة ولا المعارضة معارضة، فالإتنتان باتتا عنصرا قوة تتباعد بتناقضٍ ساطع بين الساعين لتحقيق فكرة الدولة المستقلة عن أيّة محاور أقليمية أو دولية وبين الداعين لتحقيق فكرة الدولة المرتبطة عضوياً بمحاور أقليمية أو دولية تسعى إلى تفتيت دول المنطقة، المثقّلة شعوبها بالعقائد والأصوليات المذهبية، والسيطرة عليها..

 

لبنان إلى أين؟

أهم ما يميّز لبنان عن باقي دول الشرق الأوسط وربما دول العالم كله هو أن مكوناته البشرية متفاعلة وجودياً وحضارياً ولم تفلح كافة الحروب التي مورست عليها في الفصل النهائي بينها بل ونستطيع التأكيد أنها زادتها قوة ومناعة وعنفوان وفي أحيان متكررة أثبتت تعلقها المميز ببعضها..

وأكثر ما تجلت هذه المناعة وتأكد هذا العنفوان كان يومَ أن اغتالت قوى الشر والضغينة رئيس وزراء دولتكم فتناديتم في انتفاضة كبرى، متناسين مآسي الحروب وما سببت من تباعد وتنائي بينكم،  واطلقتم ثورتكم،  ثورة الأرز، التي أدهشت العالم وأثبتت أنكم في الملمات:  شعب واحد في حزب وحيد هو حزب لبنان..

كلُّ ادعاءٍ خلاف ذلك يجب أن يكون مدعاة سخريتكم، وكل دعوة تفرقة مذهبية، طائفية، عقائدية وعنصرية أو قومية يجب أن تشكّل حوافز حقيقية لانتفاضةٍ وطنية كاملة وليس توافقية سقيمة ابتُدِعت من بنات أفكار هُـواة السياسة وصيادي المراكز القيادية وأصحاب الأحلام الشخصية، ناهيكم بخلفيات مبتدعيه..

 

أيها اللبنانيون

دوركم اليوم يتماهى مع أسباب ثورتكم على الاستبداد فلا تتنكروا لها بل أثبتوا للعالم أنكم جديرون بتحقيق كل ما نبضت به قلوبكم وهتفت به ألسنتكم " سيادة وحرية واستقلال "..

 

أنتم حرّاس أرزكم، أرز الرب، فلا تتركوه يتمايل بين أيدي تريد اقتطاع أفنانه وإهدائها إلى الخوارج وهوام السياسة..

إنهم بأيديهم يدنسونه.. فتحت أغصانه استظل الأبرار وفي أفيائه استقر المتصوفة والأطهار..

 

الانتخابات النيابية

ساعة الحقيقة اقتربت.. فكونوا جاهزين لتلقي صدمات الإنتقام.. فاللعبة السياسية اليوم هي في إقصائكم عن موقع القرار..

  وهذا مكانه قبة البرلمان.. فعليكم تقع مسئولية الاختيار..

نستفيد من المناسبة الجليلة لندعوكم إلى واجب أنتخاب كوكبة من السياسيين المستقلين والاستقلاليين على أيديهم نبعد لبنان

عما يُخطط له ونظامه من مؤامرات لإبقائه بؤرةَ متناقضاتٍ وتضارب مصالح أقليمية ودولية ولإثباتِ وجودٍها

واستغلاله على حساب لبنان..

كلّ من يعلن لبنانية لبنان هو مرشحكم فانتخبوه وكل من يعلن تحالفه مع الأغراب أنبذوه فهو غير خليق بطموحاتكم..

لبنان اليوم لا يخص مسلماً أو مسيحياً بل هو خاصة اللبنانيين، كل اللبنانيين.. وليس لأحدٍ منةً في بقائه..

لا تنتخبوا مذاهب أو طوائف بل انتخبوا من هو لبنان فقط، فالطوائف والمذاهب موجودة أينما ذهبتم وليس في العالم كله سوى لبنان واحد فحافظوا عليه فيبقى لكم..

الحياد الحياد الحياد ... والانتخابات المقبلة

لبنان كائن بذاته فلا يجب أن نربطه بحبال الطائفية والعنصرية وحتى القومية إلاّ بما يخدم بقاءه وانتماءه

ولكن ليس على حساب الولاء له.. من هنا يجب أن يُحيّد عن صراعاتٍ أنهكت شعبه فتعددت انتماءاته

وشتتت ولاء أبنائه وأضاعت عنفوانه..

 

منذ قرون ربما، لم نعرف لبنان الحقيقي إلاّ في السنوات القليلة الماضية أي عندما أكَّد المسلم والمسيحي لبنانيته في استشهاد رؤساء وقادة ومناضلين وأحرار دفعوا حياتهم ثمن هذه المعرفة؛ فهلا كافأناهم بإبعاد الوطن عن كل من كان وراء غيابهم عنه ويريد استعماله ساحةً لتحقيق مصالحه العقيدية الشمولية أو المذهبية المقيتة أو الطائفية البغيضة..                    

 

آن الأوان كي يبرز على الساحة سياسيون يؤسسون لإخراج هذا الوطن من بؤرة الابتزاز الطائفي والمذهبي والعقيدي

فلقد شبع اللبنانيون حتى التخمة ولم تعد لديهم القدرة على هضم ما يقدم لهم من مقبِّلات ومشهيّات باتت لا لون لها ولا طعم وفاحت منها رائحة الخيانة والعمالة والارتماء في أحضان الأغراب.. 

 

برنامج انتخابي متطور ذو منظور بعيد الأمد

وذلك يكون من خلال برنامج انتخابي إنقاذي عام وشامل وممنهج، وبأكثر ما يمكن من شفافية ومصداقية، وطرحه أمام كافة مكونات الشعب طالبين ثقته لتنفيذه.. برنامج مرحلي يجب أن يتضمّن تدرّجاً واضحاً للإنتقال إلى الديمقراطية الحقيقية

وإلى اعتماد نظام الحياد الايجابي الموثّق في الأمم المتحدة ما يجعل لبنان بحق سويسرا بلاد العرب والشرق..

 

المصير

عليكم أنتم أيها اللبنانيون أن تثْبتوا، بصورةٍ قاطعة ونهائية، في اختيار ضميريٍّ واعٍ لِما ترغوا في وطنكم أن يكون..

إن أي تردد، مهما كانت أسبابه، سوف لن يعفيكم من نتائج أي تقاعس عن تأدية واجبكم الانتخابي الانقاذي وعليه،

وأنتم  ذوو الذكاء والعنفوان المشهود، أن تُُثبتوا أن مصير وطنكم هو فوق كافة الاعتبارات والمصالح الشخصية

والمنفعة الآنية أو العاطفة السياسية..

 

هذه الانتخابات، هي المحك الفعلي لإرادة الناخب اللبناني بكافة مكوناته..

نقول هذا لأننا على يقين من أن الكثيرين من الملتحقين، قسراً وخوفاً، بركب مدّعي البطولة الجوفاء ورؤى التغيير،

متى اتضحت أمامهم صور المستقبل الأسود الذي ينجرّون إليه، سوف لن يتوانوا عن الالتزام الوطني الواضح والصريح..

وعلى اللبناني وللمرة الأولى في تاريخ الوطن أن يؤكد ولاءَه إليه من خلال اختياره لممثليه في الندوة النيابية ويعيد انتماءه إلى الوطن، وطن الأرز الخالد الذي مجّدته الأمم وزرع نبتاته أبناؤه في شتى بقاع الأرض..

فهل يثبت الناخب اللبناني أن لبنان يجب أن يكون!

 

رحم الله شهداءنا، وذكرى الأبرار تبقى إلى الأبد،،،

 

صانك الله لبنان

لاحظ س. حداد

المجلس الوطني لثورة الأرز / نيوزيلندا

14 شباط 2009