غـزة تفتدي حَمَاسَها

بقلم/لاحظ س حداد

 

غـزّة إحدى جميلات مدن الأبيض المتوسط تعاني اليوم نكبة الفداء عن حماس التي كانت انتفاضتُها يوماً مفخرةَ الفلسطينيين والعرب، لكنها اليوم تدفع جزية الدم عن المال الذي قبضته حماسُها من نجّادها ثمنَ ولائها لبشّارها..

 

بضع أسئلة نوجهها إلى قادة حماس

ترى هل تستحق السلطة، أيةَّ سلطة أن يُضحي شعب غزّة بأبنائه وأرزاقه ويتحمل ويلات حربٍ تدميرية وكل ذلك من أجل أن يثبت قادة حماس أنهم أحق بالسلطة من السلطة الفلسطينية الحقيقية التي يعترف بها العالم..

وهل يقبل قادة حماس أن يضحوا بكل انجازات الانتفاضات الفلسطينية التي أدهشت العالم الغربي قبل العربي بمقاومتها الاحتلال بحجارة الأطفال وكل ذلك من أجل إثبات جدارتهم باستلام السلطة والحكم..

 

هلاّ فكر قادةُ حماس يوماً أن دعم سوريا وايران ومحوريهما، اللذين يعرف أهدافهما القاصي من العالم الاسلامي والداني من العالم العربي، يُثبت مقولةَ إسرائيل بأنهم مجرد ارهابيين وليسوا طلاّب حق مشروع..

 

وهل فكروا أبداً أن جهادهم المشرّف فلسطينياً بات اليوم يحقق أهداف عدوتهم إسرائيل في تفتيت فلسطين بالذات إلى دويلات صغرى تسهل السيطرة عليها إسرائيلياً أو تُعيدها إلى الوصايةً المصرية في غزة الوصاية الأردنية في الضفة الغربية..

...  .  ...

ألم يتعلموا إلى اليوم أن إسرائيل، الدولة العدوة، لن تتوانى عن استعمال كافة أدواتها العسكرية وبإجرامها المعروف ستدك المدينة، العريقة بحضارتها والغنية بعنفوان أبنائها، وتُحيلها ركاماً وصولاً إلى معاقلهم ومواقع إطلاق صواريخهم البدائية وكل ذلك من أجل الوصول إلى جندي وحيد مأسورٍ لديهم أو انتقاماً لمقتل أحد مستوطنيها أو سكان مدنها القريبة..

 

ألم يتعلموا بعد أن لجوءهم إلى استعمال سكان غزة دروعاً بشرية لن يمنع إسرائيل عن حرق هذه الدروع وصولاً إليهم..

فلماذا إذن ولمصلحة مَن تحصل هذه المجزرة الرهيبة بحق الشعب الفلسطيني في غزة.. أهي حقاً من أجل التحرير؟

 

أيها السادة،

إنكم اليوم تجابهون ويجابه شعب غزة الأبي أشد الحروب ضراوة يقوم بها الجيش الاسرائيلي على المدينة المنكوبة باحتلالكم لها ورفع راياتكم على أبنيتها فقط.. وها هي جثث القتلى ( الشهداء ) شهداء السلطة المنوي إقامتها تغطي الساحات وأجساد الجرحى تملأ المشافي، فأين أنتم من كل هذا؟

 

وعدوكم بالدعم وقد دعموكم ولكن بملء الجيوب لتأسيس دولة على أجداث الضحايا.. فأين اختبأ دعم سوريا وايران لكم وهل بادرت سوريا إلى تحريك جيوشها باتجاه الجولان لتخفيف الضغط عليكم أو هل استعملت ايران صواريخها بعيدة المدى تصبّ غضبها على إسرائيل من أجل أيقاف حربها على غـزّاكم؟

جلَّ ما فعلته سوريا الأسد أن دعت، وفقط بصفتها رئيسة مؤتمر القمة العربية لهذا العام، دعت إلى عقد قمة عاجلة سارعت في حشدِ ما برعت به من مظاهرات التأييد الشعبية لكم فقط، إذ أن لا الوقت ولا الظرف قد أتى بعد من أجل القيام بعمل عسكري ولو رمزي ضد إسرائيل.. 

 

أما ايران التي نجّادها يريد قذف إسرائيل في البحر فبادرت إلى إحالة القضية إلى المؤتمر الاسلامي.. وها هي تمنع المتحمّسين من أبنائها حتى أن يهبوا لنصرتكم.. وأما أنتم فما قبضتم سوى الهذيان وقلة الحيلة واستمريتم في إطلاق صواريخ باتجاهات عشوائية قد تصيب بشري فتزيد من نقمة العدو الشرس أو قد تصيب شجرةً في حقل أو بناء سيقبض صاحبها ثمنها أو ثمنه أضعافاً مضاعفة..

 

الأمة العربية، وما أدراكم ما هي الأمة العربية..

لقد عاديتم دول الأمة العربية التي ما فتأت، منذ كارثة فلسطين الكبرى، تساعدكم وتضحي بأبنائها وثرواتها من أجل استرجاع حقكم في أرضكم وها أنتم اليوم تتهمونها بشتى أنواع تهم التخلي بل والتواطئ والعمالة..

هل تخلت المملكة العربية السعودية عنكم وهي التي حَمَت انتفاضاتكم وموَّلت مشاريعكم وفتحت أبواب أقدس أرض للمسلمين من أجل الوصول إلى اتفاقٍ بينكم وبين باقي القيادات الفلسطينية فأين ذهب اتفاق مكة ومن قوضَه وفكك عراه وأعادكم إلى نقطة الصفر من الخلافات.

 

الملك السعودي، الذي استخدم جميع ما يملك من ثقل ووزن دوليين من أجل طرح مبادرته الشهيرة وتمكن بما يتمتع به من قدرة على الاقناع من توفير الضغط الدولي من أجل قبول إسرائيل بقبولها.. أين أصبحت تلك المبادرة التي يكاد تعنثكم واستفزازاتكم المتكررة تطيحها.. وأليس من العار أن تصبح مصلحة فارس أهم من مصلحة السعودية في فلسطين؟

 

ومصر، ولا زالت أمّ الدنيا، هل أصبحت في نظركم عميلة لإسرائيل وعدوة لكم؟ هل حقاً تصدقون ما به تتفهون؟

المؤسف أن يكون تأثير النظام السوري والنظام الفارسي قد أطاح حتى بفضيلة العرفان..

 

مصر، التي ضحى شعبها بالغالي والنفيس من أجل نصرة قضية فلسطين فدفع من حقوقه ما دفع واستُشهد من أبنائه من استُشهد بل وفقد من أرضه ما فقد وكل ذلك دعماً لكم ولاستعادة أرضكم تمسي دولته ورئيسه، بين ليلةً وضحاها، عميلاً لاسرائيل وعدواً لكم.. حقاً لقد بلغ بكم الحقد الأعمى حداً لم تعد الأمة العربية بكافة شعوبها تحمل لكم سوى الرثاء والحسرة والأسف ولا تغرَّنكم غوغائية بعض الغيارى من أتباع النظامين السوري والايراني أو حتى مظاهرات بعض الوصوليين أو الذين ما زال في قلبهم أمل بحسكم الوطني فإن هؤلاء أو أولئك قد نراهم يهللون لكل عمل وطني أو يتحمسون لكل مأساةٍ وطنية لكن سرعان ما يستيقظوا إلى الواقع المزري الذي أوجدتموهم فيه فينقبلوا عليكم أيّ انقلاب..

 

ولبنان أيها السادة، وقد عانى طوال سنوات التي مرت على نكبتكم الكبرى ما عانى وقدم في سبيل قضيتكم أعزّ وأغلى ما  يملك من دماء أبنائه، لم يعد في حاجة إلى دفع المزيد من الذكاة.. وهو لن ينجرّ إلى حربٍ جديدة يُستَدرج إليها من أجل هدفٍ لم يعد مقتنعاً بجدواه سيما أنه سبق أن انجرّ إلى حروبٍ متعددة ومتنوعة لم يكن له قِبلاً بمواجهتها إلاّ بالمزيد من التضحيات التي وجد أن وطنه وشعبه أحق بها بعد كل النكران الذي أصيب به..

 

لبنان أيها السادة، قادة حماس، لم يعد مستعداً للتضحية بنقطة دم واحدة دفاعاً عن تصرفات خاصة ليس له فيها ناقة أو بعير طالما أصحاب الناقة استنكروا وأصحاب البعير عن الحق شاردون.. ولا تغرّنكم استنفارات اًصحاب الوعد الألهي وخطابات الهجو واللغو والتهجم والشتيمة فقد شبعنا حتى التخمة ونكاد نتقيأ بقاياها.. وها هم الفلسطينيون في مناطقنا يشهدون صدقنا ويؤكدون مصداقية دولتنا وشعبا..

 

إن خطابات حسن نصرالله أمام حشود شبان حزبه وشاباته أو في عاشوراه لا تعني أحداً سواه ونربأ أن نضحي بهولاء الشبان والشابات قرابين لقادتهم أو لنظام سوريا أو حتى نظام فارس.. ومن يرغب بهكذا أضاحي يتحمل مسئوليته التاريخية ولن يقبل شعبنا أن يُمارَس عليه المزيد من الخداع وبالتالي التجني.. فقد سبق لنا أن جربنا هذا الخداع ومورس بحقنا الكثير من التجني حتى أننا اتُّهِمنا بل واتهِمت حكومتنا بالتواطئ وهي التي أثارت دمعة رئيسها دهشة العالم فسارع إلى نجدة ضحايا الوعد والانتصار الإلهي الموهوم وانتشال لبنان من دمار ما أنجزه هذا الوعد وذاك الانتصار.

أما عنتريات جنرالات الهوس بإعلان الحرب الدفاعية فإن على محازبيهم ومناصريهم أن يلجموا شكيمة أحصنتهم قبل التسبب مجدداً بتسيّب الأرض ومن عليها فيطيح بما تبقى لديهم من أمل العودة إلى الوطن. 

 

قادة حماس،

عذراً،، فلسطين ليست لكم وحدكم بل هي ملك كل من ضحى من أجلها، ونحن بين هؤلاء، بما فيهم الفلسطينيين في مشارق الأرض ومغاربها.. ولن يقبل هؤلاء بأن تستولوا على سلطةٍ تملكونها وتديروا شئونها تحت مظلة النظام السوري وفي حماية النظام الفارسي وبالتالي عليكم العودة إلى صواب الوحدة وصوابية التوّحد مع من ضحى مثلكم وأكثر وتستجيبوا إلى نداء العقل والتعقّل وتعطوا فرصة لأبواب الحكمة أن تُفتَح.. لقد استعملتم اسلبوكم الاستشهادي طوال سنوات وقد آن الأوان أن تفتحوا مسالكَ طريقٍ جديدة تؤدي إلى ما يريده شعب فلسطين المنكوب بوجود قادةٍ من أمثالكم.    

 

لقد دمر ياسر عرفات لبنان من أجل أن يصل إلى أرض ميعاده في فلسطين، وهذه كانت أكبر خدمةٍ قدمّها الوطن الصغير لقضيةٍ طالما اعتبرناها عادلة ووظفنا ذواتنا اللبنانية دفاعاً عنها، فبماذا سيضحي الجهاد وحماس ومن أجل الحصول على أيّ هدف؟ 

ثقوا أن لا ايران وممثليها ولا سوريا وحلفائها في وارد تنفيذ ما يعلنون "ولو بدها تشتي غيّمت".. فكما ساندت سوريا وايران حزب الله في مجابهة العدو عام 2006 وكان دمار لبنان هكذا تبدو مساندتها لكم اليوم... تدمير غـزة!  

 

ثقوا أن من وضعكم في هذا المغطس الدموي الرهيب لا يريد لكم خيراً فلو أراده لما تخلى عنكم عندَ أشد حاجتكم إليه.

 

إن الهمجية والوحشية التي يمارسها عدو الأمة على شعب غزة تعدت كافة مواصفات وقواميس اللغات وبات هذا العدو أشبة بذئابٍ كاسرة استطابت شرب دماء الابرياء فلماذا تستسيغوا تغذيتها برفضكم الوقوف بشرف مع نداء الأمم المتحدة وتفرضوا على العدو المستهتر تأليب دول الأرض ضده.. فلوا فعلتم لكنتم ساويتم جبروت أنفسكم بجبروته ولأَوجدتم لشجاعتكم مكانةً بين الشجعان.

 

أتريدون التشبّه بحزب الله الذي دفع ثمن انتصاره الإلهي أكثر من 1200 شهيد وأكثر من 3000 جريح عدى عن الخراب والدمار الذي أصاب لبنان كله، لكنه خسر مواقعه المتقدمة في جبهة الجنوب اللبناني وارتد محتلاً داخل الوطن.

 

ونحن نسأل: إلى أين ستنكفئون إذا ما أصرّ العالم على استلام مواقعكم ونشر قواتٍ دولية، ألا تعلمون أن في هذا يكون نهاية سلطةٍ تحلمون باستلامها؟ بل أين المفر من محاسبة شعب غزة لمغامرتكم القاتلة وهل يقبل شعب غزة بأن تكونوا فعلاً حكامه؟  

 

أوليس الأفضل لكم أن تأخذوا الأمثولة اللبنانية فتندفعوا إلى أحضان شعبكم الكبرى وتسلموا أمركم إلى قادته وقادتكم فتتعاونوا في استعادة المبادرة الدبلوماسية بعد أن طافت على برك الدماء البريئة؟

 

أيها القادة،

مرة أخرى نناشدكم أن تستيجيبوا، وأنتم في موقع التساوي، أقله أممياً، مع العدو الاسرائيلي وتقبلوا تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي.. تذكروا قبول كبريات دول العرب وقبولهم وقف إطلاق النار، وبشرف، أثناء حرب العام 1967.. لقد احترم العالم قادة العرب وتحولوا إلى حرب استنزاف أنهكت قوى جيوش العدو الاسرائيلي.

 

من المؤسف أن لا زال بعض الساسة يناور على استغلال دماء ابناء غزة تحت وتائر الشحن المتطرد ضد الدول العربية التي لا تستجيب لنداءات الحرب الغوغائية التي يطلقها دعاة الإستنجاد اللفظي الذي يزيد يوميا عدد الشهداء والجرحى.. والمخجل أن هؤلاء لا يحركون ساكناً تنفيذاً لما يطالبون غيرهم به.

 

لقد ملأ صراخ أبناء غزة أجواء العالم العربي والاسلامي كله وها هم قادة الممانعة يهرعون إلى الخطابات الجماهيرية يشيدون بنضال أبناء غزة – مجبر أخاكَ لا بطل – كما يقول المثل الغزّاوي المعروف.. فلماذا لم تبادر تلك الدول، دول الممانعة، سوريا وايران وغيرهما إلى إعلان الحرب على إسرائيل؟

 

نحو الف شهيد وخمسة الاف حريح، هي اعداد ضحايا حرب حماس في غزة.. والقتل مستمر..  فماذا بعد؟

هل يخرج دعاة الحرب في حماس وجهادها إلى العلن ويعلنون قبولهم مبادرة مصر السلامية دون تحفّظ فينقذوا أبناء مدينتهم وبالتالي قضيتهم برمتها من الضياع؟

 

سؤال يجيب عليه قادة حماس قبل فوات الأوان إلاّ إذا كانت الاتفاقات السرية بين ايران وسوريا وحليفهما، حزب الله، في لبنان قد باتت غير قابلة للنقض!

 

تحية كبرى مشفعة بأشد كلمة أسف ممكن أن تحتويها اللغة العربية نبعث بها من القلب إلى أبناء غزة آملين أن تأتي تضحياتهم بنتائج تعليمية تثقيفية بعيدة عن العاطفة الفوارة فوق برك الدماء المهراقة على أرضٍ لها تاريخ!

 

14 كانون الثاني 2009