ماذا يريدون من زحلة؟

بقلم/لاحظ حداد

 

زحلة، آخر معتقل للمسيحيين في الشرق، التي دافعت عن حياضها وكرامة شعبها ضد جحافل النظام السوري ومدافعه، وأذاقته ذلَّ الالتجاء إلى قادة الأمة العربية لإخراجه من ورطته العسكرية فيها..

 

البضع عشرات، من مقاتلي قوات الكتائب اللبنانية، الذين خرجوا، من زحلة حيث قادوا معركة أهلها الشرسة ضد الجيش السوري ومنعته من تحقيق حلم الدخول إليها فاتحاً، هؤلاء أدهشوا العالم أجمع وأثبتوا له أن الحق، حق الدفاع عن النفس،

 لا يسقط طالما وقف في وجهه مقاوم..

 

هذه هي زحلة التي يريدون اليوم تمزيقها وتشتيت أبناءها وفي ظنهم أنهم ، لعرين الأسود، يحتلون!

 

ما حصل في زحلة وأدى إلى استشهاد سليم عاصي ونصري ماروني وإلى جرح بضع شباب آخرين، يحمل وزرَهُ، ليس تكتل الجنرال المسيحي جداً، تكتل الإفساد والتدمير، الذي دأب على شحن بعض النفوس الضعيفة بالحقد والبغضاء، بل علينا الإقرار بأن سياسة الابتزاز العاطفي التي ما فتئ هذا الجنرال وأتباعه يتّبعون، هي السبب الأساسي التي مهّدت وسهّلت وصول الأمور إلى هذه الدرجة من العدائية بين أبناء المدينة الواحدة..

 

لسنا في وارد الشك بأن الذي حصل في احتفال الكتائب كان عن سابق قصد وتصور وتصميم ولم يستهدف شابين كتائبيين أو أكثر وأن من يقف وراءه كان محاولة اغتيال لشخصية كتائبية تنتج موجة قتال لا يعرف إلاّ الله مدى نتائجها على هذه المدينة المسيحية جداً.. لن يكسب مخططوها سوى تشتت جديد بين الفئات اللبنانية..

 

أجل، من راقب ويراقب ويسمع أو يشهد تواتر الخطاب السياسي الذي يحقن به نواب التكتل "الجنرالي" أذهان الناس ويستغل صبرهم ويدفع بهم إلى تنفيذ رغباته، عن بعض قناعة ربما لكن ليس عن اقتناع، يمكننا تشبيهه بنقطة الماء التي كان النازيزن يستعملونها في تعذيب سجنائهم حيث يُقيَّد السجين إلى كرسي تعلوه حاوية مياه تتساقط روتينياً على قمة رأسه فلا يلبث أن، إما أن يسقط صريعاً أو يقول ما يريده من المستنطقون..

 

هاكم مثالاً: النائب سليم عون، بابتسامةٍ صفراوية يناظر في نقاء سريرة جنراله ومشروعه التوحيدي للمسيحيين! ومن موقعه كنائب عن مدينة زحلة، يكيل التهم وينكأ الجروحات ويبذل كل ما لديه من استنتاجات تخريبية.. إنها عملية غسل دماغ كاملة برعَ في استعمالها جلاوزة االنظام السوري.. ولكن، هل هذا فعلاً ما يريده الجنرال في زحلة؟

مثالٌ آخر، النائب الزحلاوي، سليل أحد أعظم شرفاء هذه المدينة، نراه ونسمعه، على شاشات التلفزة، لا يمتلك الحس الزحلاوي الحقيقي الذي يجب أن يكون أورثه له والده.. فعوض أن نراه ينتفض مدافعاً عن أبناء مدينته الذين أرادوه وريث أبيه الشرعي، نراه ونسمعه يلجلج في تصرفه وكلامه مدافعاً عن نفسه نافياً علمه إلخ... وكأنّا به يعيش في دولة وليس في مدينة يعرف أبناؤها بعضهم البعض.. وعوض أن يتخلى عن كافة مطالبه السياسية، محقَّة أو غير محقَّة، ويعود إلى أبناء مدينته فيمنع شقاقهم ويلئم جراحهم ويرفض تدخل الخوارج عنها والطارئين إليها ويقف وقفة العز والكرامة التي اشتهر بها أبناء هذه المدينة التاريخية..

 

إن تراث زحلة وتقاليدها المسيحية الموروثة في صدورهم والتي سجلها تاريخها الناصع في الوقوف سداً منيعاً في وجه الغزاة والمرائين وكانت السبّاقة في الدفاع عن الوطن أمام موجات البرابرة والأتراك وغيرهم ولم ترهبهم افتعال الحرائق والتدمير التي تعرضت لهم مدينتهم..

 

زحلة، بوابة لبنان الشرقية والوجه المشرق في وجه الشمس، لم تكن يوماً ولن تكون مطية خيّالة المناصب والرئاسات على أنواعها.. زحلة هذه، التي واجهت الفرنسيين ورفضت الانفكاك عن الوطن، لن تقبل اليوم أن تصبح رديفة لموجات الارهاب الفكري التي يجهد رواد تكتل الإفساد والتدمير في جعلها ساحته..

زحلة التي أخرجت للبنان أئمة الفكر والابداع في السياسة وعمالقة الفن والثقافة، كانت وستبقى عروس البقاع وشعلة مضيئة في قلب لبنان ولن يتمكن جنرال صغير ما عجز عنه جنرال فرنسا وماريشالات النظام السوري..    

 

إننا لا نقدم التعزية إلى الكتائب اللبنانية بسقوط شهيدين عزيزين وحسب، فالكتائب كانت وستبقى أم الشهداء وأبيهم،

بل نحن نقدم التعزية إلى جميع أبناء زحلة ونشاركهم الحزن والفخار في تقديم شهدائهم في سبيل الوطن الأحب لبنان..

 

إلى السيد الياس سكاف، نقول تذكر أن زحلة ليست نيوزيلندا حيث يضيع المرؤ بين انتمائه وولائه بل أنت ابن مدينة أحبت أبيك من قبلك ومنحته كل الثقة، فلا يجوز لك التخلي عن هذه الثقة من أجل حفنةٍ من وعود لن تحظى بها إلاّ من أبناء مدينتك، وكل ما عداهاهو همٌ لا يُقاس بيوم أو مرحلة فلا تضيع ثقةً لن تحصل على أفضل منها قط والأفضل أن تعود إليها!

 

صانك الله لبنان

لاحظ حداد

21 نيسان 2008