مسـاءلة الحكـومة

لاحظ س. حداد

 

انتهت جلسات مجلس النواب لمساءلة الحكومة على أعمالها وتناوب نواب الأمة على الخطابة متهمين الحكومة بشتى أنواع التفصير وقد لاحظنا ما تضمنت أسئلة بعض النواب من الاستفزاز والسخرية المبطنة كما حفلت كلمات البعض الآخر الكثير من التلميحات بنيات غير سليمة..

 

في الجلسة الأخيرة، قام رئيس الحكومة السيد فؤاد السنيورة بتفنيد كل تلك الاتهامات التي كانت في مجملها تتناول أموراً بديهية تتعلق بمناطقهم الانتخابية ولكن عندما تطرّق إلى بعض الأمور المالية المتعلقة باستكمال الانتهاء من رفع أثـار العدوان الاسرائيلي، وجهد في شرح وتوضيح تفصيليين كيف وأين استُعملت الأموال التي قُدِّمت للبنان إن من الدول العربية وفي مقمتهم المملكة العربية السعودية أو غير دولة المانحة..

 

في شرحه وجد رئيس الحكومة نفسه مجبراً على سرد تفاصيل اضطراره الاستدانة بعض الأموال من المصرف المركزي بضمانة بعض الأموال الموهوبة من المملكة العربية السعودية، من أجل استئناف أعمال الترميم والتعمير الأمر التي استعمل نحو 95 % لانجاز ترميم الضاحية الجنوبية ومناطق الجنوب التي تضررت بالعدوان الاسرائيلي.. وكان ذلك بسبب اعتكاف مجلس النواب وتعطيل أعماله لمدة طويلة ما حال دون إصدار قوانين الاستدانة للحكومة.. وتبين في النتيجة أن الانتهاء من ملف المهجرين يتطلب نحو نصف مليار دولار...

 

لقد فهم الشعب اللبناني بكل وضوح أين ذهبت الأموال التي منحتها دول العالم إلى حكومة بلادهم لإنهاضها من أثار العدوان الاسرائيلي.. لكن مع الأسف، لم يفهم النواب الأشاوس الذين انصبَّ اهتمامُهم على انتقاد الحكومة على تهاونها في تحقيق مصالحهم المناطقية [الانتخابية] فلم يبادر أيّ منهم إلى التساؤل، ولو من باب رفع العتب، لماذا تُصرف أموالُ الشعب اللبناني وتتعطل مصالح البلاد ويُهجَّر أبناؤه بل لماذا كان العدوان الاسرائيلي أصلاً؟

 

اقتصر فهم النواب ورئيسهم أن رئيس الحكومة أعاد التذكير بأن سبب هذه المديونية الجديدة كان جرّاء تعطيل مجلسهم الموقر وليس بسبب تقصير حكومته فانبرى رئيس المجلس إلى تذكير رئيس الحكومة بأن حكومته كانت غير شرعية.. كأنّا برئيس المجلس ومن حضر من النواب أن التضحية بأموال الناس ومصالحهم هي دون مصالحهم السياسية..

 

عجباً لنوابٍ تأسرهم السياسة فيتناسوا، في لحظة، مصالح الأمة! 

 

ألم يتساءل المتسائلون، من نواب المعارضة أو الموالاة، لماذا يدفع اللبنانيون، الذين يتدافعون للدفاع عن مصالحهم، فاتورة لم يتسلموا من محتوياتها سوى الأذى الذي يطالبون اليوم برفعه عنهم؟

 

لم يحتجّ أيٌّ منهم على صرف الأموال على الضاحية والجنوب قبل الانتهاء من ملف المهجرين أو أقله بالتساوي معهما.. أوليس المهجرين هم متضررون جرّاء الحروب التي سبقت الحرب الأخيرة؟ 

 

فلماذا لم يتجرأ أحد من النواب الأكارم بالهجوم ومحاسبة الحكومة على هدر أموال مواطنيهم/منتخبيهم على من لا يستحق سوى السجن والاعدام جرّاء جر البلاد، كل البلاد، إلى حرب دمرتها وأحالت شعب لبنان وحكومته إلى متسولين في العالم.. أم أنه الخوف على أنفسهم من خسارة شوارعهم الانتخابية أم رعب تهديدٍ مبطن من العودة إلى قبضة العنف والاغتيالات؟ أم ان المهجرين أقل مواطنية من أبناء الضاحية والجنوب فإن كان الأخيرون قد دمرت منازلهم من قبل إسرائيل فإن المهجرين قد طرضوا من منازلهم ليحتلها شركاؤهم في الوطن فمن أولى بالغيث من ذوي القربى؟

 

أحدٌ من هؤلاء لم يتجرّء على مصارحة وزراء المعارضة في الحكومة بأن أسباب وجودهم أساساً في هذه الحكومة كان تغطية لهدر أموال الدولة على محازبيهم وجماعاتهم وما جرّه زعمائهم عليهم من خراب ودمار فيأتون اليوم لمحاسبة الحكومة، حكومتهم، عن بقايا من هبات العالم لهم لم تدفع بعد؟

تعساً لهكذا حكومة لا تجرء إلاّ على البؤساء من أبناء شعبها، وتستجير على النار بالرمضاء، في سبيل بقائها..

تعساً لهكذا نواب لا تهمهم سوى مصالحهم الانتخابية، فيتنازلوا عن حقوق ناخبيهم في سبيل بقائهم في مراكزهم..

وسحقاً لشعبٍ لا يعرف كيف يأخذ حقه بيده، فيرفض إعادة انتخاب هكذا نواب تملّكَ الرعب أفئدتهم وفقدوا كلّ مبرر لوجودهم تحت قبة البرلمان.. 

 

إننا ندعو شعب لبنان الأبي، بكل فئاته وطوائفه، إلى إعادة النظر في انتخاب هؤلاء النواب ومحاسبتهم على تقصيرهم ليس في حقهم كشعب يريد الحياة بل تخاذلهم أمام هجمات البدع والعنجهيات وتهديد الضعفاء المستنصرين بالغير على أمتهم ووطنهم..  

 

الفرصة متاحة لرجم المتخاذلين عن الحق وطرد المترددين في قوله..

 

أرفضوا كلَّ من باعكم واشترى سلامته وكلَّ من استغلّ طيبتكم وتاجر باصواتكم ولا تغرنكم ترهاتهم وبربسبيراتهم فكل ما طرحوه عليكم أثبت كذبهم ونفاقهم.. وإذا ما أعدتموهم إلى مواقعهم لن تتوقعوا بطولاتهم ومن جربَّ المجرّب كان عقله مخرّب، فهل باتت عقولكم مخربة؟   

 

ألم تكتفوا مهاترات وفذلكات واستغباءات وعنتريات وتحالفات لم تجر عليكم سوى الويل والشح والفاقة.. ألم تتقزز أنفسكم بعد من ريائهم وخداعهم و"الضحك على الذقون" ؟

 

أثبتوا للعالم وللبنان أن عنفوانكم قد صقلته التجارب والحروب ولن ترضوا بالعودة إلى أيام الخنوع السوري أو القبول بذل مَن يتربّصُ بكم فهؤلاء وأولئك لا يتأبطوا إلاّ الشرّ لكم والضر بوطنكم.. فهل تفعلون؟

 

صانك الله لبنان 

لاحظ س. حداد

20 كانون الأول/2008