هل لبنان لـ"حزب الله" أم هو للبنان؟

بقلم المحامي عبد الحميد الأحدب

خطاب السيد حسن نصرالله عن الـ 12 الف صاروخ التي يملكها "حزب الله" ويغطي مداها شمال اسرائيل والتي ستنزل الاسرائيليين الى الملاجىء، هذا الخطاب يفرح قلوبا عربية، خصوصا وان عقولا عربية كانت منذ ثلاث سنوات تحتفل في شوارع بغداد، بعد هزيمة صدام حسين الاولى وقبل سقوطه، بتظاهرات تهتف للانتصارات التي حققتها أم المعارك؟ هذه العقول ما زالت تحنّ لسماع الخطاب الذي سمعه العرب قبل حرب الايام الستة سنة 1967، والذي كان يلوح بـ"الظافر" و"القاهر" وبالقاء اليهود في البحر، فاذا العرب منذ سنة 1967 يسجلون التنازلات بعد التنازلات التي رضي القتيل بها وليس يرضى القاتل! فالعقل العربي لا يزال يخاف الحقائق فيلجأ الى السحر وقراءة فناجين القهوة!

من حقنا ان نطرح على السيد حسن نصرالله السؤال الذي أخذ يدوي هذه الايام في سماء لبنان: الى أين يأخذنا "حزب الله"؟ وماذا سيفعل بنا؟ ومن حقنا ان نسأل: هل لبنان لـ"حزب الله" ام ان "حزب الله" للبنان؟ لأن 12 الف صاروخ يغطي مداها شمال اسرائيل كانت ستفرح القلوب لو كان الامر ينتهي عند هذا الحد، ولكن، حتى لا تتكرر حكاية الـ67، صار من حقنا ان نقطع اجازة العقل العربي ونسأل: وماذا بعد ذلك؟ فقد صفق كثيرون في الصالونات المكيفة لكلام السيد حسن نصرالله كأنه فيلم بوليسي يشاهدونه على التلفزيون ثم ينسونه وينامون!

ولكن اذا ضُربت اسرائيل بـ12 الف صاروخ، هل ستقف مكتوفة ام انها سترد؟

واذا ردت – كما حصل مرارا وتكرارا – فان ضربة الصواريخ القوية ستستدعي ردا قويا كذلك وفقا لمنطق الحرب، ولا يحتاج الامر الى كثير من التحليل والبحث والتدقيق لادراك أن أسهل رد واسرع رد سيكون بضرب المنشآت المدنية اللبنانية التي هي عصب حياة لبنان: الكهرباء، الماء، الهاتف، الجسور، وخزانات النفط الخ...

ولكن هذه الصواريخ لن تحسم أمر الحرب، فاسرائيل أقوى من 12 الف صاروخ ولو كان "الظافر" و"القاهر" والمتظاهرين ايام صدام حسين بانتصارات أم المعارك، ولو كان هذا العقل سيقول انها ستدمر اسرائيل... يجب ان نستوقف الخطاب العاطفي للقول: لا. فنحن لا نريد ان يموت اولادنا مرة اخرى ولا ان يتكرر حزيران الـ67 مرة اخرى!

اذا كان في نية "حزب الله" ان يستعمل الـ12 الف صاروخ على شمال اسرائيل لإنزال الاسرائيليين الى الملاجىء فلن تبقى حينئذ وبعد الرد الاسرائيلي عصمة لأحد، ولن تعود هناك أشياء تقال وأشياء لا تقال، ولا أصنام غير قابلة للرجم.

ماذا عن لبنان اذا دمرت كل منشآته المدنية التي هي عصب حياته، ولا سيما في هذه الظروف الصعبة اقتصاديا واجتماعيا، التي يمر بها لبنان؟ ماذا سيبقى منه؟ ولمن سيشكو أمره؟ ومن يساعده على النهوض حينئذ؟ ولماذا يضحى بلبنان اليوم وهو بالكاد يقف على رجليه؟ هل من اجل التحرير؟ لم يبق محتلا من لبنان سوى مزارع شبعا اذا ثبت انها لبنانية، وانها ليست سوى مجرد مسمار جحا، فلماذا هذه المناورات السياسية السورية على مزارع شبعا؟

المجتمع الدولي ما زال يقدم عروضا لحل مشكلة مزارع شبعا، و"حزب الله" يعارض وسوريا تعرقل وتشغل نفسها بحربها مع اسرائيل في التلفزيون والاذاعة؟ اذا كانت الصواريخ من أجل شبعا فالمجتمع الدولي لن يلتفت الينا! واذا كانت لتحرير فلسطين فالعرب والفلسطينيون في غير هذا الوارد. لقد انكشف المسرح كله، وتعرى الممثلون كلهم وصار في وسع المواطن ان يصرخ وهو في الشارع ليقول: لا!

لهذا نريد ان نعرف الى أين يأخذنا "حزب الله"؟ ثورة الارز التي هزت العالم منذ سنة يجري تحويلها هذه الايام من ثورة الحرية والسيادة والاستقلال الى صراع بين حلف اميركي فرنسي (؟) ضد حلف سوري ايراني، وتجري استعادة أيام حلف بغداد سنة 1958 والانتصارات علف حلف بغداد! لتكون الاطار والشعار السياسي للهجمة المضادة على حرية لبنان واستقلاله.

لتنشيط الذاكرة فلنتذكر انه بعد حلف بغداد، حصلت اشياء كثيرة في العالم العربي. يبدو ان "الظافر" و"القاهر" و"حزب الله" لم يأخذوا علما بها. الكاتب السوري محمد الماغوط الذي رحل عنا منذ شهرين وهو في الاقامة الجبرية كما سائر الكتاب الاحرار في سوريا، وتلقى التعازي به المسؤولون في سوريا، من كل الزعماء والمثقفين والحكام العرب سواء الذين حضروا مؤتمر الخرطوم ام الذين لم يحضروه بدون أي حياء، محمد الماغوط هو الذي كتب للذين تظاهروا في شوارع بغداد لتحية انتصارات أم المعارك و"للظافر" و"القاهر" متمردا على عصر الزنى العربي الذي لا يريد الحاكم الكلمة رفيقة او شريكة او زوجة، انما يريدها خادمة تغسل له اصابع رجليه، الى هذا العصر كتب محمد الماغوط كتابا عنوانه "سأخون وطني" وفيه يسأل "ماذا فعل المواطن العربي لحكامه خلال الثلاثين سنة حتى يعامل هذه المعاملة؟ أعطاهم سبع دول عام 1949 لتوحيدها، فأعطوه بعد ثلاثين سنة 22 دولة لا يستطيع 22 بسمارك أن يوحد أنظمة السير فيها... ومنذ ثلاثين سنة ايضا أعطاهم قضية ظريفة خفيفة كالفلة، تتمنى معظم الدول والشعوب في ذلك الحين ان يكون عندها قضية مثلها. وهي قضية فلسطين.

فأعطوه بالاضافة اليها: قضية فرج الله الحلو وقضية البرزاني وقضية بن بركة وقضية عبد الحكيم عامر وقضية برلنتي عبد الحميد وقضية خزانة عبد الناصر وقضية موسى الصدر وقضية كمال جنبلاط..." الخ... والى ما قاله الماغوط نضيف ان العالم العربي بعد خمسين عاما على حلف بغداد لم يعد فيه عبد الناصر "ولاءات" الخرطوم الثلاثة اصبحت ثلاثين الف "نعم"، والدول العربية كما الفلسطينيون صالحوا اسرائيل منهم من صالحها في احتفال علني ومنهم من صالحها سرا بدون احتفالات.

وبعد حلف بغداد، اعلنت الحرب العالمية الثالثة في 11 ايلول سنة 2001 بين الارهاب الديني الانتحاري وبين العالم، كما ان الحرب الباردة انتهت منذ زمان!! وان... وان... الـ 12 الف صاروخ التي يعدها "حزب الله" لإنزال الاسرائيليين الى الملاجئ في شمال اسرائيل ليست لتحرير لبنان، وانما للرد على ضرب ايران النووية اذا ضربت، او لاغراض تتعلق بالحلف السوري – الايراني. ولعل احتفال "حزب الله" بعيد التحرير هذه السنة الذي جاء باردا مصقعا مذهبيا ولم يعد ملتهبا بالنار الوطنية اللبنانية جامعا كل الطوائف، لقد كانت عيون الناس هذه السنة، المرايا العاكسة التي رأت في "حزب الله" صورة ايرانية سورية بشعة ليست له وليس فيها اي ظلال لبنانية!

خلال نصف قرن بعد حلف بغداد، نشأ في العالم العربي نوعان من الاوطان، الاوطان المزورة والاوطان الحقيقية.

الاوطان المزورة هي اوطان ليس فيها سوى المخابرات والطغيان والذل والكذب و"الظافر" و"القاهر" وانتصارات ام المعارك ومذابح في المساجد والمستشفيات وفيها 12 الف صاروخ موجه شمال اسرائيل لانزال الاسرائيليين الى الملاجئ وفيها حرب شرسة على اسرائيل في الاذاعات والتلفزيون، اما الاوطان الحقيقية فهي اوطان الحياة الآمنة التي يسودها الفرح وترفع الحرية رأسها فيها وكرامة الانسان، هي اوطان تجري من تحتها الانهار ليست فيها صحارى تتوضأ بالكاز والمازوت ولا يتوضأ رجالها بدم مواطنيها ولا بدم الكفر.

لقد بدأ "حزب الله" مسيرته في التحرير وقد التفت حوله القلوب وساندته العقول لتحرير الوطن الحقيقي، اما اليوم وهو يلوح بسلاحه ساعة ضد الداخل كما حصل بعد الخرطوم، وساعة ضد اسرائيل لانزال الاسرائيليين الى الملاجئ في اطار استراتيجية ايرانية سورية لا تعير اي اهتمام لمصلحة لبنان وامنه ومستقبله وسعادة ابنائه، اليوم يضيف "حزب الله" الى الاوطان العربية المزورة وطنا آخر، مزورا كل يوم تقدم فيه مسرحيات مذكرات الجلب التي هي اكبر هرطقة قانونية في التاريخ. من حق الانسان ان يصرخ في وجه هذه المذكرات انها مذكرات وصلت الى حد الهمجية، فالانسان لا يصرخ عادة الى حين تكون مسألة الجرح اكبر من مساحة الطعنة. الوطن المزور هذا الذي يقتل فيه الاحرار ولا يعين حتى محققين في الجرائم الخ... كل يوم يتقدم الوطن المزور ويتراجع الوطن الحقيقي الذي اطل على لبنان والعالم في 14 آذار منذ سنة، لقد آن أوان طرح السؤال: هل لبنان لـ"حزب الله" ام ان "حزب الله" للبنان؟

ما اصعب وضع لبنان وظروفه هذه الايام! من جهة سوريا تغلق المرور كل يوم وترسل الفلسطينيين الذين بشهامتهم حرروا فلسطين من جونية وعيون السيمان في يوم من الايام، ومن جهة اخرى فان اسرائيل تدلي بدلوها، فلا يكاد وفد من 14 اذار يذهب الى اميركا لتكريم سفير الولايات المتحدة في ا لامم المتحدة جون بولتون تحت ضغط اميركي، وليس من المصلحة ان تتأزم العلاقة مع اميركا في هـذه الظروف، حمل الوفد هذه المهمة المرة الى اميركا وهو يتوقع الابواق السورية في لبنان تنطلق لاتهام السفير الاميركي بولتون بالعمالة لاسرائيل الخ... كما هي معزوفة المخابرات منذ نصف قرن، اذا بالمجتمع السياسي اللبناني والعربي يفاجأ ببيان صادر عن اسرائيل ذاتها هذه المرة تؤكد فيه "انها تتعامل مع (بولتون) على اساس انه احد اعضاء بعثتها" واغدقت عليه الثناء والاطراء، واختارت الزمن الذي كانت فيه قوى الحرية والاستقلال تكرمه فيه. اليس لذلك معنى؟ واي معنى؟ لماذا حشرت اسرائيل نفسها في هذا الوقت بالذات في امر الثناء على بولتون؟ اليس من اجل اضعاف القوى الوطنية المعارضة للوصاية السورية؟ الا يدعو ذلك ذوي الالباب الى قليل من التفكير؟

لبنان بين الشقيق الذي يذبحه كل يوم والعدو الذي يسعى بكل الطرق الى زرع الفرقة بين ابنائه لتندلع الحرب الاهلية فيه ولا يكون له نصير ام معين من الدول الكبرى. لبنان الاستقلال هذا معذب مرتين!

فكل دول العالم اخذت استقلالها بأصعب الظروف وانتزعته من دولة واحدة، اما لبنان فمحكوم ان ينتزعه من دولتين إثنتين. واستقلال لبنان لا يستطيع ان ينتظر سوريا البعث واسرائيل الحقد والعنصرية، لا يستطيع ان ينتظرهما الف سنة ضوئية حتى يتفاهم معهما، فلا احد يدري اذا كنا بعد عشرين الف سنة سيجلس الاستقلال والسيادة على عرشهما ام اننا سنجدهما في الصيدليات على شكل حبوب منومة.

لقد آن اوان طرح سؤال على"حزب الله" وانصاره ولا سيما اميل لحود في رئاسته غير الشرعية: هل يحق لحزب او ميليشيا كان لها مقامها عند التحرير من اسرائيل وتريد ان تكون اليوم جسرا لاستعادة سوريا وصايتها على لبنان. هل من حق "حزب الله" ان ينفرد وحده بقرار الحرب ونتائجه الخطيرة على مصير حياة الامة اللبنانية والشعب اللبناني ام ان هذه مسؤولية الدولة والحكومة التي انتخبها الشعب اللبناني؟ السيادة دائما عذراء، اما ان تخرج ناصعة البياض واما ان تعهر، والحكومة المنتخبة هي وحدها المسؤولة عن اعادة استقلال لبنان الى شبابه وجعله مدللا في المنزل العربي. ان الامم العظيمة هي عاشقة السيادة فاذا كان العشق كبيرا كبرت الامة وان كان عشقها صغيرا... صغرت الامة!