"لجان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" هل تمهّد للكونفديراليات؟

بقلم داليا عبيد – النهار 25 تموز 2005

نهار الاثنين 10/7/2005، قرأتُ خبراً في جريدة "السفير" أثار تساؤلات العديد من اللبنانيين، مفاده انه خلال إنعقاد اللقاء العلمائي الاول في بلدة دردغيا الجنوبية، دعا القسم الثقافي في "حزب الله" "الى تأليف لجان في كل البلدات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشمولها اشكال المجتمع وتنوعاته للتنديد بظواهر الفساد المتفشية".

عند قراءته، اعتقدت ان هذا الخبر صدر في إيران أو في السعودية (المطاوعة) تحت مظلة الحكم الاسلامي السائد في هذين البلدين، لكنني تحققتُ ثانية وتأكدت من صدور القرار في عمق الجنوب اللبناني.

فلم أستغرب عندما استحضرت ممارسات بعض المناصرين وبعض عناصر "حزب الله" في البلدات الجنوبية خلال فترات سابقة:

ففي العام الماضي أرادت وزارة الشؤون الإجتماعية إقامة مخيّمها الانمائي السنوي في بلدة الريحان (قضاء جزين) مما أثار حفيظة "حزب الله" الموجود في البلدة وتم عرقلة اقامة المخيم بحجة الاختلاط بين الجنسين الذي يؤدي الى الفلتان الاخلاقي! فانتقل المخيم من الريحان الى بلدة واقعة في المحيط المسيحي لقضاء جزين.

وهذه نقطة في بحر الممارسات: من منع الاحتفالات في بعض قرى الشريط الحدودي (حولا، عيترون) عقب التحرير عام 2000 الى رمي قنابل صوتية في محيط نادي الشقيف في النبطية  أثناء المهرجانات والحفلات، يعزز "حزب الله" ثقافة العنف ضد ما يسميه الفلتان الأخلاقي ويحظر الفرح على منطقة رزحت زمناً طويلا تحت رحمة القنابل والصواريخ الاسرائيلية.

ويأتي هذا القرار معززاً سجل "حزب الله" الأخلاقي ليطرح أسئلة عديدة تثير قلقنا:

-- ما مدى إرتباطه بتأثير الانتخابات الإيرانية ووصول أكبر المحافظين وأحد رموز الثورة الايرانية "محمود أحمدي نجادي" الى سدة الرئاسة؟ وقد وعد هذا الأخير، الجماهير بأن يعمّ صدى الثورة الاسلامية كل أنحاء العالم.

-- ما هو دور "حزب الله" في لبنان بعد تحرير الجنوب والوصول لاحقاً الى اتفاق "داخلي" لنزع السلاح وتحديد شكل لمقاومة الاعتداءات الاسرائيلية في المستقبل؟

--  هل يكتفي الحزب بالمشاركة في الحياة السياسية كحزب لبناني منظّم؟ أم يريد التوسع وصولا الى فرض نمط من الحياة على المجتمع الجنوبي بالتحديد، محاولة منه لبسط نفوذه على البلدات الشيعية؟

--  هل يجدد "حزب الله"، بقيادته الحالة "المعتدلة نسبياً"، حلم حقبة صبحي الطفيلي لبناء دولة اسلامية على أرض لبنان، بدءاً بالسيطرة على الجنوب اللبناني؟

يدعونا هذا القرار  الى التساؤل عن الجهة التي ستؤدي لاحقا دور السلطة، والقضاء ودور علماء النفس والاجتماع: الدولة اللبنانية وهيئات المجتمع المدني أم "لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟"

هل تصبح هذه الظاهرة مبرراً لانتشار الجزر الدينية – الطائفية ويتهيأ الجو فعلياً لقيام كونفديراليات للطوائف على الطريقة السويسرية كما يتصوّر بعض "عناصر القوات اللبنانية"، مستقبل لبنان؟

وهكذا، يُختزل تشكيل الحكومات المستقبلية في حل العقد المارونية والسنية والدرزية والشيعية، ويتحول وطننا العزيز لبنان الى واقع يجسد إمارات الطوائف في الشرق الاوسط الكبير.