نقاش داخل حزب الله بين اللبنانية والإيرانية

 الشراع - 2006 / 9 / 22

 نقاش في العمق يدور داخل صفوف قيادات حزب الله حول طبيعة مسؤوليات حزب المقاومة في مرحلة ما بعد أشرس وأشرف معارك عسكرية خاضها المقاومون شعبياً في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني.

النقاش شبه الصامت يندرج تحت مسميين اثنين يدلان على طبيعته ومنحاه وهدف كل منهما:

المسمى الأول: إيرانية وفارسية حزب الله.

والمسمى الثاني: عروبة ولبنانية حزب الله.

الذين يرون ان الحزب هو إيراني الهوى والانتماء هم الأكثرية داخل الحزب حتى الآن، فهم يستندون في هذا الولاء إلى عوامل متعددة يبدو لها الغلبة في التفكير وفي المعتقد وفي السلوك وفي الحالة الموضوعية للحزب نفسه واقعاً وعلى الأرض. العامل الأول: هو اللحظة التاريخية في نشأة الحزب، استجابة لدعوة الإمام الخميني وهو مؤسس الجمهورية الإسلامية الحالية لأول مرة في التاريخ الشيعي استناداً إلى ولاية الفقيه وهو واضع كتاب الحكومة الإسلامية التي تستمد سلطاتها من نائب الإمام المهدي المنتظر، أي من الإمام الخميني نفسه ومن يخلفه في موقع الولي الفقيه أو المرشد الأعلى (الآن علي خامنئي). لم يكن قد مضى أكثر من عام على تسلمه السلطة يوم 10/2/1979 حتى أعلن الإمام الخميني يوم القدس في 27 رمضان، ليطلق فيه حتمية تحرير فلسطين عبر تشكيل جيش باسم جيش القدس الذي يضم 20 مليون مقاتل يزحفون من إيران عبر العراق وسوريا ولبنان حتى فلسطين. كان هذا الجيش هو اللبنة الأولى في الحرب العراقية – الإيرانية، لأن تحرير القدس في نظر الخميني كان يمر حتماً عبر إسقاط نظام الرئيس (الأسير) صدام حسين..

 

كان العراق حاجزاً أمام طموح الخميني، وكان هناك استحالة بمرور جيش القدس عبر تركيا العضو في الحلف الأطلسي، فكان لا بد من بديل وهو قوى شيعية مدعومة من إيران للقتال ضد إسرائيل، وقد كلف الإمام الخميني سفير إيران في دمشق يومها علي محتشمي بهذه المهمة فأسس الأخير حزب الله على هذه القاعدة.

كانت توصية الإمام الخميني أن يصبح هذا الحزب جزءاً من النظام الثوري الإيراني له ما لنا وعليه ما علينا، يقاتل معنا ونقاتل معه.. وهكذا قاتل حزب الله في بداياته مع الحرس الثوري الإيراني ضد ثوار عربستان وهي أراضٍ عربية تحتلها إيران في جنوبي غرب البلاد، وقاتل حزب الله مع الحرس الثوري ضد العراق خلال حرب الثماني سنوات (1980 – 1988).

العامل الثاني: ثقافة حزب الله أصبحت جزءاً من ثقافة الحرس الثوري الإيراني الذي يتلقى دروسه الدينية من موجهين دينيين مؤمنين بخط ولاية الفقيه السياسي، وتقليده دينياً ورفض تقليد أي مرجع آخر بل ومحاربته إلا إذا كان على خط الإمام الخميني.

لم يكن هناك من مشكلة أول الأمر بوجود الإمام الخميني الذي قلده كثيرون في إيران كما قلدوا المرجع الآخر شريعتمداري خاصة في أذربيجان وكما قلدوا المرعشي النجفي، والإمام الخوئي والإمام كلبيكاني والشيرازي وغيرهم في العراق. قلد حزب الله الإمام الخميني.. وان كان كثيرون من أعضائه قلدوا السيد محمد حسين فضل الله في لبنان، حتى اعتبر كثيرون ان السيد هو المرشد الروحي للحزب في لبنان طيلة مرحلة الثمانينات من القرن الماضي. فلما رحل الخميني كان مستحيلاً تقليد خليفته السياسي الذي دفع به إلى الأمام رئيس جمهورية إيران السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني حيث لا تتوافر شروط المرجعية أو الاجتهاد في خامنئي، فرفض الإيرانيون تقليده، واصطنع النظام الإيراني بدعة تقليد الخارج دون تقليد الداخل، أي ان الإيرانيين لا يقلدون خامنئي لأنه غير مؤهل بينما يقلده الخارج (أي الصف الثاني) فقلده حزب الله وبات له وكلاء من أطر الحزب بينهم الأمين العام السيد حسن نصرالله (سياسياً) وعضو شورى الحزب الشيخ محمد يزبك (شرعياً).

وعندما قررت الاستخبارات الإيرانية منع تقليد أي مرجع عربي ألزمت حزب الله بإصدار تعميم بفصل أي عضو في الحزب يقلد السيد فضل الله، وبالتالي حرمانه من الراتب ومنح التعليم والطبابة وزيارات السيدة زينب والمراقد في إيران والعراق.. فانضبط كثيرون داخل الحزب ومن تمسك بمرجعية السيد فضل الله فصل من الحزب وخسر كل امتيازاته.

العامل الثالث: هو الإفادة من التطبيق الحرفي لمقولة الحرس الثوري ((ان حزب الله منا له ما لنا وعليه ما علينا)) استناداً إلى أساسية ان حزب الله جزء من النظام الثوري الإيراني. ومثلما يتمتع عناصر الحرس الثوري الإيراني بميزات لا حصر لها داخل مؤسسته التي فاقت ميزانيتها ميزانية الجيش الإيراني وبات يملك كل أنواع الأسلحة التي قد لا يملك الجيش الإيراني منها، لأن عناصر الحرس منتقون ولا يدخلون دون امتحانات فقهية وإعداد ديني ونفسي وجهادي، مسبق، بينما يدخل عنصر الجيش وحدته حيث يخضع داخلها لاحقاً للإعداد والتوجيه.

ولأن ولاء الحرس الثوري مضمون للولي الفقيه ويتلقى أوامره منه عبر مؤسسات تخضع لسيطرة خامنئي فإن حزب الله نفسه في لبنان يخضع للولي الفقيه الإيراني، ويتلقى أوامره من خامنئي عبر وكلائه وأولهم اليوم الأمين العام السيد حسن نصرالله.. ومثلما لمؤسسات الدولة الإيرانية استخباراتها، فإن للولي الفقيه استخباراته الخاصة عبر الحرس الثوري وغيره، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الميزانية، حيث يسيطر الخامنئي على ميزانية هائلة تحت عنوان مصاريف الدعوة والجهاد من النفط الإيراني ومن الخمس الذي لا يمر عبر ميزانية الدولة الإيرانية، وهنا يمكن لحزب الله أن يتلقى جزءاً كبيراً من هذه الأموال ويستطيع أن يقول انه لا يتلقاها من الدولة الإيرانية.. وهذا صحيح، حيث ان خامنئي يعتبر نفسه فوق الدولة، فضلاً عن انه يتلقى أموالاً من أثرياء ويحصل على الخمس بطرق مختلفة منها وكلاؤه الذين يحصون أموال الناس ويفرضون عليهم الخمس، ومنه يأتي جزء أساسي من تمويل حزب الله (وغيره من المجموعات سواء في لبنان أو خارجه).

العامل الرابع: بناء على ما تقدم دخلت المؤسسة العسكرية والأمنية في حزب الله في نسيج الحرس الثوري الإيراني، فبات التدريب والتأهيل والتسليح في إيران، مثلما بات تمويل المؤسسات التربوية والإعلامية والثقافية والدينية والتعليمية والحوزات الدينية والمجمعات الاستهلاكية والتعاونيات الزراعية في لبنان التي أسسها حزب الله كلها من إيران، سواء عبر الحرس الثوري مباشرة وميزانيته التي لا تخضع لميزانية الدولة الإيرانية أو عبر ((تبرعات)) محسومة من ((فريضة)) الخمس عند الشيعة. بناء عليه لم يعد في لبنان عنصر مهما كانت رتبته بسيطة أو إطار مهما كانت رتبته عالية إلا ويتلقى راتبه وأعطياته ومنحه الدراسية والطبية وزياراته للمراقد وغيرها من ميزانية الحرس الثوري الإيراني، وقد بلغت الأموال التي كان يتلقاها حزب الله قبل 12/7/2006 نحو 300 مليون دولار سنوياً تصرف في الرواتب والاعطيات والمؤسسات التي أنشأها الحزب أما بعد حرب تموز/يوليو 2006 فإن هذه الميزانية شهدت نقلة نوعية تمثلت بدفع مئات ملايين الدولارات للحزب حمل بعضها نقداً رجال استخبارات ايرانية جاؤوا عبر سوريا تحت اسماء وفود او شخصيات ايرانية – فضلاً عن حسابات مصرفية مغطاة في مصارف لبنانية سواء في سوريا او في لبنان..

العامل الخامس: مع الاخذ في الاعتبار المسألة الاسلامية في مواجهة اسرائيل، والمسألة الوطنية في الدفاع عن ارض الجنوب فإن قرار خطف الجنديين الصهيونيين قامت به خلية في حزب الله تخضع مباشرة لأوامر جهات استخباراتية تابعة لايران مباشرة مرتبطة بعماد مغنية أحد أهم الاطر والقيادات الامنية التي تستند اليها ايران سواء في لبنان او الخارج. لم يكن في امر خطف الاسيرين الصهيونيين أي تمرد او خروج على قرارات القيادة اللبنانية لحزب الله، لأن الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله كان يغطي هذه المسألة بالحديث المتكرر سابقاً عن خطة وحق الحزب في خطف جندي او اكثر من جنود العدو بهدف الضغط عليه لتحرير الاسرى اللبنانيين!

ثم ان طبيعة حركة الحزب الحرة داخل المواقع المتقدمة في الصفوف الامامية لمواجهة العدو كانت تقضي بسرعة التنفيذ عند توافر الفرصة دون انتظار تعليمات القيادة. وجاءت عملية الاسر لتضع الجميع امام الاحتمالين او الفرضيتين التاليتين:

الفرضية الاولى: التي قالها السيد نصر الله خلال الحرب بأنها جاءت استباقاً لعملية عسكرية صهيونية كانت ستتم في ايلول/سبتمبر او تشرين اول/اكتوبر 2006 وقد اعترف السيد نصر الله في حديث مرئي بعد الحرب بأنه فوجىء وأنه لم يكن ينتظر رد الفعل الصهيوني، وأنه لو كان يدرك رد الفعل هذا لما كان اقدم لأسباب اخلاقية وعسكرية وسياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية..

وهذا الاعتراف بالمفاجأة يلغي قول نصر الله بأن العملية جاءت استباقية.

 

الفرضية الثانية: ان ايران ارادت من هذه العملية نثر غبار كثيف وضباب يحجب البصر عن ملفها النووي حيث كانت الحرب الطويلة ستشغل العالم عن مشروعها للتخصيب النووي وصولاً الى امتلاكها قنبلة ذرية تضع العالم والعرب امام امر واقع جديد يعطيها فرصة التمدد الميداني من العراق الى لبنان عبر سوريا وتبعية نظامها لها.

وهذا يعني ان خطف الجنديين هو عملية استباقية من جانب ايران نفسها.

غير ان الفرضية الايرانية تبقى هي الغالبة اذا اضفنا لمسألة الملف النووي مسألة لا تقل اهمية عنه في الحسابات الاستراتيجية الايرانية وهي ضمان قضم العراق قطعة قطعة والغائه كوطن وكمجتمع وكدولة.. وقد قطعت ايران مسافة كبيرة في هذا المشروع بعد ان دخلت الحرب المذهبية مرحلة التنفيذ وصولاً الى فرض الفدراليات المذهبية حيث يصبح الجنوب والوسط العراقي تحت السيطرة الكاملة للميليشيات التي تعتبرها ايران ايضاً جزءاً من نسيج الحرس الثوري الايراني، خاصة ميليشيا منظمة بدر التابعة للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية التي يقودها عمار ابن عبد العزيز الحكيم، حيث يعتبره العراقيون ايرانياً فارسياً اكثر من الفرس انفسهم.

عبد العزيز الحكيم يستند في دعوته السياسية الى ركنين ثابتين:

الركن الاول: هو دفع 100 مليار دولار لايران تعويضاً عن الحرب التي خاضتها ضد بلاده العراق خلال ثماني سنوات.

الركن الثاني: هو تفتيت العراق الى فدراليات يكون للشيعة فيها الاغلبية الساحقة، خاصة اذا ما اعتبرنا ان جزءاً اساسياً ومساحة جغرافية كبيرة من العراق يقيم فيها الأكراد فدراليتهم وهي دولة كاملة الاوصاف لكنها حتى الآن غير معلنة. اما جيش المهدي فقد اخترقته الاستخبارات الايرانية وعاثت فيه توجيهاً نحو عمليات قتل وخطف وتعذيب ورمي جثث في انحاء مختلفة من بغداد لأنها تعتبر ان معركتها الكبرى هي في هذه العاصمة مستعيدة دعوة فارسية لاعتبار بغداد مدينة فارسية مسترجعة اسمها الفارسي القديم مغ داد أي عطية الله.

ونحن نقف كثيراً ودائماً امام السلوك والاستراتيجية الايرانية في العراق محذرين من تطبيق هذا النموذج الفارسي البغيض في العراق على لبنان نفسه منطلقين من كل ما سبق الى الحديث عما حدث او استنتاجات ما بعد حرب تموز/يوليو 2006.

العامل السادس: في خطاب حزب الله وثقافته وإعلامه وكتاباته ومهرجاناته وحساباته انه انتصر في المواجهة مع العدو الصهيوني طيلة 33 يوماً، وان هذا الانتصار الذي لا يستطيع قبض ثمنه من اسرائيل خاصة بعد تطبيق القرار 1701 بكل بنوده.. لا بد ان جهة ما ستدفع ثمنه وهي الدولة اللبنانية.

صحيح ان الحزب استنجد بالدولة والحكومة تحديداً برئاسة فؤاد السنيورة لوضع حد للحرب بعد ان كادت الامور تنتهي بمأساة للحزب وسمعته وقواه على الارض، لكنه وبعد ان وجد ان الحرب انتهت فعلاً ولم يعد هناك من خوف على مصيره انقلب على الحكومة والدولة اللبنانية يريد ان يقبض ثمن ما اعتبره هو انتصاراً، دون ان يقرأ لحظة واحدة معاناة الوطن والمآسي التي مر بها والثمن الغالي الذي يدفعه، مركزاً جلَّ همه على بقاء الامساك بجمهوره الذي اعتاد على اعطياته منذ نحو ربع قرن فسارع الى شراء الغضب في بئر الدفع النقدي الذي اتاه على عجل من ايران.

ثمن انتصار حزب الله في حساباته هو، يجب ان يكون من الدولة وعلى حساب الحكومة التي انقذته من هزيمة محققة وأنقذت وحدة الوطن وأهله وترابه ومكنت لبنان من التمتع بأقصى حماية حاسمة في تاريخه وفق قرار دولي ايده حزب الله بل وطالب به لمنع وقوع الهزيمة المحققة.

قفز حزب الله فوق جراحات الوطن ليمسك بتلابيب الحكومة في أشنع توصيف يطالها منه مطالباً بتغييرها ليسقط حكم الاكثرية، رافعاً شعار حكم الاقلية او على الاقل منع قيام حكومة في لبنان.. والنتيجة الحتمية هي الفوضى.. أليس هذا استحضاراً لنموذج العراق؟ أليس هذا ترجمة لما تفعله ايران في بلاد الرافدين؟ الا يعني هذا ترك الامور في لبنان مفتوحة على كل الاحتمالات؟.. ومنها حكما نظام الفدراليات على اساس مذهبي – طائفي.

وهل يكون مصير بيروت كمصير بغداد التي يتقاتل عليها المتقاتلون لتكون عاصمة للمنتصر فيها في معارك الفرز المذهبي داخلها.

العامل السابع: ان حزب الله باعتباره جزءاً من نسيج الحرس الثوري الايراني، هو حتماً جزء من المحور الذي تقوده طهران ويمتد من العراق الى لبنان وتابعها في سوريا.. يلتزم بأهداف هذا المحور الفارسي، فيؤيد العصابات العراقية التي تقودها ايران في العراق وتلتقي مع قوات الاحتلال الاميركي بفرط سيادة العراق وأمنه واستقراره، وتلتقي مع العدو الصهيوني الذي لا يريد ان يبقى العراق وطناً عربياً واحداً يهدد دولة اسرائيل الغاصبة والغريب ان الحزب الذي يهاجم قوى الاستقلال في لبنان (14 آذار/مارس) تحت زعم خضوعها للوصاية الاميركية وهو يعرف ان هذا الامر غير صحيح بالمرة، يتحالف مع العصابات العراقية التي تتلقى اوامرها بذبح هوية وشعب وانتماء العراق من الاحتلال الاميركي بما يخدم المصلحة الصهيونية مباشرة.

ويؤيد حزب الله ايضاً النظام السوري التابع لطهران، وهو يعلم ان هذا النظام يلهث خلف صفقة مع اميركا تكلفه فيها بعودة وصايته على لبنان مقابل تنفيذ كل ما تريده اميركا واسرائيل وهو تصفية حزب الله بالكامل سياسياً وعسكرياً وأمنياً. ولا بأس هنا من نقل ما يتردد عن الفكر الفارسي داخل حزب الله، الذي يعتبر ان سياسة ايران هي الإمساك بالنظام السوري لمنعه من عقد صفقة مع اميركا، حتى لا يكون ثمنها تصفية نظام الأسد لحزب الله، فبإمساك ايران بالأسد يعني ان مصير نظامه كله اصبح بين يدي الإيرانيين. ولعلها بقعة الحبر الأسود على ثوب السيد حسن نصر الله الابيض حين سلّم بندقية المقاومة لرمز الفساد والإفساد المتهم الأبرز في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري رستم غزالة وهو يغادر لبنان تنفيذاً للقرار الدولي 1559 بعدما غادرت قوات الوصاية لنظامه على لبنان.

استشهد الإمام الحسين دفاعاً عن العدل والحق، وقاتلت المقاومة في لبنان دفاعاً عن الحق وعن العدل، ويسلم قائد المقاومة سلاحها لضابط متهم خلال سني وصاية نظامه بالفساد في اسهل الحالات وفي قتل رئيس حكومة عربي مسلم قبل مغادرته لبنان. وما زالت تظاهرات حزب الله في بيروت وهي تستنكر زيارات مبعوثين اميركيين الى لبنان تهتف لبشار الأسد، والأخير يفرك يديه فرحاً بأن مثل هذه التظاهرات تسقط الحكومة الوطنية في لبنان فتسرع اميركا للحديث معه وهي تتجاهله منذ ست سنوات. فهل اصبحت دماء مقاتلي حزب الله وهتافاتهم وأيديهم المصفقة وقوداً لسيارة تقود بشار الأسد الى الحضن الاميركي ثانية لإرجاع وصايته على لبنان وتصفية حزب الله ثمناً لهذا الحضن وهذا الإرجاع؟.

العامل الثامن: ان حزب الله يخوض الآن فعلاً حرباً استباقية ضد المجتمع الشيعي في لبنان الذي بدأ يغلي ضد سلوكيات ونهج وسياسة الحزب في لبنان وفي الجنوب وفي الضاحية، وفي البقاع حيث دفع الشيعة اغلى الأثمان من اجل معارك واستدراج العدوان لحسابات ايرانية – سورية بحتة تحت ذرائع كانت الدولة اللبنانية قادرة على سحبها لو خلصت نيات النظام السوري وايران تجاه لبنان وطناً سيداً حراً مستقلاً.

حزب الله يهرب الآن الى الأمام، يدعي النطق باسم المصالح الشيعية اللبنانية ليصادر حقهم في إبداء الرأي في مستقبل اولادهم وأرضهم ووطنهم وعقيدتهم وانتمائهم العربي والى لبنان وطناً نهائياً.

ولا شك في خوف قسم كبير من أطر وقيادات الشيعة من الجهر بآرائهم ضد نهج وسياسة حزب الله، وربطه مصيرهم بالمخططات الايرانية، وتابعها السوري على حساب وطنهم ومستقبله ومستقبل ابنائه.. لكن خروج الاصوات المستنكرة لتفرد الحزب بقرارات تمس الشيعة ومصيرهم ومستقبلهم وانتماءهم لوطنهم لبنان وعروبتهم، امر لن يطول انتظاره خاصة، وقد ظهرت كتابات تطرح التساؤلات وخرج ابرز علماء الشيعة وهم من مدرسة الوطنية اللبنانية والانتماء العروبي والالتـزام التقليدي الشيعي وهو التـزام الاغلبية الساحقة من الشيعة يقودون جماهير الشيعة وهم الاغلبية الصامتة للجهر بآرائهم ووضع مصالح الطائفة والوطن فوق مصالح وحسابات دمشق وطهران، وعلى رأس هؤلاء العلماء مفتي صور وجبل عامل السيد علي الامين والعلامة الكبير السيد محمد حسن الامين وغيرهما سواء في القرى وفي البيئة الشيعية يعبرون عن نبض الناس ومصالحها في سعي لاسترجاع وجه الشيعة اللبناني العربي من السرقة الفارسية – الايرانية تحت عنوان المقاومة من جهة وتحت اغراءات المال والاعطيات والمنح الايرانية عبر حزب الله وبعض المشايخ القابضين سلفاً من ايران.

ولن يستطيع حزب الله بعد الآن ادعاء التمسك بالمقاومة، وبالتالي بسلاحه بعد ان اصبح لبنان اقدر على سحب الذرائع سواء في شبعا او في قضية ((الاسرى)) اللبنانيين وهم في حقيقة الامر أسير واحد.. سمير القنطار.. يضاف اليه بعد الحرب من وقع في أسر اسرائيل من عناصر حزب الله خلالها.

لذا فإن حزب الله يهرب الى الأمام في حرب مفتوحة مع الدولة اللبنانية عبر مشروعه الغريب لإسقاط الحكومة الوطنية اللبنانية.. دافعاً البلاد نحو المجهول. نعم، يريد حزب الله ثمناً للسكوت عن اسقاط الحكومة وهو تغيير في المعادلة السياسية – الطائفية في لبنان.. وعلى حساب الشيعة (خارج حزب الله) اولاً ثم على حساب بقية الطوائف اللبنانية المتوافقة على اتفاق الطائف والذي اصبح جزءاً من الدستور اللبناني.

حزب الله الآن يخوض وفق هذا العامل – بالحرب الإستباقية معركة دفاع عن نفسه لأن استمرار الاوضاع المستجدة طبيعياً بعد القرار 1701 سيحجم الحزب ويعيد دوره احد ممثلي الطائفة الشيعية وليس الممسك بقرارها كما هو الآن.

العامل التاسع: بناء على ما تقدم يصبح حزب الله هو المفاوض الأوحد عن الشيعة في لبنان متقدماً عن بقية الطوائف بالادعاءات التالية:

الادعاء الاول: ان الشيعة هم اغلبية الوطن.. واحصاءات سجلات الناخبين تظهر تقدم السنة على الشيعة بنحو 50 الف صوت.

الادعاء الثاني: بإمتلاكه السلاح الذي عجزت اسرائيل عن تدميره، وبالتالي يعجز الجيش اللبناني او أي ميليشيا قد تنشأ في لبنان عن ذلك.

 

الادعاء الثالث: هو النصر الذي حققه الحزب في مواجهة اسرائيل، واذا كان صحيحاً ان الحزب صمد امام الآلة الصهيونية، وكسر نظرية الجيش الذي ينتصر دائماً، فإن الأصح ان لبنان دفع ثمناً غالياً في قرار انفرد فيه الحزب وجلب للوطن ولمواطنيه الخراب والدمار و1256 شهيداً و4 آلاف جريح ومليون مهجر و200 الف مهاجر فضلاً عن تدمير مرافق وبنى ومبانٍ بمليارات الدولارات.

والأهم فوق ذلك ان هذا النصر أخرج حزب الله تقريباً من ميدان المواجهة مع اسرائيل لعوامل يعرفها الحزب اكثر من غيره، وان كان الحزب اعتمد تعويضاً عن هذا الخروج نظرية الى الداخل در.. وهذا ما يدفع الامور نحو نـزاعات اهلية أخطر بكثير من أي حرب مع العدو الصهيوني.

العامل العاشر: ان حزب الله بصفته جزءاً عن نسيج الحرس الثوري الايراني يلتقي مع العصابات العراقية التي تريد تفتيت العراق تنفيذاً للمشروع الايراني، يمكن ان يكون قدوة لمشاريع ايرانية اخرى تنشأ في الوسط الشيعي في عدد من البلاد العربية من دون ان ننسى ان ايران لا تكتفي بالتحرك في الوسط الشيعي العربي وتحديداً في دول الخليج العربي، بل وتمد اصابعها واستخباراتها وأموالها الى دول ليس للشيعة مكان يذكر فيها، كما يحدث في اليمن من خلال تمرد عائلة الحوثي، وكما يحصل من عمليات تشييع في سوريا تبدأ في الوسط العلوي وتمتد الى الوسط الاسماعيلي وأقل من هذا في الوسط السني.. ثم اخيراً تمددها داخل مصر عبر هيئات محسوبة على الوسط الشيعي وآل البيت.. وفي حين تقدر السلطات المصرية عدد الشيعة في مصر بـ 900 ألف فإن اوساطاً ايرانية – شيعية مصرية تقدر عددهم بـ 3 ملايين شيعي.. مع الافادة من الولاء المطلق عند كل المصريين المسلمين لآل البيت دون ان يعني هذا تخليهم عن سنيتهم او ولائهم للشيعة.

إذن،

هذه هي القواعد الفكرية والفلسفية والسياسية والامنية والموضوعية للاغلبية الفارسية – الايرانية داخل صفوف حزب الله. فماذا عن آراء الأقلية اللبنانية – العربية في الحزب في النقاش شبه الصامت الدائر الآن..

هذا حديث الاسبوع المقبل ان شاء الله

حسن صبرا