حزب الله" بين ولاية الفقيه الإيراني ووصاية الرفيق البعثي ولد كائنا نغلا خلاسيا من صلب العروبة  البعثية والشيعية الإيرانية الخمينية"

حزب الله" يتوج الهزائم التي لحقت بايديولوجيا النضال العربي

 بقلم ¯ د. عبدالرزاق عيد  -السياسة 29/1/2007

لابد للقارئ لهذا النص الذي بين يديه , من ان يتساءل مالذي يدفع كاتب وباحث مشغول بالقضايا الفكرية والنظرية لان يعطي هذا الحيز الواسع للحدث الذي شكله »حزب الله« في العقدين الاخيرين لبنانيا وعربيا بل واسلاميا?

لا شك ان الاجابة يشف عنها السؤال ذاته , وهو تشابك مجموع العناصر الوطنية والقومية والدولية في انتاج ظاهرته بوصفه تحقيقا وتحققا لذروة تجربة المأساة العربية والاسلامية اذ تستعلن ذاتها ببهجة احتفالية انتصارية قل نظيرها في استعلان الظفروية التي طالما فتحت جروحا وقروحا في جسد التجربة العربية والاسلامية خلال محنة مواجهة الاخر الاستعماري الغربي الاوروبي بالامس والاميركي اليوم , وذلك نظرا لرسالته ودعواه بوصفه ممثل رسالة الهية موجهة الى هذه المستويات الثلاثة :( لبنانية-عربية -اسلامية) من خلال الحاح خطابه في التوجه الى متلق ما بعد الوطن اللبناني , بل وتطلع هذا الخطاب الى ممكنات التسويق والاستهلاك العالمي عندما لقي صدى لدى اصوليات ليست اسلامية فحسب بل و(يساروية نضالوية) عالم ثالثية كمثال شافيز).

ولعل في المثال الاخير دلالة بالغة عند القراءة الدلالية لتجربة »حزب الله« , هذه الدلالة تتمثل في ان (شافيز) الشاب المتعاطف مع هذا الخطاب النضالوي , انما هو في حقيقة الامر تعبير عن طموح ان يكون نسلا نضاليا وفكريا اميركيا لاتينيا للنموذج الكوبي , اي ان يكون نسلا منحدرا من صلب شيخ طاعن -كاسترو- في الاصرار على شباب افكاره الستينية التي تعود الى زمن الستينات من القرن الماضي العشرين , ممثلا ب¯ (كاسترو) , هذا الرمز الذي ظل يذكرنا نحن الجيل الذي عشق رمزيته الرومانسية مع رفيق دربه غيفارا الذي مضى كنيزك في زمن تألق الرمز , في حين بقي زميله كاسترو وشما على ذاكرتنا الجريحة يعيد انتاج ذاته كشيخ كهنوتي في التأكيد على ابدية ثيولوجية تمجد (شخصانية المشروع الذي قضينا اعمارنا ونحن نراهن على مستقبلنا من خلاله) , اذ يصر الشيخ (اية الله الكوبي) ان يبقى حتى اللحظة الاخيرة يربط مصير المشروع الثوري بمصيره الشخصي الابدي اللاهوتي , بل ولا يجد خلال خمسين سنة من عمر التجربة من يثق بتسليم الوديعة المقدسة له سوى اخيه - لانه على الاغلب او من حسن الحظ - ليس لديه وريث من صلبه سوى ابنته الفاتنة التي فرت من فردوس ابيها الى الجحيم الامبريالي الذي يتيح لها ان تبتهج بمفاتنها التي وهبها لها الخالق , فعَوضه الله عنها اذ رزقه غلاما ذكيا (شافيز) بعد ان بلغ من العمر عتيا , فكانت هدية العرب والفرس لهذا الوليد الجديد هوية عربية اسلامية تكفل له شرف الشهادة ودخول الجنة بكفالة ايرانية مختومة من ولي الفقيه ووملاليه , ولا يلبث شافيز ان يمنحه الخطاب الشعبوي (العروبي- الاسلاموي) مكافاة جديدة تتمثل بالحصول على هوية القومية العربية المظفرة تقديرا وتكريما لشجاعته واخلاصه , وذلك كرم عربي استثنائي في عصرنا اذ نتفضل نحن العرب بمكافاة الشعوب غير العربية في بلادنا بمنحها هويات عربية رغما عن انفها , و ان اكثر من عرف هذا الكرم العربي هم الكرد الذين نصر -محبة بهم- ان نمنحهم شرف امتلاك الهوية العربية اذ نفرض عليهم ان يكونوا عربا بالقوة تعويضا لهم عن هويتهم الكردية التي لاتروق للرفاق العروبويين ...

هذا الشاب (شافيز) المندفع بمرح وبهجة للتجاوب مع نضالية »حزب الله« بعد ان كافاه السيد نصر الله بمنحه الجنسية العربية ولاحقا الايرانية , فاعتبره عربيا اكثر من اهل نجد والحجاز الذين وبخوا مغامرته الجهادية !

هذا الشافيز المسكين -بحماسه الايديولوجي- غاب عنه ان هذه الهوية العروبية الممهورة ب¯ ( انتصار »حزب الله«) ليست -في المال - الا هوية هزائم لاكثر من نصف قرن , وانها ليست اخيرا الا دعوة للمشاركة في الغنائم القومية التي توجها صدام حسين في ام الحواسم بعد ان كان شافيز هو الوحيد الذي حاول فك عزلته بزيارته قبل (ام حواسمه) في سقوط بغداد بايام , بالاضافة لللمشاركة بغنائم القاعدة وطالبان في رمزها (الابن لادني) الذي غزا نيويورك في عقر دارها ودمر ابراجها على رؤوس اهلها تدميرا مبينا ...!

»حزب الله« اعاد لنا ذاكرة شباب فجائعنا الايديولوجية والسياسية والنضالية الوطنية والقومية (الستينية) اذ يدعونا الى مائدتنا (اليساروية والقوموية) ليطعمنا طبخاتنا الفاسدة , تماما كما فعل شافيز عالميا وامميا , اذ اراد »حزب الله« ان يكون سليل نسل المشروع (القوموي واليساروي العربي) بعد ان اخترق العقم صلب واصلاب هذا المشروع , ولما كان المشروع النضالوي العربي قد دخل طور العناية المشددة , وجد »حزب الله« في ملالي ايران الاب البديل , ولذلك فقد ولد كائنا نغلا خلاسيا , من صلب العروبة البعثية ممزوجة بالشيعية الايرانية الخمينية , فكان منذ اللحظة الاولى نتاج ابوة (عربية -ايرانية ) , لام لبنانية اجدب الدهر رحم شبابها العروبي بفضل الاشقاء الكبار , بعد ان تحملت بالنيابة عن شقيقاتها العربيات عمليات اغتصاب متكررة من الجيران ابناء داوود ...!

وبلغة تقريرية مباشرة نقول: ان مجموع الهزائم التي لحقت بايديولوجيا النضال العربي بشقيه القومي واليساري العربي ضد اسرائيل يواصلها »حزب الله« جهاديا اسلاميا , عبر التوهم الاصولي الدارج بان الهزائم العربية السابقة انما هي بسبب (الابتعاد عن الله) , وان الحل - ببساطة - هو بالغاء هذا السبب , اي باعلان الاقتراب من الله , بل والاعلان بحماس ورع يشخصن الله في صورة قائد جماعة , فاعلنوا انهم (»حزب الله«) وراحت ادبياتهم تتحدث عن (روح الله : المتعينة برجالات الله - الانتصار الالهي - العناية الالهية التي توجه الصواريخ ... الخ) حيث استيهاماتها تمتح من صور الله (التلمودية) الذي يقاتل مع (انصاره , قبيلته) , وتاسيسا على فقه التعبئة الالهية هذا كان لابد من عملية تمويه ايديولوجية طالما يلجا الخطاب الاسلاموي لها وهو تضييع الحدود بين الشريعة والفقه : لفقهنة الشرع وشرعنة الفقه عبرالخلط الايديولوجي المقصود بين الالهيات والانسانيات ليمتلك الامام ولي الفقيه ووكيله ووكيل وكيله تجليات بشرية للذات الالهية , وهذا ما يتيح صناعة استثنائية للزعيم في التاريخ يتداخل فيه البشري بالالهي مما ينتج عنه ثقافة شيطنة الاخر على اعتبار ان التاريخ هو تاريخ صراع بين »حزب الله« وحزب الشيطان, وعلى ضوء هذا الفهم يتأسس فقه الكراهية للاخر العدو عالميا في الخارج والمختلف في الداخل بمثابته خائنا وعميلا للعدو العالمي , وبهذا فقد قام الاسلام السياسي الشيعي الايراني وتابعه العربي بعملية تصفية مروعة معرفيا لأرقى الاستيحاءات التي حققها التراث الفلسفي الروحاني الاسلامي-وخاصة الشيعي- عن الله الذي يسكن كل مفاصل الوجود , والذي يفيض على العالم حبا وحقا وجمالا وروعة وعذوبة تسري في الليل اذا عسعس والنهار اذا تنفس , حيث كرسيه وسع السموات والارض وما دونهما وما بعدهما بوصفها تجليات حضوره الباعث للرعشة الروحية في ضمير الكون والكائنات التي هي عياله وحيث قوة حقه تتجلى في روعة خلقه ...

الله : الحقيقة والخير والجمال الذي لم يوصد المذهب الشيعي-من حسن الحظ- دونه ابواب تدفقه الفلسفي الصوفي الى حياض الثقافة الاسلامية , تحول على يد »حزب الله« - بعد ان غدا الوكيل الرسمي الشرعي لولاية فقه ملالي ايران اصحاب مشروع (قومنة الدين) - الى (رب الجند) , رب رجالات »حزب الله« , الذي جعلوا من الله ملكية خاصة , وذلك عندما جعلوه نعت هويتهم وصفة ذاتهم, وعلى هذا فالاخر وفق مبدا الهوية هذا , سيكون خارج الحضرة الالهية وحوزة سدنة هيكله ودائرته ورحمته , ليكون »حزب الله« على يمين الاصولية الاسلامية الاخوانية المعاصرة التي طورت برامجها -منذ عقدين- باتجاه ان تكون ذات مشاريع مدنية تنبذ العنف وتعترف بالتعدد والتعايش والتغاير وتدعو الى التداول السلمي للسلطة , حيث يقتصر فيها العنصر الاسلامي على بعده الحضاري والمدني عبر القطيعة مع النزعة التكفيرية التي انتقلت لحوزة »حزب الله« في صيغة النزعة التخوينية , وذلك بانتاج تاويل شيعي نضالوي جهادي تؤطره الترسيمة النضالوية للسيد قطب الذي قطعت معه كل تيارات الاسلام الوسطي المعتدل , وذلك لان السيد قطب يعتبر اي فكر بشري مدني اجتماعي يسعى لتنظيم شؤونه الذاتية بنفسه هو اعتداء على حقوق الله في وصايته على خلقه , ومشيئته على اراداتهم , هذه الترسيمة النظرية (القطبية) تخلت عنها معظم الحركات الاسلامية الاخوانية , وخاصة الاخوان المسلمين السوريين الذين لايزال النظام السوري الحليف لايران و»حزب الله« يلاحقهم ويحاكمهم بقانون الذبح (49 ) , رغم تخليهم عن مفهوم الدولة الدينية (الثيوقراطية ) التي يمارسها ولي الفقيه والملالي في ايران , اوكما يحلم »حزب الله« باقامتها في لبنان حتى ولو على رقعة جغرافية مجتزاة من لبنان لاستحالة مشروع دولته الالهية الشمولية على كلية لبنان التعددي المدني الحضاري صاحب الدور الريادي النهضوي الحداثي عربيا منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم رغم كل المحاولات لاطفاء ما تبقى من اشعاعه المدني الديموقراطي , وعلى هذا يبدو التحالف بين حزب البعث السوري الذي يفترض انه حزب قومي وضعي دنيوي علماني ذي مرجعية بشرية وبين ايران و»حزب الله« ذوي المرجعية الالهية الذي مناط نظرية ولاية الفقيه لديه هي عدم مسؤولية الامام امام البشر او تجاه شرعية العقد الاجتماعي , وذلك لان سلطته يستمدها من الله لا من البشر , وعلى هذا فهو مسؤول امام الله وليس امام البشر الفانين , ان هذا التحالف بين ولاية الفقيه الايراني- اللبناني من جهة ووصاية الرفيق البعثي من جهة اخرى , ومن ثم التشريع البعثي - في الان ذاته - للذبح القانوني المشرعن للاسلاميين السوريين المعتدلين الرافضين للعنف برنامجيا وميثاقيا ككل قوى المجتمع المدني السوري الذي لم يبق فيه سوى السلطة داعية وممارسة للعنف الدائم , ان هذا التحالف يبدو مفارقة نظرية ممزقة للعقل , حيث لايطيقها سوى عقل انفصامي شيزوفريني عصبوي وعُصابي ...!

ان »حزب الله« بمصفوفته النظرية ذات المرجعية الفقهية (الملتية) الايرانية المتقاطعة مع (القطبية) تكفيريا وتخوينيا قشر العقل العربي من كل المكتسبات العقلانية على طريق امتلاك الوعي النسبي في فهم علاقة الصراع مع اسرائيل , ليعيده الى مصفوفة عقل المطلقات : (حيث ثنائية »حزب الله« اوحزب الشيطان ذات الاصول المزدكية الفارسية القديمة عن ثنائية النور والظلمة , حيث المنطلق : كل شيء او لاشيء)- هذا العقل الذي انتجته ستينات القرن الماضي معرفيا وايديولوجيا وسياسيا , اي اعادنا الى فضاءات فكر (الميث) السحري لنضحي بكل المكتسبات التي حققناها على مستوى (اللوغوس) معرفيا , وعلى المستوى الايديولوجي السياسي اعاد علاقة الصراع مع الاخر الغربي من مستوى الصراع الوطني مع الاستعمار الى مستوى الصراع الديني لاهوتيا والحضاري ثقافيا اي ان الصراع مع الغرب الذي خاضه القوميون واليساريون بوصفه استعمارا غدا مع »حزب الله« الايراني -العربي صراعا حضاريا كما ينظر هنتنغتون الذي اوسعناه سبابا وشتائم على عنصريته واستعلائه واستكباره ...

ان فقه كراهية الاخر الاجنبي والمختلف الداخلي سيقود حتميا الى ساحة (التنافي الانتولوجي) حيث وجود الواحد يقتضي نفي الاخر , مما يدخل في باب المستحيلات في اطار النظام الدولي والعالمي الراهن الذي لم يعد يترك داخلا لداخليته , بل لم يعد مع العولمة المكثفة لتوحيد العالم وتقريبه وتصغيره داخلا دون ان يكون مسكونا بالخارج , اما على مستوى الصراع الداخلي الوطني فقد كان التخوين الوطني معادلا للتكفير الفكري من حيث التناظر المعرفي بين التخوين والتكفير الذي يشكل لب اللباب للمشروع الايراني (المذهبي -القومي ) وهو الجذر الحقيقي لكل اشكال ومظاهر انبعاث الصراعات المذهبية التي تجتاح بحمياتها عالمنا العربي والاسلامي بدءا من العراق وصولا الى لبنان .

لقد اعادنا الحزب الى طفولتنا السياسية الستينية المستندة الى مزيج من امشاج العقل الغريزي والعاطفي الانفعالي على حساب عقلانية العقل او العقل العقلاني, حيث العقل كان دائما موجودا لدى البشر لكن ليس دائما بشكل عقلاني , وذلك بعودة الحزب الى شعارات الستينات : شعار (رمي اسرائيل في البحر) او ازالتها عن الخارطة والقذف بها الى اوربا , وفق تهوس مرجعياتهم الايرانية , وذلك على لسان شيبوب (ايران) بعد ان كف العرب عن (العنترة التي ما قتلت ذبابة) , حيث قدم في مؤتمره عن انكارالهولوكست خدمات مجانية جليلة للمشروع الصهيوني بحجم يكاد المرء ان يشك ان دوافعها مجرد هذيان ذهاني يتهوس فيه الملالي لقيام القيامة الان وللتو وفق احلام (منامات) اياتهم العظمى التي تتحكم بسياساتهم منذ الامام الخميني ...

اما على المستوى التاريخي فقد اعادنا »حزب الله« الى حرب الحضارات الدينية ": (اسلام /يهود) على حساب المكتسبات التي انجزها العقل العربي على طريق ادراك الهوة الحضارية التي تفصلنا عن اسرائيل وفق منظور صراع (تقدم /تاخر) , اي منظور التقدم العلمي والتقني والحداثة السياسية والفكرية الذي تجسده اسرائيل بوصفها ممثلة الحداثة الغربية في مفاوز صحراء الاستبداد والطغيان والفساد والتاخر العلمي والتقني العربي , اي لقد ضيع لاهوت الجهاد علينا المكتسبات التاريخانية التي تجعل من تقدم (العدو) مهمازا للتحدي الحضاري الذي يقر بالتاخر الشامل للامة وليس مجرد نكستها او كبوتها او نكبتها , بل الاقرار بالفوات الفكري والاجتماعي والسياسي للامة تجاه (عدوها) مما يستدعي اطروحة النهضة الشاملة بقوى الامة تمثيليا ودستوريا وديموقراطيا بدل النزعة (السلاحوية- الحربوية) , اي استيعاء العرب ان التحدي امامهم ليس مجرد (تخلف تنموي تقنوي سلاحوي) يحله استيراد التقنية والسلاح , ومن ثم نفخ روح (المرجلة القومية او الطبقية واخيرا الالهية) اعتمادا على النموذج الايراني, الذي يعتقد انه بعقدين من الزمن قادر على الانتقال من الهزيمة امام بلد عالم ثالثي مثله في حينها (العراق) , الى تحدي الولايات المتحدة ذاتها, وتوهم دور الدولة العظمى المكافئة لها , والتي لها اذرع تحارب اسرائيل من خلالها بالوكالة عنها وذلك عبر »حزب الله« , على حد وسوسات صدور بعض قادتهم السياسيين والفكريين الذين قالوا صراحة مثل (شمس الواعظين) ان »حزب الله« يمثل قبضتهم مقابل اسرائيل التي تمثل قبضة الولايات المتحدة وانهم لو تدخلوا في القتال لكانت اسرائيل قد انهزمت منذ اليوم الاول ...!

ان (النصر) الذي توهمه »حزب الله« بالوكالة يتاطر في نسق لاهوتي اخر مغاير لكل الانساق العقلانية التي هيكلنا مكتسباتها على طريق التاسيس لعقل عربي عقلاني نقدي في مواجهة ذاته وثوابته القوموية ويقينياته الظفروية عن (الذات الخالدة ) التي اعادنا اليها »حزب الله« , لكن عبر التراجع المتاخر عن محتواه (الشعبوي القومي الذي كانت له بعض ضروب امشاج من الحداثة في صيغة العلمنة والدينوة : الناصرية-البعثية المشدودة الى الشيوعية التوتاليتارية المسفيتة ) , حيث ستكون نقلة الحزب باتجاه شعبوية لاهوتية ميثية تعتقد بولاية الفقيه بوصفها مرتبة اعلى من الرسل والملائكة حسب الخميني , لانها تمثل النيابة عن المهدي المنتظر الذي هو جزء من روح الله التي تتعالى لاهوتيا عن الرسل والملائكة, وهي تمنح وتوهب بموجب صكوك تذكرنا بصكوك الغفران المسيحية القروسطية , حيث يستطيع ولي الفقيه ان يوكل عنه ممثلين لروح الله , لانه يتمتع بسلطة الهية جبارة قادرة شرعيا ان تلغي كل ما تواضع عليه البشر في صيغهم النسبية التعاقدية البشرية : (البرلمان- هيئة الرئاسة - السلطة التنفيذية...الخ)

اذن النصر الذي حققه لبنان سنة 2000 بانسحاب القوات الاسرائيلية من جنوب لبنان , تم تظهيره بوصفه (نصرا الهيا) لحزب وجنود الله , وذلك عبر تهميش وتجاهل الحقائق الدنيوية الوضعية والموضوعية التالية :

- تجاهل المقاومة الوطنية اللبنانية التي بداها العلمانيون :الشيوعيون- القوميون السوريون الذين ورثوا ميراث المقاومة الفلسطينية .

- تغييب حقيقة ان مواصلة »حزب الله« لمنهجية حرب العصابات ( وليس حرب السماوات) , هي تلك الحرب التي اسس لها العمل الفدائي الفلسطيني وكرستها المقاومة الوطنية اللبنانية.

- تجاهل اهمية الحاضنة الاجتماعية الوطنية اللبنانية, التي شكلت حوض الماء لسباحة المقاومة المسلحة, هذا الشرط الاساسي الذي وضعه ماوتسي تونغ وليس خامنئي لانتصار الكفاح المسلح في حرب العصابات .

- العامل الاسرائيلي الذي لم يؤسس لوجوده في الجنوب اللبناني انطلاقا من استراتيجية استيطانية , بل اعتبر وجوده دائما مرحليا لحماية الشمال الاسرائيلي, بل واعتماد حلفاء لبنانيين له للقيام بهذه المهمة , وهذا يعني ان الكلفة التي راح يدفعها الاحتلال الاسرائيلي للجنوب كانت اكبر من الاهداف المرحلية فكان لابد ان ينسحب , وما يؤكد ذلك ان الكلفة الكبيرة للعمليات (الانتحارية) الفلسطينية استطاع الكيان الاسرائيلي ان يهضمها وذلك لانها برهنت انها كلفة استراتيجية تمس الكيان ذاته , ولذا فقد تحملها بل و لم تقدم اسرائيل اي تنازل او تراجع امام هذه العمليات بل استغلتها واستثمرتها امام الراي العام العالمي لتمارس مذابحها اليومية ضد الشعب الفلسطيني بوصفها ضحية معتدى عليها...!

اذن فهذا (النصر) الذي تحقق سنة 2000 لم يكن سوى كسب جولة انتجتها ظروف خاصة , فهو لا يرتقي الا مستوى كسب المعركة مع اسرائيل , لان كسب الحرب على اسرائيل يتطلب منظومة متكاملة من العوامل والعناصر والمعطيات , التي كان قد حقق العقل العربي خطوات على طريقها وهو يتخطى نقديا ومعرفيا الايديولجيا النضالوية لستينات القرن الماضي التي كان عنوانها النقدي : (الانتقال من المطلق الى النسبي) , وقد تمثل ذلك بامتلاك بعض وسائل اشتغال العقل النقدي الذي فرضه تفوق العدو على كل الجبهات واخرها العسكرية , وذلك خلال نصف قرن من المواجهة ضد اسرائيل , فكان لابد ان يستدعي منهجيا -في اول ما يستدعيه- المبدا العقلاني القائم على تطابق الوسائل مع الاهداف,وذلك لبلوغ (التوازن الاستراتيجي) مع اسرائيل ليس بالمراهنة على (النزعة السلاحوية) والشطارة بالتفتيش عن اسواق السلاح واستيرادها ومن ثم اجترار موقف الهزيمة والايديولجيا المهزومة ذاته وتداوله -حتى اليوم- كتعويض عن الفقر المعرفي , وتعبير ذلك هو رفع النظام السوري هذا الشعار خلال اربعين سنة بعد هدنة 1974 دون اي انبناء على الارض , بل وقيادته-اليوم- لكل جوقات الاناشيد الاحتفالية لعروبيي واسلاميي المؤتمرات القومية والاسلامية التي لا تزال تتعيش على فتات الخطاب الستيني المهزوم وايديولوجيته المهزومة , ولهذا لم يحقق النظام السوري خلال هذه الحقبة سوى التوازن مع المجتمع والشعب , بل وهزيمة الاثنين معا (الشعب والمجتمع) , هزيمة ساحقة مع فتنة الثمانينات التي انفجرت بين النظام والطليعة المقاتلة للاخوان المسلمين , الامر الذي قاد النظام المنتصر-دائما على الداخل- لاستباحة المجتمع والشعب بوصفهما غنيمة حرب , وانهمك المنتصر في حساب غنائمه وتعدادها ومراكمتها تاركا الجولان لرب يحميه عبر استبطان مقولة اطلقت في الاونة الاخيرة (سورية الله حاميها) !

وذلك بتكليف »حزب الله« ان يكون هو الحامي لسورية ليخوض هذه المعركة نيابة عن الحليف تحت راية مزارع شبعا ... "حزب الله" بين ولاية الفقيه ووصاية الرفيق البعثي

  

ما كان الرب الحامي للجولان, سوى رجالات »رب« حزب الله الذي غدا الورقة الوحيدة لتذكير اسرائيل بالجولان مقابل الخدمة الجليلة التي قدمتها المخابرات السورية (غازي كنعان) لتمكين حزب الله في الجنوب على حساب تهميش وازاحة كل القوى الوطنية المقاومة لصالحه هذا من جهة, ومن جهة اخرى لاحكام السيطرة على لبنان من خلال تأمين حزب الله قاعدة شعبية للنظام السوري داخل النسيج اللبناني عبر القضم التدريجي للبنان الحريات السياسية والثقافية والاعلامية الديمقراطية وتكريس لبنان البعد الواحد, اي ابادة الدلالة الرمزية اللبنانية ممثلة بالثلاثي الصوفي الرباني الكوني والعالمي والانساني (جبران خليل جبران - امين الريحاني - ميخائيل نعيمة), لصالح ارواح الله الثيوقراطية والاوتوقراطية من ملالي ايران, وقد كان تتويج ذلك بتلك الاهانة التي وجهها حزب الله وقائده السيد نصر الله للشعب السوري بان قدم الحزب رمز انتصاره (بندقية المقاومة) هدية لرئيس المخابرات السورية, وتبرع رئيس حزب الله بسورية هدية لحاكمها (سورية الاسد), ليعبر لنا (سيد المقاومة) عن فهمه لسيادة الاوطان وشكل علاقتها بحكامها بصورة: (الارض وما عليها ملك لسلطان الزمان, فالسلطان ظل الله على الارض, بل هو روح الله كولي لها وعليها, وعلى هذا فالارض - في منظومة النيرفانا السحرية والثيولوجية- ليست سوى جغرافيا حجارة وتراب تذهب وتعود وتمنح وتهدى للرفيق الوصي او الفقيه الولي, بينما لا يبقى سوى وجه الغمام (الامام) الذي يلفع الرسالة بلهيبها المقدس, فليذهب لبنان - كما يقول احد رجالات حزب الله- ولتبق رسالة الامة الاسلامية بقيادة روح الله مرشدها الاعظم الذي لا يتردد - سيد المقاومة- عن تقبيل يده في كل زيارة له لطهران بعد ان رفعه مكانا عليا وغدا وكيلا مرضيا على لبنان الذي سيتحول الى رمز لكربلاء سرمدي تمارس على ارضه شهوة العدم (شبق التاناتوس), وذلك بامر من ولي الفقيه, حيث تتجدد قرابين الدماء الطقسية من رحم تضحياته حتى عودة الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف, وفق اللازمة الشيعية غب كل ذكر للامام, وذلك تمهيدا لازالة اسرائيل من دربه على طريق نهاية العالم وقيامة قيامته على يد شيبوب ايران بعد انقلابه الثوري على عنترة العربي .

هذا الغلاف من الهيولا الطقسية كانت تتحقق تحت سمائه سرديات مبتذلة في دنيويتها الخبيثة, اذ سيقوم رجالات الله في لبنان بانشاء حصان طروادة تحت اسم (مزارع شبعا) لاهداف جليلة في ذرائعيتها الخالية من النبل الوطني الذي لاتعترف به الشمولية الايديولوجية لحزب الله في كل الاحوال, يمكن تلخيصها بنقاط اربع :

اولا, يتيح للحليف الايراني الالهي استثمارا اقليميا هائلا في المنطقة عبر تمويل وتسليح الحزب باسم تحريرمزارع شبعا التي عارضت ايران انسحاب اسرائيل منها لوضعها -مؤقتا- تحت اشراف الامم المتحدة, وذلك لصالح البرنامج النووي الذي لا يستهدف اسرائيل قطعيا, لان ايران-ببساطة- بحاجة لاكثر من نصف قرن لتتكافأ نوويا مع اسرائيل, هذا اذا وقفت اسرائيل على قارعة طريق التاريخ في انتظار ملالي ايران وامامهم الغائب عجل الله في عودته من غيبته ... وعلى هذا فان البرنامج النووي الايراني -والامر كذلك- لن يهدد ويخضع احد سوانا نحن العرب, وكأنه لا يكفينا الاخضاع والاذلال الاسرائيلي الذي يطمع حتى ايران بركوبنا ...

كما يتيح -ثانيا- للشقيق السوري التدخل (القومي) عبر الانشغال بموضوع لبنانية او سورية المزارع, كتعويض وطني وقومي عن الجولان الذي هو اكبر ليس من شبعا فحسب بل ومن لبنان نفسه, وثالثا, فان حصان (شبعا) يتيح لرجالات الله ان يحافظوا على سلاحهم المقدس باسم مقدس الارض بالاصطلاح الوطني والقومي وليس اللاهوتي لان المقدس الوحيد وفق الايولوجيا الشمولية الدينية هو قتل اعداء الله عموما, ومقدس ال البيت لدى الشيعة خصوصا, اذ ان وصية المجاهدين في قناة (المنار ) دائما هي دعوة ابنائهم لمحبة ال البيت وليس محبة لبنان على اعتبار ان التضحية والشهادة لا يستحقها الا ال البيت...!?

ان مقدس الارض هو مقدس ظاهري لاقيمة له في عالم مثيولوجيات البرزخ اللاهوتي عن الضحية والقربان والفدية والافتداء, ذلك العالم الذي يرعاه ايات الله الايرانيون (قوميا-الهيا) تحت راية عالمية الاسلام المرسل للناس كافة, وان كان من المفضل ان يكون الناس كافة تحت راية (الامة /الطائفة) التي ابدعها الملالي وفق فيض روح الله الخميني, فكانت هذه الاطروحة بمثابة اللغم المؤسس للفتنة التي اطلقتها ايران في العالم العربي والاسلامي التي نعيشها في العراق والتي ندعو الله وال البيت واولياءه الصالحين ان يحفظ لبنان وسورية والعالم العربي من تداعياتها الفظيعة ... لقد ادخل الملالي المنطقة في متاهة فكرية وايديولوجية وسياسية تستجيب تماما للتنظيرات التي يؤصلها عتاة اليمين المحافظ والجديد في الغرب واميركا في الفكر السياسي العالمي عن صراع الثقافات والهويات والخصوصيات ماقبل القومية والوطنية تأسيسا لدولة العصبيات والانتماءات العضوية, اي دولة (الامة /الطائفة), كما تجسدها صورة ايران الدولة اليوم وهي تخوض معركة الامة باسم الطائفة لتهدد كل الدول الوطنية حولها بما فيها العربية التي حققت ضربا من ضروب حداثة الدولة الوطنية التلقائية الغريزية ما قبل (المواطنية) التي لم ترتق بعد الى دولة العقل وذلك لانها لازالت مفخخة داخليا باحتمالات الانفجار الى دول الطوائف, وهذا ما يفسر ردود فعلها الغريزية نحو ايران التي راحت تشعرها بالخطر على كياناتها اكثر من العدو التاريخي التقليدي اسرائيل, وذلك لان لايران افخاخها الطائفية في الداخل, هذا من جهة, ونظرا لممكنات الاختراق الداخلي في الدائرة الاسلامية من جهة اخرى, اي ممكنات التحول المذهبي داخل الدائرة الاسلامية بين الملل والنحل بينما يستحيل ذلك على مستوى الصراع مع الاخر المسيحي واليهودي دون ان يستدعي ذلك حكم الردة شرعا ...

ان النزعة التبشيرية الشيعية الراديكالية التي يقودها ملالي ايران بصخب في محيطها العربي والاسلامي هي التي تكمن وراء الاستعداد للانتقال بسلاسة شديدة لهذه البلدان من موقع المؤيد المتحمس لحزب الله الى الموقع العدائي الذي يستبدل عداوة اسرائيل بعداوة ايران, تحت ضغط المفاعيل ذاتها للحروب الصليبية في العصورالوسطى التي قادت الى فتوى ابن تيمية عن الخطر الشيعي الاشد من خطر الارمن المسيحيين, وذلك لان الشيعة من اهل الدار فخطرهم اكبر, مما يسمح للعقل الغريزي الانفعالي السني الموازي والمناظر لغريزية عقل الملالي ان يخلص الى ان الغرب الاستعماري خلال قرون لم يتمكن من الغاء الهوية الثقافية والدينية للشعوب المستعمَرة, ولا تمكنت اسرائيل من تهويد الفلسطينيين, بينما سدنة هياكل الوهم للعقل الفقهي الشيعي الايراني جادون حقا باستهداف الهوية السنية تبشيرا وتمويلا لتشييعها طائفيا ومن ثم الحاقها قوميا بالاحلام الامبراطورية العتيقة والغثة لمجوعة من الملتاثين الايرانيين كرئيسهم المسحور, ويقدم لك محاوروك-عندما تتساءل عن جدية حقيقة التشيع في بلد كسورية- عشرات الامثلة عن افراد وجماعات وقرى سورية تتشيع ...

كما يتيح -رابعا- للثعلب الاسرائيلي ان يغدو ذئبا وحملا عند الحاجة: ذئبا باستدراج حزب الله - باسم شبعا - للتحرش بهم ليعيدوا تدمير لبنان كلما تعمر, وحملا وديعا للظهور امام العالم بانه الضحية التي طالما تهدده ايران من خلال هذيانات (نجاد) بذبح هذا الحمل,وذلك من خلال اداته حزب الله الذي يتفاجا -بدوره- بوحشية رد الفعل التدميري على لبنان من قبل جاره الحمل الاسرائيلي الذي يظل-مع ذلك- يثغو شاكيا من عدوانية وارهاب ايران التي تتهدد وتتوعد بتدمير اسرائيل, ذلك الحمل الذي يقوم بتدمير لبنان حقا وفعلا على الارض وليس بالتنفجات والمعاظلات, بل ان اسرائيل تتشكى-مع ذلك- من ارهاب حزب الله لانها لم تتمكن من افتراسه كليا, والمفارقة ان اول من يصدق تشكيها وتظلمها هو حزب الله وامته العربية والاسلامية, عندما يستخدم تشكيها وظلاماتها كوثيقة او دلالة وحجة على هزيمتها, وعندها سيتمكن شيلوك اليهودي ان يفر بغنائمه وجرائمه مقهقها من سذاجة العرب ومن انتصاراتهم الخلبية, وذلك من اجل ايهام الخصم (حزب الله) بانه المنتصر بهدف دفعه لمطالبة بني قومه بثمن هذا الانتصار الذي دفعوه دما ودمارا للوطن والانسان !

والمال دفع الخصم -وهنا حزب الله- للنزول الى الشوارع للمطالبة بغنائمه السياسية العبثية من شعبه الذي ناصره وطنيا, بل وقبليا كاخ عربي لا يسأل أخاه في النائبات عما فعل برهانا ظالما كان او مظلوما, ومن الطبيعي ان وعيا مقلوبا في فهم معادلة الانتصار والهزيمة بهذا الشكل الغرائبي لاحل له الا بصرع الاطروحة للاطروحة المضادة او العكس, فلا مجال لديالكتيك هيغل الذي ينتج عن صراع الاطروحتين تركيبا نوعيا جديدا في مجتمعات ما قبل عقلانية العقل, وذلك لان العقل الغريزي لا يحتمل غرائزيا وجود اخر مختلف دون سحقه والتهامه حتى ولو كان يعبده من قبل كآلهة التمر ... لابد للعروبيين والاسلامويين المنتصرين ابدا, الظفرويين بماضيهم المجيد ان يتذكروا بهذه المناسبة كلمة بن غوريون الموجهة الى جنرالاته المنتشين بالنصر بعد حرب حزيران 1967, بقوله لهم: لاتفرطوا بالثقة بانفسكم لان عدوكم الذي انتصرتم عليه كان ضعيفا وهزيلا ومتخلفا ...!

هذه العناصر الاربعة تتشابك وتتضافر لتنتج الكارثة ( الانتصارية ) لحزب الله, فايران استخدمت سلاحها المقدس لتمتحن فعاليته الاجرائية الحربية عبر الكفاءة العالية لمقاتلي حزب الله ومن ثم نتائجه العسكرية الاستراتيجية على ارض لبنان كساحة لتصفية حساباتها مع الولايات المتحدة, وذلك في سياق مطامحها الاقليمية والنووية التي تصطدم بالغرب والولايات المتحدة, وحزب الله اراد بهذه الحرب ان يسكت الاطراف الوطنية الاخرى عن الاحتفاظ بسلاحه الذي يفترض انهم شركاء له في الوطن, وذلك بفرضه لهذا السلاح كامر واقع انطلاقا من حتمية الصراع العسكري المفتوح مع اسرائيل بلا نهاية, طالما ان المسكوت عنه المضمر في ايديولوجيا حرب ( حزب الله مع حزب الشيطان) هو القضاء على الشيطان الاسرائيلي, ككيان ودولة, فهي اذن حرب مفتوحه على العدم المطلق !

والنظام السوري ببنيته السياسية والايديولوجية الانقلابية يعتقد ان تغير موازين القوى عسكريا لصالح حليفه ( حزب الله ) تتيح للاخير ان ينهي انقلابيا هذه التجربة الديموقراطية الوليدة الشئيمة لدى جاريه اللبناني والعراقي, حتى ولو ادت الى الحرب الاهلية, فهو في كلتا الحالتين رابح ان كان في هيمنة حزب الله الانقلابية على لبنان, او الحرب الاهلية التي تثبت عجز اللبنانيين عن قيادة انفسهم بانفسهم بدون مخابرات الاشقاء, وبذلك يكفل العودة كوسيط وبالمال كوصي, الامر الذي من شأنه اغراق ملف التحقيق في اغتيال الشهيد رفيق الحريري في الفتنة او الفوضى ...!

ان هذا التداخل المتشابك المعطيات الذي يقف وراء مغامرة حزب الله الاخيرة في خطف الجنديين الاسرائيليين وفتح باب جهنم على لبنان, هي ما يفسر صلاحية كل القراءات التي قاربت هذه الحرب : بوصفها حربا ايرانية / اميركية اسرائيلية على ارض لبنان, او بوصفها حربا سورية لاستعادة ما خسرته من مواقع النفوذ, او حربا لحزب الله من اجل فرض تسلحه كأمر واقع على اللبنانيين, لكن كل هذه القراءات تستبعد فكرة ان حزب الله خاض مغامرته لحساب المصلحة الوطنية اللبنانية في صراعها الطويل مع اسرائيل, لان النتائج الكارثية كلها كانت على حساب لبنان اقتصادا وشعبا ومجتمعا بل وارضا وسيادة, اذ عاد الاسرائيليون لاحتلال اراضي لبنانية, وموازين قوى الحرب التي ترجمت نفسها في القرار 1701 ادت موضوعيا لانتقاص سيادة لبنان بوجود 15 الف جندي اجنبي على اراضيه بغض النظر عن شرعية هذا الوجود المغطى بشرعية دولية, شرعية الامم المتحدة, بالاضافة للنتيجة الكارثية الاكبر التي تمخضت عنها هذه الحرب وهي شق المجتمع اللبناني الذي لم يختلف على تثمين انتصارسنة 2000 بل ارتقى حزب الله في الضمير اللبناني والعربي حينها الى مستوى الايقونة المقدسة التي يمنع مسها بالسوء حتى لدى خصومها فكريا وسياسيا !

ان المكسب الوحيد الذي حققه حزب الله في مغامرته الاخيرة هو التاكيد على ما اصبح معروفا عن ( مرجلته الالهية) وتضحياته الكربلائية هذا من جهة, ومن جهة اخرى نجاعة حرب العصابات في مواجهة التفوق العسكري التكنولوجي للجيش النظامي الاسرائيلي .

ان هاتين النتيجتين لم يكن حزب الله مدعوا لاثباتها من جديد بعد ان حققت اجماعا وطنيا في انتصار سنة 2000, فمنذ تلك الفترة لم يثبت حزب الله فقط هذه الحقائق على الارض , بل ان المجتمع اللبناني كان قد اثبتها ايضا من قبل خلال تاريخ حروبه مع اسرائيل, مما غدا امثولة راح يؤسس عليها استنتاجات سياسية وعسكرية في منتهى الاهمية, وكان اهمها التفسير القائل : بان دحر الجيش الاسرائيلي يعود الى مدى استقلالية مؤسسات المجتمع المدني اللبناني عن تغول السلطة المالوف عربيا, اي انه يعود الى مدى ما يمتلكه هذا المجتمع من مساحات مستقلة عن الهيمنة الكلية للدولة الشمولية التوليتارية, وهذا ما ميزه عن كل المواجهات الرسمية العربية الاخرى, سيما الشقيق الوصي السوري الذي يمارس صموده التسلطي عبر التصدي اللبناني المجتمعي, نظرا للمكاسب المدنية والحريات السياسية والديموقراطية التي يتمتع بها هذا المجتمع, والتي عجز النظام السوري عن ازدرادها رغم نهشه المؤلم لها, ناهيك عن المجتمع السوري الذي حوله الى انقاض وخرائب ومقابر منذ الثمانينات حيث لا يستطيع ان يدفع عدوانا او يحارب عدوا, او يحمل سلاحا شأنه في ذلك شان المجتمع والشعب العراقي الذي سقطت بلاده وعاصمته في ايام بعد سلسلة من الهزائم التي ألحقها النظام المقبور بالشعب العراقي العظيم, هذا الشعب الذي يدفع -حتى الان- اتاوة الحرية غاليا مع مواصلة الاشقاء في النظام العربي حربهم القذرة ضد تطلعه الى الحرية الداخلية التي هي الباب الوحيد للتحرر الخارجي !

اذن لم يكن حزب الله بحاجة للبرهنة على شجاعته وصموده ونجاعة حرب العصابات, فقد برهن على ذلك من قبل, بالاضافة الى ان نتائج هذه الحرب الكارثية لم تساعده على تبرير شرعية الاحتفاظ بسلاحه, وعلى هذا يغدو من المشروع والمبرر القول : ان هذه الحرب الكابوسية خاضها حزب الله لصالح الحلفاء السوريين والايرانيين, لكن الاولوية كانت للحليف الايراني الداعم بالمال والسلاح, فهو الاحق والاولى في الضرب بعصاه ...

ولذا فان هذه النصوص في هذا الكتيب تعاور هذه الحرب من خلال الالحاح على هذه الوظيفة الايرانية لتلك الحرب, الامر الذي من شانه ان يدفع حزب الله للاقلاع- نهائيا والى الابد- عن اتهام الاطراف الوطنية الاخرى ( 14 اذار ) بالتبعية للغرب, فاتهامه لهم يغدو -والامر كذلك - ليس الا نوعا من الردح السياسي الثرثار, امام واقع ملموس ومتعين لحالة التبعية المالية والعسكرية وبالمال - وبالضرورة موضوعيا - التبعية السياسية لحزب الله تجاه ايران (العظمى!) ! ? .

اما محاولة دفع تهمة المذهبية والطائفية من خلال الهروب للامام باتهام الاخرين (السنة) بتاجيج الفتنة المذهبية وذلك من خلال خطاب قادة الحزب والخطاب الكئيب والبائس لقناة (المنار) التي لم تجد مثلا اعلى اعلاميا لها سوى الاعلام السوري الذي يجري مقابلاته وحواراته وندواته بصيغة امنية تقوم على : التحقيق والاستجواب وحيث الجواب بنعم اولا, او الايحاء بالجواب من خلال اتمام صيغة السؤال بوصفه النصف الاول من الجواب ....الخ من تقنيات الاستجواب !

نقول ان محاولة دفع التهمة من خلال لصقها بالاخر ماهي الا اوالية بدائية تلقائية غريزية ايضا يمكن ان نتقراها في علم سلوك الطفل وطريقة استجاباته نحو المحيط حوله, وذلك لان مذهبية وطائفية حزب الله لا تحتاج لاثبات بل هي تعبير عن بداهة وجوده ومعنى رسالته, وبنية تكوينه الاجتماعي السوسيولوجي والثقافي المذهبي, بل وقواعد السلوك والزي واللباس واللحية والفصاحة المشيخية والترخيم والتلفيظ والفخفخة البلاغية والترنم بالمديح والهجاء وهو ما يسمى عادة بحضارة الوجه, اي شكل الحضور والمظهر الذي يعيش حالة استلاب تجاه نموذج الزي الايراني الذكوري والانثوي الاصالوي المهجن بذوق بلدي, بالضد من نموذج الزي الفرنسي الذي من خلاله يظهر جماعة 14 اذار تفوقهم المديني الحداثي الرهيف على التقشف الريفي الغليظ والفظ للاصالوية الشعبوية الايرانية التي تستعير الزي الغربي وتعيد انتاجه اصالويا وقوميا فتشوه الاصل اذ تزيف النسخة وتزورها, بل ان حزب الله هوالحزب الوحيد في لبنان الذي يمتنع عليه تكوينيا ان ينضم اليه عضو غير شيعي في حين يمكن ان ينضم اليه اعضاء ليسوا لبنانيين (الايرانيين) وحتى يمكن ان يبلغوا سدرة قيادته العليا, بل ان ايةعودة لقناة الكابة والعزاء والرثاء والناحات والردح والادانات والتجريم والتخوين (المنار ), فانه من الصعوبة بمكان ان تعرف انها قناة لبنانية لانها تبدا اخبارها الاساسية باخبار ايران وانباء ايات الله وتصريحاتهم بل واخبار الوفيات الايرانية, حيث في الفترة ذاتها التي استشهد فيها الشاب بيار الجميل, وبينما كان الاعلام اللبناني يهتم باخبار اغتياله والدعوات الى مراسيم ومواعيد العزاء كانت المنار منهمكة ببث خبر وفاة احد الملالي الايرانيين ومراسم التشييع والعزاء ... بل ان الغربة الطائفية عن لبنان الوطن تمارس كسلوك يومي طقسي, اذ ان وصية كل الشهداء لاهليهم وابنائهم وهم يودعونهم عند الذهاب الى القتال, تبثها قناة (المنار) تصويريا, حيث ان المقاتلين جميعا -كما اشرنا- يوصون وصية واحدة ومتكررة وهي (محبة آل البيت ) ولم نسمع توصية واحدة للابناء يدعونهم فيها الى (محبة لبنان ) الوطن, وذلك -فيما يبدو - لان معاناة حزب الله كربلائية وليست معاناة لبنانية, حيث الامه وقضاياه سماوية وليست ارضية او وطنية (ارض وتراب وحجارة ) وليست حقوقية بشرية تعاقدية, بل الهية لان حزب الله وجد كما وجد محمد وعيسى والقرآن وليس كما يوجد البشر على حد تعبير احد فصحائه المتقحمين الميامين !

ان الله والتاريخ سيسائل حزب الله ومرجعيته الايرانية عن بدعة الصراعات المذهبية والطائفية التي ايقظوا فتنتها في ثلاثة عقود الاخيرة عربيا واسلاميا من خلال تهوسهم لحمى التبشير المذهبي وتصدير ثورتهم الماضوية القروسطية التي تجاوزها الاجتماع السياسي الايراني والعربي منذ التاسيس للشرعية الدستورية في بداية القرن الماضي العشرين : في ايران عبر المشروطة الدستورية للامام النائيني, وفي العالم العربي عبر المشروع الدستوري للامام محمد عبده ومدرسته التي مارست الزعامة الثقافية والفكرية عربيا واسلاميا حتى قيام الانقلابات العسكرية في الخمسينات, وفي تركيا عبرالثورة الدستورية المدنية, اي ان الشرعية الدستورية المدنية نهضت في تناظر وتزامن وتواءم في الدول الاسلامية الاكبر (مصر -تركيا -ايران) مع بدايات القرن العشرين, واذا كان ثمة نكوص عربي عن الشرعية الدستورية باتجاه الاستبداد, فان ثمة غرائزية ظلامية ايرانية تريد ان تعمم ظلمتها على منطقة الشرق الاوسط باسم اسلام كهنوتي مذهبي يغلف تعصبا قوميا في خدمة مشروع : الامة /الطائفة او الطائفة /الامة : الطامحة للهيمنة بارادة لاهوتية ترفض العقلانية والنسبية منهجا وممارسة, وتؤوب الى نزعة رغائبية تحل (الهناك) المفارق الغيبي محل (الهنا) المحايث البشري والزمني والتاريخي, ونتمنى ان لاتقود ايران احلام (منامات خامنئي) كما فعلت (منامات الخميني ), لانها سيصدق عندها نبوءات نجاد في اننا على ابواب مجيءالساعة وعودة الامام الغائب حيث القيامة الان وللتو ...