مثقفون يدّعون على النابلسي بتهمة "إثارة النعرات"

الخميس, 19 يناير, 2006

أول شكوى من نوعها ضد "فتوى" حصر التمثيل الحكومي بـ"أمل" و"حزب الله"

وصلت "فتوى" الشيخ عفيف النابلسي بتحريم دخول أي جهة سياسية غير "أمل" و"حزب الله" الى القضاء. فهي وبعد أن أثارت ردوداً سياسية محدودة جعلت مجموعة من المثقفين والمحامين يتحركون فتقدموا بشكوى مباشرة أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت عبد الرحيم حمود متخذين صفة الادعاء الشخصي على النابلسي بجرم انتحال صفة وتهديد وإرهاب بهدف إعاقة ممارسة حقوق مدنية وإثارة النعرات الطائفية وتصوير النزاعات السياسية كأنها بين الطوائف والأديان.

والمدعون هم: طلال الحسيني ويوسف الزين وفارس ساسين وفهمية شرف الدين وندى صحناوي ومنى فياض وغسان مخيبر ومحمد فريد مطر. وجاء في حيثيات الشكوى:

في الوقائع:

1: صباح الأربعاء الواقع في 21 كانون الأول سنة 2005، نشرت الصحف اللبنانية تصريحاً كانت قد تداولته وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وهو التصريح المنسوب الى المدعى عليه/ الشيخ عفيف النابلسي والمعرّف به بأنه رئيس جماعة مسماة باسم "هيئة علماء جبل عامل". وقد جاء في ذلك التصريح:

"هناك محاولات خارجية تستجيب لها بعض القوى المحلية باستبعاد أمل وحزب الله، والاتيان بممثلين جدد عن الشيعة. لذا، فإننا نحرّم من موقعنا الشرعي، على أي طرف سياسي شيعي أن يدخل بديلاً ورديفاً عن ممثلي أمل وحزب الله. وأن أي دخول من أية جهة سياسية شيعية هو دخول غير شرعي، لأنه لا يمثل الواقع الشعبي، ولا يحوز الإيجاز الشرعي المطلوب. اننا نوجه فتوى احترازية الى كل سياسي شيعي، يحاول الاستفادة والدخول على خط الأزمة الحكومية الحاصلة، ألا يوقع نفسه بالتزام وميثاق مع "الآخرين وهو لا يحتل الموقع الشعبي ولا يملك المسوّغ الشرعي لمثل هذا العمل".

2: يتبيّن من نص هذا التصريح أن صاحبه/ المدعى عليه يدّعي:

2 ـــ 1: موقعاً شرعياً بالفتيا،

2 ـــ 2: يخوله منع المواطنين اللبنانيين المنسوبين الى الطائفة الشيعية من ممارسة حقوقهم الدستورية،

2 ـــ 3: تحت طائلة مخالفة الشرع، مهدداً بما قد تجرّ تلك المخالفة المزعومة من تعديات معنوية أو جسدية،

2 ـــ 4: بالإضافة الى ما يوقعه مجرّد القول بالفتوى من تعد معنوي من جهة ومن إيهام الجمهور وإغوائه من جهة أخرى،

2 ـــ 5: ساعياً الى إثارة نعرة طائفية لا بدّ أنّ تقابلها في حال حصولها بل بمجرد الدعوة إليها دعوات ونعرات مماثلة. فالنعرة هنا هي في دعوة الجمهور الى أ) المساواة بين تيار سياسي وطائفة، ب) وبالتالي الى اعتبار من يعادي هذا التيار من خارج الطائفة إنما يعادي الطائفة نفسها، ج) واعتبار من يخالف هذا التيار من المنسوبين الى هذه الطائفة كالخائن لها، د) واعتبار هذا التصرف، أي المشاركة في الحكومة، بمقولات العداء والخيانة لا بتقدير الشخص بل بحكم الدين والطائفة. ولهذا ما له، في قلق الناس وتوجّسهم، من تهييج المشاعر (أي إثارة النعرات)، وله ما له، في الأوضاع الأمنية الحاضرة، من إجازة التعديات. ولولا ذلك المضمون لما كان لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة أن تتناقل ذلك الوصف عمّن لا صفة له في الفُتيا الدينية أو القانونية.

2 ـــ 6: وهذا في أمر يعود الى تقدير سياسي وتصرف حر، لا شأن للشرع في بتّه أو تقويمه في نطاق القوانين اللبنانية التي تعيّن حقوق المواطنين وواجباتهم أو تنظّم شؤونهم الدينية ومؤسساتها.

2 ـــ 7: ولا اعتداد هنا، في تقويم الضرر الحاصل، بفساد رأي المدّعى عليه وبطلانه أو بانعدام صفته أو موضوع حكمه. فالمدعى عليه هو في أي حال ذو صفة دينية، والمرجع في تقويم الضرر هو في مستوى الوقائع والتوقع لا في مستوى الحقائق والتثبت. ولا افتراض هنا يصح بقدرة الجمهور على التمييز في هذا الشأن. فالواقع الطائفي الذي يقوم على الخلط الذي يستغله المدعى عليه إنما هو واقع واضح شائع لا سبيل الى إنكاره. ومما يدل على هذا الوضوح والشيوع أن المدعى عليه لم يحتج الى إظهار كل ما تضمنه التصريح من معاني الاستعداء والتخوين والإرهاب. فهذه المعاني ماثلة في الأذهان والفتن، في أي حال، إنما تكون بالباطل أو بإرادة الباطل. وعدم قانونية الفتوى أو عدم شرعيتها لا يحمي صاحبها من مسؤولية الجرم. والحاجة هنا هي الى حكم القضاء إيضاحاً للحق ورفعاً للضرر ودفعاً للشر.

2 ـــ 8: والذي يؤكد هذه الحاجة ما هو معروف في تاريخ المسلمين من خطورة الصفة التي ينتحلها المدعى عليه. فالفُتيا من الخطط الدينية الشرعية، كالصلاة والقضاء والجهاد والحسبة. يقول عبد الرحمن بن خلدون في الفصل الحادي والثلاثين من المقدمة ما يأتي: ".. وأما الفُتيا فللخليفة تصفّح أهل العلم والتدريس ورد الفُتيا الى من هو أهل لها وإعانته على ذلك ومنع من ليس أهلاً لها وزجره لأنها من مصالح المسلمين في دينهم فتجب عليه مراعاتها لئلا يتعرّض لذلك من ليس له بأهل فيُضِلّ الناس (...) على أنه ينبغي أن يكون لكل أحد من المفتين والمدرسين زاجر من نفسه يمنعه من التصدي لما ليس له بأهل فيضلّ به المستهدي ويضلّ به المسترشد. وفي الأثر أجرأكم على الفتيا أجرأكم على جراثيم جهنّم. فللسلطان فيهم لذلك من النظر ما توجبه المصلحة من إجازة وردّ".

2 ـــ 9: وأما بالنسبة الى من تتوجه إليه الفتوى من العامة فمخاطرها ظاهرة على هؤلاء خصوصاً في الفقه الجعفري كما يتبين من الخلاصة التي يقدمها محمد جواد مغنية في الجزء السادس من "فقه الإمام جعفر الصادق".

2 ـــ 10: وفي هذا الوقت، وحيث أن المجلس الشيعي الأعلى الذي هو مؤسسة من مؤسسات القانون الوضعي اللبناني، وعليه الضبط في هذه التصرفات الصادرة عمن له صفة دينية من المنسوبين الى المسلمين الشيعة، وحيث أن هذا المجلس لم يبادر، في مهلة معقولة، الى ما يتوجب عليه في هذا التصرف، فيكون الأمر فيه عائداً بأكمله الى القضاء اللبناني. وذلك إنما يكون في ظل مبدأ الانسجام بين الدين والدولة الذي أقرته وثيقة الوفاق الوطني والذي كان من نتائجه ما كان إثباته في الدستور من حق رؤساء الطوائف المعترف بها من مراجعة المجلس الدستوري في ما يمس حقوق الطوائف كجماعات دينية، من جهة أولى ضمانة لتلك الحقوق، ومن جهة ثانية تأكيداً لسيادة القانون الوضعي ومرجعيته في تنظيم العيش المشترك بين اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم وشرائعهم الدينية، أفراداً وجماعات، داخل الجماعات وخارجها وفي ما بينها.

في القانون:

تنص المادة التاسعة من قانون "تنظيم شؤون الطائفة الاسلامية الشيعية في لبنان" على ما يأتي:

"تتألف الهيئة الشرعية من اثني عشر عضواً من علماء الدين اللبنانيين تنتخبهم مجموعة علماء الدين اللبنانيين لمدة ست سنوات".

وصاحب التصريح/ المدّعى عليه ليس عضواً في هذه الهيئة.

وفي أي حال، فقد نصّت المادة الثلاثون من القانون نفسه على صلاحيات هذه الهيئة كما يأتي:

"إن الهيئة الشرعية هي السلطة التي يعود إليها إبداء الرأي والإنهاء في كل "أمر يتصل بمسائل الدين والشرع والأحوال الشخصية ولا تجوز مباشرة أي تنفيذ خلافاً لما تقرره الهيئة الشرعية".

وقد نصت المادة الثانية والسبعون من النظام الداخلي للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، في الفصل المتعلق بالإفتاء على ما يأتي:

"تعتبر وظائف المفتين الجعفريين وسائر وظائف دوائر الافتاء الجعفري وظائف دينية تتصل بمسائل الدين والشرع المنصوص عليها في المادة 30 من القانون".

وصاحب التصريح/ المدّعى عليه ليس من المفتين ولا من دوائرهم، ما يجعل فعله من الجرائم الواقعة على السلطة العامة التي تعيّن العقوبة فيها المادة 392 من قانون العقوبات، وهذا نصّها:

"من بدا منتحلاً وظيفة عامة عسكرية أو مدنية أو مارس صلاحياتها عوقب بالحبس من شهرين الى سنتين. إذا كان الفاعل مرتدياً في أثناء العمل زياً أو شارة خاصين بالموظفين فلا ينقص الحبس عن أربعة أشهر. وإذا اقترن الفعل بجريمة أخرى رُفعت عقوبتها وفاقاً لأحكام المادة 257".

وبالفعل فإن الموضوع الذي يزعم المدعى عليه الإفتاء فيه ليس من مسائل الدين والشرع أو الأحوال الشخصية، بل هو من الحقوق المدنية التي يعيّنها الدستور اللبناني. وهي الحقوق التي يحمي ممارستها القانون كما يظهر في نصّ المادة 329 من قانون العقوبات، وهذا نصّها:

"كل فعل من شأنه أنْ يعوق اللبنانيّ عن ممارسة حقوقه أو واجباته المدنية يعاقب عليه بالحبس من شهر الى سنة، إذا اقترف بالتهديد والشدة أو بأي وسيلة أخرى من وسائل الإكراه الجسدي أو المعنوي. إذا اقترف الجرم جماعة مسلحة مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر كانت العقوبة الحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات وإذا وقع الجرم بلا سلاح فالعقوبة الحبس من شهرين الى سنتين".

والمادة اللاحقة من القانون نفسه، أي المادة 330 تنص على ما يأتي:

"إذا اقتُرف أحد الأفعال المعينة في المادة السابقة عملاً لخطة مدبرة يراد تنفيذها في أرض الدولة أو في محلة أو محلات منها عوقب كل من المجرمين بالاعتقال الموقت أو الابعاد".

إن ما يسعى إليه المدّعى عليه/ صاحب التصريح المذكور، الذي لا صفة له في هذا المجال، بالإضافة الى التهديد والارهاب المعنوي الذي قد يصل بمفاعيله الى حد الارهاب المادي، إنما هو إثارة النعرة في وسط طائفي وهذه كما قدمنا لا بد أن يقابلها ما يماثلها من دعوات ونعرات في الأوساط الطائفية الأخرى. وهذا العمل هو من "الجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية أو تعكّر الصفاء بين عناصر الأمة" المنصوص عليها في قانون العقوبات كما جاء في المادة 317 منه:

"كل عمل وكل كتابة وكل خطاب يقصد منها أو ينتج عنها إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة يُعاقب عليه بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات وبالغرامة من خمسين الى أربعماية ليرة وكذلك بالمنع من ممارسة الحقوق المذكورة في الفقرتين الثانية والرابعة من المادة 65 ويمكن للمحكمة أن تقضي بنشر الحكم".

لكل هذه الأسباب ولأفضل ما ترونه عفواً ولما سندلي به إذا دعت الحاجة

يتقدّم المدعون: عدنان الأمين، طلال الحسيني، يوسف الزين، فارس ساسين، فهمية شرف الدين، ندى صحناوي، علي غندور، منى فياض، غسان مخيبر، محمد فريد مطر بالشكوى المباشرة الحاضرة متخذين صفة الادعاء الشخصي بحق المدّعى عليه/ الشيخ عفيف النابلسي والمعرّف عنه بأنه رئيس "هيئة علماء جبل عامل"، وكل من يظهره التحقيق، شريكاً أو فاعلاً أو متدخلاً أو محرضاً، بالجرائم الآتية:

1 ـــ انتحال صفة الافتاء، وفرض وصاية غير مشروعة على مواطنين لبنانيين بذريعة رفض وصاية أجنبية مرفوضة أصلاً.

2 ـــ تهديد مواطنين لبنانيين وإرهابهم بهدف إعاقتهم عن ممارسة حقوقهم المدنية بالمشاركة التي لهم وحدهم تعيينها سلباً أو إيجاباً.

3 ـــ إثارة النعرات الطائفية بتصوير النزاعات السياسية بين تيارات سياسية متنافسة تارة ومتحالفة أو متواطئة تارة أخرى كأنها صراعات بين الطوائف والأديان.

طالبين التحقيق معه بالجرائم المعددة أعلاه والظن به وإحالته موقوفاً أمام القضاء المختص وإيجاب محاكمته بالجرائم المشار إليها أعلاه وإيقاع أشد العقوبات به، وتقرير نشر الحكم في الصحف وفي الإعلام المرئي والمسموع على نفقة المدعى عليه.

محتفظين للمدّعين بحقوقهم كافة مهما يكن نوعها ولأية جهة كانت.