حزب الله" أحيا في الاونيسكو ذكرى استشهاد السيد الموسوي والشيخ

وطنية - 16/2/2006 (سياسة) أقام "حزب الله" بعد ظهر اليوم في قصر الاونيسكو في بيروت، مهرجانا خطابيا تحت شعار "16 شباط.. وتستمر المقاومة"، في الذكرى السنوية لاستشهاد الامين العام السابق للحزب السيد عباس الموسوي وزوجته وطفله والشيخ راغب حرب، في حضور ممثل رئيس الجمهورية العماد اميل لحود وزير العدل شارل رزق، ممثل رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري النائب علي حسن خليل، ممثل رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة وزير التربية خالد قباني، الامين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله، ممثل "التيار الوطني الحر" النائب نبيل نقولا، ممثل الكتلة الشعبية النائب حسن يعقوب، ممثل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ممثلين عن قيادة الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، ممثل عن السفارة الإيرانية، رئيس الحزب القومي السوري الاجتماعي علي قانصوه، ممثلين عن أحزاب الكتائب والبعث والجماعة الإسلامية وحركة أمل وحركة الشعب وعدد آخر من الأحزاب اللبنانية والفصائل والقوى الفلسطينية، شخصيات وزارية ونيابية وحزبية وأساتذة من الجامعة اللبنانية ورجال دين من مختلف الطوائف وجمع من الشخصيات السياسية والاجتماعية والنقابية والبلدية وحشد من المواطنين.

بدأ المهرجان بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، فالنشيد الوطني اللبناني ونشيد حزب الله، ثم ألقى نجل الشهيد السيد عباس الموسوي ياسر كلمة تحدث فيها عن والده الذي "لم ترهبه تهديدات المستكبرين، ولم تهزمه كل شعارات التهويل والتزييف والتخويف والتحريض"، واصفا اياه ب "الشجاع الباسل المنتصر للحق ولقضايا الامة المحقة والعادلة". وقال: "ان السيد عباس لم يغب ولم يرحل، وان السادس عشر من شباط ليس يوم الوداع والنهاية". وأكد "ان الشهيد بطلته وطلعته ومواقفه التي تبعث في الامة العز والفخر والعنفوان، يتألق حضورا مميزا"،

وقال: "ان السيد نصرالله يحمل الامانة بكل ايمان وقوة وجدارة ومسولية"، مشيرا الى ان شهادة والده "كانت يوما للتلاقي لتحمل المسؤولية ولحفظ الوصية قبل كل شيء، وكانت بداية لنهوض جهادي مميز هز اركان العدو واضعف كل قيادته السياسية والعسكرية، فكان الرد هزائم تجتاح العدو امنيا وعسكريا جعلته يعترف بها على الرغم من غروره ومكابرته التي بقيت عقودا من الزمن".

ثم كانت كلمة ممثل حركة المقاومة الاسلامية في فلسطين (حماس) في لبنان اسامة حمدان، الذي قال انه يتكلم اليوم "في مقام من بذل الدم والروح وقدم كل شيء لا لشيء سوى الى الله عز وجل"، معتبرا ان الشهداء "يزهدون في الدنيا ويعطون بدل ان يأخذوا"، مشيرا الى ان "الله خص المسلمين بالجهاد دفاعا عن انفسهم حتى وان خذلهم بعض اتباع جلدتهم، وان الدم الذي سقط في يد الله قبل ان يسقط على الارض هو دم يبارك الله به المسيرة ويرفع به الدرجات".

أضاف: "بعد شهادة السيد عباس الموسوي، من كان يظن ان نصرا قريبا سيتحقق وان 8 سنوات تفصل بين الشهادة واندحار الاحتلال عن معظم ارض الجنوب في لبنان"، مشيرا الى انه " مهما كثر الاذى او المصائب او الشهداء من القادة والمجاهدين فالمسيرة ستبقى سائرة الى الامام لانها تؤمن بوعد ربها"، متوجها الى "العالم باسره والى الحلفاء والخصوم بان يرتبوا سياساتهم على هذا الاساس". وتحدث عن التغيير الذي حصل في فلسطين، معتبرا ان "البعض ارجع فوز المقاومة بما تمثل الى فساد السلطة، والبعض الاخر ارجعه الى نظافة يد المقاومة وخدمتها لمجتمعها وتماسك قوتها فيما تخلخلت صفوف الاخرين"، مستطردا بالقول ان "كل هذا صحيح، انما هناك ما هو اهم من ذلك، وهو ان شعوب هذه الامة عندما تعطى الحرية الحقيقية للاختيار فانها لا تخطئ اختياراتها ابدا".

وأكد أن "الشعب الفلسطيني في الانتخابات اعلن رفضه للسياسة الاميركية التي ارادت ان تفرض حلا هزيلا يسقط حقوق الفلسطينيين"، داعيا البعض "لا الى اعادة حساباتهم ليثأروا في جولة انتخابية قادمة او ليستعيدوا مقاعد فقدت في البرلمان، بل عليهم ان يعيدوا حساباتهم ليصوبوا اختياراتهم ويكونوا الى جانب شعوبهم وامتهم". وتوجه الى المسؤولين السياسيين في لبنان بالقول: "ليس عليكم ان تقلقوا بعد اليوم فلا توطين ولا تعويض ولا ترحيل، وان مشروعنا الوحيد نحن وانتم هو العودة، فلنضع ايدينا ببعضها البعض".

ممثل الرئيس السنيورة/ بعد ذلك القى ألوزير قباني الكلمة التالية: "شهداء المقاومة, هم شهداء الوطن وشهداء الامة, هم عند ربهم مكرمون وفي جنات الخلد ينعمون فرحين بما اتاهم الله من رحمة وغفران وبعزة الشهادة التي اعزهم بها وفضلهم بها على غيرهم بقول تعالى: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون", ويقول في كتابه الكريم "ومن المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه, فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما تبدلوا تبديلا". نعم, منهم من ينتظر, ينتظر ان ينعم الله عليه, وان يمن عليه بالشهادة, وان يكتب له ان يكون من الشهداء, شهيد الحق وشهيد الايمان وشهيد العقيدة, وشهيد الوطن, وشهيد الامة وشهيد من يدافع عن الارض والعرض والكرامة, من يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين طغوا وتجبروا وظلموا واستبدوا وعاثوا في الارض فسادا هي السفلى, ولذلك لا يستغربن احد ان يقف شهداء الحق في الصفوف كل ينتظر دوره غير عابيء بمباهج الحياة الدنيا ولا بزينتها يطلب فضلا من الله ورضوانا, ولا يستغربن احد ان تتزاحم قوافل الشهداء على درب الشهادة ما ان تشد قافلة الرحال حتى تتهيأ الاخرى, قافلة بعد اخرى, قافلة تودع اخرى, واكاليل الغار تكلل جباه الراحلين والقادمين, ونور الايمان على وجوههم المستبشرة بنعمة الله ونعمة الايمان. تلك الدرب سلكها الشهداء الاوائل فسقوا بدمائهم ارض الجنوب الطيبة, وارض البقاع العربي السمحة, سماحة السيد عباس الموسوي, والشيخ راغب حرب وغيرهما، نستعيد الذكرى السنوية لاستشهادهما, طلبوا الشهادة فكتب لهم ما ارادوا لان لله رجالا اذا ارادوا اراد, وعلى دربهم سار من سار وقضى من قضى, فعلا جبين لبنان وعاد جنوبه وبقاعه, ومعهما عادت الكرامة وظهر الحق على الباطل, زهق الباطل, ان الباطل كان زهوقا. بمثل هؤلاء الرجال, تتجدد الامة وتبنى الاوطان وتستعاد الكرامات, طرق الباطل تتعدد وتتنوع وطريق النصر واحد مستقيم لا عوج فيه.

"ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم" ونصرة الله تكون باتباع سبيله, وسبيله الايمان والتضحية وكبرالنفس والتواضع والايثار والرحمة وسماحة الخلق ومعاملة الناس بالحسنى وبالكلمة الطيبة لان الكلمة الطيبة تبني والكلمة الخيبثة تهدم, الكملة الطيبة تعطي ثمرا طيبا ويفوح عبيرها وتنتشر في الارجاء, والكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين, والكلمة الخبيثة كشجرة خبيثة اجثت من فوق الارض ما لها من قرار. وكم نحن بحاجة اليوم في لبنان الى الكلمة الطيبة, الى التآخي, الى التسامح، الى التشاور، الى اجتماع الارادات، الى الحوار البناء، الى كلمة سواء, الى نصرة بعضنا البعض. لقد من الله علينا بتحرير الارض, ولكن علينا ان نعمل على تحرير النفس عن الهوى بل ومجاهدة النفس عن الهوى، بحاجة الى ان نحرر ارادتنا، ان نستنهض قوانا وطاقاتنا الوطنية، كل قوانا وطاقاتنا الوطنية من اجل مواجهة التحديات التي تتربص بنا عند كل منعطف وعند كل مفترق طريق، طريقتنا محفوفة بالمخاطر، مخاطر الداخل والخارج، فلا نزيدنها خطرا ولا نزرعن اشواكا على الدروب تدمي اقدامنا، ولا تجر علينا الا السقم والضرر وعواقب الامور.

ايها الاخوة، لا خوف على المقاومة ولا خوف من المقاومة، فلبنان كله تحول الى مقاومة بوجه الاحتلال الاسرائيلي ولبنان كله وقف الى جانب المقاومة واحتضن المقاومة فكان التحرير، المقاومة وجدت للدفاع عن الارض وعن الحرمات واستعادة كرامة لبنان، وطالما بقي لنا شبر محتل من ارض لبنان فحقنا بالمقاوم والتحرير يبقى قائما.

ايها اللبنانيون، لا خوف من المقاومة، لن ترضى المقاومة ان تفرط بمنجزاتها وبثقة الناس فيها وتحلق اللبنانيين من حولها واجماعهم عليها، لن ترضى المقاومة على نفسها ان تتحول الى مصدر قلق او خوف للبنانيين وتغرق في شراك السياسة وفي اتون الصراع السياسي الداخلي، وهي التي ترفعت ونزهت نفسها عن المنافع والمحصصات السياسية فعفت وهي القادرة عن المغانم واقتسام الحصص، وجالت في رحاب الوطن كله، لن ترضى المقاومة ان يشعر اللبنانيون انهم مهددون او ان مصير لبنان ومستقبله رهن بقرار يأتي من خارج الدولة او مؤسساتها الشرعية.

ويا ايها المقاومون، لاخوف على المقاومة، لن يرضى اللبنانيون ان تضرب المقاومة او ان يهدد وجودها ومصيرها وهم قد احتضنوها وآزروها ووقفوا الى جانبها، لن يرضى اللبنانيون ان يضحوا بالمقاومة وهي التي حررت الارض والكرامة الوطنية، لن يرضى اللبنانيون ان تسلم المقاومة لقمة سائغة في يد من يتربص بها شرا. لابد اذا من الحوار، لا غنى لنا عن الحوار في معالجة مشاكلنا الداخلية، وعلينا ان نحتكم الى مؤسساتنا الدستورية في معالجة قضايانا الوطنية، وان اي معالجة لهذه القضايا خارج مؤسسات الشرعية هي طعن بشرعية الدولة وتسليم الامور الى موازين القوى، ان لم نقل الى الشارع، ولقد كانت تجربة الاحتكام الى موازين القوى والجهات التي ترعاها شرقا وغربا، مدمرة للبنان ولاهله وادت الى حرب اهلية طاحنة كادت ان تنهي لبنان لولا الارادة الجامعة للبنانيين برفض الحرب ورفض العنف ورفض التقسيم والتمسك بالوحدة الوطنية والوفاق الداخلي والتضامن الداخلي، الذي يشكل وحده ضمانة استقلال لبنان وحريته وسيادته. لقد اجتمعت ارادة اللبنانيين على وثيقة الوفاق الوطني التي جاءت ثمرة مؤتمر الطائف، والذي حقق سلام لبنان واحيا من جديد المؤسسات الدستورية ووحدة الشعب، فلا يجوز لنا بعدما دفعه اللبنانيون من ثمن باهظ بالارواح والممتلكات، وبعد ان اعيد اعمار لبنان وبناؤه بفضل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ان نعود اليوم لنغامر بكل هذه المنجزات التي اعادت لبنان الى خريطة العالم، وان نضع اللبنانيين ومستقبل لبنان وبناء الدولة في اتون صراع سياسي وخلافات مريرة وانقسامات تذهب بآمال اللبنانيين وحقهم في حياة كريمة ومستقرة.

لم يعد اللبنانيون يطيقون ان تأخذهم فئة ذات اليمين وفئة اخرى ذات الشمال فتفرق بهم السبل، بل يريد اللبنانيون جميعا ان يسيروا معا في طريق واحدة، في الطريق السوي والمستقيم الذي يحقق امالهم واحلامهم وان يجتمعوا في مابينهم على كلمة سواء، على لبنان الواحد الموحد لبنان النهائي لجميع ابنائه، لبنان المساواة والعدالة، لبنان العربي الهوية والانتماء.

وبقدر ما نحرص على تطبيق قرارات الشرعية الدولية، لان لنا مصلحة في ذلك، بقدر ما نحن حريصون على وفاقنا الداخلي والوطني، والامور لن تستقيم الا بمعرفة قاتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري ايا كان قاتله، لان قضيته هي قضية وطنية وقومية لا تخص فردا او فئة من اللبنانيين، فاغتياله كان اغتيالا لوطن واغتيالا لامن المجتمع سلامه واستقراره ومستقبله، كما لن تستقيم الامور الا بالتغيير الحقيقي الذي يعيد بناء لبنان الدولة ومؤسساتها على قاعدة الحق والقانون والعدالة. لم يعد مقبولا ان يعطل احد مسيرة التغيير وبناء الدولة، ولبنان لا يحكم بمنطق الغلبة ولا بمنطق الاستئثار، اذ لا يمكن لفئة او جهة ان ترهن لبنان لمشيئتها او ان تدعي حق تقرير مصير وطن ومجتمع باسره.

يجب ان نعتاد العيش في كنف الدولة اي ان نتقبل فكرة الدولة وان نحترم قوانينها ودستورها، وان نخضع لسلطانها لاننا خارجها نكون جماعات وطوائف وقبائل لارابط فيما بيننا ولاكيان لنا. لقد بات اللبنانيون بحاجة الى دولة ترعى شؤونهم وتهتم لمشاكلهم وشؤون حياتهم ومعيشتهم، لقد مل اللبنانيون السياسة واهلها واصبحوا يحتاجون الى من يرعاهم ويتدبر امورهم في ظل ما يعانونه من اوضاع اجتماعية واقتصادية تضغط على انفساهم وعلى صدورهم الى حد بات ينذر بالانفجار ونحن عن ذلك لاهون او غافلون. لقد قضى مضاجع الناس جدال سياسي يكاد لاينتهي وهو لايسمن او يغني من جوع، لا جوع البطن ولا جوع الفكر، لانه تحول الى تحديات وتسجيل مواقف في حين نحتاج الى منطق العقل والتفهم وان ندرك ان البلاد بحاجة الان الى الحكمة والتروي والاناة والجلوس على طاولة الحوار، وبناء جسور الثقة بين الاطراف المختلفة لكي يسلم وطننا وتستقيم امورنا. وقد اكدت الاحداث كلها على مدى تعلق اللبنانيين بوطنهم وارضهم ومدى حرصهم على وحدتهم الداخلية ووفاقهم الوطني، ومدى تشبثهم بحريتهم واستقلالهم وسيادتهم، وهذا هو الرهان الاكبر على ان لبنان لايموت ولن يموت، وان اهله هم حماته وهم ضمانة وجوده، فلا نبتغي ضمانة تأتينا من خارج ارادة اللبنانيين ووحدتهم.

ايها الاخوة، شهداء المقاومة شهداؤنا، احياء هم عند ربهم يرزقون، شهاداتهم احيتنا واحيت الامل والرجاء في قلوبنا، احيت قلوبا اقعدها اليأس عن الخفقان، واحيت ارضا اجدبت بما اكتوت من نار ودخان. فلشهدائنا، ومن نحيي ذكراهم، الذين استشهدوا كي يحيا لبنان، الرحمة والرضوان".

ممثل الرئيس بري/ وألقى النائب علي حسن خليل الكلمة الاتية: "وحدهم الشهداء يعرفون زماننا الصعب، يدخلون تاريخنا من حياتهم التي راكموا فيها جهادا ومجدا وهم يسيرون الى دمهم يحملون راية المقاومة والتحرير يوم التبس على الكثيرين وجهة العدو والمعركة. يحملون رايتهم مصدقين لشعار امام المقاومة والوطن السيد موسى الصدر: ان احتلت اسرائيل بلادي سأخلع ردائي واصبح فدائيا لحدود ارضنا المقدسة.

هو الشيخ راغب حرب شيخا لن ترهبه صورة اسرائيل في عز جبروتها بعد احتلال 1982 فرسم الحد معها, شعاره ان المصافحة مع العدو اعتراف يؤسس لمجتمع الممانعة. السيد عباس الموسوي, سيدا بعمة العزة السوداء يسير الى جبشيت يسبقه شغفه وقلبه ليقرأ على مسامع الدنيا حكايا هذا الشيخ وليقدم نفسه يزفها لساعة الرحيل. سيدا لموقف صعب, يخدم بأشفار العيون, واماما للمنبر الحسيني, منه يستمد شجاعة القائد في الميدان الذي ذاب في الله وقضايا انسانه وحريته، فقاربها بحجم عظمة الله في عينية لتهون امامه كل الصعاب وليرى كم ان العدو صغير امامه, يقدم نفسه مشروع شهيد يتحول مع الشهادة التي اريد لها ان تسقط المشروع الذي يحمل الى نار ونور، كبرت مساحة الجهاد وامنت الانتصار ليصبح عباس الموسوي في طليعة صناعه.

في هذه الذكرى نقول لشهداء حركة امل وحزب الله وكل الشهداء على طريق التحرير الذين كتبوا عزة هذا الوطن, وتحولوا الى شهداء له لا لاحزابهم, شهداء كرامته وقوته، لهم, لامامهم موسى الصدر, لسيدهم عباس الموسوي وشيخهم راغب حرب, نقول اننا لن نتنكر لدمنا وجهادنا، وسيبقى فعلكم وذكراكم زينة حياتنا ونبراس الهداية لسيرنا مهما تكررت السنين. نرفع الصوت عاليا معكم: ان لا مكان للعدو في رسم حاضرنا والمصير.

ايها السيد القراني, ايها الموسوي, كلامك في اخر لقاء قبل استشهادك في لقاء اخيك دولة الرئيس نبيه بري: "ان مسؤوليتنا جميعا هي في ان نتوحد وان نواجه التحديات معا". كلامك هو اليوم حقيقة، صورة وحدتنا وتكاملنا طليعة صور المواجهة لمشروع اضعاف الوطن واسقاط مقاومته, صورة الوحدة المنطلقة لتكون قوة كل الوطن وفئاته, لا قوة حزب او حركة او طائفة قوة في خدمة استقراره وتطوره.

ايها السادة تكريم الشهداء لا ينفصل عن المشروع الذي حملوه لم ينتظر لاطلاقه قرارا وترسيما للحدود. قرار المقاومة استكمال لقرار بناء مجتمع المقاومة الذي اطلقه الامام الصدر الذي استقرأ عدوانية اسرائيل على لبنان فدعانا لنحضر انفسنا للمواجهة. كان الوطن وحدوده مفتوحة للعدو وكانت النظرة اليه والى دوره ملتبسة عند البعض وكان مشهد الاختراقات الاسرائيلية للسيادة يتكرر والدولة متخلية عن واجباتها وكانت الارض التي تحتل حتى حدود العاصمة, فكانت المقاومة والشهداء والتحرير والانتصار. كانت المقاومة التي لم تنتظر بعض السياديين الجدد الذين يتهجمون عليها وهم يسمعون جدار الصوت لطيران العدو الاسرائيلي فوق رؤوسهم بالامس.

المسؤولية اليوم هي ان نحافظ على مقاومتنا، وسنحافظ عليها كضرورة وطنية لم ولن تكون في الموقع الذي يريده البعض ان يصورها فيه، سلاحا فئويا لقضية اقليمية. هي مقاومة وطنية مشروعيتها من مسؤولية استكمال تحرير الارض والاسرى وردع الاعتداءات، واي اختلاف حولها كوسيلة سيؤدي الى عودة اسرائيل الى الانقضاض على لبنان مجددا. لن ندخل في مسألة لبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وخبرات الجغرافيين الجدد والفاتحين الجدد الذين يبحثون عن تبريرات ليتخلى لبنان عن ارضه وحقه الثابت وعن مياهه وثرواته وفقا للمعايير التي تقدمها اميركا والتي تحاول فرضها انسجاما مع منظومة الامن الاسرائيلي لا منظومة الدفاع الوطني اللبناني، متجاوزين كلام الحكومة ورئيسها والتزامها امام المجلس النيابي بالحق المشروع للمقاومة. وللسياديين الجدد سؤال عن موقفهم من مشهد واحد من زعماء المحافظين الجدد غونداليزا رايس تقدم بالامس صورة الوصي الجديد الذي يرسم اوامر العمليات. ان ايقاع وتيرة الخطاب السياسي خلال الايام الماضية والتي لامست حدود الانقسام حول قضايا وطنية اساسية، تدفعنا للتأكيد على ان نأخذ مشهد الاحتشاد الشعبي على قدر المسؤولية التي تجعلنا نقارب عناوين الاختلاف بروح من المسؤولية الوطنية. ونقول بوضوح: من غير المسموح المساس بالسلم الاهلي والاستقرار الداخلي والتعبئة باتجاه هذا الامر، وعلينا التمسك اكثر بصيغة الوطن النهائي والوفاق الداخلي الوطني والعيش المشترك والعمل لبناء الشراكة السياسية الحقيقية بين جميع مكوناته.

ايها السادة، لقد اكد اللبنانيون جميعا على اختلاف انتماءاتهم في ذكرى 14 شباط اصرارهم على ادانة واستنكار جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، باعتبارها جريمة في حق لبنان ودوره وموقعه الذي اراده الرئيس الشهيد دوما رياديا في كل المجالات والاصرار على العمل على كشف حقيقتها ومحاسبة المجرمين ايا كانوا. وفي هذه المناسبة نقول لبعض الخطاب المتوتر وغير المسؤول الذي حول المناسبة عن صورتها، متجاوزا الحقائق والمصالح الوطنية، ولبعض المشاركين في الحكومة الحالية الذين انقلبوا على البيان الوزاري من خلال العناوين التي طرحوها في ما يتعلق بالمقاومة ومزارع شبعا والعلاقات اللبنانية - السورية، انهم بهذا يهددون استقرار البلد والنظام السياسي بما يفرض وقفة جدية من قبل التيارات الاساسية المشكلة لهذه الحكومة والتي سمعنا منها كلاما مختلفا. ايها السادة، كل العناوين التي تقدمت تدفعنا للتأكيد على اطلاق ورشة الحوار الداخلي الذي دعا اليه الرئيس نبيه بري، بل وتجعلنا اكثر اصرارا عليها بعد الكلام الذي اطلق، كحاجة وطنية لبنانية للخروج من حال الانقسام في الخطاب الوطني الى توحيده مرتكزين في اي حوار على وثيقة الوفاق الوطني والصيغة التي انتجتها.

ايها الاخوة، يا ابناء الصدر والموسوي وحرب، لا تهنوا ولا تحزنوا انه وعد الله إن تنصروه ينصركم". ممثل الرئيس لحود بعد ذلك ألقى الوزير رزق الكلمة الاتية: "لقد شرفني فخامة رئيس الجمهورية العماد اميل لحود بتمثيله في هذا الاحتفال الذي يقام لمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد الامين العام السابق ل"حزب الله" سماحة السيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب. ولهذه المناسبة المزدوجة مدلولات عدة لا بد من التوقف عندها نظرا الى اهميتها على اكثر من صعيد، فالشيخ الموسوي والشيخ حرب جسدا من خلال مواقفهما الشجاعة ورغبتهما العميقة في تحرير الارض من الاحتلال الاسرائيلي، مبدأ الشخصية الوطنية الحقيقية التي لا تقيم وزنا لفداحة التضحيات عندما يتعلق الامر بالوطن.

فالشهيدان كانا يعلمان تماما ان حياتهما معرضة للخطر في كل لحظة على أيدي عدو حاقد لا يهمه انتهاك الحقوق، ويضرب بالقرارات الدولية عرض الحائط. وفي حين كان الكثيرون ربما اختاروا السكوت عن هذا الذل، اختار الشهيدان درب المقاومة، فألهبا قلوب المئات لا بل الالاف من عناصر المقاومة الوطنية بهدف الوصول الى الغاية الانبل والاهم وهي تحرير الارض واعادتها الى كنف الوطن. لقد شكل الشيخ الموسوي تهديدا جديا لمشروع الفتنة الاسرائيلي ولغايته تفكيك لبنان للسيطرة عليه في شكل كامل.

من هنا، عملت قوات الاحتلال بجهد لاغتياله، لعملها انه ركن مهم من اركان الوحدة الوطنية، فكان سقوطه مشرفا في مواجهة مع عدو محتل. سقط الشيخ الموسوي في ساحة البطولة، وقد جندت اسرائيل طائرة مقاتلة للقيام بمهمة خبيثة اعتقدت انها ستكفل لها الطمأنينة والاستقرار، فيما كان الشهيد عائدا من مشاركته في حفل ذكرى الشهيد حرب. لكن المشهد كان مختلفا، ومرة جديدة أثبتت اسرائيل خطأ رهاناتها، فكانت المقاومة بالمرصاد لكل هذه المخططات، وكان استشهاد الشيخ الموسوي استكمالا لمسيرة طويلة من الشهداء لم تتوقف عنده، بل كانت محطة استمدت منها قوة وثباتا وعزما، ونجحت في تحقيق انجاز لم يسبقها اليه احد وهو دحر الاحتلال من القسم الاكبر من الجنوب وبالبقاع الغربي.

ولم تعرف قوات الاحتلال أخذ العبر من اغتيالها الشهيد راغب حرب، إذ عززت دماؤه انجازاته الوطنية ومقاومته الباسلة لابقاء العدو خارج العاصمة اللبنانية اولا، وقرأ بكتاب الشجاعة والحق والحرية، في وقت كانت قوات العدو الاسرائيلي تقرأ بكتاب الموت والحقد والدمار والمجازر، فانتصر الحق على الباطل وكان الانسحاب الاسرائيلي من بيروت.

وبقي الشيخ راغب حرب على نهجه، وهذا ما زاد من انزعاج العدو، فقرر اللجوء الى اللغة الوحيدة التي يعرفها وهي لغة الاغتيال، معتقدا انها كفيلة بإنهاء حال المقاومة وتشتيتها، ولكن الاحداث والتاريخ اثبتا العكس، ولا تزال ذكرى 25 أيار عام 2000 حاضرة في أذهان اللبنانيين مكللة بالفرح والمجد. ان المقاومة الوطنية لعبت, ولا تزال دورا محوريا في الوقوف في وجه التحديات التي تحيط بلبنان، وهي الدليل الحي على اصرار لبنان على التمسك بتحرير اراضيه المحتلة في مزارع شبعا، والمساهمة في تحقيق السلام العادل والشامل والدائم في منطقة الشرق الاوسط. وهذا الدور تحديدا هو الذي يحتاجه لبنان في هذه الظروف الدقيقة والصعبة التي يمر بها.

فالتحديات كبيرة، ولعل ابرزها الثبات على الخيارات الوطنية التي انتهجها اللبنانيون منذ زمن, والتي مكنتهم من التغلب على الكثير من المشاكل وتجاوز العديد من الاخطار. نحن مدعوون اليوم اكثر من أي وقت مضى, الى الصمود في خياراتنا الوطنية وعدم التنازل عنها مهما كان الثمن, هذا هو السبب الذي استشهد من اجله الشيخ الموسوي ومن سبقه ومن تلاه من الشهداء الابرار الذين بذلوا دماءهم في سبيل وطنهم. هذا هو معنى الشهادة, وهذا ما جسدته المقاومة الوطنية التي طالما التف حولها اللبنانيون وآزروها لتحقيق اهدافها التي تجسد قيم ومبادىء كل لبناني حر.

لقاؤنا اليوم هو للدلالة على ايمان اللبنانيين بأرضهم وحريتهم وتعلقهم بشهدائهم الذين اناروا الطريق امام الاخرين للسير نحو درب الانتصار, ولا شك ان المبادىء التي عرفت المقاومة الوطنية من خلالها, باقية كما هي, وهي في ايد امينة. وقد تجسدت هذه المبادىء في الفترات الاخيرة وفي اكثر من مناسبة, من خلال المواقف المشرفة التي اطلقها الامين العام ل"حزب الله" سماحة السيد حسن نصر الله الذي حمل الراية واكمل المسيرة. هنيئا للبنان مقاومته الباسلة, هنيئا له شهداءه الابرار, هنيئا للبنانيين وحدتهم واصرارهم على المبادىء والخيارات الوطنية".

السيد نصر الله

وفي الختام، ألقى الأمين العام ل"حزب الله"، كلمة قال فيها: "في ذكرى استشهاد سيدنا وقائدنا وأميننا العام سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي ومعه زوجته الفاضلة والعالمة والمجاهدة الشهيدة أم ياسر وطفلهما حسين، ومن قبله أخوه وحبيبه وعزيزه وشيخ شهداء المقاومة الإسلامية الشهيد السعيد الشيخ راغب حرب، في ذكرى هؤلاء الأحبة تحتشد المعاني والصور والآمال والآلام ويحضر الماضي بكل ما فيه. هناك جانب في السيد عباس والشيخ راغب لا يعرفه الكثيرون، وإن كانت تطغى على مناسباتنا في ذكريات هؤلاء الأعزاء الذكريات الجهادية والسياسية. نحن أمام السيد عباس والشيخ راغب كلبنانيين وكأمة أمام قيمتين حضاريتين وشخصيتين إنسانيتين حقيقيتين، ما كان يحمل كل واحد منهما من إخلاص وإيمان وصدق وحب وتواضع وزهد وأخلاق قلما نجد مثيلا لهذه الشخصيات على امتداد وطننا وعالمنا العربي والإسلامي.

كان هذان الشهيدان القائدان في البعد الآخر غير الموضوع السياسي والجهادي المباشر يمثلان هذا النموذج وهذه القيمة وهذا الرقي، وهذا ما يجب أن نتعرف به، يعرفهما الناس وينظر إليهما الناس كإمامين للجهاد، ولكن علينا أن نحاول أن ننظر إليهما كإمامين للحب والزهد والتواضع والصدق، وإمامين في الفناء بالله وفي الناس وفيما يؤمنون به (...). معهما نستحضر القادة الكبار من الإمام القائد المؤسس للمقاومة الإمام السيد موسى الصدر أعاده الله ورفيقيه بخير، تستحضر اساتذة هؤلاء الشهداء من الإمام الخميني قدس سره، إلى الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره. هؤلاء القادة هم حصيلة هذه المدرسة الإيمانية الفكرية العبادية الجهادية السياسية، تبلورت وتجسدت في تلميذين رائدين كبيرين باتا أستاذين عظيمين في المدرسة نفسها، يعلمان الأجيال بالدم والمداد، بالكلمة والفعل والسيرة والسلوك. في ذكرى استشهاد هؤلاء، تحضر أمام أعيننا مشهد التضحية بلا حدود: العائلة الشهيدة التي تتقدم ولا تهاب الموت، فالقائد وزوجته وابنه في لوائح المضحين والشهداء وفي مقدمتهم وفي الطليعة.

مع السيد عباس وأم ياسر وحسين ومع الشيخ راغب يحضر العنوان الأكبر الذي نبدأ منه وننتهي إليه: المقاومة التي كانت قضيتهم وحياتهم ومشروعهم وجهادهم وشبابهم وساعات ودقائق وثواني عمرهم، المقاومة التي كانت أملهم وأفقهم وتطلعهم إلى المستقبل، معهم تحضر المقاومة بكل جهادها وتضحيات شعبها ودماء شهدائها وجراحات جرحاها وعذابات أسراها، تحضر المقاومة بكل الآلام والآمال، تحضر المقاومة لأنها ما زالت هي العنوان. المقاومة التي كان هؤلاء الشهداء قادتها وروادها وعنوانها وشرفها انطلقت منذ البداية انطلاقا من حق واضح تكفله شرائع السماء وقوانين الأرض، ليس هناك قانون في العالم ـ إلا الأميركيين الذي طلعوا قوانين ـ يمنع شعبا من أن يحمل السلاح ليدافع عن أرضه وكرامته وشعبه وثرواته وسيادته وقراره، استنادا إلى هذا الحق قامت المقاومة، وعندما تستند إلى هذا الحق فهي لا تحتاج إذنا في انطلاقتها إلى أذونات، وأيضا هي لا تحتاج ولم تحتج بالفعل إلى إجماع وطني. اسمحوا لي أن أقول، في لبنان لسنا بدعا من الشعوب ولا بدعا من الأوطان، لا توجد في تاريخ البشرية مقاومة شعب أو وطن حظيت بإجماع وطني، عندما كان يدخل الغزاة المحتلون بلدا ينقسم أهل البلد: البعض يتعامل مع الغزاة والبعض يقاتل الغزاة والبعض يقف على الحياد خائفا مرعوبا لا يدري ما يفعل، غالبا ما كان المقاومون في أوطانهم وشعوبهم قلة، وكانت هذه القلة تكبر وتكبر وتكبر عندما تثبت في الميدان صدق منطقها وصحة خيارها وسلامة مسارها فيكبر الإحتشاد والإحتضان لها.

المقاومة في لبنان كالمقاومة في فلسطين كأي مقاومة في العالم، وفي التاريخ بدأت هكذا واستمرت هكذا. كانت لهذه المقاومة قضية واضحة، وهذا من مميزات المقاومة في لبنان: تحرير كل شبر من الأرض اللبنانية، استعادة كل أسير ومعتقل، طرد الإحتلال من أرضنا والحفاظ على سياحة بلدنا برا وبحرا وجوا. وكان عدو المقاومة واضحا، أصلا لا يمكن أن نتحدث عن المقاومة بمعزل عن تشخيص عدوها، لأن المقاومة هي من المفاعلة، لا يمكن أن تكون هناك مقاومة وليس لها عدو واضح ومحدد، مقاومة ضد من؟ ومن هو العدو؟ عدوها إسرائيل كان وسيبقى هو هذا العدو. عدو واضح وقضية واضحة وخيار استراتيجي واضح: الجهاد، لا المساومات ولا الألاعيب السياسية ولا الرهانات الخاطئة على أحد في هذا العالم، لا على جامعة الدول العربية مع احترامنا لها - وأنا أتحدث عن ذلك الوقت - ولا منظمة المؤتمر الإسلامي ولا مؤتمر عدم الإنحياز ولا الأمم المتحدة ولا مجلس أمن دولي. خيارها الإستراتيجي كان واضحا، أبناء هذا الشعب بدمائهم وسواعدهم السمراء هم الذين يترجمون هذه الإستراتيجية الواضحة، الإستراتيجية الجهادية، ومواصلة العمل مهما كانت التضحيات والأخطار. هنا تستمر المقاومة وتنتصر.

هذا نموذج المقاومة في لبنان. المقاومة في لبنان قدمت نموذجا واضحا، وكانت السباقة في الوضوح وفي تقديم قائدها شهيدا، والسباقة في صنع الإنتصار التاريخي الأول، وأيضا السباقة في تقديم نموذج سياسي اجتماعي أخلاقي راق في 25 ايار عام 2000 عندما تهاوت قلاع الإحتلال والعملاء في جنوب لبنان في كيفية التعاطي مع المنطقة المحتلة. يجب أن ألفت وأذكر بأن هذه المقاومة خاضت الحرب الوحيدة التي لا يمكن أن يناقش فيها وطني من موقع الوطنية، ولا متشرع من موقع الشريعة والشرع، يعني لا غبار على هذه المعركة، والمعارك الأخرى التي كانت تخاض في الداخل هي موضع نقاش: هل هي حق أو باطل، صح أم خطأ، كانت دفاعا عن عروبة لبنان أو وحدة لبنان، ليست كذلك، حرب اللبنانيين على أرضهم، حرب الآخرين على أرضنا، كل هذا موضع نقاش. القدر المتيقن من الحرب الواضحة الشريفة البينة التي لا يمكن أن يثار حولها غبار شرعي أو أخلاقي أو وطني هي المعركة التي قادها السيد عباس والشيخ راغب، واستشهدا فيها وهي معركة المقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي للبنان. هذه المعركة كانت حرب اللبنانيين من أجل أرضهم على أرضهم، ولم تكن حرب أحد على أرضهم.

نعم، نحن نتوجه بالشكر إلى سوريا التي وقفت إلى جانب هذه المقاومة ونتوجه بالشكر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران التي وقفت إلى جانب هذه المقاومة وإلى كل من وقف معنا في العالمين العربي والإسلامي وعلى امتداد العالم من شرفاء، لكن هذه الحرب كانت معركتنا وحربنا وقضيتنا، لأن قادتها منا وشهداؤها وأسراها وجرحاها وآلامها تعتصر قلوبنا وآمالها تدغدغ عقولنا وأحلامنا، نحن لا غيرنا. ولذلك، كانت هذه المعركة، المعركة الوطنية الحق والحرب الوطنية التي لا يمكن أن تمس. لذلك، عندما نتحدث عن المقاومة فهذه طريقها وهدفها وتاريخها واستراتيجيتها، وهؤلاء هم شهداؤها فمن الطبيعي أن نتحدث عن مقدس. وإذا كان الوطن مقدسا فإن المقاومة التي حفظت الوطن هي المقدس إلى جانب الوطن.

السلاح الذي حرر الأرض هو سلاح مقدس، والدم الذي سقط على الأرض من أجل أن تبقى هامات اللبنانيين شامخة مرفوعة هو دم مقدس، لولا هذا المقدس في المقاومة وفي سلاحها وفي دمائها لكانت جيوش الإحتلال الإسرائيلي ما زالت في بيروت، ولكنا رأينا اليوم حقيقة الذين كانوا بالأمس تتكرر من جديد من هو الإسرائيلي ومن هو اللبناني أولا وآخرا. هذه حقيقة المقاومة، ونحن نصر على هذا التوصيف، وهذا ليس جدلا فلسفيا عقيما، هذا له قيمته السياسية والشعبية والمعنوية. وأقول لكم من لم يذق طعم الجهاد لا يفهم الجهاد ومن لم يذق طعم الشهادة لا يفهم الشهادة، إن طعم القتال مع العدو الأصلي للأنبياء والرسل وللبنان والعرب والبشرية طعمه يختلف (...) . هذه المقاومة اليوم حاضرة وفاعلة، وأمام ما يثار حولها ومعها أود أن أذكر بعض النقاط التالية:

النقطة الأولى : يجب أن أؤكد أن هذه المقاومة لم تحمل في يوم من الأيام سلاحا لتدافع عن طائفة أو حزب أو منطقة جغرافية، الحرب الوحيدة التي خاضها هذا السلاح هي من أجل الوطن، كل الجنوب وكل البقاع الغربي: بنت جبيل وحاصبيا ومرجعيون وشبعا وكفرشوبا، لم نحمل هذا السلاح لنحرر الشيعة أو لنخرج الإحتلال من قرية شيعية أو لنطلق سراح أسير شيعي، هذا السلاح منذ اليوم الأول كان وطنيا وأنا أؤكد لكم سيبقى وطنيا. عندما نتمسك بسلاح المقاومة ليس من أجل تأمين الحماية للطائفة الشيعية، وبصراحة إن هذا السلاح الذي حملناه منذ اليوم الأول، وما زلنا نحمله للدفاع عن وطننا تحمل عبؤه الطائفة الشيعية، ليس هناك سلاح يحمي طائفة على الإطلاق. نحن متفقون وموافقون أن الذي يحمي كل الطوائف في لبنان هو الدولة، والدولة وحدها والوحدة الوطنية وحرص كل اللبنانين على السلم الأهلي والعيش المشترك، هو إصرار اللبنانيين على الشراكة الحقيقية في وطن لا مكان فيه لغالب ومغلوب. السلاح في الداخل لا يحمي طائفة بل يدمر الطائفة ويدمر الوطن والطوائف، ولا نفكر نحن بهذه العقلية، نحن لم نشتر قطعة سلاح ولم نأت بقطعة سلاح لنحمي زاروبا أو حيا في مواجهة حرب زاروبية أو قروية أو بلدية هنا أو هناك. نحن أتينا بهذا السلاح من أجل أشرف معركة وأشرف قضية وهي مواجهة الصهاينة القتلة المحتلين والمستبدين الذي يريدون بوطننا وأمتنا شرا.

الجزء الثاني النقطة الثانية ونضطر لتوضيحها بسبب ابتلائنا مع وسائل الإعلام هذه الأيام، من الإقتطاع والقص والمصادرة والتحريف... لقد أجريت مقابلة مع قناة المنار في ذكرى استشهاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري رحمه الله، وسئلت بالضبط ماذا حصل بينك وبين الرئيس الشهيد بموضوع سلاح المقاومة، قلت أن الرئيس الشهيد قال وقتها لي : "أنا رأيي (رأي الشهيد الحريري ) أن موضوع سلاح المقاومة ليس مرتبطا لا بالمرزاع ولا بالأسرى، وإنما هو مرتبط بعملية التسوية، وطالما أن لا تسوية في المنطقة أنا معك، أن هذا السلاح لا ينبغي أن يمس". ربط السلاح بالتسوية لم أكن أنا قائله، (والكلام للسيد نصر الله) و أنا او حزب الله لم نطرح ربط السلاح بالتسوية، لا أطمن ولا أخوف. يكمل الرئيس الشهيد رحمه الله يقول : "إذا صار تسوية يومها سآتي لعندك وأقول لك يا سيد جرت التسوية في المنطقة هل من داع لهذا السلاح؟

إذا قدرت أن أتفق أنا وإياكم كان بها، (أي خلصنا من السلاح)، وإذا اختلفنا، أنا من الآن أقول لك أنا أقدم استقالتي وأغادر لبنان ولست حاضرا لأصنع جزائر ثانية في لبنان".

إذا الذي ربط سلاح المقاومة بالتسوية هو الرئيس الشهيد، وأنا اليوم لا أذكر هذا الكلام لألزم أحدا، بكل صراحة وصدق . يمكن بالإحراجات السياسية بين بعضنا البعض ان يطلع معنا أن هذا (الحديث أعلاه) التزام ووصية من الرئيس الشهيد وهناك شهود عليها، لكن أنا في الحقيقة لا أقول هذا لألزم أحدا لأن هذا يمكن أن يلزم من لديه إرادة وقامة وهامة رفيق الحريري. بالنسبة لنا خطابنا في موضوع سلاح المقاومة هو التالي، وهو ما نصت عليه ـ وهو ليس بجديد ـ الوثيقة التي تم التفاهم عليها مع التيار الوطني الحر، نحن منذ الأول قلنا أننا حاضرون لمناقشة مسألة سلاح المقاومة في إطار البحث عن استراتيجية دفاعية وطنية لحماية لبنان، لم يتغير شيء، وما كتبناه هو ذاته، وما قلته بالأمس وتم تحريفه هو التزام وقول الرئيس الشهيد رفيق الحريري. أود التأكيد على جانب عندما نتحدث عن حماية لبنان وعن استراتيجية وطنية دفاعية واضحة، أريد أن أقول لكم نحن هنا أيضا مشروعنا هو مشروع الدولة، الدولة التي تحمي شعبها في لبنان والتي يجب أن تثبت ذلك حتى الآن، ونحن شركاء في الحكومة، لم تستطع الدولة أن تثبت ذلك. والدولة التي يجب أن تحمي لبنان، نعم إن حماية لبنان بالدرجة الأولى هو مسؤولية الدولة ولو قامت الدولة بمسؤولياتها سنة 1982 وقدمت جنودها وأموالها وسلاحها ومقاتليها لتحرير الأرض لما كانت هناك حاجة لأن تقوم الأحزاب الوطنية في لبنان بهذه المهمة.

إن أهم عنصر رئيسي يحقق استراتيجية وطنية دفاعية حقيقية عن لبنان هو بناء الدولة القادرة والقوية ودولة القانون لا المزاج، دولة المؤسسات لا الإنفعال، دولة الخيارات الإستراتيجية الواضحة والثابتة الباقية التي لا تتغير بين ليلة وضحاها. الدولة القادرة تستطيع أن تحمل هذه المسؤولية ويمكن أن يصل يوم تقول فيه الدولة للمقاومة ولأبناء المقاومة نحن دولة قوية مقتدرة لن نسمح لطائرة العدو أن تخترق أجواءنا ولن نسمح لزورق إسرائيلي أن يخترق ماءنا، سوف نحمي حدودنا وأهل حدودنا وسوف نستعيد كل أسير، سوف نتمسك بكل حبة تراب، حينئذ قد تقول المقاومة الله يبارك فيكم نحن بخدمكتم. الشرط الرئيسي هو قيام دولة قادرة وحقيقية.

النقطة الأخيرة في موضوع الإجماع حول سلاح المقاومة، قبل أيام عقدت لقاء مع العماد ميشال عون رئيس التيار الوطني الحر، أنجزنا وثيقة وبعدها حصل جدل كثير في البلد والبعض انتقد هذا الموضوع، هناك أناس هاجموا العماد عون لأنه قدم تنازلات لحزب الله، وهناك أناس هاجموا حزب الله لأنه قدم تنازلات للعماد عون. هذا الإنتقاد لنا وليس علينا : أي أن نرى المشهد كتيارين متباعدين صعبين قد لا يلتقيان مع بعض، وكل واحد منهما من مدرسة وثقافة وتوجه وفكر مختلف... بدل أن نرى هذا المشهد كإيجابية مهمة جدا تعطي أملا للمستقبل، أن اللبنانيين عندما يكون عندهم إرادة وعزم وقادرين أن يجلسوا إلى بعض وأن يتفاهموا وأن ينجزوا وثيقة مكتوبة أيضا، بدأ "القواص" على هذا اللقاء لأنه تارة ننظر إليه من زاوية الحسابات الوطنية وتارة ننظر إليه من زاوية الإصطفافات الجبهوية وتصفية الحسابات والشطب والإلغاء...

علما أن المواد العشرة الموجودة في الوثيقة تخلو من أي أمر حزبي أو لها علاقة بحزبين وتيارين بل لها علاقة بأمور وطنية:

لبنان والأسرى والمعتقلين والموقوفين والعلاقات مع سوريا والموضوع الفلسطيني وموضوع المقاومة والإصلاح الإداري وقانون الإنتخاب...

لم نعمل ورقة تنظم علاقة حزبين أو تيارين إنما إطلالة على قضايا وطنية أساسية... كان الرد على هذا اللقاء في اليوم الثاني أنه ما يسمى بهيئة متابعة 14 آذار ـ وبعدها فهمنا أن لا إجماع على هذا الموقف الذي صدر ـ أصدرت بيانا في الإعلام قالوا فيه أن سلاح حزب الله لم يعد يحظى بالإجماع الوطني. الجريمة التي ارتكبها حزب الله أنه التقى مع التيار الوطني الحر والذي يقولون أنه كان معهم وكان أساسيا في 14 آذار ...

فطلع الرد على هذه الجريمة أن سلاح حزب الله لم يعد يحظى بالإجماع الوطني، وقبل اسبوع لم يكن هذا الخطاب موجودا باسم هيئة المتابعة ككل. هنا اقول : أنا موافق، أقول لكم جميعا نحن لم نخسر شيئا نحن ربحنا، بمعنى أنه لم يكن هناك إجماع وطني حتى نقول أنه لم يعد هناك إجماع وطني. وأما بعض القوى في 14 آذار فهي لم تؤمن بالمقاومة ولم تؤيد المقاومة ولم تحتضن المقاومة ولم تحترم المقاومة منذ عام 1982 إلى اليوم، بل أكثر من ذلك بعض هذه القوى كانت في المشروع المعادي للمقاومة. نحن لا نريد أن نعود إلى الماضي، لكن أحيانا لأنهم يحاولون أن يضخوا في الحاضر صورة فيها شيء من التضليل قد نحتاج للعودة إلى بعض الماضي للتذكير، لأننا وصلنا إلى الزمن الذي يحتاج فيه الوطني الذي قدم أعز ما عنده في سبيل الدفاع عن وطنه من أحباء ودماء إلى شهادة بوطنيته من الإسرائيليين.

إذا نحن لم نفقد الإجماع الوطني حول سلاحنا لأنه لم يكن موجودا، هذا السلاح موجود لأن هناك ضرورة وطنية للمقاومة وهذه المقاومة تستند إلى الحق والقانون : طالما هناك عدوان واحتلال وتهديد ومواجهة. بعدها هذا الموضوع كيف ننظمه ونرتبه قلت أننا جاهزين للحوار. البعض نصحنا أن لا نقبل أساسا بالحوار ومن أجل أن نقبل بأصل الحوار يجب أن نحقق مجموعة من المكاسب، إن نفس قبولنا بالحوار بلا شروط لقبول الحوار وبلا شروط قبل الدخول إلى الحوار وبلا شروط على طاولة الحوار هو تنازل كبير جدا لمن يعرف عقلية وثقافة وتربية وتركيبة حزب الله. ولكننا خسرنا بهذا التنازل من أجل وطننا وبلدنا ومن أجل المصلحة الوطنية، ومقتنعون بما نفعل وجادون بالحوار وحريصون أنه إذا كان هناك صيغة جديدة تجعل من الذي يدافع عن البلد ليس فقط هؤلاء الشباب بل كل الشباب "ليش لأ". إذا كان هناك صيغة جديدة تصنع شهداء ليس فقط من هذه البيوت بل من كل البيوت "ليش لأ"، لا أحد يفترض أننا في هذا الموضوع نقطع وقتا أو نهرب منه، بالعكس. وفي كل حال الكرة ليست في ملعبنا.

نحن إنشاء الله في هذا الأمر سنستمر، لتحرير الأرض وكل أسير ومواجهة الخروقات الإسرائيلية وحماية البلد إلى أن يتم وضع استراتيجية واضحة حول هذا الموضوع، هذا قرارنا وعزمنا، وأود أن أؤكد أن كل الصراخ وكل الشتائم وكل الانفعال وكل الغضب لا يمكن أن يثنينا عن القيام بواجبنا. إن قتلنا على الطرقات، والرصاص الذي قتل إخواننا وأخواتنا في 13 أيلول 1993 فسقط منهم الشهداء من الرجال والنساء لم يثن من عزمنا ولم يحرف وجهة سلاحنا، القتل والرصاص والدم عجز عن فعل ذلك، فلييأس الصارخون والمنفعلون والمهولون، نحن في هذا الأمر، نؤدي واجبا مقدسا لا تراجع عنه ولا تردد فيه. في الموضوع الداخلي، يجب أن نؤكد في ذكرى سيدنا السيد عباس وشيخنا الشيخ راغب ما كانا يؤمنان به، وأنا أعيده مجددا، نحن جديون وحريصون جدا على أمن البلد وقرار البلد ومشروع الدولة والسلم الأهلي والعيش المشترك. النهوض بالبلد ومعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وهذا يحتاج إلى أن نضع يدنا بيد بعض. اليوم، بسبب الظروف السياسية القائمة هناك أكثر من خطاب: اللبنانيون يريدون أن يختاروا، اليوم هناك مرحلة حساسة ومصيرية جدا، هناك خطاب يتحدث عن الشراكة وعن التوافق، وعلينا أن نتذكر في كل الأحوال أن الأكثرية هي مسألة متقلبة، اليوم أنت أكثرية، وغدا ربما غيرك أكثرية، الذي يبني البلد هو التوافق في المسائل الأساسية. لا نريد أن نغير الدستور ولا ما شاكل، وإنما نقول هناك خطاب يتحدث عن الشراكة وعن التوافق وعن الحوار وأن هناك إمكانية لدينا نحن كلبنانيين أن نصل إلى نتيجة مع بعضنا البعض والذي قلته عن حزب الله والتيار الوطني الحر هو نموذج. وقبل هذا، نحن عندما ذهبنا وصنعنا التحالف الرباعي: تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي من 14 آذار وحركة أمل وحزب الله من 8 آذار استطاعوا على مسافة صغيرة من 14 آذار ومن 8 آذار أن يصنعوا تحالف سياسي. لكن بعدها (قالوا ) لا، (نقول) مرتين لا، لا مشكلة في ذلك. التحالف الرباعي، والتقطيع عن القوات اللبنانية وغيرها في انتخابات بعبدا - عاليه، هذا يدل أن اللبنانيين قادرون أن يجلسوا ويتحاوروا مع بعضهم البعض بالرغم من كل الظروف القاسية. اليوم، لقاء حزب الله والتيار الوطني الحر يدل على أن اللبنانيين قادرون على أن يتحدثوا مع بعضهم، لكن دعوهم يجلسوا مع بعضهم البعض.

وهناك خطاب آخر، يقول : يا إخوان نريد أن نهدئ الأمور، السلم الأهلي خط أحمر. أنت تتحدث عن التواصل، فيما بالمقابل يتحدثون عن قطيعة. تتحدث عن الشراكة، فيحكى عن العزل والإلغاء والشطب. تتحدث عن السلم الأهلي، وتنظم مظاهرة وتضبط شعاراتها وتمنع أي شعار يحدث فتنة مذهبية، لكن هل الذين نظموا تظاهرة 14 شباط يتحملون مسؤولية الشعارات التي أطلقت وكتبت ورفعت، هذه الشعارات أين تضع البلد؟ اليوم، نحن أمام خطاب لا نستطيع أن نختبئ وراء أصابعنا ونجامل، سمعنا قبل يومين خطاب سياسي يضع البلد أمام حرب أهلية، أنا لا أبالغ، أنا أوصف: جزء كبير من الخطاب وليس كله يضع البلد أمام حرب أهلية، كان هناك جزء من الخطاب معقول ومتوازن، لكن هناك جزء من الخطاب أساسي يضع الشعب اللبناني ولبنان أمام حرب أهلية بلغته وشتائمه وأدبياته وتصعيده وسقفه العالي وتنكره لكل الأسس التي يقوم عليها الوضع في لبنان اليوم. بكل صراحة أريد أن أقدم وصفا وأقول: ما جرى يوم 14 شباط في جزء كبير منه لا يعبر عن صورة مدينة بيروت المقاومة العربية الصادقة، ولا يعبر عن صورة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وهو الانقلاب، وليس وثيقة حزب الله والتيار العوني إنقلاب على الطائف، لا يوجد شيء في الوثيقة ضد الطائف. يا أخي، أستغفر الله، نسينا كلمة الطائف، كل الجريمة التي ارتكبتها تلك الوثيقة أنه في أولها وآخرها لا توجد كلمة طائف، أستغفر الله ربي وأتوب إليه، لكن أين هو الطائف في خطاب يوم الثلاثاء؟ أين هو البيان الوزاري؟ الطائف هو أساس الدولة، والبيان الوزاري هو أساس الحكومة، أين هو الطائف وأين هو البيان الوزاري؟ وهل يبنى لبنان والوحدة الوطنية في لبنان والدولة في لبنان والحكومة في لبنان، وهل يحضر لمؤتمر بيروت 1 من أجل معالجة القضايا الاقتصادية، وهل يقطع الطريق على الفتنة الداخلية في لبنان بمثل خطاب "البحر من أمامكم والعدو من ورائكم"؟؟

هذا الأمر هو ما شهدناه يوم الثلاثاء. وأنا أقول ما جرى يوم الثلاثاء يحمل الحكومة اللبنانية وأيضا الأخوة في تيار المستقبل مسؤولية أكثر, لا يستطيعون أن يقفوا في النصف، إما (أنتم) مع هذا الخطاب أو لستم مع هذا الخطاب حتى نعرف. لا يكفي أن يقال أن بعض أصدقائنا هاجم بعض أعزائنا في تيار المستقبل حتى يسكت عن هذا الخطاب. المسألة هنا ليست من شتم من، المسألة هنا مسألة الخيارات السياسية الاستراتيجية للبنان، هذه هي المسألة. سأقول لكم "نكتة"، هذه المسكينة منطقة مزارع شبعا، السوريون يقولون هذه ليست سورية، الفلسطينيون يقولون هذه ليست فلسطينية، وحتى الإسرائيليون لم يقولوا أنها جزء من كيانهم الغاصب، ثم يأتي بعض اللبنانيين ويقولون هذه ليست لبنانية، إذا ما هي هذه!. يبدو أننا سنحتاج في مستقبل الأيام إلى إضافة دولة إلى الجامعة العربية اسمها جمهورية مزارع شبعا العربية. نحن اليوم كلنا نقول لبنان أولا، نعم. هل يعني لبنان أولا أن نتخلى عن أرض لبنانية؟ تصوروا أن السوري يقول هذه الأرض لبنانية وليست سورية فنقول له لا، اتنا بالدليل؟

هذه الأرض لي وأنا أملك الدليل، يأتي من يقول لا، الأرض له وعليه أن يأتي بالدليل. هذه مناكفة وليست قانون وليست سياسة. لبنان أولا، هل يعني التخلي عن أرض لبنانية؟ لبنان أولا، هل يعني ترك الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية أم لا ؟ عل كل حال، عندما تنجز المقاومة استحقاق تحرير الأسرى سنرى لبنان أولا في موضوع الأسرى. هل لبنان أولا، يعني أن نترك إسرائيل تجتاح أجوائنا في كل يوم وتخترق مياهنا الإقليمية وتهدد حدودنا، وهي تفعل ذلك ولم تعد عدوا؟ هل هذا لبنان أولا، نريد أن نعرف. لبنان أولا، هل يعني أن أقول أنا وأنت ما نرى حقا أنه مصلحة لبنان ولو اختلفنا في وجهات النظر، أنا أوافق، أنت تتهمني وتقول أنت تتكلم بدوافع من سوريا وإيران وأنا أقول لك: لست كذلك. نحن نقول ونفعل ما نرى فيه مصلحة بلدنا، عندما وقف حزب الله والتيار الوطني الحر على مبدأ إقامة علاقات دبلوماسية مع سوريا، هل أخذت إذنا من سوريا أو أعطيتهم علما قبل ذلك، أبدا، أنا لم أفعل ذلك ولا أفعل ذلك، لكن يجب أن تطمئنوننا أيضا أنكم عندما تتكلمون وتصعدون وتغيرون مواقفكم أن هذا لم يكن بطلب من جورج بوش وكندوليزا رايس. اللبنانيون ليسوا بحاجة إلى أن ينخرطوا في أحلاف، ونحن لسنا منخرطين في حلف، نحن لنا ثوابتنا مواقعنا ورؤيتنا قبل الأحلاف ومع الأحلاف وبعد الأحلاف. ما نقوله عن لبنان، ما نقوله عن فلسطين، ما نقوله عن إسرائيل، ما نقوله عن إيران، عندما كانت سوريا في لبنان وبعدما خرجت سوريا من لبنان، وقبل النووي الإيراني وبعد النووي الإيراني، قبل فوز حماس وبعد فوز حماس، لم يتغير لدينا شيء. نعم، نحن كلبنانيين لسنا بحاجة إلى أحلاف، ما نحتاج إليه كلبنانيين هو أن نتواصل، ونتحاور ونحل مشكلاتنا في ما بيننا، ولكن إذا أصر البعض على ضم لبنان إلى أحلاف دولية تخوض حروبا دولية ووضعنا بين خيارين: بين أن نكون في حلف يمتد من غزة إلى بيروت إلى دمشق إلى طهران إلى أي عاصمة في العالم إلى أخونا شافيز في فانزويلا، وبين حلف آخر، حتى أكون واضحا وصريحا، الآن لسنا في حلف ، ولكن إذا وضعنا بين حلفين، بين هذا الحلف وبين حلف آخر يمتد من تل أبيب إلى أمريكا وغير أميركا قطعا سنكون في الحلف الأول. نحن لا نتنكر لا لانتمائنا ولا لثقافتنا ولا لتاريخنا ولا لفكرنا، خطابنا في لبنان، دعوة لكل اللبنانيين، نعم، لنضع الأحلاف جانبا، ولنعمل جميعا لمصلحة لبنان، لحمايته وقيامته وقيامة دولته ووحدته الوطنية ومعالجة أزماته الإقتصادية وبناء دولته القوية القادرة التي تحمينا جميعا وتعالج مشاكلنا جميعا، هذا لا يمكن أن يتم بالأحلاف، ولا باللغة التي استمعنا إليها قبل أيام. في ذكرى السيد عباس والشيخ راغب، شهداء الحب والتواضع والزهد والمقاومة والجهاد والإخلاص، باسمهم وباسم كل إخوانهم وأخواتهم، بنات الشهيدة السيدة أم ياسر وكل الذين ينتمون إلى هذا الخط وإلى هذا الطريق، وأستطيع أن أقول باسمي واسم إخواني في حركة أمل، أعيد وأؤكد وأقول: بالرغم من كل ما سمعناه يدنا ممدودة للجميع، والجميع مدعو إلى منطق وحيد هو منطق الحوار، في غير هذا المنطق الكل خاسر".