إلى السيد حسن نصراللـه عن "قداسة المقاومة"

المقدَّسون العلمانيون لم يقدَّسوا

بقلم/ اسامة العارف- محام وكاتب

النهار 20/1/2006: نشرت جريدة "السفير" في عددها الصادر في 17 كانون الثاني 2006 حديثاً نقل عن سماحة السيد حسن نصرالله قال فيه رداً على السجالات الدائرة بين الحزب والزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط أنه يقبل النقد والشتائم عدا المسّ بقدسية المقاومة. وقد وضعت "السفير" هذه الجملة كمانشيت في العدد المشار اليه. وليسمح لنا سماحة السيد حسن نصرالله ان لا نوافقه على ما يقول إن أهم إنجاز يقوم به وليد جنبلاط الآن هو إلغاء طابع القداسة عن المقاومة الاسلامية. فاذا كانت المقاومة ضد اسرائيل قداسة، فإن الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي والحزب السوري القومي الاجتماعي والشعب اللبناني الطيب في بيروت والجبل والبقاع والجنوب يأتون في طليعة المقدَّسين الذين واجهوا قوى الاحتلال الاسرائيلي دون أن يمنحهم النظام السوري حق احتكار العمل المقاوم في لبنان كما فعل بالنسبة لـ"حزب الله".

كما أن هؤلاء المقدّسين كانوا فقراء لم تقف خلفهم دول نفطية تمدّهم بالمال والسلاح كما هو الامر مع المقاومة الاسلامية حالياً.

من ناحية أخرى فإن هؤلاء المقدّسين العلمانيين لم يهدفوا في العمليات التي قاموا بها الى توظيف هذه العمليات في خدمة أغراض لا صلة لها بالتحرير، بل لأجل الدفاع عن النظام السوري والايراني وتحسين مواقعهما في المفاوضة مع الولايات المتحدة والغرب كما هو الامر مع المقاومة الاسلامية (...).كما أني أقول هذا لأني لم أفهم كيف أنكم لم تطرحوا يوماً مسألة السبب في تشجيع النظام السوري المقاومة ضد اسرائيل من لبنان ولا يجيزها من سوريا بحيث تقاس المواجهة مع اسرائيل بمكيالين مختلفين، بل متناقضين.

كما لا أفهم إطلاقاً لماذا هذه الحمية في الدفاع عن الشعب الفلسطيني داخل الاراضي المحتلة في حين أنكم وقفتم لامبالين ايام عمليات اقتحام مخيمات الشعب الفلسطيني في لبنان التي جرت في الثمانينات من قبل حلفاء سوريا مما أدى الى تشريد كثير من الفلسطينيين وإحلال سوريين مكانهم في هذه المخيمات. حين جرى تأسيس حزبكم سميتموه "حزب الله" كي تجعلوا كل من ينتقد مواقفكم وكأنه ينتقد مواقف الله سبحانه وتعالى، فحميتم أنفسكم ضمن أجواء قداسة، في حين أنكم لستم بقديسين بل بشر مثل غيركم غير معصومين. دعني أذكركم يا سيدي بأنه اذا كان ثمة معصومون بحسب المذهب الشيعي فهم الأئمة الاثنا عشر وبعد هذا لا يوجد من معصومين لا أنتم ولا غيركم، فلقد أخطأتم أحياناً كما أخطأ غيركم وأصبتم أحياناً أخرى كما أصاب غيركم. إن النضال ضد اسرائيل ليس من شأنه أن يضفي هالة القداسة على أحد، والمقاومة ضد اسرائيل يجب ألاّ تكون وسيلة للتمايز عن غيركم من القوى السياسية بحيث ترفضوا أي انتقاد لكم بحجّة قداسة المقاومة.

إن سماحتكم مدعوون الى الرد على الاسئلة التي يطرحها الزعيم الوطني وليد جنبلاط وغيره من القوى السياسية وهي:

أولاً: لماذا تريدون وضع لبنان في مواجهة المجتمع الدولي بإصراركم على اعتبار مزارع شبعا أرضاً لبنانية (وهي كذلك)، في حين أنكم ترفضون الطلب من النظام السوري اتخاذ موقف رسمي يقرّ بلبنانية هذه المزارع؟

ثانياً: لماذا لا تجيبون عن التساؤلات التي يطرحها الكثيرون حول ان اعمال المقاومة التي يمكن القيام بها في هذا الظرف ليس من شأنها أن تؤدي الى التحرير، خصوصاً بعد الاتفاقات والتفاهمات التي تمت مع اسرائيل عبر بعض القوى الدولية، بقدر ما تؤدي الى وضع قضية المقاومة ضد اسرائيل ورقة مساومة بأيدي سوريا وايران في مواجهتهما للغرب حول بعض القضايا التي لا علاقة لقضية التحرير بها؟

ثالثاً: لماذا تتجاهلون ما قامت به قوى 14 آذار من مواقف ايجابية لجهة رفضها تطبيق القرار 1559 لجهة نزع سلاح الميليشيات (و"حزب الله" ميليشيا) الا بنتيجة تفاهم داخلي سلميّ وحوار يقوم بين القوى المعنية وأنتم الاساس فيها؟

رابعاً: لماذا تتجاهلون ان القرار 1559 لجهة نزع سلاح الميليشيات هو طبق الاصل عن أحد قرارات مؤتمر الطائف الذي أسس للنظام اللبناني الجديد ويحظى بقبول جميع أطراف المجتمع اللبناني؟

خامساً: لماذا تغامرون مباشرة أم بالواسطة بإطلاق صواريخ الكاتيوشا التي ليس من شأنها أكثر من أن تنشر الذعر بين المدنيين الاسرائيليين المقيمين في منطقة الجليل وتغامروا بردود الفعل الاسرائيلية الممكنة التي قد تصيب في البلاد مقتلاً اذا ما جرى تدمير البنية التحتية فيه؟

سادساً: لماذا لا تدركون أنه باستثناء المواطنين الجنوبيين الذي يعيشون تحت حمى بندقية "حزب الله" الوحيدة بقرار سوري حيث لا تقبل بندقية غيرها، وباستثناء بعض من يدينون لكم بالطاعة وليس بالاقتناع فإن الغالبية الساحقة من الشعب اللبناني لا يشاطرونكم سياسة المغامرة التي تنفذونها دون موافقة منهم، في حين أنهم سيدفعون ثمنها حتماً؟

تلك اسئلة يجب على سماحتكم وعلى حزبكم الرد عليها ليس بالوعيد ولا بالاحتماء بالقداسة، بل عليكم ان تناقشوها مع غيرها من الاسئلة مع باقي القوى السياسية على أساس مناقشة الندّ للندّ وليس على أساس انها مناقشة بين قديس ولص.

ومن يدري، يمكن أن تكونوا مصيبين في مواقفكم، الا أنكم لستم قديسين لمجرد قيامكم برفع السلاح في وجه اسرائيل.