مؤسسة حقوق الإنسان والحق الإنساني

انتهاكات اندلاع النزاع العسكري في لبنان

 

سبق ل "مؤسسة حقوق الانسان والحق الانساني" ان حذرت من اندلاع النزاع في لبنان، ولقد دفعنا الواقع غير المستقر منذ مدة الى اطلاق حملة توعية وتثقيف حول حقوق المدنيين في النزاعات الداخلية المسلحة، وكان ان اصدرنا كتيب بعنوان:"ماذا لو انفجر الوضع؟". للزميل الباحث ملكار خوري وهو يعرض في شكل موجز لحقوق المواطنين اللبنانيين في حال إندلاع نزاع مسلح داخلي وسبل ضمان محاسبة من قد يقدمون على ارتكاب الانتهاكات.

 

كم كانت أمنيتنا أن يبقى تساؤلنا مجرد سؤال،  وللاسف ها هي هواجسنا تصبح حقيقة مؤلمة ومظاهر الحرب والقتال والنزاع عادت لتلقي بظلالها الثقيلة على الحياة اليومية في لبنان. ان إندلاع اعمال العنف بذريعة الاضراب العمالي العام اعتبارا من 7-ايار 2008  أكد صحة مخاوفنا مع الغالبية الساحقة من اللبنانيين. وترى مؤسستنا في ما جرى انتهاكات كاملة لحقوق المدنيين وكل قواعد القانون الإنساني الدولي، وتذكر المؤسسة من قاموا بهذه الانتهاكات بآليات المحاسبة الدولية لمرتكبي هذه الجرائم.

 

صنفت مؤسستنا الانتهاكات على الشكل الآتي:

-التعرض للمدنيين العزل وحقوقهم في التنقل والحياة الآمنة: اطلاق النار مباشرة عليهم وتعريض حياتهم واملاكهم الخاصة والعامة للخطر، بدليل العدد الكبير من القتلى والجرحى من غير المتنازعين. وكان اخرهم ما نشرته جريدة "النهار" اول من امس عن احراق الشابة الين ه. ع. على طريق المطار مما ادى الى وفاتها، واحيل ملف الدعوى على قاضي التحقيق الاول جوزف القزي. اضافة الى مقتل المحامي هيثم طبارة ووالدته وغيرهم كثر.

 

-انتهاك حقوق الطفل من خلال استخدام الاطفال والقاصرين وتجنيدهم بطريقة غير مباشرة في الاعمال شبه العسكرية والعسكرية، مما تسببب بتعريضهم للخطر الامر الذي يتناقض مع القوانين والمعاهدات التي وقع عليها لبنان. وهناك مسألة اخرى هي ما تعرضت له دور العناية الاجتماعية بالاطفال والايتام والمدارس والتي لا يزال بعضها محتلا حتى تاريخ اعداد هذا النص.

 

-الخطف والتعذيب والتصفيات المتبادلة والاعدامات الميدانية وحجز الحريات: تلقينا شهادات وبثت ونشرت وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة مقالات ومواد تضمنت وصفا لما جرى. وخصوصا في حلبا (عكار)  والطريق الجديدة والشويفات وقضاء عاليه من اعمال قتل وتعذيب وتنكيل بالأحياء والموتى.

 

-التعرض لوسائل الاعلام، والتي بدأت بأعاقة عمل الاعلاميين من مختلف الجهات الحزبية وتهديدهم بالموت، ثم تطور الامر الى اقفال بعض وسائل الاعلام ومنعها عن العمل  بالقوة والاكراه المعنوي والمادي كما جرى مع وسائل اعلام "المستقبل" المرئية والمسموعة والمكتوبة، والتي احرق بعضها وجرى تدميره وصحيفة "اللواء"،  اضافة الى "اذاعة القرآن الكريم"، وراديو "سيفان" الارمني المؤيد للغالبية النيابية،  ومجلة "الشراع". وثم كان تعطيل بث محطات "المنار" و "أن. بي. أن" في الشمال الى جانب اعتداءات لا تحصى طالت الصحافيين والمصورين والمراسلين على الارض اضافة الى معلومات عن حرق منازل الاعلاميين وتهديدات بالجملة تلقوها بسوء العاقبة.  وانتهاء بمحاولات ضرب المواقع الاخبارية الالكترونية للطرف الاخر. تذكر مؤسستنا بقرار مجلس الامن الدولي رقم 1738 الصادر في 23 كانون الأول 2006 والذي ينص على ضرورة حماية الصحافيين واعتبار معداتهم أعيان مدنية ما لم تكن أهدافاً عسكرية.

 

-الاعتداء على الاعيان الدينية والاجتماعية والثقافية واقتحامها بالقوة، إضافة إلى  مكاتب النواب ومنازلهم وتدميرها.

 

-انتهاك حق التعبير عن الرأي ومحاولة قمع الرأي الاخر، من مختلف الاحزاب التي شاركت في النزاع، والعمل على احتلال المكاتب والمراكز الحزبية من الجانبين ومحاولة تصويرها على انها مواقع عسكرية لتبرير عمليات قمع الرأي الاخر. وتلقينا معلومات عن استدعاءات متبادلة تقوم بها الاحزاب المتنازعة في محاولة لأرهاب الاصوات المغايرة. 

 

-التحريض على العنف والكراهية الجماعية من خلال نقل صور الضحايا من الطرفين، واعادة بثها بأشكال اعلامية تحريضية، وبث مواد اعلامية مثيرة للعواطف واستخدام الدعاية المضادة لكيل الاتهامات الاكثر مدعاة للتطرف والصاق الصفات والنعوت القاسية بالطرف الاخر، مثل قلب اسم شبكة الاخبار العربية الى العبرية وما الى ذلك.

 

في اختصار سريع، لم تفرق المجموعات المسلحة بين الأهداف العسكرية والمدنيين وحظر التترس بهم-  وفي منع أشكال التعذيب- والتصدي لإصدار أحكام ميدانية وتنفيذ إعدامات دون وجود حكم سابق صادر عن محكمة تحترم الشروط الدولية- لقد جرى إرغام المدنيين على الإدلاء بالمعلومات أو محاسبتهم على أعمال لم يرتكبوها-  ومورست سياسة التمييز على اساس المعتقد السياسي أو الطائفي في هذا النزاع القصير والدامي جدا . وفشلت القوى المتنازعة في ضبط التعرض للشعائر والطقوس الدينية – وفشلت في حماية الأعيان الثقافية وأماكن العبادة والمناطق المصنفة محمية للمدنيين، اللاجئين أو المرضى ودور العناية الانسانية- وفشلت ايضا في منع النهب والهجوم العشوائي والأعمال الإنتقامية – وفي إحترام سلامة المقاتل الذي يلقي السلاح وغيرها من الامور التي قد تكون فاتتنا.

 

لا بد من التذكير ب "شرط مارتنز" الوارد في إعلان سان بطرسبورغ والذي ينص على بقاء "المدنيين والمتقاتلين في الحالات التي لا تنص عليها النصوص المكتوبة تحت حماية المبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام".

 

تحمل مؤسستنا كل المجموعات المسلحة التي شاركت في اعمال العنف المسؤولية المباشرة على المستوى الجنائي، وعلى مستوى التعويض عملا ببروتوكولي اتفاقيات جنيف الصادرين عام 1977 التي تعرض لضحايا النزاعات الدولية المسلحة وغير الدولية منها. يعترف البروتوكول الأول لأفراد القوات غير النظامية بصفة المقاتل وبالتالي بحقوق اسرى الحرب عند وقوعهم في قبضة العدو ويحدد بدقة الفئات والأموال والأماكن الواجب حمايتها أثناء النزاع المسلح والتي تشمل المدنيين والأموال ذات الطابع المدني والتفريق بينها وبين الأهداف العسكرية والأعيان الثقافية وأماكن العبادة والمناطق المحمية بصفة خاصة، والمساعدات المقدمة للمدنيين واللاجئين وعديمي الجنسية والنساء والأطفال والصحافيين. أما البروتوكول الثاني فيعرف النزاعات غير الدولية بانها "تلك التي تدور على إقليم أحد الأطراف المتعاقدة بين قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعة نظامية مسلحة أخرى وتمارس تحت قيادة مسؤولة على جزء من إقليمه من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة وتستطيع تنفيذ هذا البروتوكول".  .ان قيام القيادات بالتغطية على ممارسات مناصريها بطريقة او بأخرى يشكل انتهاكا للقانون الانساني الدولي  ويعتبر عائقا امام احقاق الحق وانتصار العدالة وبناء دولة القانون.

 

تطلب مؤسسة حقوق الانسان والحق الانساني/لبنان من القضاء اللبناني وضع يده على جميع ملفات الانتهاكات والمباشرة بأعدادها، تمهيدا لملاحقة الفاعلين، واذا ما ثبت عدم قدرة القضاء اللبناني على معالجة الامر، فهذا ما قد يؤدي لاحقا الى تدخل المجتمع الدولي مباشرة كما جرى في دارفور.

 

ان ما جرى يدعونا الى مطالبة السلطة اللبنانية بالعمل على اتمام اجراءات الانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية. ولا بد من التوضيح ان عدم انضمام لبنان الى هذه المحكمة لا يحول دون تدخلها عند احالة الوضع اللبناني عليها بواسطة مجلس الامن عملاً بنظام المحكمة نفسها.

 

 بيروت في 22 أيار 2008