العلامة السيد علي الأمين: لا أرى آثاراً للانتصار على إسرائيل في الحرب

 ليس للشيعة مشروع خاص خارج العيش المشترك اللبناني العربي

الشراع - 2006 / 9 / 15

 يعتبر مفتي صور وجبل عامل العلامة السيد علي الأمين، ان الواقع القائم داخل الطائفة الشيعية سيتغير بعد الحرب الأخيرة، باتجاه تعزيز الدولة التي سيحصل الناس على حقوقهم من خلالها. ولا يرى السيد الأمين وجود آثار للانتصار على إسرائيل في تلك الحرب مؤكداً ان قيام الدولة الحقيقية لا يكون إلا بمشاركة الجميع.

هذه المواقف وغيرها حول مرحلة ما بعد العدوان الإسرائيلي أدلى بها السيد الأمين في حديث لـ((الشراع)) فيما يلي نصه:

# ما قراءتكم للواقع اللبناني بعد العدوان الإسرائيلي؟

- لا شكّ بأن الواقع اللبناني ما يزال مثقلاً بأعباء وآثار العدوان الإسرائيلي وسيبقى لفترة مشغولاً بتداعيات الحرب وبالإجابة عن الأسئلة التي أثارتها ولكن على الرغم من ذلك فإن الواقع يتجه نحو مشروع الدولة وتعزيز دور المؤسسات فيها من خلال ما رأيناه من إجماعات حصلت أثناء الحرب باتجاه القرارات الدولية وإرسالها الجيش اللبناني إلى الجنوب مع وجود دعم دولي ظاهر باتجاه بسط سلطة الدولة في مختلف المناطق والمجالات.

 

# ما هي العبر والدروس التي يمكن استخلاصها؟

- لقد كانت المرحلة القاسية التي مرّت على لبنان مليئة بالعبر والدروس في مجالات عديدة على المستوى الداخلي فقد أظهرت هذه الحرب من خلال احتضان المناطق اللبنانية للنازحين من الجنوب مدى الترابط بين اللبنانيين حيث تجلّى تضامنهم وتعاونهم ليؤكد انهم عائلة واحدة في مواجهة الصعاب وسيبقون عائلة واحدة في مسيرة البناء والإعمار وأن الاختلاف في الرأي بين القيادات السياسية لا يجوز أن ينعكس على علاقات الطوائف بعضها مع البعض الآخر لأنها من صور العيش المشترك بينها التي لا تتأثر باختلافات سياسية طارئة خاضعة للتغيير والتبديل فاللبنانيون يبقون عائلة واحدة اتفقت قياداتهم في السياسة أم اختلفت. وقد انعكس هذا التضامن الداخلي على الصمود في مواجهة العدوان الخارجي الإسرائيلي.

 

# ما هو المطلوب لتفادي ما حصل مستقبلاً؟

- المطلوب هو استمرار التعاون والتضامن والابتعاد عن اتخاذ القرارات المنفردة لأنه إذا كان المطلوب المواجهة من الجميع فيجب أن يكون القرار صادراً عن الجميع من خلال مؤسسات الدولة التي تمثل الجميع.

 

# هل تعتقدون ان الواقع الشيعي سيتغير على ضوء نتائج العدوان؟ وبأي اتجاه؟

- نعم أعتقد ذلك لأن المرحلة المقبلة هي مرحلة الدولة التي تستعيد سلطتها ودورها في الجنوب اللبناني وسائر المناطق وهذا سوف يعطي الكثير من الحرية للناس خصوصاً عندما تقوم الدولة وحدها بدور الخدمات للمواطنين الذين يصبح باستطاعتهم الوصول إلى حقوقهم من خلال مؤسسات الدولة بدون وساطات وفي كل الأحوال فالأمر متروك لإرادات الناس واختياراتهم.

 

# اعتبرتم ان ما حصل من العدوان من خراب ودمار يتحمل مسؤوليته حزب الله. لماذا؟

- لا شك بأن الخراب والدمار وسفك الدماء تتحمل مسؤوليته إسرائيل من خلال عدوانها المباشر والقاعدة الفقهية تقول بأن الضمان يكون على المباشر (الفاعل) لأنه أقوى من السبب في أمثال المقام التي يكون الفاعل فيها متصفاً بالإرادة والاختيار والسبب يتحمل مسؤولية عدم الاعداد والاستعداد لمثل هذا العدو الذي يتوقع منه العدوان ومن أراد الحرب أو توقعها أعدّ لها عدّتها التي تدفع الأخطار وتقلل الخسائر والأضرار.

 

# أليس سبب ما وصلنا إليه غياب الدولة والواقع السياسي منذ عقود من الزمن؟

- لا شك بأن عدم وجود الدولة في الجنوب اللبناني يقع في سلسلة الاسباب التي أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه ولكن الصحيح ان القوى التي تعاقبت على الجنوب قد ساهمت إلى حد بعيد في تغييب الدولة وإبعادها عن الجنوب اللبناني رغم الفرص التي توافرت في الماضي لاسترجاع الدولة سلطتها وانتفاء المبررات والأسباب لرفض انتشار الجيش اللبناني.

 

# هناك شبه إجماع من الطائفة الشيعية على ان نصراً تحقق على إسرائيل التي يعترف قادتها بذلك أيضاً، لماذا لا ترى أنت ذلك؟

- إن النصر كلمة عربية لها معنى ومفهوم وهو فكرة من الافكار التي لا يخضع الصواب فيها والخطأ إلى الاستفتاء وعدد الأفراد والطوائف لأن المعيار والميزان في صحة الفكرة وعدمها هو العقل الذي يعتبر المصدر الاساسي في المعرفة والإدراك، وعلماء المنطق وأصول الفقه يقولون بأن تطبيق فكرة على مورد من الموارد أو تطبيق المفاهيم على مصاديقها هو أمر عقلي يجب اعتماد الدقة العقلية فيه ولا يصح فيه الاعتماد على النظرة العرفية التي لا تخلو من التسامح والسطحية. ونحن لم نر آثاراً لهذا النصر كما رأيناه في الإنجاز الذي تحقق سنة 2000 واستمر إلى ما قبل 12 تموز لأن النصر هو معنى وجودي وليس معنى عدمياً يؤخذ من عدم تحقيق العدو لأهدافه وغاياته. نعم لقد رأينا صموداً وصبراً وشجاعة وتضحيات وهذه أمور كانت ثابتة قبل الحرب وبعدها وأثناءها ولكنها ليست وحدها عوامل النصر وأسبابه.

 

# ما يعاني منه الواقع الشيعي من تفرّد بالقرار واستئثار ألا يوجد مثله عند الطوائف الأخرى؟

- لا أعتقد وجود مثله عند الطوائف الأخرى لما نراه من تعددية في الرأي في مواقع مختلفة ولو كان التفرّد موجوداً عند الطوائف الأخرى فهو لا يبرر وجوده عند طائفة تفتح باب الاجتهاد في الدين فكيف تغلق باب الاجتهاد في السياسة؟

 

# لماذا لا يصار إلى عقد اجتماع شيعي – شيعي على مستوى القيادة الدينية لتصويب المسار ورسم الطريق إلى المستقبل؟

- لقد قمت ببعض الخطوات في الماضي بهذا الاتجاه عندما دعوت سماحة السيد فضل الله والرئيس بري إلى صور وحصل لقاء شيعي كبير قبل ثلاث سنوات وكنت أقصد التمهيد للقاء أوسع بين القيادات الدينية والسياسية وقد طلبت هذا الأمر مراراً قبل وقوع الحرب بأشهر عديدة وأثناءها من بعض القيادات ولكنني لم أجد آذاناً صاغية ولكنني سأستمر في بذل المساعي لعقد مثل هذا اللقاء الموسّع بين القيادات الروحية والسياسية ومختلف وجوه أهل الرأي والفكر من الطائفة الشيعية.

 

# هل تعتقد ان ما تقوم به قوى 14 آذار يؤدي فعلاً إلى قيام الدولة الحقيقية؟

- قوى 14 آذار هي من القوى السياسية الفاعلة في البلد ولها رؤيتها السياسية وهناك قوى أخرى تشاركها في الحكم والسلطة وأعتقد ان قيام الدولة الحقيقية يكون بمشاركة الجميع من خلال مؤسسات الدولة الدستورية والقانونية واعتمادها مرجعية فوق الجميع يقبل بحكمها الجميع.

 

# ألا تعتقد ان توجيه الانتقادات الحادة إلى حزب الله منكم ومن 14 آذار ومن آخرين في هذه المرحلة التي لم ينته فيها العدوان بعد قد يوظّف لصالح إسرائيل نفسها وما تمارسه من ضغط على لبنان؟

- ما أقوم به لا علاقة له بقوى 14 آذار وغيرها وإن ما قمت به هو بدافع التصحيح لأخطاء وقعت ومسارات قد تغيرت فأردت التنبيه عليها من موقع الإرشاد والتوجيه ولست بصدد إيجاد حالة جديدة في الطائفة الشيعية التي يترك لها الخيار فيمن تريد وتختار. وأردت إيجاد حالة من النقد والتساؤل داخل الطائفة لأنها تساهم بدفع الأخطار وتمنع من الوقوع في العثرات مستقبلاً ولا يجوز منع النقد والاعتراض بحجة الوحدة والاتفاق تارة أو بحجة أنه يفيد الأعداء تارة أخرى أو بحجة أن الوقت غير مناسب ثالثة لأن هذا سيؤدي إلى منع النقد والاعتراض وإبعاد الرأي الآخر وعندئذ تتراكم الأخطاء ويدفع الجميع الثمن كما حصل والمنكرون للنقد والاعتراض اليوم بهذه الحجج كانوا يرفضون ذلك في سنة 93 وسنة 96 وبعدها إلى ما قبل 12 تموز بهذه الحجج نفسها. وقد قاموا بالعديد من الانتخابات النيابية والبلدية تحت الشعارات نفسها وحدة الطائفة والأخطار المحدقة بها!

 

# الا يمكن للانتقادات الحادة ان تنتظر الى ما بعد الانتهاء من دفن الشهداء والضحايا؟

 

- هذا وجه من وجوه الاسكات عن الاسئلة التي يستحقها الشهداء والضحايا في انفسنا وهي اسئلة ترتبط بهؤلاء الشهداء والضحايا لماذا خسرناهم؟ ولماذا فقدناهم وما هي المقارنة بين الغالي الذي فقدناه وبين الشيء الذي حصلنا عليه وقبضناه.

 

# مواقفكم هل تنبىء بوجود كرة ثلج شيعية ستكبر بوجه حزب الله، وأين تقف حركة امل في هذا السياق؟

 

- التغيير السياسي في الاحزاب والاشخاص ليس من اهدافنا والامر متروك لإرادة الناس وقد ذكرت في الاجابة على سؤال سابق ان المقصود من النقد والاعتراض هو التنبيه على اخطاء وقعت منعاً لتكرارها وتصحيحاً لبعض المسارات التي تغيرت وتذكيراً بالمشروع الذي حمله الامام الصدر الاجتماعي والسياسي الذي كان في صميمه مشروع الدولة اللبنانية وعودة الجنوب الى احضانها وان الطائفة الشيعية ليس لها مشروع خاص بها خارج العيش المشترك اللبناني العربي وخارج الدولة الواحدة المسؤولة عن جميع اللبنانيين في كل المناطق اللبنانية وفي كل الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية وغيرها من الشؤون التي تتولاها الدول في شعوبها وأوطانها.

 

# اذا كنت تعتبر ان هناك عجزاً محلياً عن مواجهة اسرائيل عسكرياً وعجزاً عربياً ومساندة دولية لها في مخططاتها فهل ترى ان الاوان حان لعقد سلام لنأمن اعتداءها؟

- ان لبنان هو جزء من العالم العربي وعندما يختار العرب الصراع مع اسرائيل فإن لبنان يكون جزءاً من مواجهة عربية شاملة له ما لهم وعليه ما عليهم ويكون جزءاً من الكل، ولا يستطيع الجزء ان يتحمل اعباء الصراع الواجب على الكل ولا يكلف الله نفساً الا وسعها ويبقى على هذا الجزء ان يحمي نفسه من الاعتداءات بتطوير قوته العسكرية والداخلية وعلاقاته الدولية خصوصاً مع اشقائه العرب واما السلام مع العدو الاسرائيلي فيبقى قراراً عربياً شاملاً لا يمكن ولا يجوز للبنان ان يدخل فيه وحده هذا ما نصت عليه مبادرة السلام العربية التي طرحت في مؤتمر القمة الذي انعقد في بيروت قبل سنوات وفي كل الاحوال فإن لبنان هو آخر من يوقع سلاماً مع اسرائيل.