المفتي العلامة السيد علي الامين الأمين: شعبنا يسأل عما جنيناه من الحرب المدمّرة ومشروع الدولة حلم للشيعة وتخويفهم يهدف إلى استمرار التحكّم بقرارهم

 الرأي العام - 2006 / 9 / 24

 لم تنته تداعيات الحرب الاخيرة بين اسرائيل و«حزب الله» فصولاً، فاستمرت المناقشات في بيروت بصوت عالٍ حيناً وخافت احياناً لنتائج تلك الحرب، وتالياً لمقدماتها وما اذا شكلت انتصاراً ام افضت الى ... دمار.  مفتي صور وجبل عامل العلامة السيد علي الامين أطلق مجموعة مواقف اعتراضية على «الاستنتاجات» التي خرج بها «حزب الله»، وشكلت مواقفه بداية قراءة نقدية لتجربة الحزب والحرب. غير ان الاهم في هذا السياق ان هذه القراءة النقدية تأتي من شخصية شيعية مرموقة، في موقعها الديني والاجتماعي، مما سلط الضوء على آراء العلامة الامين ومواقفه.وفي حديث الى «الرأي العام» قال الامين: «ان الشعب يسأل ماذا جنينا من هذه الحرب المدمرة؟»، مشيراً الى انه «لو سمع حزب الله صوت العقل لكنا تجنبنا الكثير من الخسائر والاضرار»، ولافتاً الى «ان محاولات اسكات الصوت الآخر (المعارض لحزب الله) هو لابقاء سيطرة المجموعة المعصومة». ورأى الامين «ان مطالبة حزب الله بإسقاط الحكومة كانت لارضاء (زعيم التيارالوطني الحر) العماد ميشال عون»، معتبراً «ان الحكومة ادارت المعركة الديبلوماسية بحكمة وصبر ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة نال إعجاب الداخل والخارج»، مشيراً الى «ان مشروع الدولة هو حلم الطائفة الشيعية». وتوقف المفتي الامين امام لغة التخوين، معتبراً «ان تخويف الشيعة من الآخر يأتي في اطار لعبة سياسية هدفها الاستمرار بالامساك بقرار الطائفة»، منتقداً «تقديم البعض الروابط الدينية مع العراق او ايران على رابطة الاوطان».

وفي ما يأتي نص الحوار:

 

ما سر اطلالاتك الاعلامية الكثيفة بعد الحرب الاخيرة وخطابك الاعتراضي على ما جرى؟

- لم نبدأ بالحديث الآن، ولا حتى بعد العام 2000 وانما قبل ذلك التاريخ اذ كان هناك حديث مطول مع سائر القيادات التي تمسك بالقرار ضمن الطائفة الشيعية. فبعد العام 1993 الذي شهد حرباً في الجنوب دار حديث حول هذا الموضوع، وكذلك عام 1996 وقبل العام الفين. وتمسكنا ببند أساسي في حوارنا مع الممسكين بالقرار في الطائفة الشيعية، وهو عدم العودة الى ما قبل العام 1982 (اي مرحلة الوجود الفلسطيني) التي تميزت باستخدام الجنوب اللبناني ساحة للحرب المفتوحة مع اسرائيل من دون استراتيجية عربية شاملة للمواجهة. اذ في امكاننا ان نكون جزءاً من هذه الاستراتيجيا ولا يمكننا تحمل تبعات الصراع العربي ـ الاسرائيلي بمفردنا. وكنا لا نجد آذاناً صاغية، وكانت بعض القوى تقول علانية انها لا تملك قرار عدم العودة الى ما قبل1982 .

 

فـ «حزب الله» تمكن في 1996 من تعطيل قرار اتخذته الدولة اللبنانية يقضي بارسال الجيش الى الجنوب بعد ثلاثة ايام من اقراره في مجلس الوزراء وذلك نتيجة القوة العسكرية التي يملكها. اضافة الى الضغط السوري ومعه الايراني في اتجاه سحب القرار. وكنا دائماً من المطالبين بارسال الجيش اللبناني الى الجنوب، اذ لا يوجد مبرر لعدم انتشاره في منطقة لبنانية، علماً ان انتشاره الجزئي ووجوده الشكلي في بعض القرى والمدن الجنوبية بعد العام 1992 لم يحل دون احكام قوى الامر الواقع السيطرة على الجنوب اللبناني. وآنذاك حصل، على سبيل المثال، اشكال بين «حركة امل» و«حزب الله» في بلدة طير دبّا وطالبنا الحكومة اللبنانية بارسال الجيش الى المنطقة لمنع المزيد من التوتر والاضطراب الامني ولكننا لم نفلح في تحقيق مطلبنا لظروف لا حاجة لتكرارها.

 

ما رأيك في تبرير البعض رفضه انتشار الجيش في الجنوب تارة بضعف قوته العسكرية ولعدم جعله عرضة لاعتداءات اسرائيلية لا يقوى على صدها، وتارة اخرى تجنباً لحماية حدود اسرائيل؟

- البعض كان يقول انه يرفض انتشار الجيش جنوباً خوفاً عليه وليس منه، فكيف نخاف على جيش مسلح قادر على حماية نفسه وارض الوطن ولا نخاف على شعب بأكمله يتحمل اوزار واعباء حروب متواصلة؟ ففي دول العالم كافة الجيش مكلف حماية حدودها وليس حدود الآخرين، وبالامس كنا نرفض الانتشار بحجة عدم حماية حدود العدو، اما اليوم فنطالب الجيش بحماية حدودنا. الجيش لم يكن في يوم من الايام عقبة امام عمل المقاومة في الجنوب، اذ كان منتشراً في بعض القرى المتاخمة للشريط الحدودي ولم يكن عائقاً امام عمليات المقاومة التي ساهمت بشكل او بآخر في تحقيق انجاز التحرير. يجب عدم استعمال لغة التخوين فالجميع يهمه مصلحة الوطن سواء وافق أم رفض الحرب.

 

هناك حال من التشنج السياسي في لبنان بعد حرب يوليو وحملة تخوين تقوم بها اطراف معينة في البلد، فهل تشعرون بان موقفكم النقدي لتجربة الحرب يشكل نافذة خلاص على مستوى الطائفة الشيعية، وهل تخشون من ردات الفعل نظراً للفرز الحاد الحاصل؟

- عملية النقد ضرورية جداً وهي تصوّب مسيرة «حزب الله» وتقلل العثرات في المستقبل، ولو كانوا يستمعون لصوت العقل في الماضي مع بقية الواجهة الشيعية التي تمسك بالقرار، لتجنبنا الكثير من الخسائر والاضرار. وقد بدأت حركة النقد بالاتساع حتى على المستوى الشعبي. فالشعب يسأل: ماذا جنينا من هذه الحرب المدمرة؟ وهذه ليست عملية نقد علمية، بل كما يقال في اللغة العامية «جردة حساب» ولان اي جماعة لا تحاسب نفسها تعود حتماً الى الوراء. و«حزب الله» بطبيعة الحال سيدافع عن نفسه، لكن هذا الدفاع لن يمنع من استمرار مسيرة النقد والتساؤلات التي اعتبرها دليل صحة وعافية، ولكن لا يجوز ان نصل الى حد التخوين. فكما اسمح لنفسي بانتقاد سياسة الآخرين لا يمكنني ان امنع معارضيّ من انتقاد وجهة نظري. لكن الممنوع ان نستخدم اللغة الهابطة التي تخوّن البعض وتخرجه عن الدور الوطني، اذ لا يوجد في هذا الوطن من لا يحب لبنان، سواء كان ممن وافق على الحرب ونتائجها، او من انكر الحرب ونتائجها فالكل يريد ان يحفظ هذا الوطن.

 

انتقالاً الى الواقع الشعبي فهل تشعرون ان ابناء الطائفة الشيعية يتجهون الى تبني الموقف الداعي الى بسط سلطة الدولة في الجنوب او ان الغالبية منهم لا تزال تؤيد «حزب الله» وخياراته؟

- الشيعة في الجنوب وفي لبنان هم جزء لا يتجزأ من الشعب اللبناني، وقد آمنوا بالعيش المشترك وببناء الدولة. فمشروع الدولة هو حلم من احلام الطائفة الشيعية التي كانت في طليعة من ناضلوا من اجل هذا المشروع عندما اقتطع الجنوب من الدولة اللبنانية التي بدأت تضعف تدريجاً. هذا اساس في حياة الطائفة الشيعية والطوائف الاخرى في لبنان، فالتأييد الذي حصل عليه «حزب الله»، وقبله «حركة امل» او التنظيمات الفلسطينية في مقاومة اسرائيل، هو تأييد ينسجم مع الانتماء القومي والايمان بقضية الصراع العربي الاسرائيلي وقضية الشعب الفلسطيني الذي أُخرج من ارضه وظلم واضطُهد. اما عندما يريد البعض عرقلة مشروع الدولة فالشعب يسحب تأييده له. والشعب اختار «حزب الله» و«حركة امل» في الانتخابات الاخيرة على اساس انهما جزء من مشروع الدولة وليس ليتحوّل الجنوب ساحة وحيدة للصراع العربي الاسرائيلي ولا من اجل اعاقة مشروع الدولة. والدولة ساهمت الى حد ما باخفاء النظرة المنطقية عن الناس وذلك بدعمها للمقاومة. والشعب يؤيد المقاومة ضد العدو الاسرائيلي شرط ان لا يكون الجنوب وحده ساحة للصراع العربي الاسرائيلي وان لا يكون ذلك على حساب مشروع بناء الدولة. فعموم الطائفية الشيعية هم مع مشروع الدولة اللبنانية التي طال انتظارها، ولو لم يكونوا مدركين ان تأييدهم لقوى معينة سيكون على حساب بناء دولة قوية.

 

لروابط وطنية لا مذهبية

يأخذ البعض على اطراف داخل الطائفة الشيعية تغليبهم المشروع الاقليمي على مشروع بناء الدولة، ما هو رأيكم في هذا الموضوع؟

- تغليب المشروع الاقليمي على المشروع الوطني الداخلي تتحمل مسؤوليته الواجهة السياسية. فالشعب لا يؤيد حتماً اي مشروع سواء اكان ايرانياً ام سورياً او خلاف ذلك بل يقف مع المشروع اللبناني. ولكن الواجهة السياسية التي امسكت بالقرار ضمن الطائفة الشيعية ثقافياً وسياسياً هي التي حاولت تسويق هذا الامر، ولذلك قلتُ في اكثر من مناسبة ان الروابط مع ايران او العراق مذهبية لا علاقة لها بروابط الاوطان. فالطائفة الشيعية ترفض ان تكون روابط المذاهب والاديان على حساب الاوطان لانها تعتقد ان الاولوية هي لوطنها خصوصاً انها ليست طارئة على لبنان، لذلك لا يجوز التخطيط لمشروع ما بمعزل عن الطوائف الاخرى التي تشكل شريكاً في هذا الوطن، فسياستي يجب ان ترسم من واقع انتمائي. فاذا كان هناك مأخذ فهو على القيادات التي قفزت الى الواجهة السياسية واخفت الشعور الوطني المتأجج داخل الطائفية الشيعية في اتجاه وطنها.

 

تخويف الشيعة

بعد الانسحاب السوري من لبنان بدا المشهد وكأن الشيعة شعروا باستهداف ما، وهناك انطباع ان شيعة لبنان بكفاحهم ومقاومتهم كان لهم الفضل على الآخرين بوقوفهم في خط الدفاع الامامي في مواجهة اسرائيل، فلماذا هذا الشعور بالاستهداف بعد الانسحاب السوري؟

- أعتقد ان بعض الاحزاب والقيادات ضمن الطائفة الشيعية اراد ان يجمع الطائفة حوله من خلال بث شعور بالاستهداف والتخويف من الآخر، وقلنا في مجالس عديدة انه لا يوجد خطر يستهدف الشيعة وحدهم في لبنان، والخطر اذا كان موجوداً فانه يهدد الطوائف اللبنانية كافة. وتالياً هذه لعبة سياسية من الاحزاب والقوى التي تمسك بالقرار الشيعي وتُستخدم في الانتخابات بغية توجيه الرأي العام الشيعي، بالوسائل التي يملكونها الى تأييد سياساتهم وخياراتهم التي تسمح لهم بالامساك بمواقعهم.

 

البعض يتهمكم بتشويه انتصار «حزب الله» في حربه الاخيرة خصوصاً ان دم الشهداء لم يجف بعد، فما ردكم على ذلك؟

- هذا المنطق يخفي وراءه نية باسكات الصوت الآخر، اذ عندما نتكلم يبادرون الى القول ان الوقت غير مناسب لهذا النوع او ذاك من الكلام. وعندما تؤخر موعد مطالباتك يقولون ان الوقت قد فات. ولم نتكلم علانية الا بعد فشلنا في ايجاد آذان صاغية. فقبل الحرب واثنائها كانت هناك لقاءات مع بعض القيادات في الطائفة وقلنا لهم آن الآوان لنجري حواراً داخلياً لتقريب وجهات النظر، فلماذا نوضع جميعاً في سلة واحدة من الرؤية الايرانية وغيرها علماً ان الواقع ليس كذلك؟ حتى انني قلت لبعضهم قبل اندلاع الحرب واثناءها اننا راضون بان تقود «حركة امل» و«حزب الله» هذه السفينة ونحن ركابها ولكننا كركاب نجد امواجاً قادمة، فاسمعوا لنا، ولكن للاسف لم نجد آذاناً صاغية.

 

لم أر «نصرا مبينا»

وهذا المنطق هو لاسكات الرأي الآخر من اجل ان تبقى السيطرة لهذه المجموعة بالمعصومة عن الخطأ والتي لا يجوز ان يوجّه لها انتقاداً لا بالسر ولا بالعلن. ومن غير المناسب الاختباء وراء الشهداء والضحايا فهذا وجه من وجوه الاسكات، اذ ان هؤلاء الشهداء والضحايا يستحقون هنا اسئلة يجب ان ننطق بها وتبعث على المقارنة بين ما الذي دفعناه وما حصلنا عليه. فلنتحول الى تبني سياسة النقد الذي يطور ويؤسس. لم أر اثاراً للانتصار، وبحسب القرآن الكريم فالنصر يكون مبيناً، ولو كان كذلك لما وقع الاختلاف بين مختلف الطوائف في لبنان وحتى ضمن الطائفة الشيعية. نحن لا نتنكر لصمود المجاهدين وتضحيات الشعب اللبناني ولكننا لا نرى انتصاراً مبيناً. ففي العام 2000 كان هناك نصر مبين حظي باجماع اللبنانيين كافة ودول العالم ايضاً، لذلك لماذا الاصرار اليوم على النصر ما دام الاختلاف واقع عليه؟

 

هل تعتقد ان لا مبرر منطقياً لاستمرار المقاومة حتى تحرير مزارع شبعا وتحرير الاسرى؟

- بات هناك اليوم آلية دولية لحل مشكلة مزارع شبعا وتالياً استرجاعها الى كنف الوطن وتحريرها عبر الامم المتحدة، علماً ان الآلية كانت مطروحة سابقاً وكانت مرفوضة من المقاومة وحلفائها في الداخل والخارج. لذلك فالوجود جنوب الليطاني يجب ان يكون للقوى اللبنانية وللقوات الدولية، ونرفض ان يخرج «حزب الله» من الجنوب كقوة شعبية ولكن ممارسة العمل المسلح اصبح منحصراً بالدولة اللبنانية والجيش اللبناني ومن يؤازره من قوات دولية.

 

السلاح غير مقدس

تم الرد عليك اخيراً باجتماع علمائي هنا في صور افتى بتحريم الدعوة لنزع سلاح «حزب الله» ...

- سبق ان صرح الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ان السلاح هو وسيلة لتحقيق غاية ما وليس امراً مقدساً وهذا كلام منطقي. ولكن تثقيف الناس على ضرورة اقتناء السلاح نظراً لما يمكن تحقيقه من خلاله رسّخ في النفوس مبدأ وجوب الاحتفاظ بالسلاح، وكانت لي احاديث عديدة مع قياديين في «حزب الله» حول سبب التفكير دائماً في ان السلاح هو مصدر القوة الوحيد. فبالامكان ان تكون القوة الفكرية والسياسية التي تبني قضايا اجتماعية محقة اقوى بكثير من السلاح. فعليهم اذاً الانضمام الى الدولة، التي اذا كانت قوية ازدادت قوة واذا كانت ضعيفة قويت بهم. فالتمسك بالسلاح كمصدر قوة ثقافة خاطئة ويجب ان تتبدل لان مصدر القوة هو سلاح العلم والمعرفة والكفاح ضمن الدولة. والمؤسسات التي يسعى الجميع الى تحقيقها وتقويتها. والاخوة المشايخ ورجال الدين الذين اجتمعوا اخيراً ليسوا اهلاً لاصدار فتوى تحرّم المطالبة بنزع سلاح المقاومة كونهم قسم من طلاب العلوم الدينية والمشايخ المنتمين الى احزاب المقاومة وليسوا اهلاً لاصدار فتوى دينية بتحريم المطالبة بقضية مطروحة على طاولة الحوار الوطني. فاذا كانت هذه القضية محرمة فكيف يطالبون بالعودة الى طاولة الحوار لبحثها مجدداً؟ فهذه مجموعات لتدعيم وجهة نظر فريق سياسي على آخر ضمن الطائفة الواحدة او الطوائف المتعددة في لبنان، علماً ان من بين هؤلاء رجال احبهم وتربطني بهم علاقة قديمة ووطيدة. فالالقاب والمواقع ليست مهمة انما المهم ان يكون الانسان في خندق الدفاع عن شعبه واهله لتخفيف معاناة الجنوبيين واللبنانيين جميعهم. وسامحهم الله على التهم التي يوجهونها الينا.

 

خلاف مع «الصديق» بري

كيف تصف علاقتك بالرئيس نبيه بري؟

- بيننا وبين الرئيس بري مسيرة وتاريخ طويل من النضال، وكانت هناك لقاءات مع دولته اثناء الحرب وتحدثنا يومها عما آلت اليه الامور وما الخطوات التي ينبغي اتخاذها. وتربطني علاقة ود شخصي بالرئيس بري لا يمكن ان اتخلى عنها. والخلاف الذي كان اخيراً في وجهات النظر مرده الى انني رأيت سكوتاً عن مشروع الامام موسى الصدر. فالفرصة اتت الآن لبناء الدولة والمشروع اللبناني ونحن اولى الناس بالمطالبة بارسال الجيش الى الجنوب فلماذا نسكت عن رفض «حزب الله» وغيره لنشر الجيش جنوباً؟ فالامور لا تدار من دون مراجعة نقدية خصوصاً ان هناك اتحاداً بين «حزب الله» و«حركة امل» والعالم لا يسأل الحركة عن رأيها في هذا الموضوع او ذاك، انما يسأل الحزب، وبذلك تغيب خط الاعتدال الاساسي في الطائفة الشيعية الذي اسسه الامام موسى الصدر القائل «ان الجنوب أمانة ويجب ان تحفظ بأمر من الله والوطن».

 

وقمتُ بجولة على القيادات الشيعية في لبنان قبل الحرب وقلت لهم ان موقفنا كشيعة في لبنان يجب ان يكون متميزاً عن الشيعة في العراق او غيره من البلدان، ويجب ان يأخذوا منا الدروس في العيش المشترك وفي الانفتاح على الطوائف الاخرى ونبذ التعصب والمذهبية. السيد علي السيستاني مرجعية دينية ولكن على العراقيين والايرانيين ان يصغوا الينا في السياسة لاننا اصحاب تجربة سابقة. ولم اجد ان الكلام الذي تداولته مع الاخوة في «حزب الله» و«حركة امل» وضع حيز التنفيذ، فحتى المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى يقع تحت سيطرتهما بينما كان الهدف من تأسيسه السعي المتواصل من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية والتواصل مع جميع ابناء الوطن.

 

مستعد للحوار

هل كانت هناك محاولة لاجراء حوار بينكم وبين «حزب الله» اخيراً؟

- جاءني بعض الاشخاص المستقلين وتمنّوا عليّ عدم اثارة المواضيع الحساسة على شاشات التلفزة وفي الاعلام، وانا مستعد راهناً الى حوار سواء كان علنياً او في لقاءات جانبية، ولكنني صراحة لم ألمس لدى الطرف الآخر رغبة في اجراء هكذا حوار.

 

ما قراءتك للمرحلة المقبلة ولرد فعل «حزب الله» على مجريات الامور؟

- ارى ان الامور تسير في اتجاه الافضل والخروج من الاوضاع التي كنا نعانيها سابقاً. ونجد من الحكومة اللبنانية اهتماماً، من خلال قرار ارسال الجيش اللبناني وهناك ايضاً اهتمام من المجتمع الدولي بمؤازرة الدولة اللبنانية والجيش لبسط سلطة الدولة الكاملة على جميع الاراضي اللبنانية. اما الخطابات التي نسمعها والتي تعارض سياسة الحكومة، فهدفها توجيه الانظار الى اماكن اخرى، فالجميع اشادوا بدور الحكومة اللبنانية، وهم كانوا جزءاً منها عند تأسيسها، فكيف كانت بالنسبة اليهم وطنية سابقاً والآن عدلت عن خطها الوطني الصحيح؟ علماً بأن الحكومة ادارت المعركة بحكمة وصبر والرئيس فؤاد السنيورة قام بجهد حثيث لوقف الحرب ونال اعجاب الكثيرين داخل لبنان وخارجه. ويمكن ان نلحظ ان مطالبة «حزب الله» باسقاط الحكومة هي ارضاء للعماد ميشال عون وليست مطلباً حقيقياً، وهي تأتي ايضاً في سياق إشغال الناس بأمور عديدة ريثما يتمكنون من درس ما آلت اليه الاوضاع السياسية والاجتماعية.

 

كيف تنظرون الى الوضع الاجتماعي والاقتصادي للناس بعد الحرب؟

- لن يتمكن «حزب الله» ولا غيره من الاستمرار في اداء الخدمات للشعب المتضرر من العدوان. وهنا تكمن مسؤولية الدولة التي عليها اعادة النظر حتى في طريقة ايصال الخدمات الى الناس. فالشعب يجب ان يشعر بان الدولة هي التي ترعاه وفي ذلك تقدير لوطنهم ولمؤسساتهم ولا يجوز للدولة ان تسمح بخدمات مستوردة من الخارج.

 

من الواضح ان الاستياء من الحرب الاخيرة لا ينحصر لدى اللبنانيين المنتمين الى طوائف غير الطائف الشيعية وانما طال جهات عديدة داخل الطائفة الشيعية فهل تتوقعون قيام حركة اعتراضية داخل طائفتكم الكريمة؟

- لست بصدد ايجاد حال ثالثة او رابعة داخل الطائفة الشيعية، ولكن من موقعي الديني ومن خلال معايشتي للامور، ارى من واجبي التنبيه لأخطار يجب ألا تتكرر والتذكير بشعارات رفعت في السبعينات من القرن الماضي طالبت ببناء مشروع الدولة وكانت الطائفة الشيعية اول من حملها. ونقول لمن يمسك بالقرار الشيعي، لا يجوز ان تقبلوا لانفسكم راهناً ما رفضتموه للمنظمات الفلسطينية والقوى والتنظيمات التي كانت قائمة على ارض الجنوب قبل العام 1982 حيث كانت هناك عملية اقتطاع للجنوب اللبناني عن ارض الوطن، وهذا ما رفضه الشيعة وغيرهم من مكونات الشعب اللبناني.

 

اما اختيار القيادات والاحزاب فمتروك للشعب، ولست في هذا الصدد، ولم اقم بلقاء من يؤيد وجهة نظري من مفكرين وسياسيين من ابناء الطائفة الشيعية، انما كانت هناك اتصالات هاتفية لمناقشة آراء متعددة. وتلفتني استياءات من اطراف عدة، وانا اقبل النقد البناء ولا مشكلة لدي في هذا الخصوص. وأؤكد انني لا انتمي الى اي لقاء تأسيسي لاحزاب جديدة داخل الطائفة وهناك من ينوي تأسيس أحزاب جديدة وهذا ليس خطأ، فالمسألة ليست حكراً على «حركة أمل» و«حزب الله» فهذا الثنائي لم تأت به آية ولا عن النبي رواية، فلا حرية حقيقية خارج مشروع الدولة الذي عندما يتعزز بالكامل يترسخ مبدأ الحرية.