عضو لجنة الحوار الإسلامي-المسيحي في لبنان حذر  من خطورة التمترس الطائفي بعد الحرب الأخيرة

 د. علي حسن لـ "السياسة": أخشى انفجاراً  مذهبيا ًوأي حرب جديدة ستنهي لبنان

 بيروت - من صبحي الدبيسي: السياسة 5/10/2006

رأى عضو لجنة الحوار الإسلامي-المسيحي في لبنان الدكتور علي الحسن, أن عدم لقاء الرئيس بري رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير في زيارته الأخيرة إلى بيروت, أنقذ الشيعة من خلاف داخلي, لأن طوني بلير كان من دعاة القضاء على »حزب الله« في بداية العدوان الإسرائيلي, لكنه غير موقفه فيما بعد.

حديث الدكتور علي حسن جاء في سياق حوار أجرته معه »السياسة«, اعتبر فيه أن »حزب الله« أخطأ بتقدير نتائج الحرب مع إسرائيل وأنه ارتكب خطيئة عندما تجاوز الخط الأزرق, لافتاً إلى أنه لو أرسل الجيش إلى الجنوبي في العام 2000 لما أصبح لبنان في مواجهة مع العالم كما هو اليوم. وحول عمل لجنة الحوار الإسلامي-المسيحي أبدى حسن تشاؤماً حول هذه النقطة بسبب الخلاف القائم بين الشيعة المتحالفين مع سورية والقيادات الأخرى التي تطالب بالسيادة والإستقلال. الدكتور الحسن أبدى تخوفاً من التصريحات الانفعالية التي قد تؤدي إلى تأزم داخلي وانسحاب وزراء »حزب الله« من الحكومة واستقالة نوابهم من المجلس النيابي, مشدداً على أن الحوار العقلاني هو خشبة الخلاص لكل اللبنانيين.

وفيما يلي نص الحوار:

برأيك لماذا تجنب الرئيس بري لقاء رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير?

معروف عن الرئيس بري ذكاؤه, وبرأيي أنه تقصد عدم لقاء بلير, لتفادي مشكلات عديدة داخل الطائفة الشيعية, وقناعاتي أن الرئيس لا يتصرف إلا بوحي قناعاته. وعندما سئل النائب علي حسن خليل حول الأسباب التي حالت دون لقاء بري مع بلير, لم يعط تفسيراً واضحاً ولم يعلق على الإنتقادات التي صدرت عن قياديين في »حزب الله«. لأن الرئيس بري لا يقبل بأي تطرف, وهو بشعوره لبناني ويبقى لبنانياً أكثر من أي لبناني آخر وما قاله الإمام موسى الصدر والإمام محمد مهدي شمس الدين: لبنان وطننا النهائي, والرئيس بري يؤيدهم حرفياً.

ما الأسباب التي تحول دون لقاء رؤوساء دول كبيرة تربطنا بها علاقات ديبلوماسية وهي دائمة العضوية في مجلس الأمن وموقفها يؤثر علينا كدولة صغيرة سلباً وإيجاباً?

رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير في الأسبوعين الأولين من العدوان الإسرائيلي على لبنان, طالب باستمرار المعركة ويعتبر موقفه غير ودي وغير داعم للبنان, بعد ذلك تبدل موقفه وطلب من الرئيس بوش العمل على وقف إطلاق النار ليس من أجل الضحايا التي سقطت بل تجنباًَ للحملة التي قامت ضده في لندن وبريطانيا عامة. والسبب الآخر عدم إحراز تقدم من جانب إسرائيل على أرض المعركة, لذلك أصبحت المطالبة بوقف إطلاق النار, نحن نعتبر أن تصرفه هذا لم يأتِ من منطلق محبة بل دفاعاً عن إسرائيل وخوفاً على إسرائيل. وحسناً فعل الرئيس بري رغم حماسه في بعض المواقف. ولم يسمح لنفسه إبداء الرأي بما صرح به نواب »حزب الله« في المدة الأخيرة خاصة الكلام الذي صدر عن النائب علي عمار عندما قال مخاطباً الفريق الثاني: عليهم محاورة أحذية أطفال قانا, هذا الكلام لا يقبله نبيه بري. ولا يمكن أن يسكت ومن حظ عمار أن الرئيس كان خارج لبنان.

برأيك ما مبررات هذا الخطاب السياسي الانفعالي لنواب »حزب الله«?

هذا الخطاب الذي نسمعه بعد الحرب ربما كان مخططاً له, خاصة بعد التصريحات التي صدرت عن قوى »الرابع عشر من آذار« أمثال: دوري شمعون وغيره من القيادات التي طالبت بسحب سلاح »حزب الله«, بالرغم من أن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان لم يطالب بسحب سلاح الحزب, أيضاً رئيس الوزراء الإيطالي لم يأتِ على ذلك سحب سلاح »حزب الله«. هذه المواقف أثارت السيد نصر الله رغم تحليه بالهدوء والصبر, وهو لم يخرج عن هدوئه لو لم تصل الأمور إلى حد يمنع السكوت عنها.. وبرأيي أن موقف قوى »14 آذار« كان خاطئاً, لكن كان على السيد حسن أن يسأل الرئيس السنيورة عن حقيقة مجيء بلير إلى لبنان قبل أن يهاجمه, لأن الرئيس السنيورة عدا عن كونه رئيس حكومة فهو رجل متدين وخلوق ولا يستحق هجوماً, والسؤال هل استفسر السيد حسن ولم يلق الجواب المناسب... وأظن أنه يملك معطيات لكي يقول هذا الكلام, علماً أن هذه المواقف تؤزم الوضع الداخلي ولا تساعد أبداً على حلحلة الأمور.

ألا تعتقد أن السيد نصر الله عجل في هجومه على رئيس الحكومة وعلى الأكثرية?

برأيي كان على السيد حسن أن يتريث في تأكيد المعلومات التي يمتلكها قبل اتخاذ أي موقف, يعني كان عليه أن يسأل الرئيس السنيورة ويسأل النائب سعد الحريري نجل الشهيد رفيق الحريري, لأن الأمين العام ل¯»حزب الله« كان على اتفاق وقناعة لما يحصل في لبنان. وهذا ما ذكره أكثر من مرة في تصريحاته.. أما لجهة وقوف اللبنانيين مع النازحين طوال أيام الحرب فأنا أسجل تقصيراً من قبل "أمل" و»حزب الله« اللذين لم يوجها كتاب شكر للشعب اللبناني لوقوفهم إلى جانب أخوانهم أهل الجنوب في محنتهم التي مروا بها..

كيف ترى صورة الوضع القائم وهل تتخوف من مشاكل داخلية?

بعد استشهاد الرئيس الحريري وانقسام اللبنانيين بين »8 آذار« و»14 آذار« ازداد التعصب الطائفي عند كل الطوائف في لبنان, فالشيعي تمسك أكثر بطائفته, والسني تمسك أكثر بطائفته, وهذا خطأ وخطر على لبنان ولو أجرينا إحصاءً للطائفة الشيعية فهناك ما يقارب 92 في المئة تؤيد ما يقوله السيد حسن نصر الله وما لا يقوله نبيه بري وهم ضمناً معه.. وفي نفس الوقت أصبح عندهم تعصب كبير وأنا أعرف ذلك من خلال قاعدتي الشيعية, ومن خلال صداقاتي مع الأخوان السنة وجدت تعصباً لم أعرفه من قبل وهذا عليه علامات استفهام ومخاوف مما قد يحدث.

هل تخشى حرباً مذهبية على خلفية هذا التعصب?

إذا لم يحصل تعقل من الفريقين أخاف طبعاً, ولكن أخاف أكثر, لأن التعقل يجب أن يبرز من الطائفة الشيعية أولاً, لأن الطائفة الشيعية هي الأقوى عسكرياً على الأرض والطائفة الشيعية تعرف أن ما حدث في العراق كانت وراءه أميركا وإسرائيل. لذا يجب على الشيعة قبل السنة أن يخافوا من الحرب الأهلية وهم الأقوى والأكثر عدداً ولديهم زعامات سياسية تمتاز بالحكمة وبعد النظر..

هل تتوقع نقاشاً شيعياً شيعياً حول ما جرى في الحرب الأخيرة أسبابها ومسبباتها ودور »حزب الله« في اتخاذ قرار الحرب والسلم بمعزل عن الدولة?

بكل أسف لم يجر هذا النقاش بعد.

لماذا, هل بسبب الخوف من »حزب الله«?

لا... »حزب الله« لم يظهر هذا الموقف وقد وجهت انتقادات عدة حول تصرفاتهم ولكن لم أسمع أي رد سلبي على كل الآراء التي كتبتها, ولم يحاول »حزب الله« حتى الآن الاعتداء على أحد, لكن مع الأسف وبكل صراحة أقولها كشيعي مثقف أدخل على عائلتي فأجد ثلاثة أرباع العائلة يؤيدون مواقف السيد نصر الله, عندها ماذا ينفع النقاش في الموضوع الشيعي? وأنا كطبيب أستقبل كل يوم عشرات الأشخاص ولا أحد منهم يناقش في أمور الطائفة, هذه المشكلة ليست موجودة إلا في الطائفة الشيعية فقط, هناك مشكلة بين النخبة والقاعدة التي تتأثر كثيراً بالكلام والمواقف والإشاعات.

هل أنت تتهم القاعدة بالتعصب الديني والإنجرار خلف القيادات المتطرفة, ولا تهتم بقراءة المواقف?

الكل يقرأ اليوم ولكن العاطفة متغلبة على المنطق, من دون نقاش وهذا واقع خطير.. فلو جرت انتخابات نيابية أو غيرها يتأثر »حزب الله« و»أمل« بأكثر من 92 في المئة من أصوات الناخبين الشيعة.

هل أنت قلق على الوطن من هذا التعصب?

جداً, جداً.

وهل ترى في الجهة الثانية تعصباً مماثلاً للتعصب الشيعي وقد يؤدي إلى انفجار?

هناك تعصب, نعم ولكنه أخف مما هو عند الشيعة, ولو أخذت الأمور بالحكمة لأمكن تحييد البلد من هذا الصراع, المشكلة عند الشيعة كثرة المرجعيات, على خلاف السنة...

تاريخياً السني في لبنان ليس من أنصار القتال, فكيف تتهمه بالتعصب?

هناك تعصب من دون مساواة في الأمور العسكرية وهذه مسألة خطيرة وأتمنى ألا يحصل في لبنان كما يحصل في العراق. فأي تصرف من قبلنا كشيعة إذا لم يكن محكوماً بالعقل مجرداً عن أي غاية لها علاقة بالطوائف والمذاهب قد يؤدي إلى أمور سلبية.

لماذا استقبلنا أمير قطر وكوفي عنان في الضاحية وانتقدنا زيارة بلير?

أعتقد أن ما جرى بعد زيارة طوني بلير إلى لبنان يكاد يكون نتيجة لعمل ما سبق الزيارة, لأن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس استقبلت أكثر من مرة, وكانت أعلنت عن شرق أوسط جديد, السبب المباشر المنتقد لزيارة بلير عنف التصريحات التي صدرت بعد توقف المدفع والمقابلات الإعلامية التي تحصل كل يوم على شاشات التلفزة, هذه الحوارات تعطي انعكاساً على الشارع, سواء أكان الضيف من قوى »14 آذار« أو من قوى المعارضة.

كيف يمكننا أن نتوصل إلى حلول ناجعة?

من عقلانية الطرفين, وعلى الرئيس بري أن يتفهم هذا الواقع الجديد أكثر من غيره, لا سيما وأنه غير متعصب لطائفة معينة حتى طائفته الشيعية, فهو يتعاطى مع القضايا الداخلية من خلال موقعه الوطني وليس الطائفي.

هل تتوقع أن يدعو الرئيس بري القوى السياسية إلى الحوار مجدداً?

أشك بذلك, لسبب بسيط, لأن النائب جورج عدوان قال بأن السيد حسن وعد المتحاورين بأن شيئاً لن يحدث قبل حلول شهر تشرين. لكن وبما أنه حصل ما حصل لماذا العودة دائماً إلى هذا الموضوع, يجب أن نحصر تفكيرنا بكيفية إزالة آثار الحرب, السيد حسن و»حزب الله« هما منتصران بالصمود ولكن نحن لسنا منتصرين بالحرب, لأننا دفعنا فاتورة عالية جداً 1200 قتيل, مليون نازح, فضلاً عن الدمار والخراب ودخول الجيش اللبناني إلى الجنوب بعد أربعين سنة مع ما يستتبع ذلك من عديد القوات الدولية التي قد يصل إلى أكثر من عشرة آلاف جندي.

هل يعني أن لبنان أصبح مدولاً?

بالطبع, لبنان مع الأسف أصبح مدولاً من كل الجهات وفي حسابات الربح والخسارة لسنا رابحين, لقد خسرنا من كل الجهات, لكن السيد حسن يعتبر أن موقفه أفضل بكثير من الذين ينتقدونه. وهو لم يتكلم في هذا الموضوع تماشياً مع قول الإمام علي: »إحذروا نشوة النصر وفتنة الغرور».

هل تعتقد أن فريق »14 آذار« كان متسرعاً في مواقفه?

متسرع جداً ومتطرف. وكان يجب عدم المطالبة بتسليم سلاح »حزب الله« حتى يهدأ الوضع. مثلاً »حزب الله« طالب باستقالة الحكومة ولكنه في المقابل اتخذ هذا الموقف رداً على عنجهية الفريق الآخر وإصرارهم على إدانة »حزب الله«.

كيف نطالب باستقالة الحكومة وفي الوقت عينه ما زال وزراء »حزب الله« في الحكومة?

قد يقدم »حزب الله« على سحب وزرائه وتقديم استقالة جماعية لنوابه, إذا ما استمر الوضع هكذا على حاله, وهذا ما يجعلنا نعتقد بأن البلاد مقبلة على أزمات يمكن تفاديها بالحوار قبل أن يحدث شيء, وأنا عضو في لجنة الحوار الإسلامي المسيحي, لأن الطائفة الشيعية لم تكن ممثلة في هذه اللجنة ولذلك توافقت مع زملائي لعمل شيء ما يساهم في تبريد المواقف.

أين أصبح الحوار الإسلامي المسيحي?

لقد أصبح الوضع في لبنان أكبر من الجميع, وأصبح البلد خاضعاً للتدخلات الدولية والإقليمية, ولم تعد الإتصالات المحلية تجدي نفعاً كان أهم شيء نسعى إليه عقد قمة روحية في بكركي.

ماذا أعطت القمة الروحية?

لم يكن في الإمكان أفضل مما كان, حتى أثناء القمة رفض المجتمعون توجيه تحية للمقاومة, ولكن نتيجة إصراري وجهت التحية ولكن بخجل, ما يعني أن القمة لم تعط أية نتيجة.

ماذا سيكون مصير الحوار الإسلامي-المسيحي بعد فشل القمة الروحية?

يجب أن نتحاور أكثر وأكثر مع أنني متشائم, لقد اجتمعنا مع السيد حسن نصر الله بعد أن علق الوزراء الشيعة مشاركتهم في الحكومة لمدة ثلاث ساعات ونصف, ثم التقينا غبطة البطريرك والشيخ عبد الأمير قبلان, وبرأيي لولا الحرب لم تعقد القمة الروحية, وهناك أسباب عديدة, فالمرجعيات المسيحية ترفض الوجود السوري, والقيادات الشيعية لا تقبل بهذا الأمر, لأن العلاقة مع سورية أصبحت جزءاً من إيديولوجية الطائفة الشيعية, وخير دليل على ذلك التحية التي قدمت لسورية في »8 آذار«, وهذا ما أدى إلى منع انعقاد القمة, ولكننا أثناء الحرب نجحنا في عقد القمة وأيدنا النقاط السبع المتضمنة إرسال الجيش إلى الجنوب ووقف الحرب على لبنان.

برأيك, هل ورطت إيران وسورية »حزب الله« بالحرب مع إسرائيل?

لا.. لأن موضوع تحرير الأسرى ورد في البيان الوزاري, ولكن حصل سوء تقدير, ولقد أشار إلى ذلك السيد نصر الله.

لماذا لم يحافظ »حزب الله« على منجزات التحرير عام 2000 ولماذا ورط نفسه في هذه المغامرة مع إسرائيل?

لقناعة عنده, بعدم إرسال الجيش إلى النوب كي لا تضيع منجزات المقاومة وكي لا يصبح الجيش حرس حدود لإسرائيل, عدم دخول الجيش إلى الجنوب كان موضوع خطأ.

برأيك هل ما زال لبنان تحت دائرة الخطر?

من دون شك, والخطر الأكبر من التوتر الداخلي وفي هذا الخصوص كتبت مقابلة تحت عنوان: لو كان الإمام الصدر بيننا هل تهدم إسرائيل لبنان كل مرة, والخوف الأكبر من هذا الكم من القوى الدولية وقد أصبحنا في مواجهة العالم وخطأ »حزب الله« كان باجتيازه الخط الأزرق وخطفه للجنديين, فأي حرب أخرى سوف تنهي لبنان?

هل تتوقع تغييراً جذرياً في المنطقة?

عندما تحل القضية الفلسطينية وكذلك المسألة السورية التي لها علاقات مميزة مع »حزب الله« ويتحرر الجولان وينتهي الصراع حول الموضوع النووي-الإيراني, من خلال اتفاق أميركي-إيراني يصبح كل شيء مفصولاً في المنطقة.

كيف تنظر إلى موقف الدول العربية تجاه لبنان في هذه الحرب?

برأيي في الأسبوعين الأولين من الحرب اعتقد العرب كما اعتقد الأميركيون بأن الحرب الأميركية الإسرائيلية سوف تقضي على »حزب الله« لتنفيذ القرار ,1559 وكان في تصور مصر والمملكة العربية السعودية والأردن أن المشكلة ستنتهي خلال أسبوع ولكن حجم الدمار الذي خلفه العدوان وتبدل المواقف في الشارع الإسلامي أعادهم إلى الموقف الصواب, وقدموا للبنان الدعم المطلق وخاصة من الرياض والكويت وعمان, وكان باعتقاد البعض الانتهاء من »حزب الله« والإنتقال إلى المشكلة الفلسطينية, وما أراه اليوم أنهم يحاولون تجنب حرب لبنان لحل القضية الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإقامة »كامب دايفيد« جديد على أساسه يجرى حل المشكلة الفلسطينية وحل مشكلة الجولان.