مقابلة مع النائب والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون
لبانون فايلز 16 تشرين الأول 2007

بيضون/لا حزب الله ولا غيره يملك إمكانية حماية الجنوب إلا عبر الإسراع في تنفيذ القرار 1701

رأى النائب والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون أن قرار المعارضة هو تأجيل الاستحقاق الرئاسي إلى ربيع 2009 إذ هناك قناعة لديها أن الرئيس الأميركي الجديد سيحاور سوريا حول لبنان كما حاورها بوش حول العراق، محذراً من أن يكون ثمن التسوية الشاملة، التي يتوقعها البعض في المعارضة ويراهن عليها، الإطاحة بالدستور وبمنصب الرئاسة نفسه عبر قيام مجلس رئاسي من الطوائف الثلاث الكبرى أو تغيير جذري في النظام يؤدي إلى المداورة في الرئاسات أو شيء من هذا القبيل، ومعتبراً أن المعارضة في مأزق، والسبب الأساسي لهذا المأزق أن حجم ارتباطاتها الإقليمية، من أجل مواجهة المشروع الأميركي، أكبر من إمكانياتها وقدراتها، وأن الأكثرية أيضا في مأزق، كون ممارستها للسلطة هي شكلية، لا فعلية.

 

وتوقع بيضون أن تترجم المواجهة الأميركية-السورية بقرار جديد يصدر عن مجلس الأمن في حال لم يحصل الاستحاق في موعده، وسيكون وقع هذا القرار شديداً على البلد وعلى سوريا، وكاشفاً أن المذكرات المرسلة من قبل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والتي تدور حول دور سوريا في المرحلة الحالية وعلاقتها بفتح الإسلام هي تمهيد لصدور هكذا قرار، وستكون كل أوروبا هذه المرة معنية بالقرار الجديد بخلاف ما حصل مع القرار 1559.

 

وأكد النائب السابق بيضون أنه لا يوجد شيء اسمه نصاب الثلثين، لأنه إذا أردنا العودة إلى تقاليد الجلسات النيابية، التقليد هو حضور جميع النواب، لا نصاب الثلثين، المعارضة تقول أن كل السوابق تقول بنصاب الثلثين، هذا غير صحيح، السوابق كلها تقول بحضور الجميع ضمن الموعد الدستوري، داعياً بكركي إلى المبادرة في حال أرادت المحافظة على الرئاسة والحؤول دون خروجها من يد المسيحيين، وآملا أن تثمر لقاءات بكركي باتجاه أخذ تفويض من الطرفين المسيحيين لمصلحة البطريرك، وعبر هذا التفويض تضع بكركي لائحة من مجموعة أسماء يصار بعدها إلى انتخاب شخصاً من هذه اللائحة، لافتاً إلى أن الجزء المهم من الانتخابات الرئاسية هو أن تبقى للمسيحيين، لا يمكن أن نقول مجد لبنان أعطي له ولكن التسمية الرئاسية هي لغيره، ومتسائلاً لماذا لا تفوض 14 آذار أمرها أيضاً إلى بكركي؟

 

وأشار بيضون إلى أن العماد ميشال عون لم يكن يوماً مرشح المعارضة، كاشفاً أن القوى السياسية الدولية عموماً والأميركية خصوصاً تنطلق من اعتبار أساسي هو أن ميشال عون وتياره فقدوا استقلاليتهم السياسية بشكل كامل وباتوا جزءاً لا يتجزأ من سياسة المحور الإيراني-السوري، سائلاً حزب الله عن مدى ثقته بميشال عون الذي انتقل من ضفة إلى أخرى بأشهر عدة، وما الضمانات التي بحوزتهم بألا ينتقل مجدداً إلى الضفة المقابلة بعد فترة وجيزة، وكيف يمكن جعل من بطرس حرب ونسيب لحود شياطين الامبريالية الأميركية ويقبلون بملاك اسمه ميشال عون كان بالأمس في الكونغرس الأميركي يعمل على فرض عقوبات على سوريا ومحاصرة المشروع السوري-الإيراني؟

 

وقال بيضون: لا يمكن لحسن نصرالله أن يكون اسماعيل هنية، ولا الطائفة الشيعية أن تكون حماس، محذراً من أي دخول لحزب الله مباشرة أو مداورة في حرب أهلية أو فتن داخلية لأنه سيؤدي إلى نهاية عمل المقاومة، لا فقط على صعيد لبنان إنما على صعيد العالم العربي، مؤكداً أن لا حزب الله ولا غيره يملك إمكانية حماية الجنوب إلا عبر الإسراع في تنفيذ القرار 1701 بكل مضامينه ومنها عودة الحزب إلى مبدأ أن يكون سلاحه ضمن مرجعية الدولة اللبنانية، لأنه لا يوجد سلاح خارج مرجعية الدولة اللبنانية، مطالباً الحزب أيضاً بالمشاركة في بناء الدولة اللبنانية وتعزيز مؤسساتها، ولافتاً إلى أنه قد يكون شعر حزب الله في الفترة السابقة بأن قوته نابعة من ضعف الدولة اللبنانية، ولكن الدولة الضعيفة تشكل خطراً على الجنوب، ولا مجال للعودة إلى نظرية الدولة الضعيفة، وكاشفاً أن كل استراتيجية حزب الله وبري من اغتيال جبران تويني إلى اليوم تقوم على مبدأ إعطاء الطائفة الشيعية حق الفيتو، ما هو مخالف للطائف والدستور، ومتسائلاً هل من الضروري اليوم، إذا كان المشروع الإيراني يشهد نهضة معينة، والرئيس الإيراني أحمدي نجاد يريد إزالة إسرائيل عن الخريطة، أن يزيل لبنان قبلها؟ وماذا تعني المطالبة بالاستفتاء وانتخاب رئيس من الشعب إلا رفض الاحتكام إلى الدستور والذهاب إلى الشارع؟ مؤكداً أن الولاء للوطن أهم من المشروع السياسي مهما كان نوع هذا المشروع السياسي، ولكن، ويا للأسف، يتبين يوماً بعد يوم، أن ولاء بعض الأطراف السياسيين اللبنانيين هو لمشاريعهم السياسية، لا للوطن، إلى درجة أنه يمكن تفكيك الوطن خدمة لهذه المشاريع السياسية، وهذا أمر خطر جداً.

 

هل تتوقع اتمام الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري وتوافقياً؟

 

من الواضح أن قرار المعارضة هو تأجيل الاستحقاق الرئاسي إلى ما بعد موعده الدستوري، أما القرار المقابل، أي انتخاب رئيس من ضمن المهلة الدستورية وبالنصف زائداً واحداً، فهو صعب التنفيذ لكنه ليس مستحيلاً. لذلك، لا يبدو أن باستطاعة اللبنانيين، في حال ترك الموضوع الرئاسي على همتهم، الوصول إلى توافق حول هذا الاستحقاق من ضمن الموعد الدستوري. إن لجوء رئيس المجلس النيابي مجدداً إلى معادلة سوريا والسعودية، وكأن الاستحقاق هو استحقاق سوري أو سعودي وليس استحقاقاً لبنانياً، يعني أن هذه الأطراف تتهرب من مسؤولياتها تجاه الاستحقاق الرئاسي نظراً لارتباطاتها الإقليمية أو الدولية الموجودة.

 

هل المطلوب تكثيف الضغوط الدولية للمساهمة في بلورة الانتخابات الرئاسية؟

 

لن يتم الاستحقاق من دون ضغط دولي أو تسوية دولية-إقليمية، وفي حال تم تأجيله إلى ربيع العام 2009 كما تسعى بعض أطراف المعارضة، هناك خشية حقيقية من أن يكون ثمن التسوية الشاملة، التي يتوقعها البعض في المعارضة ويراهن عليها، الإطاحة بالدستور وبمنصب الرئاسة نفسه عبر قيام مجلس رئاسي من الطوائف الثلاث الكبرى أو تغيير جذري في النظام يؤدي إلى المداورة في الرئاسات أو شيء من هذا القبيل.

 

ما خلفية رفض المعارضة إجراء الاستحقاق في موعده الدستوري؟

 

يعتبر الطرف الأساسي في المعارضة، أي حزب الله، أنه في حال تم هذا الاستحقاق من دون ضمانات معينة، فسيشكل انتصاراً للمحور الأميركي-الأوروبي على المحور السوري-الإيراني، وهو أمر غير وارد بالنسبة إليه خصوصاً بعدما وعد بهزيمة المشروع الأميركي في لبنان، وفي رأيه أن الاستحقاق الرئاسي يجب أن يكون جزءاً من هذه الهزيمة.

 

ما الفارق بين إجراء هذا الاستحقاق في تشرين الثاني من العام الحالي وربيع 2009؟

 

الفارق كبير بالنسبة إلى المعارضة التي تراهن على رئيس أميركي يفتح حواراً مع سوريا وإيران بخلاف الرئيس بوش الذي سيغادر البيت الأبيض في الشهر الأول من العام 2009 ويحل آخر مكانه، يصبح، في ربيع 2009، جاهزاً لترجمة سياساته. أما الشق الثاني هو أن العماد عون يدفع أيضاً باتجاه تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى ربيع العام 2009 موعد إجراء انتخابات نيابية جديدة يعتبر أن نتائجها ستؤدي بالمحصلة إلى انتخابه رئيسا للجمهورية. لا شك أن المعارضة في مأزق، والسبب الأساسي لهذا المأزق أن حجم ارتباطاتها الإقليمية، من أجل مواجهة المشروع الأميركي، أكبر من إمكانياتها وقدراتها، ولكن الأكثرية أيضا في مأزق، كون ممارستها للسلطة هي شكلية، لا فعلية، إنما لا الأكثرية قادرة، بشكل عام، التقدم من دون التفاهم مع المعارضة، ولا الأخيرة قادرة على المبادرة لأن التزاماتها الإقليمية تفرض عليها فواتير أعلى من قدراتها. المفروض في نهاية المطاف أن يتفاهموا، لا أعرف ماهية نظرة كل طرف إلى موازين القوى الموجودة، لكن ما يعنينا من كل هذا المشهد بعض الملاحظات الأساسية: الملاحظة الأولى هي الحرص الإيراني-السعودي على عدم قيام فتنة سنية-شيعية، هذا الشيء يعني أن كل تهديدات حزب الله والفريق المعارض بقيام حرب أهلية وتقسيم لبنان وحكومة ثانية وغيرها من الطروحات ستسقط تلقائياً لأن أي دخول في حرب أهلية وحكومتين أو رئيسين يعني انفجار الصدام السني-الشيعي. الملاحظة الأخرى المهمة هي الضغط العربي والدولي القائم بغية اتمام الاستحقاق الرئاسي في موعده، وهذا الضغط يترجم أيضاً بالضغط على سوريا وليس فقط على المعارضة اللبنانية، وسوريا موجودة اليوم في وضع شبيه بما كانت عليه عشية صدور القرار 1559 عندما كان الضغط الدولي يدفع للحؤول دون التمديد، إلا أن عدم إلتفات دمشق إلى هذا الضغط أدى إلى صدور القرار 1559 الذي أعتبره البعض نوع من عقوبة قسوى على سوريا. الفارق بين اليوم والأمس هو أن سوريا تعتبر نفسها ربحت الحرب على الأميركيين في المنطقة وخصوصاً في العراق، وبالتالي هي من يجب أن تحصِّل فواتير المرحلة لا الأميركيين، في الوقت الذي يبدو فيه جورج بوش غير مقتنع لا في الحوار ولا التعاون مع سوريا، وحتى رافض الإقرار بأي انتصار سوري-إيراني إنما على العكس يعتبر أن استمرار المواجهة في العراق بدأ يحقق للأميركيين نقاطاً إضافية، مع الإصرار على رفض إعطاء أي دور لسوريا في لبنان في المرحلة المقبلة، وبالتالي قد تترجم هذه المواجهة بقرار جديد يصدر عن مجلس الأمن في حال لم يحصل الاستحاق في موعده، وسيكون وقع هذا القرار شديداً على البلد وعلى سوريا، والمذكرات المرسلة من قبل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والتي تدور حول دور سوريا في المرحلة الحالية وعلاقتها بفتح الإسلام هي تمهيد لصدور هكذا قرار، وستكون كل أوروبا هذه المرة معنية بالقرار الجديد بخلاف ما حصل مع القرار 1559.

 

ما العوائق التي تحول دون لجوء الأكثرية إلى الانتخاب بالنصف زائداً واحداً ضمن المهلة الدستورية؟

 

العوائق ناتجة عن ضعف ممارسة الأكثرية للسلطة وغياب النظرة الجامعة لديها في ظل غياب رأس سياسي واحد، فهي أكثرية برؤوس متعددة ومحرومة عملياً من القيادة، لأن الرؤوس المتعددة لا تشكل قيادة، أما التصدع الذي أصاب الأكثرية فهو على مستويين، التصدع الأول يتعلق في خسارتها موقف بكركي، باعتبار أن الأخيرة أيدت نصاب الثلثين تأييداً سياسياً، لأن نصاب الثلثين هو نصاب سياسي، لا قانوني، مما يعني إفقاد الأكثرية أحد عناصر تماسكها، إضافة إلى أن بكركي قالت بوضوح أنها تريد رئيساً على مسافة واحدة من الطرفين، أي أنها استثنت سلفاً أي مرشح من الأكثرية، والتصدع الثاني مرده إلى إعلان عدة أشخاص وكتل داخل الأكثرية رفضهم المشاركة في الانتخاب بالنصف زائداً واحداً من دون أن يقدموا البديل وكأنهم موافقين على مبدأ تعطيل الجلسة. كما أن الأكثرية لم تقم، لغاية اليوم، في معالجة تصدعاتها وفي تقديم رؤية متماسكة للمرحلة القادمة، وبالتالي يبقى أمامها حوالي الشهر من أجل تحقيق تماسكها لانتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً يحصل على تأييد دولي ويتمكن من تأدية مهمته. لا أستبعد هذا الاحتمال، لكن ضعف هذه الأكثرية يجعلنا نقتنع بأنها لن تبادر إلى انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً.

 

ولكن النداء الثامن لمجلس المطارنة أخرج موضوع النصاب من السجال السياسي معتبراً مقاطعة جلسة الانتخاب هو خيانة للوطن؟

 

الموقف الأساسي لبكركي هو نصاب الثلثين وهذا الموقف أثر سلباً على الأكثرية التي لم ترد عليه بوضوح بأنه لا يوجد شيء اسمه نصاب الثلثين، لأنه إذا أردنا العودة إلى تقاليد الجلسات النيابية، التقليد هو حضور جميع النواب، لا نصاب الثلثين، المعارضة تقول أن كل السوابق تقول بنصاب الثلثين، هذا غير صحيح، السوابق كلها تقول بحضور الجميع ضمن الموعد الدستوري. كان يجب على بكركي أن تركز على هذه النقطة دون الحديث بنصاب الثلثين الذي أعطى المعارضة نقطة قوة كبيرة تجاه الأكثرية وحرمها من فرصة منع المعارضة من التعطيل في حال إصرارها على التعطيل.

 

ماذا تقول عن صيغة الانتخاب بمن حضر؟

 

لا يوجد شيء اسمه انتخاب بمن حضر، يجب أن تتوافر للانتخاب جلسة قانونية، أي أن يكون حاضراً فيها 65 نائباً. ما يظهر لغاية اليوم يؤشر إلى عدم قدرة الأكثرية على الانتخاب بالنصف زائداً واحداً، إنما لا يمكن الحكم على التطورات المقبلة، خصوصاً أن المعارضة لم تقدم بعد تصورها لموضوع التوافق، إذ ما تزال كلمة التوافق بالنسبة إليها كلمة كيدية تعني شطب مرشحي 14 آذار، فهي تقول بأي مرشح خارج مرشحي 14 آذار، ولكن ليس أكيداً أنها ستوافق على أي اسم إذا ما عرض عليها أسماء من خارج 14 آذار. لدى المعارضة استراتيجيتها الواضحة في هذا الموضوع والقائمة على شل الأكثرية من خلال استبعاد مرشحيها في المرحلة الأولى، وعندما توافق الأكثرية على هذا الاستبعاد، تنتقل المعارضة في المرحلة الثانية إلى وضع الشروط الواحد تلو الآخر. لا يمكن أن توافق الأكثرية، من البداية، على نصاب الثلثين واستبعاد مرشحيها لأنها ستفقد عناصر قوتها ولن يبقى لديها شيء من هذا الاستحقاق. المفاوضات التي سنشهدها هذا الشهر ستكون ذات طبيعة حساسة، المعارضة كانت تشترط لبدء الحوار موافقة الأكثرية على نصاب الثلثين، نجحت الأخيرة في الدخول إلى الحوار من دون الإقرار بالثلثين، ولكن هذا لا يكفي، يتوقف عليها أيضا معالجة موقف بكركي بطريقة مختلفة عما يحصل اليوم، والتعويض عن التصدع الذي تشهده يكون بإعطاء دور أكبر لبكركي في قرار الأكثرية، إذ يكفي في هذا المجال ترجمة ما قاله سعد الحريري بأنه وراء بكركي.

 

لا يبدو أن بكركي في وارد العودة عن قرارها برفض الدخول في لعبة التسميات؟

 

لسنا بصدد مطالبة بكركي بالتسمية إنما حثها وحث الأكثرية النيابية على المحافظة على شيء أساسي اسمه مبدأ الانتخاب. من الواضح أن المعارضة تستدرج الأكثرية للاتفاق على اسم محدد، والاتفاق على اسم يعني عملياً تعيين الرئيس، ومجرد تعيين الرئيس هو استهداف مباشر لسيادة لبنان واستقلاله، لأن الرئيس المعين لا يمكن أن يكون رئيس السيادة والاستقلال، إنما رئيس يعمل ضمن ضوابط الذين عينوه، ورد الأكثرية على مبدأ التوافق هو في إصرارها على أن يبقى الانتخاب قائماً لأن التوافق لا يعني إلغاء الانتخاب، وهنا دور بكركي مهما لأنه ليس من الضروري أن تسمي شخصاً، إنما أكثر من شخص، بمعنى لائحة تضم مجموعة أسماء يصار إلى انتخاب واحداً منها، فنكون بذلك حافظنا على مبدأ الانتخاب وتوصلنا إلى اتمام هذا الاستحقاق توافقياً.

 

ماذا لو رفضت بكركي؟

 

تتحمل مسؤولية قرارها، الشرعية السياسية للقوى السياسية المسيحية ضعيفة لدى الطرفين، بالرغم من أن عون يقول أنه يتمتع بشعبية واسعة لكن هذه الشعبية قائمة على ردة فعل على موجة طائفية، أي موجة طائفية في مواجهة موجة طائفية، ولا يمكن الاعتداد بهذه الشرعية لأنها غير ثابتة، كما لا يمكن الرهان أن باستطاعة من يملك شرعية مماثلة الحصول على دور وطني. أما لجهة مسيحيي 14 أذار فهناك قسم كبير من المسيحيين يميل إلى اعتبار تحالفهم مع السنة تم ويتم على حساب مصالح المسيحيين، هذا الانطباع المكون عندهم، وبالتالي لا يمكن إنتاج تسوية في ظل ضعف الشرعيتين المسيحيتين التمثيليتين. إذا أرادت بكركي المحافظة على الرئاسة والحؤول دون خروجها من يد المسيحيين عليها اتخاذ المبادرة، ولا مناص من أن يعقد البطريرك ومجلس المطارنة جلسة يخلصون بنتيجتها إلى إصدار لائحة توافقية يتم انتخاب شخصاً منها في المجلس النيابي.

 

هل تدعو البطريرك إذا إلى إعادة النظر في موقفه السابق؟

 

طبعا، لأنه إذا اتكلنا على الأطراف الموجودة قد تضيع الرئاسة ويضيع معها وجه لبنان، لأنه إذا ضاعت الرئاسة المسيحية يضيع معها لبنان. لا يمكن للبطريرك بعد هذا العمل السياسي المكثف في حماية لبنان طوال 22 عاماً في سدة البطريركية أن يضيع هذا الشيء في حسابات خاطئة وفي مرحلة مفصلية من تاريخ الوطن.

 

هل تتوقع تبلور دينامية معينة عن لقاءي بكركي؟

 

يجب التركيز، لا سيما من قبل المطارنة الذي يؤدون أدواراً في الكواليس، على أخذ تفويض من الطرفين المسيحيين لمصلحة البطريرك، خصوصاً أن الحريري قال سابقاً أنه يقف وراء البطريرك ونبيه بري كذلك الأمر، فإذا كان كل من الطرف السني والشيعي قررا الوقوف وراء البطريرك فما مبرر القوى المسيحية في عدم الوقوف أيضاً وراء البطريرك؟ يجب أن تحصل البطريركية على تفويض وعبر هذا التفويض تضع لائحة من مجموعة أسماء يصار بعدها إلى انتخاب شخص من هذه اللائحة.

 

إذا سلمنا جدلاً أن الأكثرية وافقت على مبدأ التفويض هل المعارضة في هذا الوارد؟

 

الجزء المهم من الانتخابات الرئاسة هو أن تبقى للمسيحيين، لا يمكن أن نقول مجد لبنان أعطي له ولكن التسمية الرئاسية هي لغيره، عليه أن يكون عنصراً فاعلاً في الرئاسة.

 

هل العماد ميشال عون هو مرشح المعارضة؟

 

كلا ليس مرشح المعارضة، لم يكن كذلك بالأمس، وهو ليس مرشحهاً اليوم ولن يكون في المستقبل، لم يعلن السيد حسن نصرالله هذا الشيء ولا نبيه بري.

 

على ماذا يتكل إذاً؟

 

تنطلق القوى السياسية الدولية عموماً والأميركية خصوصاً من اعتبار أساسي أن ميشال عون وتياره فقدوا كلياً استقلاليتهم السياسية وباتوا جزءاً لا يتجزأ من سياسة المحور الإيراني-السوري، ولم يلمس اللبنانيون، منذ شباط 2006 حتى اليوم، أي مبادرة مستقلة للتيار العوني، حتى عندما شعر العماد عون مؤخراً أن بري يسير باتجاه إنضاج توافق على اسم غيره، قرر طرح مبادرة حوارية بموازاة مبادرة بري، والبعض تفاءل فيها رغم أنها جاءت متأخرة، ولكنه عاد وتراجع عنها حيث لم يقابل سعد الحريري عازياً السبب إلى بعض الشكليات، وعدل عن لقاء جنبلاط، وهنا يوجد سؤال كبير يتعلق باستقلالية التيار العوني، هل هذا التيار لا يزال مستقلاً في مواقفه السياسية، وهل هو قادراً على اتخاذ مبادرات مستقلة عن الآخرين؟

 

من هو مرشح حزب الله الفعلي؟

 

يتأرجح حزب الله بين موقفين، الموقف الأول عبر عنه من خلال مبادرة رئيس مجلس النواب والقائم على معادلة إعطاء الثلث المعطل إلى سوريا، أي عدم حصر الثلث المعطل فقط في موضوع الرئاسة إنما ضرورة أن ينسحب على كل القرارات التي تمتد للسنوات الستة القادمة. هذا موقف الحد الأقصى للمعارضة وهو أن تحصل سوريا على الثلث المعطل، وهذا كان الهدف من وراء مبادرة بري. هناك بحث اليوم عن رئيس غير معاد لسوريا، فإذا انخفض مطلب المعارضة من رئيس تملك فيه سوريا الثلث المعطل إلى رئيس غير معاد لها يصبح الحل ممكناً، أما العكس فيعني أن الأمور ستأخذ اتجاه التعقيد، وأتوقع، عندذاك، ألا تحصل الانتخابات الرئاسية في موعدها.

 

هل من اتفاق بين بري ونصرالله على مرشح واحد؟

 

الاتفاق بين بري ونصرالله ليس أمراً مهماً، المهم هو الحوار القائم بين المجتمع الدولي وسوريا حول لبنان، حيث ترفض الأخيرة بأي شكل من الأشكال مبدأ ألا يكون لها دور في لبنان. وجهة النظر السورية بسيطة وهي أن الأميركيين حظروا عليها الحوار حول العراق مدة أربع سنوات، واليوم، وفق منطقها، اضطروا صاغرين إلى محاورتها حول العراق، وفي المنطق ذاته، ترفض الولايات المتحدة منذ القرار 1559 الحوار مع سوريا حول لبنان، ولكن بالنتيجة سيضطرون مع الوقت، وفق النظرة السورية ذاتها، إلى الحوار معها حول لبنان، وخصوصاً بعد خروج جورج بوش من البيت الأبيض. لذلك، رهان المعارضة هو على تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى ربيع 2009 حيث هناك قناعة لديها أن الرئيس الأميركي الجديد سيحاور سوريا حول لبنان كما حاورها بوش حول العراق، هذا ملخص وجهة النظر السورية. نحن، كمواطنين لبنانيين، نقول أنه طالما كل من إيران وسوريا تريدان الحوار مع الولايات المتحدة، لا يستلزم هذا الشيء مطلقاً أن تضحي المعارضة بلبنان أو تجره إلى حرب أهلية أو تهدم مؤسساته أو تلغي الرئاسة المسيحية فيه، من غير المقبول أن يدفع لبنان الثمن المطلوب لفتح حوار سوري-أميركي أو إيراني-أميركي، لدى إيران نقاط عديدة ممكن أن تقدمها إلى الولايات المتحدة، وسوريا أيضا، نريد من هذه المعارضة ألا تكرر خطأ الفلسطينيين الذين ضحوا بلبنان لسراب دولة فلسطينية، ومن ثم اكتشفوا حجم الخسارة عليهم وعلى العرب وعلى لبنان. لا يجوز مطلقاً إعادة التضحية بلبنان بغية الوصول إلى حوار سوري-إيرني مع أميركا يمكن الوصول إليه بحكمة وعقل ومن دون التضحية بلبنان. الحوار السوري-الأميركي والإيراني-الأميركي لديه مستلزماته التي لا يجب أن تمر عبر تهديم لبنان.

 

هل قرار المعارضة مستقل؟

 

فلنأخذ حزب الله وهو الطرف الأساسي في المعارضة لأن الأطراف الآخرين داخلها يفتقدون إلى الاسقلالية اللازمة، لا يمكن لحسن نصرالله أن يكون اسماعيل هنية، فهو يقدم نفسه داخلياً على أنه يمثل مصالح الطائفة الشيعية التي لا يمكن تشبيهها بحماس لأن الأخيرة منظمة بينما الأولى هي طائفة، فإذا كان يريد تمثيل مصالحها، فمصالح الطائفة الشيعية مرتبطة بالدولة، وبالتالي لا يمكنه القول بأنه يمثل مصالح هذه الطائفة ويريد في الوقت نفسه إحداث فراغ في الرئاسة وتهديم الدولة وأخذ البلد إلى حرب أهلية، هذا أمر غير وارد. النقطة الثانية هي أن أي دخول لحزب الله مباشرة أو مداورة في حرب أهلية أو فتن داخلية سينهي عمل المقاومة، وإنهاء المقاومة بهذا الشكل هو جريمة كبرى. النقطة الثالثة أي دخول في حكومتين أو رئيسين أو حرب أهلية سيستتبعه رد فعل دولي يعتبر التعاطي مع الحكومة التي فيها حزب الله مداناً ومتهماً بالإرهاب وسيكون مقاطعاً وملاحقاً، ولا أعتقد أن التيار العوني يستطيع تحمل أنه ملاحق دولياً بالإرهاب وفي زعزعة استقرار لبنان، ولا يمكن لحزب الله نفسه تحمل انهيار الدولة اللبنانية وعدم تأمين الكهرباء والمياه ورواتب الموظفين والخدمات الأساسية. أريد تذكير حزب الله وخصوصاً الرئيس بري الذي قال منذ فترة بشكل فيه كثير من السذاجة واستغباء المواطن اللبناني أن الجيش يبقى موحداً وتنقسم قوى الأمن والوزارات. لقد عايش بري تجربة العام 1988من دون أن يدرك الفارق بين هذه التجربة واليوم، ففي العام 88 لم يكن لبنان مديوناً وكان للدولة وارداتها، والأهم أنها لم تكن تدفع رواتب الموظفين عبر الاستدانة، بينما تستدين الدولة اليوم من أجل دفع رواتب موظفيها، وقد ساهم انهيار العملة بإبقاء الدولة على رجليها لأن المواطن دفع من قوته الشرائية ثمن الحرب الأهلية التي كانت قائمة في ذاك الوقت. ومن ثم عدد الموظفين وحجم الخدمات، حينذاك، كان متوضعاً مقارنة مع ما هو عليه اليوم إذ كان استهلاك لبنان، على سبيل المثال، للكهرباء 600 ميغا بينما اليوم هو ثلاث مرات أكثر، مع ثمن محروقات مضاعف، وحجم الرواتب التي كانت تدفعها الدولة تشكل مجتمعة عشرين في المئة مما تدفعه اليوم. من هنا، يبدو أنه غاب عن بال بري أو عن بال المعارضة أن تجربة الحكومتين غير قابلة للتكرار، عاش لبنان من أيلول العام 1988 حتى تشرين من العام 1989 أي تاريخ إقرار اتفاق الطائف على حكومتين، ولكن لم يكن وضع لبنان المالي ولا وضع الخدمات كما هو راهناً حيث لا تتحمل البلاد انقساماً لمدة 15 يوماً. كل المعارضة هي عبارة عن مجموعة تلعب لعبة الفراغ باستثناء حزب الله الذي يملك قضية، يهم سائر القوى في المعارضة أن يخرب البلد بغية أن يستعيدوا كراسيهم أو المحافظة عليها، ولكن الخسارة الكبرى ستقع على حزب الله لأن خراب البلد يعني نهاية المقاومة ونهاية دور حزب الله، لا فقط على صعيد لبنان إنما على صعيد العالم العربي، لأن ثقافة المقاومة ستتحول عبارة عن عناصر فتنة مذهبية داخل لبنان وعلى صعيد العالم العربي.

 

ألا تعتقد بأن حزب الله لا يريد انهياراً للدولة ولا قياماً لها إنما إبقاء الأوضاع على ما هي عليه من عدم الاستقرار من أجل الاحتفاظ بسلاحه؟

 

لا يملك حزب الله بعد جواباً واضحاً على هذا الموضوع، ولكن لا بد من سؤال الحزب عن كيفية حماية الجنوب إذا ما تم، استجابة لبعض الأصوات في المعارضة، إسقاط القرارات الدولية ومنها 1559 و1701 والطلب من القوة الأوروبية الموجودة في الجنوب العودة إلى بلادها. ما التصور الذي يملكه حزب الله من أجل حماية الجنوب لأن أهل هذه المنطقة ليسوا على استعداد لتكرار التجربة السابقة ولا هم يعيدون إعمار منازلهم اليوم بمساعدات عربية وغير عربية من أجل أن يصار إلى إعادة تهديمها في العام المقبل. لا يملك حزب الله ولا غيره إمكانية حماية الجنوب إلا بالإسراع في تنفيذ القرار 1701 بكل مضامينه ومنها عودة الحزب إلى مبدأ أن يكون سلاحه ضمن مرجعية الدولة اللبنانية، لأنه لا يوجد سلاح خارج مرجعية الدولة اللبنانية، هذا الأمر أساسي والحزب مطالب أيضاً بالمشاركة في بناء الدولة اللبنانية وتعزيز مؤسساتها. قد يكون شعر حزب الله في الفترة السابقة بأن قوته نابعة من ضعف الدولة اللبنانية، ولكن الدولة الضعيفة تشكل خطراً على الجنوب، ولا مجال للعودة إلى نظرية الدولة الضعيفة بعدما أثبتت التجربة خلال 18 سنة من إقرار وثيقة الوفاق الوطني أن التطبيق السيء والفاشل والانتقائي لاتفاق الطائف أنتج دولة ضعيفة استفادت المحاور الإقليمية من ضعفها، ولكن تداعياتها كانت كارثية على لبنان من الارتفاع في معدلات الهجرة إلى مزيد من الانهيارات على المستوى الاقتصادي وتفكك في النسيج الاجتماعي وكل انتخابات هي عبارة عن مواجهات طائفية ومذهبية بعيداً من أي شعور بالوطنية. نشعر، بعد 18 عاماً على الطائف، أنه لا يوجد نواة وطنية حقيقية لإعادة التأسيس عليها، وهذا ليس من مصلحة أحد. لذلك، الدولة القوية هي الأساس، ومن دون قوة الدولة لا إمكانية لا لاستمرار المقاومة ولا لبقاء الجنوب خارج الاحتلال.

 

هل حزب الله في وارد تسليم سلاحه واستطراداً هلى هذا السلاح محلي أم إقليمي؟

 

يحمل حزب الله في جسمه ثلاثة أوجه، الوجه الإيراني كجزء من الثورة الإيرانية أو جزء من المشروع الإيراني الذي يتحدث عن الشرق الأوسط الإسلامي مقابل الشرق الأوسط الأميركي، والوجه الذي له علاقة بسوريا ودورها الإقليمي باعتباره جزءاً من هذا الدور، والوجه اللبناني على أساس أنه يقدم نفسه كممثل للطائفة الشيعية. يتغلب في كل مرحلة سياسية وجه من هذه الوجوه على الوجه الآخر، ما يهمنا اليوم هو أن يتغلب الوجه اللبناني للحزب في موضوع الرئاسة والقرار 1701 والوضع الاقتصادي على الوجهين الآخرين، لا أحد يريد حرمان حزب الله من وجهه ودوره في السياسة الإقليمية السورية ولا من وجهه ودوره في الثورة الإيرانية، إنما نريد تغليب الوجه اللبناني والمصلحة اللبنانية، وهذا يعني أمراً واحداً وأساسياً من دون الدخول في الشق التقني، أن سلاح حزب الله يجب أن يكون من ضمن مرجعية الدولة اللبنانية كما كان هذا السلاح ضمن مرجعية الدولة الإيرانية والدولة السورية وبالتالي يجب أن يعود اليوم إلى مرجعية الدولة اللبنانية.

 

إلى ماذا تعزو التناقض في مواقف حزب الله من تقديم النائب محمد رعد البرنامج على الشخص إلى تقديم السيد حسن نصرالله مواصفات الشخص على البرنامج؟

 

لا يوجد لدى حزب الله، على غرار سائر الأحزاب، وجهة نظر واحدة وأحادية إنما وجهات نظر متعددة ومتدرجة، وقد عبر الشيخ نعيم قاسم بوضوح عن إحداها بأن الأرجحية في الرئاسة اليوم هي للموقف الأميركي، والمطلوب من هذا الموقف الأميركي الأرجحي مراعاة، عبر ممثليه اللبنانيين، الطرف الآخر ومصالحه والمقصود بذلك الحفاظ على المقاومة، فيأتيه الرد مباشرة من "الطرف الآخر" بأن لا مشكلة عنده في الحفاظ على المقاومة ولكن من ضمن ضوابط معينة. فهل يقبل حزب الله بالضوابط أو بالحوار حول هذه الضوابط؟ لا يريد الحزب الدخول اليوم في هذا الحوار حول السلاح كونه يحرجه داخلياً وخارجياً، فيعمد إلى اللجوء إلى صيغة غامضة اسمها الثلث المعطل. لا أعلم إذا ما كان هنالك متسعاً من الوقت أمام مرشحي 14 آذار للدخول في حوار مع حزب الله بغية الوصول إلى حل معه، ولكن من ضمن الحلول المقترحة ما عرضه نسيب لحود لجهة الاتيان برئيس من 14 آذار مقابل الثلث المعطل لحزب الله في الحكومة، كأنه يعرف جيداً ماذا يريدون، ولكن يبدو ألا ثقة لديهم بهذا العرض ولا يريدون أيضاً الحوار حول هذا الموضوع مما جعلهم يتخلون عن الحوار لمصلحة بري. هناك موقف آخر للمعارضة يتمثل برفض انتخاب أي شخص من 14 آذار، وهذه نكايات في غير محلها، لا يجوز في أي لحظة اعتبار نسيب لحود وبطرس حرب اللذين عملا في المجلس النيابي وخارجه كلاعبين سياسيين وفي مرحلة كانت السيطرة فيها لحزب الله نفسه، معادين للحزب وللمقاومة، وأرفض أيضاً أن يقول أي مسؤول من حزب الله أن نسيب لحود أو بطرس حرب هما مرشحا المشروع الأميركي، هذا غير صحيح، أنصح حزب الله دائماً بعدم النظر إلى الآخرين فقط من خلال مواجهة المشروع الأميركي، لأن ما ينطبق عليه لناحية أوجهه المتعددة ينسحب أيضا على لحود وحرب ولكن الوجه اللبناني هو الغالب دائماً لديهما. لا أحد يريد اختبار نسسيب لحود أو بطرس حرب لأنهما مختبران من الطائف إلى اليوم، ومواقفهما السياسية معروفة وتاريخهما مشهود عليه، والسؤال الموجه إلى حزب الله في هذا المجال ما مدى ثقته بميشال عون الذي انتقل من ضفة إلى أخرى بأشهر عدة، وما الضمانات التي بحوزتهم بألا ينتقل مجدداً إلى الضفة الأخرى بعد فترة وجيزة، كيف نجعل من بطرس حرب ونسيب لحود شياطين الامبريالية الأميركية ونقبل بملاك اسمه ميشال عون كان بالأمس في الكونغرس الأميركي يعمل على فرض عقوبات على سوريا ومحاصرة المشروع السوري-الإيراني؟ يجب التخلص من عقلية تحويل الآخرين إلى شياطين وإلا لا يمكن الوصول إلى نتيجة.

 

عاد الحديث مجدداً عن صيغة الحكومتين؟

 

المعارضة تقول بأنها تريد تشكيل حكومة ثانية، أي خطوة من هذا النوع، حكومة ثانية رئاسة ثانية حرب أهلية، ستشكل مقتلاً لحزب الله، لا فقط على مستوى الضغوطات الدولية، لأن هناك قرارات جديدة سوف تصدر عن مجلس الأمن تدين حزب الله وسوريا، وموقف أوروبي جديد قد يضع حزب الله على لائحة المنظمات الإرهابية إلى جانب الآثار الداخلية التي ستترتب على هكذا خطوة لناحية عجزه عن تأمين رواتب للموظفين والمحروقات للكهرباء والمياه للناس، مما سيدخل حزب الله إلى مكان يدفع فيه الفواتير من رصيده ومصداقيته بينما الآخرين لن يخسروا شيء.

 

هل تقصد بأن هناك مصلحة لحزب الله بالدخول في تسوية رئاسية؟

 

هناك مصلحة لحزب الله في القبول بتسوية بالحد الأدنى بدلاً من أن يخسر المقاومة ويتحول إلى ميليشيا ضمن الفتنة الداخلية.

 

هل التسوية بالحد الأدنى تعني إيصال رئيساً توافقياً يعمل على إدارة الأزمة بدلاً من المساهمة في حلها؟

 

 

لا يبدو أن الضغط الإقليمي والدولي سينتج حلاً، الرهان الإيراني-السوري كان على فشل خطة بوش التي اسماها الاندفاعة أي زيادة القوات، مما كان سيجبر الأميركيين على محاورة السوريين والإيرانيين على المنطقة لا على العراق أو على ملف واحد إنما على مجمل الملفات، إلا أن الرئيس بوش قال أنهم حققوا تقدماً كبيراً في العراق وأن التعامل مع الولايات المتحدة على أساس أن مشروعها انهزم في غير محله. ما زال المحور السوري-الإيراني في المواجهة مع المحور الأميركي ومآل هذه المواجهة سيكون بالحوار لأنه لا يمكن أن يكون خلاف ذلك، كل طرف يحاول تحسين موقفه وشروطه في هذا الحوار الذي يرتبط به الوضع اللبناني لناحية النتائج التي سيؤول إليها. لذلك، نحن باتجاه رئيس إدارة أزمة، وتتحمل 14 آذار في هذا المجال مسؤولية أساسية بما أنها أكثرية نيابية بغية أن تنتخب رئيساً قادراً على تغيير المعادلات، لا أن يكون أثيرا لتلك المعادلات. يتوقف على 14 آذار مدى قدرتها في القيام بانتفاضة ضمن الانتفاضة في الملف الرئاسي، وإذا لم تقم بها سوف تتجه تدريجاً، كحركة وظاهرة، نحو التفكك والانهيار.

 

ماذا تقصد بانتفاضة داخل الانتفاضة؟

 

يجب على 14 آذار أن تجدد نفسها كخطاب سياسي وقدرة قيادية، وتجدد نفسها أيضاً في النظر إلى علاقتها مع الدولة والآخرين، التجربة الماضية كانت تجربة ضعف وتراجع وليس تجربة قدرة على تسويق مشروع، وحتى المحكمة الدولية التي كان يجب أن تخرج بإجماع اللبنانيين لم ينجحوا في تمريرها إلا من خلال مجلس الأمن بالرغم من أن هذا الموقف يسجل ضد حزب الله الذي لم يراع الوفاق الوطني ولا العيش المشترك ولكن بالنتيجة يسجل نقطة ضعف في القدرة الحوارية لدى 14 آذار.

 

هل يمكن أن يفضي الحوار المتجدد بين بري والحريري إلى نتائج إيجابية؟

 

فكرة بري عن التواق هي استبعاد مرشحي 14 آذار، هل صار الحريري جاهزاً لاستبعاد مرشحي 14 آذار؟ أضع علامة استفهام كبرى حول هذه النقطة، ولا يستطيع الحريري اتخاذ هكذا قرار منفرداً، تقول بكركي بأنها تريد مرشحين على مسافة متساوية من الطرفين، لماذا لا تفوض 14 آذار أمرها إلى بكركي وتتحمل هي المسؤولية، ما هو أفضل لـ14 آذار ومن أجل تماسكها أيضاً.

 

ما صحة الكلام عن المثالثة التي تم نفيها لبنانياً أو عن النية لتعديل الدستور اللبناني؟

 

كل استراتيجية حزب الله وبري من اغتيال جبران تويني إلى اليوم تقوم على مبدأ إعطاء الطائفة الشيعية حق الفيتو، ما هو مخالف للطائف والدستور، ولكن هذه هي استراتيجيتهم السياسية. لقد تم طرح هذا الموضوع من قبل الإيرانيين مع الفرنسيين، بالرغم من النفي الذي حصل لاحقاً، على خلفية تحسين موقع الطائفة الشيعية ضمن الصيغة اللبنانية، وأعاد وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في أول زيارة له إلى لبنان الكلام عن الطائفة الشيعية بأن لديها معاناة معينة ويجب تحسين وضعها ضمن المعادلة، إذا تم جمع هذه العوامل يظهر أن داخل الطائفة الشيعية هناك اتجاه يقول أنهم في حال لم يحصلوا على حق الفيتو في النظام يريدون الوصول إلى شيء قريب منه، وقد تكلم بعض أطراف من حزب الله بوضوح في وسائل الإعلام عن موضوع المثالثة، مما يعني في حال الذهاب نحو تسوية داخلية جديدة سيطرح، بدلاً من اتفاق الطائف، مجلس رئاسي ولن تطرح رئاسة واحدة خصوصاً بعدما شكل الطائف البداية في خلق سلطة تنفيذية جماعية لم تعد مركزة بشخص واحد على غرار ما كانت عليه في السابق. هناك تيار شيعي مؤيد للطائف ويرفض "تكبير الحجر" لأن خسارة الطائف تودي بلبنان نحو المجهول، إنما التيار الحالي الذي يجسد الواجهة داخل الطائفة الشيعية يبحث عن حق الفيتو على النظام وهذا سيوصل البلاد إلى شيء جديد غير الطائف.

 

هل الرهان على تمايز بري عن حزب الله في مكانه؟

 

هذا أمر غير ممكن وغير وارد على الإطلاق، لا يملك بري أي ذرة من الاستقلالية، يربط دوره ونجاحه بالاتفاق السعودي-السوري، ولكن ما الحاجة إلى دوره في هذه الحال. ليس لدى بري، منذ انتخابات العام 2005 والانسحاب السوري من لبنان، أي استقلالية ولو بنسبة واحد في المئة عن حزب الله.

 

هل الثنائية أو الآحادية الشيعية هي قدر حتمي لدى الشيعة ولا إمكانية لبروز وقيام خط ثالث؟

 

هناك خط ثاني وثالث ورابع، الساحة الشيعية معروفة بتنوعها ولا أحد بإمكانه احتكار التمثيل الشيعي لكن يجب التوقف في هذا المجال عند أمرين أساسيين، الأمر الأول يتعلق بطابع المعركة وهو إقليمي أكثر مما هو محلي أو داخلي، وبالتالي القوى التي لديها ارتباطات إقليمية هي التي تحوز على الأهمية، والأمر الآخر هو أن التمويل في لبنان والذي يأتي من الخارج بمئات الملايين لكل الفئات اللبنانية يتم التعاطي معه وكأنه أمر طبيعي، وهذا أمر غير مقبول في جميع دول العالم، بينما في لبنان بات كأنه عرف، حيث أن باستطاعة حزب الله توزيع 380 مليون دولاراً على المواطنين، لم تعد السياسة عملياً سياسة محلية. لذلك، إمكانية بروز تيارات محلية في ظل التجاذب الإقليمي المرتفع وحيث التمويل الإقليمي مرتفع ضئيلة، ولكن سيتراجع العامل الإقليمي، مع الوقت، وستعود للتيارات المحلية أهميتها ودورها.

 

ثبت أن إنقاذ لبنان أمر غير ممكن من دون تحييده هل التحييد أمراً ممكناً؟

 

يتوقف هذا الأمر حول المقصود بالتحييد لأن التحييد عن الصراع العربي-الإسرائيلي مستحيل، نحن على الحدود مع إسرائيل وهي تخرق حدودنا ولا بد من الرد عليها، لكن الخطر الدائم على لبنان ناتج من استعماله في مشاريع هي نفسها غير مضمونة، لماذا عبد الناصر على سبيل المثال لم يطالب بوحدة مع لبنان ولم يستعمله في مشاريعه العربية ولم يدخله في صراعاته حتى مع سوريا، لقد حصل بعض التشنجات ولكن القرار الأساسي لدى عبد الناصر كان عدم إدخال لبنان بالتوترات العربية، ومعروف أنه كان يمثل محوراً عربياً في مواجهة محور آخر، لماذا المنظمات الفلسطينية التي تشكل في معظمها امتدادات لسياسات عربية ضحت بلبنان بالشكل المعروف؟ والمسؤولية لا تقع عليها فقط إنما أيضا على اللبنانيين الذين لم يقوموا بالحد الأدنى المطلوب من أجل حماية دولتهم. هل من الضروري اليوم، إذا كان المشروع الإيراني يشهد نهضة معينة، والرئيس الإيراني أحمدي نجاد يريد إزالة إسرائيل عن الخريطة، أن يزيل لبنان قبلها؟ ارتفاع الموجة الإيرانية، بمعزل عن مضمون هذا الارتفاع، لا يعني إلغاء لبنان عن الخريطة ولا التضحية به من أجل أفق غر واضح، إذا كان المطلوب تقوية النفوذ الإيراني في المنطقة لا أحد على استعداد للتضحية بلبنان من أجل تقوية النفوذ الإيراني في المنطقة، أما إذا كان المطلوب تضحية من اللبنانيين من أجل أن يدفعوا باتجاه تحسين الشروط العربية في المفاوضات لا مانع من ذلك، ولكن التضحية يجب أن تكون مشتركة من اللبنانيين وبموافقتهم، أما أن يصبح دور لبنان فقط دعم مشروع أفقه غامض ونفوذ إقليمي لدولة في مواجهة دول أخرى هذا أمر مرفوض ومدان، ويجب على اللبنانيين أن يكونوا، في الحد الأدنى، اتعظوا من تجربتهم الماضية، الولاء للوطن أهم من المشروع السياسي مهما كان نوع هذا المشروع السياسي، ولكن، ويا للأسف، يتبين يوماً بعد يوم أن ولاء بعض الأطراف السياسيين اللبنانيين هو للمشاريع السياسية وليس للوطن إلى درجة أنه يمكن تفكيك الوطن خدمة للمشروع السياسي وهذا أمر خطر جداً. إذا قرر حزب الله تفكيك لبنان خدمة لمشروعه السياسي سيخسر مشروعه السياسي ويخسر لبنان معه، أما إذا وافق على الحد الأدنى من الشروط لقاء المحافظة على لبنان، سيحافظ لبنان بالمقابل، فيما بعد، على حزب الله والمقاومة.

 

ما خارطة الطريق الواجب اعتمادها بغية أن تشكل محطة الاستحقاق الرئاسي محطة خلاصية لا تفجيرية؟

 

المبدأ هو الدخول في حوار حقيقي بين الطرفين، ما حصل في مؤتمر الحوار في المجلس النيابي في العام 2006 كان عبارة عن همروجة تبعه تشاور كناية عن همروجة مماثلة، ومعلوم أن كل ما قام به رئيس المجلس النيابي كان نوع من همروجات الهدف منها شل الأكثرية ومنعها من ممارسة دورها. تستطيع الرئاسة الجديدة أن تلعب دوراً مهماً بإعادة الجميع إلى الرشد السياسي والعقل الدستوري لأن مختلف القوى السياسية اليوم لا تحتكم إلى الدستور ولا إلى المؤسسات، الاعتصام هو دليل الاحتكام إلى الشارع لا إلى الدستور ولا إلى المؤسسات، حتى خطاب السيد نصرالله، ماذا تعني المطالبة بالاستفتاء وانتخاب رئيس من الشعب إلا رفض الاحتكام إلى الدستور والذهاب إلى الشارع، لا يمكننا السير بهكذا سياسات، أي سياسة الاحتكام إلى الشارع، يجب إيصال رئيس يفرض على الطرفين الاحتكام إلى الدستور وفقاً لمنطق الدستور، لا لمنطقهم الخاص، فإذا وصل رئيس بهذه القوة يعيد الاعتبار إلى الطائف ويفرض على جميع الأطراف احترام المؤسسات ويحول دون تمكين شخص من التصرف بمؤسسة وكأنها ملك أبيه مثل المجلس النيابي يقفلها لمدة سنة كاملة وكأنها وقف للطائفة الشيعية، لا مؤسسة دستورية، هذا أمر غير جائز. يجب إيصال رئيس لديه القوة من أجل أن يفرض المنطق الدستوري، هذه أهمية الرئاسة، إذا لم يأتينا هكذا رئيس سيكون الطائف مهدداً بالانهيار خصوصاً في ظل مطالبة كل طائفة بحق الفيتو، فنصبح في نظام هجين مولداً للحروب الأهلية بشكل مستمر، لا نظاماً ينتج استقراراً.

 

حاوره: شارل جبور cjabbour@lebanonfiles.com

جميع الحقوق محفوظة ©